|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 72552
|
الإنتساب : May 2012
|
المشاركات : 36
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
الكلمة / بقلم سماحة الشيخ منتظر الخفاجي
بتاريخ : 22-09-2012 الساعة : 01:21 AM
الكلمة
ليست الكلمة لفظ يخرج من الأفواه ليبين مكنون صاحبه، فيلقيها صاحبها متى ما رأى حاجة إلى ذلك ، بل الكلمة هي إحدى الطريقين الذيَن يُسيّران عالم الإنسان . فبالكلمة يعبد الرحمن وتُدخَل الجنان ، وبالكلمة يُقتل الإنسان ، وتضحى المحبة هجران، وبها تقطع أرزاق العباد ويدب الخراب في البلاد ،وبالكلمة تُعمّر الجنان وتطفئ النيران ، وبالكلمة تصرع الرجال وتُيتم الأطفال، وبالكلمة تبدل الآثار وتزيف الأخبار، وبالكلمة تزول المفاسد وتعقد العقائد .
إن الكلمة الواحدة لتقع في مسامع الرجال فتمحو أحوال وتثبت أحوال.
إن الكلمة لها سلطان النفاذ من أقطار السماوات والأرض والولوج إلى عالم الآخرة فتبني هنالك لصاحبها بنيان ، أو تحفر له حفرة الخسران. إنها لتؤسس في قلوب الناس بغضك أو محبتك ، إذن هي تصوغ القلب كيفما تريد .
إن لكل كلمة ، طيبة كانت أو خبيثة وطأة وأثراً ، فإن نفذت إلى القلب فعلت به الأفاعيل . وربما كانت في النفوس ابلغ من الأفعال وصولات الرجال .
والكلمة رسول منبعها وأصلها إن أُفهمت أو أُبهمت ،حيث تستمد فاعليتها وتأثيرها من دواخل أربابها ، فليس ثمة كلمة من خلاء ، أو ألفاظ جوفاء وإنما هي معقودة بمعاقد منبعها ، وليس من كلمة إلا ولها أثر ، خفي أو ظهر . فتستمد قوتها وضعفها وطول بقائها وقصر مدتها وعمق أثرها ، من منبعها ومولدها ، فإن كانت وليدة طهارة ، خرجت معجونة بتلك الطهارة ، مطهرة لما طرقته بنسبتها وإن كانت ظاهراً غير ذلك ، وإن كان خَبُثَ منبعها خَبُثَت وإن كانت غير ذلك ظاهراً ، فرب كلمة ظاهرها خير أو حق لكنها صدرت من واقع سوء ، فأتبعت واقعها وجانبت ظاهرها حيث المولد هو الواقع ، كما قيل ( كلمة حق يراد بها بطل) أي أن منبعها باطل ، فالحكم في الكلام لمنبعه وليس لألفاظه .
إذن ينبغي على العاقل أن يعامل الكلمة بغاية الحذر ، فربما هدمت بناء سنين أو شيدت ما لا طاقة له به ، ولا أعني الحذر في ألفاظها أو مقامها ، وإنما الأهم أن يكون مصدرها ومنبعها طاهر ، حينئذ لا تحتاج إلى زيادة جهدٍ ، فإن ما كان أصله طاهر يبعد عليه أن يكون مُنَجِساً أو يجلب لصاحبه غير الطهارة ، قال تعالى: {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} فتكون محمودة المنبع ومحمودة الغاية وحسنة الأثر ، فتؤدي نفعها وبناءها في كل الأزمان {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } أي لها الأذن الإلهي بالتأثير ولها الفاعلية المستفادة من ذلك الأذن ، وإن كان صاحبها يجهل أبعادها ويجهل طرق سيرها ، إنما أُسِّسَ نظام الخلق على أُسُس الطهارة والخير والصلاح ، فمن ذلك ستأخذ مسراها ومجراها في ذلك النظام ، يقول الرسول الأعظم (ص):(إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ).
وله الحمد في الآخرة والأولى
|
|
|
|
|