منذ بواكير طفولته ... اعتاد أن يدلف صوب أعمامه في القرية المجاورة ، سعياً على قدميه ، أو ممتطياً الحمار ، مردفاً خلف احدهم في قافلة الملاية ، بطريق عودتهم من استسقائهم الماء من النهر . لكنه لاحقاً كان يتيمّمهم راكباً دراجته الهوائية ، التي اشتراها له والده .. فكان يردف اقرانه من ابناء عمومته خلفه على الدراجة حالماً يصلهم ، ليسلك بهم نياسم مشاع البرية للهو والمتعة .
الكل يحيطه بعنايته ، فلم يكن احداً منهم ليناكفه في ركض إلى مرعى ، أو سبق إلى بيدر ، او فصل للحملان قط . لذلك جدّل ضفيرة الوصل معهم ، حتى اعتاد ابن العم المجايل ان يبادره بخلع سترته عليه كلما انهمر المزن بالمطر ، وهم في طريق العودة من المدرسة ، ليمنع عنه البلل ، ويحميه من البرد .
ظلا متلازمين في الدراسة بالمدينة بنفس الفة القرية بل اشد . فكان ابن العم يؤثره على نفسه في كل شيء ، حتى اعتاد في الأركاب ان يفسح له المجال ، ليركب جنب السائق ، في حين يأخذ هو مكانه في مؤخرة الباص ، في كل مرة يروحان فيها الى ثانوية المدينة ، او يؤوبان منها الى القرية في عطلة نهاية الاسبوع .
شاءت الاقدار ان يجتمعا معاً في نفس مؤسسة العمل في حياتهما الوظيفية ، فاستمرا يتواصلان عن قرب ، ويستذكران الماضي الذي عاشوه بصوره الحالمة ، بعاطفة جياشة كلما التقيا .
وما ان بلغا من العمر عتيا ، حتى ألمّت بابن العم امراض نغصت عليه حياته ، بعد ان استعصى على العلاج منها ما ليس بوسع الطب ان يداويه ، فترك امرها الى الله ، بانتظار معجزة لن تحصل .
انها اذن قصة صيرورة حياة اذنت باختتام ، بعد ان تيقن ابن العم ، ان موعد السفر قد حان ، وان عليه ان يستسلم لقدره المحتوم ، فيستعد للرحيل .