كان يقف هناك ...فارع الطول ..يقف وِقفة شموخ حركت داخلي مشاعر الإعجاب !
كنتُ أنظر إليه من بعيد ..يقف على شاطئ بحر ينظر إلى شمس تغرب !
اقتربتُ منه وقلتُ : ما أجمل الغروب !يعجبني
ابتسم وقال: --------
صمته زاد إعجابي به و إبتسامته المدهشة حيّرتني !
لقد رأيت في عينيه لمعة النجوم ..كل النجوم ! ما سر ُ هذه اللمعة ؟!
أتكون دمعة تُكابر ؟ !
لازلتُ أنظر إلى وجهه الذي علاه الكبرياء ... في كل وجه يبرز الأنف ليعبر عن شموخ صاحبه لكن وجهه كان كله شموخ وعُلُو !
أوه ..تجاعيد وجهه تعجبني فهي تعبر عن صمودٍ أمام الحياة الطويلة ...
تجاعيد وجهه حكت لي حكاية هذا الرجل ..
إنها تقول لي : هذا الرجل عاش أياماً ليست ككل الأيام ...احتمل من الدنيا مالا يُحتمل ...
قهرته الأيام قهراً لو صُبّ على جبال الأرض لتفتت .........!!!
لكنه لا يزال يقف بشموخ!
لقد نحتت الأيام غضبها منه ومن شموخه خطوطاً عميقة في وجهه ...
لقد أفلحت في ذلك لكنها نسيت أنها حين تنحت وجهاً كهذا وتضع آثارها عليه فهي بذلك تحكي قصة شجاعته وصبره للعالم كله .
كانت التجاعيد رائعة أضفت على وجهه جمالاً إلى جماله !
أخبرتُه بذلك فابتسم !
ما بالُ هذا الرجل لا ينطق ! :o
كان ينظر إلى السماء ........
جلستُ أتأمل معه .... كان الليل شديد السواد ...وحين تغيب الشمس يظهر القمر ...كان القمر بدراً تلك الليلة
كم يعجبني البدر ؟! وكم أحب التأمل في السماء في الليلة المقمرة !
لكن ...شدّني شئ آخر هذه الليلة ...إنه الشيب في شعره ولحيته !
كان الشيب فضياً ....حاكى جمال القمر بل كان أجمل !
قلتُ له : الشيب جميل لكن ما سر امتلاء شعرك به ؟ !
تبّسّم !
ونظر إلى السماء بشموخه وكبريائه المعتاد !
ركب سفينة أبحرت ...كنتُ أراقبها من بعيد......
هبت الرياح والعواصف الشديدة .......
يا الله ... إحفظه ..يا الله ...
كنتُ أبكي ..أبكي ..أبكي ......
هاجمه قراصنة البحر ......
يا الله ...إحفظه ... ظللتُ أرددها وأبكي ........
توقعت أن يعود وهو ميت ..أو لا أقل منهك ومحني الظهر ..ومنكس الرأس ودامع العين
لكن :
عاد الرجل بشموخه وكبريائه ...ولمعة عينيه ... ظهره لم ينحني .. ورأسه لا يزال مرفوعاً ..
تعجبتُ فزاد إعجابي .........
ابتسمت وقلتُ له : ما أروعك أيها الرجل ..كم تعجبني !
تبسّم وقال : شكراً ...
فرحتُ حين ردّ عليّ ......
أوه ..ما هذا ؟
كان جسده ينزف دماً ......آثار جروح في كل مكان ..... كان يشد على جراحاته بيديه الجريحتين !
لكنه لم يتأوه !
تعابير وجهه توحي بشدة ألمه .....
لكنه يكابر !
تركته لآتي بضماد ....
ظنّ بأني تركته ورحلت ......!
سألته إن كان يحتاج إلى مساعدة ؟
قال : لا ...
من فعل بك ذلك ؟
هل من دواء لجراحاتك أيها الرجل ؟
نعم ... أريد أبنائي ...اشتقت إليهم ...هذا حضني وإن كان جريحاً لهم جميعا ً
أريد أن أحتضنهم ....... ...وأجمعهم بين ذراعَيّ
لربما خففوا عني ألمي ... وأعادوا إليّ بسمتي !
كان يقول ذلك بنبرة حزينة جداً ....لكنه لا يزال يُكابر ...
نظرتُ إلى عينيه وهو يتكلم ...
عرفت ُ الآن سر لمعة عينيه ...إنها دمعة ألم حبسها الكبرياء !
كان يتألم وكاد يسقط على الأرض .. جئتُ لأسنده ...
تبّسّم وابتعد وقال : لالالا .. فقط تعثرتُ بحجر وكدتُ أسقط ..لا عليكِ!
ووقف لوحده رغم شعوري بألمه وضعفه !
زاد إعجابي به ....
رأى دمعة في عيني وكان يبدو عليّ التأثر لحاله
ابتسم وقال: مابكِ ؟!
ابتسمتُ وقلتُ : لاشئ ...
سألته : مااسمك أيها الرجل ؟
قال بابتسامته الحزينة ..وشموخه وكبريائه : أنا ال ع ر ا ق !
ولِمَ تنطق الحروف مُقطعة ًهكذا ؟!
سيدتي ... حين أعود حضناً دافئاَ وآمناً سأنطق الكلمة كاملة !
انحنيتُ إعجاباً ...ولم ينحنِ هو !