الألباني يتجاهل مذهب الصحابة النافين للرؤية -
* قال في فتاويه ص 143 :
( إن عقيدة رؤية الله لم ترد في السنة فقط حتى تشككوا فيها ، إن هذه العقيدة أيضاً قد جاءت في القرآن الكريم المتواتر روايته عن رسول الله . . . إن قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة .
هي وجوه المؤمنين قطعاً إلى ربها ناظرة . . المعتزلة والشيعة جاءوا بفلسفة ففسروا وجوه إلى ربها ناظرة ، أي إلى نعيم ربها ناظرة . . . وهذه الفلسفة معول هدام للسنة الصحيحة ! ) انتهى .
وقد فات الألباني وأمثاله ، أنه لا يجوز الأخذ ببعض القرآن دون بعضه ، وأنه لا بد أن نأخذ بنظر الإعتبار أيضاً آية ( لا تدركه الأبصار ) وآية ( ليس كمثله شئ ) وبقية الآيات التي تنفي إمكانية رؤيته تعالى ، ثم نجمع بين محكمها ومتشابهها ، ويكفينا هنا القول إن آية ( وجوه يومئذٍ ناضرة ) التي يدعي أنها تعني النظر إلى ذات الله تعالى في الجنة ، إنما تتحدث عن موقف في المحشر قبل دخول الجنة بدليل قوله تعالى : ووجوه يومئذ باسرة ، تظن أن يفعل بها فاقرة . فوجوه المؤمنين مستشرفة إلى ربها تنتظر رحمته وعطاءه ، ووجوه الكفار مكفهرة خائفة من عقابه ، فليس في الآية ما يدل على النظر بالعين إلى ذاته سبحانه وتعالى لا في الجنة ولا قبلها ! !
وفاتهم ثانياً : أنهم إذا جعلوا عدم الأخذ بأحاديث الرؤية هدماً للسنة ، فقد ارتكبوا هم ذلك وهدموا أحاديث عائشة الصحيحة عندهم برواية البخاري ومسلم وغيرهما !
والإنصاف أن آيات نفي الرؤية صريحة محكمة ، ولا يصح معارضتها بظاهر آيات يبدو منها إمكان الرؤية بالعين، بل يجب حمل متشابه القرآن على محكمه ، والحكم بأن ظاهر المتشابه غير مراد .
أما الأحاديث ففيها أحاديث تنفي الرؤية ، وأحاديث أخرى تثبت الرؤية ، وكلها عند إخواننا صحيحة روتها صحاحهم ، وهي متعارضة بنحو لا يمكن الجمع بينها ، فلا بد من ترجيح بعضها وطرح البعض الآخر ، فلا يصح التهويل بأن ذلك من عمل الشيعة والمعتزلة وهو هدم للسنة الشريفة ! لأن كل الذين قالوا برؤية الله تعالى بالعين مثل الألباني وابن باز قد طرحوا أحاديث عائشة ، وكل الذين قالوا بنفي الرؤية واستحالتها طرحوا أحاديث الرؤية، وهذا ليس من هدم السنة في شئ، بل هو باب في أصول الفقه يسمى ( التعادل والترجيح ) ومن أصوله المقررة عند الجميع أنه عندما لا يمكن الجمع بين الأحاديث فلابد من ترجيح المجموعة التي تملك مرجحات على الأخرى .
والترجيح هنا لأحاديث نفي الرؤية كما رأيت ، ونضيف إلى مرجحاتها على غيرها :
أن أحاديث نفي الرؤية موافقة لمحكم القرآن مثل قوله تعالى : لا تدركه الأبصار ، وقوله تعالى : وليس كمثله شئ .
* أنها موافقة للأصل ، فإن الأصل هو عدم الحكم بإمكان رؤية الله تعالى بالعين حتى يتم الدليل القطعي .
* أن أحاديث نفي الرؤية موافقة لمحكم القرآن مثل : لا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء .
*أن أحاديث أهل البيت وعائشة النافية للرؤية ناظرة إلى أحاديث الإثبات ومكذبة لها، بينما أحاديث الرؤية ليست ناظرة لأحاديث نفيها ولا مكذبة لها.
* أن أحاديث نفي الرؤية موافقة لحكم العقل القطعي ، بعكس أحاديث إثباتها . . . إلخ .
