التوحيد والشرك
يرى الوهابيون ان جميع المسلمين ـ غيرهم ـ قد فسروا التوحيد تفسيرا خاطئاً، وفهموه فهماً لا ينطبق على الواقع، ولا يخرجه عن حقيقة الشرك، وعملوا بما فهموا.. اذن، جميع المسلمين مشركون، من حيث لا يريدون ولا يشعرون.
فالانسان عندهم لا يصير موحداً بمجرد ان يشهد ويعتقد بلا إله الا الله محمد رسول الله «وبان الله هو الخالق الرازق وحده، لا شريك له، وانه لا يرزق الا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وبان جميع السموات والارض، ومن فيهن، والارضين السبع، ومن فيها، كلهم عبيد، وتحت تصرفه.. كل ذلك لايفيد، ولا يجعل الانسان موحداً ولا مسلماً..
وكما لا تنفع كلمة الشهادة كذلك لا تنفع كثرة العبادة، ولا الايمان بأن محمداً لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرراً، ولا قول الانسان: انا مذنب، والانبياء لهم جاه عند الله، واتوسل بهم اليه تعالى، كي يعفو ويصفح»(1)
كل ذلك، وغير ذلك لا يجعل الانسان موحداً ولا مسلماً إلا ان يترك أموراً معينة.
«ومنها»: ان لا يتوسل الى الله بأحد انبياءه واوليائه، فان فعل، وقال ـ مثلاً ـ: يا الله أتوسل اليك بنبيك محمد ان ترحمني فقد سلك مسلك المشركين، واعتقد ما اعتقدوا. (تظهير الاعتقاد ص36 الطبعة الاولى، والرسائل العملية التسع ص45 وما بعدها طبعة 1957).
«ومنها»: ان لا يقصد قبر النبي للزيارة، ويشد اليه الرحال، وان لا يتمسح به، ولا يمسه، ولا يدعو الله ويصلى لله عنده، ولا يقيم عليه بناء ولا مسجداً، ولا ينذر له. (تطهير الاعتقاد ص30 و41، ونقض المنطق لابن تيمية ص15 طبعة 1951، وفتح المجيد ص239 طبعة 1957، واقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم لابن تيمية ص368 طبعة 1950). وفي صفحة 404 من هذا
____________
(1) رسالة التوحيد، ورسالة هذه اربع قواعد، ورسالة كشف الشبهات لمحمد عبدالوهاب، وفتح المجيد لحفيده، وتطهير الاعتقاد من ادران الالحاد للصنعاني وهو من اصح الكتب واوثقها عند الوهابية، وغير هذه الرسائل والمؤلفات من كتبهم المعتبرة.
الكتاب «وان كان المصلي لا يصلي الا لله، ولا يدعو الا الله» فانه مشرك. «ومنها»: ان لا يطلب الشفاعة من النبي، لان الله، وان اعطاها لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الانبياء، ولكنه نهى عن طلبها منهم(1) ومن طلب الشفاعة من محمد كان كمن طلبها من الأصنام سواء بسواء. (الرسائل العملية التسع ص110، و114). أرأيت الى هذا المنطق من يعظم الرسول لقربه من الله سبحانه كافر مشرك، ومن يساويه بالاصنام التي حطمها الرسول مؤمن موحد؟.
«ومنها»: ان لا يحلف بالنبي، ولا يناديه، ولا ينعته بسيدنا، كأن يقول: بحق محمد، ويا محمد، وسيدنامحمد، بل الحلف بالنبي وغيره من المخلوقات هو الشرك الاكبر الموجب للخلود بالنار، قال حفيد محمد عبدالوهاب في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص414 طبعة 1957: «قال ابن مسعود: «لان احلف بالله كاذباً احب إليّ من ان احلف بغيره صادقاً» لان الحلف بالله كاذباً كبيرة من الكبائر، ولكن الشرك ـ أي الحلف بغير الله ـ اكبر من الكبائر(2) .
____________
(1) يجوز للمسلم ان يقول يا الله شفع في محمدا، ولا يجوز ان يقول: يا محمد اشفع لي عند الله. (من منشور نشره الملك عبدالعزيز سنة 1943).
(2) لم يجزوا الحلف بغير الله، ومع ذلك قالوا: لو حلف الرجل بطلاق زوجته صح، وتطلق الزوجة.. اللهم الا ان يقال: ان النهي في غير العبادة لا يدل على الفساد.
فاذا كان هذا حال الشرك الاصغر فكيف بالشرك الاكبر الموجب للخلود بالنار».
قال السيد الأمين في كتاب «كشف الارتياب» ص127 الطبعة الثانية: «جاء في خلاصة الكلام صفحة 230: كان محمد عبدالوهاب يقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انه طارش، وان بعض اتباع هذا الشيخ كان يقول: عصاي هذه خير من محمد، لانه ينتفع بها في قتل الحية، ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع، وإنما هو طارش ومضى».
هذا هو الكلام الذي يهتز منه العرشن وتتفطر السموات، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هداً.. واذا كانت العصا خيراً من محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلماذا يجب حبه وطاعته، والايمان به؟. ولماذا نكرر الصلوات والتحيات عليه في الصلوات الخمس، ويقرن اسمه باسم الله على المأذن والمنابر، ويحتج بقوله في كل علم وفن؟. وبالتالي، فأي معنى لقوله جل وعز: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه اجراً عظيماً ـ الفتح 10)(1) .
وايضاً أي معنى لقوله تعالى: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) .
«ومنها»: ان لا يتطير ولا يتشاءم. (فتح المجيد ص305 وما بعدها.
«ومنها»: ان لا يعمل عملاً للدنيا كالمدح والثناء. (فتح المجيد ص372 وما بعدها).
ان ترك هذه الأمور، وما اليها يتصل اتصالاً وثيقاً بمفهوم التوحيد، ومن فعلها فهل مشرك يحل دمه وماله وذراريه، سواء أفعلها عن علم بتحريمها، او جهلاً واشتباهاً، لأن فعلها يفضي الى تكذيب الرسول، وان لم يتعمد الفاعل منكراً. (الرسائل العملية التسع ص79). وليس من شك انك قد لاحظت ايها القارىء انهم عدوا عدم زيارة النبي وطلب الشفاعة منه شرطاً في التوحيد، ولم يعدوا قتل النفس المحترمه ولا الزنا ولا أكتناز الذهب من منافيات التوحيد والايمان.
وبعد، فان ما ذكرناه من الشواهد والارقام يعطي الصورة الوافية للفهم الوهابي للتوحيد والاسلام، والنزعة المتعصبة ضد الانسانية، وضد رسالة محمد التي تنظر الى البشرية نظرة حب ورحمة تتسع للقريب والبعيد في كل عصر وجيل.
____________
(1) تعزروا النبي أي تنصرونه، وتوقرونه أي تعظمونه، وتسبحوه بكرة واصيلا أي تذكرونه في تسبيحكم وصلواتكم بالتحيات.