يعرف الأمن في اللغة بمعنى السكينة والطمأنينة، والأمن نقيض الخوف يقول تعالى {وآمنهم من خوف}(قريش/5)، ويذكر علماء النفس أن الإنسان لا يقوم بأمر إلا وهو يعتقد بأنه يعود عليه بالأمن عاجلاً أم آجلاً، فإذا أمن على نفسه في بلد معين سعى إلى العيش فيه، وإذا أمن على ماله في تجارة ما سعى إلى وضع ماله فيها وهكذا.
والخوف أحد عوامل السعي إلى الأمن يقول الأمير (عليه السلام): "نعم مطية الأمن الخوف".
وقد تطور مفهوم الأمن ليشمل الجماعة بدل الفرد، كما تنوعت مفاهيم الأمن لتشمل كل أمور الحياة (الاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية ..الخ) وذلك بهدف الوصول إلى استقرار تعاملات الأفراد الذين يعيشون في المجتمع، وتوكل مهمة حفظ الأمن بمختلف أنواعه على عاتق السلطة الحاكمة، وهي المخول الوحيد باتخاذ أي إجراءات في سبيل الحفاظ على كيان المجتمع والأمن والنظام فيه بمختلف أشكاله وصوره .
ومازال يثير هذا التطور لمفهوم الأمن جدلية بين السلطة والمواطن، فالسلطات تعطي مفهوم الأمن الجماعي مفهوماً ديناميكياً متغيراً حسب الظروف والأهواء، وتدخل مفاهيم ومصطلحات أمنية جديدة مثيرة للجدل دون حسم لحدودها وهويتها منها الأمن الوطني أو القومي، والذي يذهب بعض المفكرين إلى أن الغرض من وجود مثل هذه مفردات التهويل بوجود خطر جماعي يستهدف كيان المجتمع، ويصل هذا الخوف إلى حد الهوس فيخلق تعابير جديدة منها (الأمن الغذائي، والأمن الصناعي، والأمن الفكري والأمن المائي...الخ) وكل هذه التعابير المربوطة بـ(الأمن) يراد بها خلق ذلك الجو المخيف الذي يدعوا لضرورة الحزم في مسألة الأمن، وهنا تتلاعب الدول المستبدة بهذه التعابير لتتخذ منها وسيلة لتصفية معارضيها في الداخل أو خلق الأزمات لإبعاد النظر عن أخطاء ومساوئ النظام الحاكم، لاسيما وأن مثل هذه الدول البوليسية تضع مواطنيها دائماً وأبداً في دائرة التهمة، والكثير من الدول البوليسية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وجدت لنفسها مبررات بسم قانون مكافحة الإرهاب لضرب معارضيها في الداخل.
ففي مثل هذه الدول تجد العشرات من السجناء منسيون داخل سجونهم بذريعة (الإرهاب) دون محاكمة عادلة، ويحرم السجين حتى من رؤية أبناءه، بل يصل الأمر في بعض الدول البوليسية إلى إخفاء كل أخبار السجين عن ذويه، وحتى مكان سجنه أو حالته الصحية، ويبقى معلقاً دون توجيه تهمة، أو تحديد مصير السجين لسنين عديدة.
لهذا خشية الشعوب الغربية من تحول دولهم إلى دول بوليسية –رغم أن السلطات جاءت باختيار الأمة الغربية عن طريق صناديق الاقتراع- وذلك بعد الإجراءات المشددة التي اتخذتها الأنظمة هناك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولكن بقية تلك الشعوب تراقب أنظمتها كيلا تشذ عن النهج الديمقراطي، بل إنها ربطت أهداف (الإرهاب) لمنعهم من ممارسة حريتهم لهذا هم أصروا على النهج (الديمقراطي) ليفشلوا مخطط الإرهاب، واعتبروا أن على حكوماتهم السعي للحفاظ على الحرية ونشر الحرية.
بمعنى آخر إن (الأمن) بقدر ما هو ضروري، بقدر ما تكون الحاجة للحرية والشفافية ضرورة أكبر، وهنا بقدر ما نحن نحتاج للأمن لا ننسى بأن التخلي عن "الحرية" سيولد إرهاب وخوف أكبر، لهذا الحفاظ على الأمن لا يأتي عن طريق الارتضاء بالدولة ذات النظام البوليسي، فالدولة البوليسية تهتم أولاً وأخيراً في الحفاظ على كرسيها وتتخذ الأمن ذريعة لتصفية معارضيها في الداخل، فتحول أي معارض ينادي بالحرية إلى "مجرم" مطارد باسم زعزعة الأمن.
يقول (د. كاتوزيان): في المجتمع الذي تهدف كل القوانين فيه المحافظة على السلطة، لا نستطيع أن ننفي إمكانية تحول حقوق الإنسان فيه إلى لعبة لأهواء الطبقة الحاكمة. فإذا كنا نخشى في المجتمع الحر من اعتداء الشركات الكبرى والرأسماليين على حقوق الآخرين، مستخدمين ثرواتهم، أفلا يحق لنا أن نخشى مثل ذلك في مجتمع تحتكر السلطة كلّ القوى ووسائل الإنتاج، وتملك أيضاً ناصية القانون؟
لهذا فإن تحديد الضرورة الأمنية أو الضرورة الحضارية، إنما يتمّ عبر سلطة شرعية مقبولة عند الأمة. إذ من دون ذلك، تدعي كل سلطة مستبدة أن الضرورة الأمنية تقتضي التضحية بحريات الأفراد، والاعتداء على حقوقهم الطبيعية.