وهاجموا أمهم عائشة وأساءوا معها الأدب -
* قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 225 : ( قال أبو بكر ( ابن خزيمة ) : هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب ، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها ، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة : قد أعظم ابن عباس الفرية وأبو ذر وأنس بن مالك وجماعات من الناس الفرية على ربهم ! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها . أكثر ما في هذا أن عائشة رضي الله عنها وأبا ذر وابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك رضي الله عنه ، قد اختلفوا هل رأى النبي ( ص ) ربه فقالت عائشة رضي الله عنها : لم ير النبي ( ص ) ربه ، وقال أبو ذر وابن عباس رضي الله عنهما قد رأى النبي ( ص ) ربه ، وقد أعلمت في مواضع من كتبنا أن النفي لا يوجب علماً والإثبات هو الذي يوجب العلم ، لم تحكِ عائشة عن النبي ( ص ) أنه أخبرها أنه لم ير ربه عز وجل ( ! ) وإنما تلت قوله عز وجل : لا تدركه الأبصار ، وقوله : ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً ، ومن تدبر هاتين الآيتين ووفق لإدراك الصواب علم أنه ليس في واحدة من الآيتين ما يستحق الرمي بالفرية على الله ، كيف بأن يقول قد أعظم الفرية على الله ! لأن قوله : لا تدركه الأبصار ، قد يحتمل معنيين على مذهب من يثبت رؤية النبي ( ص ) خالقه عز وجل . قد يحتمل بأن يكون معنى قوله : لا تدركه الأبصار ، على ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة : ذاك نوره الذي هو نوره ، إذا تجلى بنوره لا يدركه شئ . والمعنى الثاني أي لا تدركه الأبصار أبصار الناس ، لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما تقع على أبصار جماعة ، لا أحسب عربياً يجئ من طريق اللغة أن يقال لبصر امرئ واحد أبصار ، وإنما يقال لبصر امرئ واحد بصر ، ولا سمعنا عربياً يقول لعين امرئ واحد بصران فكيف أبصار !
ولو قلنا : إن الأبصار ترى ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان ، فأما من قال أن النبي ( ص ) قد رأى ربه دون سائر الخلق فلم يقل إن الأبصار قد رأت ربها في الدنيا فكيف يكون يا ذوي الحجا من ينفي أن النبي ( ص ) محمداً قد رأى ربه دون سائر الخلق مثبتاً أن الأبصار قد رأت ربها ، فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباس رضي الله عنهما وأباذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية على الله ، لا ولا خالفوا حرفاً من كتاب الله في هذه المسألة !
فأما ذكرها ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ) فلم يقل أبو ذر وابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك ولا واحد منهم ولا أحد ممن يثبت رؤية النبي ( ص ) خالقه عز وجلّ أن الله كلمه في ذلك الوقت الذي كان يرى ربه فيه ، فيلزم أن يقال قد خالفت هذه الآية !
ومن قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه لم يخالف قوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ، وإنما يكون مخالفاً لهذه الآية من يقول رأى النبي ( ص ) فكلمه الله في ذلك الوقت .
ابن عمر مع جلالته وعلمه وورعه وفقهه وموضعه من الإسلام والعلم يلتمس علم هذه المسألة من ترجمان القرآن ابن عم النبي ( ص ) يرسل إليه يسأله هل رأى النبي ( ص ) ربه ؟ عداً منه بمعرفة ابن عباس بهذه المسألة يقتبس هذا منه ، فقد ثبت عن ابن عباس إثباته أن النبي ( ص ) قد رأى ربه ، وبيقين يعلم كل عالم أن هذا من الجنس الذي لا يدرك بالعقول والآراء والجنان والظنون ، ولا يدرك مثل هذا العلم إلا من طريق النبوة إما بكتاب أو بقول نبي مصطفى ، ولا أظن أحداً من أهل العلم يتوهم أن ابن عباس قال : رأى النبي ( ص ) ربه برأي وظن ، لا ولا أبو ذر ولا أنس بن مالك .
نقول كما قال معمر بن راشد لما ذكر اختلاف عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما في هذه المسألة : ما عائشة عندنا أعلم من ابن عباس ، نقول: عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله عالمة فقيهة ، كذلك ابن عباس رضي الله عنهما ابن عم النبي ( ص ) قد دعا النبي ( ص ) له أن يرزق الحكمة والعلم وهذا المعنى من الدعاء ، وهو المسمى ترجمان القرآن ، وقد كان الفاروق رضي الله عنه يسأله عن بعض معاني القرآن فيقبل منه وإن خالفه غيره ممن هو أكبر سناًّ منه وأقدم صحبة للنبي ( ص ) وإذا اختلفا فمحال أن يقال قد أعظم ابن عباس الفرية على الله ، لأنه قد أثبت شيئاً نفته عائشة رضي الله عنها ، والعلماء لا يطلقون هذه اللفظة ، وإن غلط بعض العلماء في معنى آية من كتاب الله أو خالف سنةً أو سنناً من سنن النبي(ص) لم تبلغ المرء تلك السنن ، فكيف يجوز أن يقال أعظم الفرية على الله من أثبت شيئاً لم يبينه كتاب ولا سنة ، فتفهموا هذا لا تغالطوا . . . ) إلى آخر كلامه .
هذا جانب من كلام ابن خزيمة أستاذ أصحاب الصحاح وإمام الأئمة ، وقد أتعب نفسه وعمل المستحيل بتعبير عصرنا لكي يثبت خطأ عائشة في نفي رؤية النبي(ص) لربه بعينه !
وقد بلغ من إصراره وتطويله الموضوع وشدته على عائشة أن محقق كتابه الشيخ محمد خليل هراس المدرس بكلية أصول الدين بالأزهر لم يتحمل منه ذلك ، وكتب في رده تعليقات متينة نذكر منها ما يلي :
* إن عذر عائشة رضي الله عنها أنها كانت تستعظم ذلك وتستنكره ولهذا قالت لمسروق ( لقد قف شعري مما قلت ) وليس من حق المؤلف أن يعلم أمه الأدب فهي أدرى بما تقول منه !
* إن عائشة رضي الله عنها لم تعين في كلامها أحداً ولكن قالت من زعم بصيغة العموم .
* لم يثبت عن ابن عباس أنه قال رآه بعينه ، ولكن قال بقلبه وبفؤاده .
* كيف وجمهور الصحابة معها في إنكار الرؤية بالعين كابن مسعود وغيره ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس ، أما غيرها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤثر عنهن أنهن خالفنها في ذلك ، وليس فيهن من تضارعها في الفقه والعلم .
* ولكن لا بد للمثبت أن يورد دليل الإثبات ومثبتو الرؤية لم يقدموا أدلة على ذلك ، والنفي هو الأصل حتى يقوم دليل الإثبات ، وقد عضدت عائشة رضي الله عنها مذهبها في النفي ببعض الآيات التي ظنت أنها تشهد له .
* هذا إنما يكون صحيحاً إذا ذكر المثبت دليلاً على إثباته وإذ لا دليل فكلام النافي هو المقدم ، والنفي لا يحتاج إلى دليل .
* عجباً لإمام الأئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الأبصار له إذا اجتمعت ، فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه ! فهل إذا قال قائل : لا آكل الرمان ، يكون معنى هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة ! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كباً ، ولكل جواد كبوة . انتهى .
ونضيف إلى ما ذكره الشيخ محمد الهراس : أنا لم نجد حديثاً في مصادر إخواننا السنة عن الرؤية في الإسراء إلا سؤال أبي ذر وسؤال عائشة للنبي(ص) ، وقد نفى فيهما الرؤية بالعين !
وأن الذين نسبوا إليه الرؤية لم يرووا عنه حديثاً واحداً بأنه رأى ربه بعينه بل قالوا ذلك من اجتهادهم !
فالتعارض في الحقيقة بين حديث أبي ذر وعائشة بأن النبي(ص) قد نفى الرؤية ، وبين اجتهادات أخرى ليست بأحاديث !
أما الروايات عن ابن عباس فهي في مصادرهم متعارضة ومضطربة ، فلابد لهم من القول بسقوطها والرجوع إلى الأصل الذي هو عدم ثبوت ذلك عنه إلا بدليل ، وقد نقل ابن خزيمة نفسه قبل هجومه على عائشة أحاديث عن ابن عباس ينفي فيها الرؤية بالعين !
* قال في ص 200 : ( قال أبو بكر ( يعني نفسه ) : وقد اختلف عن ابن عباس في تأويله قوله : ولقد رآه نزلة أخرى ، فروى بعضهم عنه أنه رآه بفؤاده ، حدثنا القاسم بن محمد بن عباد المهلبي ، قال ثنا عبد الله بن داود الخريبي عن الأعمش عن زياد بن حصين عن أبي العالية ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : ولقد رآه نزلة أخرى ، قال : رآه بفؤاده .
حدثنا عمي إسماعيل، قال ثنا عبد الرزاق قال أخبرنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : ما كذب الفؤاد ما رأى ، قال رآه بقلبه) . انتهى.
ومن العجيب أن ابن خزيمةتغاضىفي أول كلامه عن حديث عائشةالصريح عن النبي(ص) ، وأصر على اعتباره قولاً واجتهاداً من عندها !
ثم عاد واعترف بأنه حديث لكنه فرض أن قول ابن عباس حديث مقابل حديث عائشة ، وحكم بأن رواية ابن عباس لا بد أن تكون متأخرة عن رواية عائشة !
فمن أين حكم أن قول ابن عباس رواية ، ومن أين عرف أنها متأخرة ، ثم لو سلمنا أنها متأخرة فإن رواية عائشة نفي مطلق ناظر إلى روايات الإثبات ومكذب لها ، ورواية ابن عباس إثبات جزئي فكيف تقدم عليها ؟ !
ثم من أين جاء بهذه القاعدة المطلقة في الجمع بين الروايات المتعارضة تعارض نفي وإثبات وزعم أنها تقضي بتقديم روايات إثبات الشئ والحكم بأنها ناسخة لروايات نفيه !
وهل يلتزم ابن خزيمة بقاعدته هذه في الروايات التي تنفي أن النبي(ص) أوصى بالخلافة ، وبين الروايات التي تثبت أنه أوصى بها لعلي (ع) فيقول إن روايات الإثبات مقدمة على روايات النفي ؟ !
وهل يلتزم بأن كلام ابن عباس يجب أن يقدم دائماً على كلام عائشة لأنه أعلم منها ؟ ! فيقدم شهادة ابن عباس بأن النبي(ص) قد أوصى لعلي (ع) بالخلافة من بعده وأمر المسلمين ببيعته في غدير خم في حجة الوداع ، على شهادة عائشة بأن النبي لم يوصِ لأحد ولا أوصى بشئ !
لا نظن ابن خزيمة يلتزم بشئ من ذلك ، ولكنه يحب إثبات رؤية الله تعالى بالعين لأنه تربى عليها وأشربها قلبه ، فهو مستعد لأن يرتكب من أجلها المصادرات والتحكمات ، ويقع في التناقضات الصارخة ! !
* وقد أنصف الشيخ محمد عبده في تفسير المنار : 9/148 عندما قال :
( فعلم مما تقدم أن ما روي عن ابن عباس من الإثبات هو الذي يصح فيه ما قيل خطئاً في نفي عائشة إنه استنباط منه ، لم يكن عنده حديث مرفوع فيه، وإنه على ما صح عنه من تقييده الرؤية القلبية معارض مرجوح بما صح من تفسير النبي ( ص ) لآيتي سورة النجم وهو أنهما في رؤيته ( ص ) لجبريل بصورته التي خلقه الله عليها . على أن رواية عكرمة عنه لا يبعد أن تكون مما سمعه من كعب الأحبار الذي قال فيه معاوية ( الراوي ) إن كنا لنبلو عليه الكذب كما في صحيح البخاري . ورواية ابن إسحاق لا يعتد بها في هذا المقام فإنه مدلس وهو ثقة في المغازي لا في الحديث . فالإثبات المطلق عنه مرجوح روايةً كما هو مرجوح درايةً ) . انتهى .
بل حتى لو كان كلام عائشة اجتهاداً منها فهو اجتهاد مع دليله ، كما قال الشيخ محمد عبده في تفسير المنار 9/139 : ( فعائشة وهي من أفصح قريش تستدل بنفي الإدراك على نفي الرؤية مع ما علم من الفرق بينهما ، وتستدل على نفيها أيضاً بقوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ، وقد حملوا هذا وذاك على نفي الرؤية في هذه الحياة الدنيا ، ولكن إدراك الأبصار للرب سبحانه محال في الآخرة كالدنيا ) . انتهى . منقول عن الشيخ علي الكوراني
__________________