انشراح الصدر
يواجه الإنسان في سيره الحياتي الكثير من الابتلاءات والمشاكل والصعوبات، فيحتاج في مواجهتها إلى شرح الصدر.
ويكتسب الإنسان الكثير منالصفات السيئة ورذائل الأخلاق تنتقل إليه بالوراثة والتربية وغيرها، فتحتاج فيمجاهدتها إلى شرح الصدر، كما أن تحصيل المعارف الإلهية والعلوم الربانية تستلزمالاتصاف بانشراح الصدر ليقبل عليها الإنسان ويرغب في نيلها فيصل إلى نور اليقينوالبصيرة والهدى.
ويقابل شرح الصدر ضيقه، يقول سبحانه وتعالى: " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون" الحجر97، وهو انغلاق الصدر وعدم قدرته على مواجهة المشكلات وتحدّي الصعاب، وعجزه علن تلقي العلوم والمعارف الحقة والمعارف التي ترفع من شأنه دنيوياً وفي نفس الوقت لا يحتمل الإنصات إلى نصّ ديني أو أي خطاب يحتوي على أفكار أو معارف إلهية حقة، فنراه يغادر المجلس أو يتأفف ويتضجر أو يشغل نفسه بأحاديث جانبية خالية من ذكر الله.
يقول تعالى: " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدرة للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنما يصعّد في السماء" الأنعام 25.
والشرح والضيق حالتان تردان على الصدور، فنرى كل واحد منا يصاب بها فيجد في نفسه إقبالاً وسعة أحياناً وضيقاً وانقباضاً أحياناً أخرى، وحيث أن هاتين الحالتين لهما تأثيرهما على حركة سير الإنسان إلى الله لذلك فإنهما حالتان خطيرتان تؤثران على مصير الإنسان، فالبسط والسعة تمكن الإنسان من المجابهة وتملّكه القدرة على مواجهة أعدائه الظاهرة والباطنة فيحقق الانتصارعليها، أما الضيق والحرج فيشلّ حركة الإنسان ويضعفه فيترتب على ذلك هزيمته الساحقة أمام أعدائه.
لهذا فإن السلاح الذي طلبه موسى(ع) من الله جلّ وعلا لمواجهة طاغوت زمانه هو سعة الصدر، فلما جاءه الأمر الإلهي: " اذهب إلى فرعون إنه طغى" طه 24، جاء طلب موسى(ع) :" ربّ اشرح لي صدري"25، فياله من سلاح فتاك، ولقد أنعم الله جلّ وعلا على نبيه محمد(ص) بهذه النعمة إذ يقول: " ألم نشرح لك صدرك" الانشراح1، وكان هذا ما يحتاجه النبي(ص) لمواجهة التمرد والعصيان في الوسط الجاهلي الذي أمر بتبليغ الرسالة فيه.
إن شرح الصدر يعني انتصار الإنسان على نفسه وعلى ضعفه، فإذا حقق ذلك ضمن الانتصار على غيره ومن ينهزم أمام نفسه لا يمكن أن ينتصر على الآخرين.
إن عملية شرح الصدر لا تتم إلا بالله جلّ وعلا، فليست من الأمور التي يتمكن العبد من تحقيقها بمفرده" ربّ اشرح لي صدري"، " ألم نشرح لك صدرك"، ولكن لا يعني هذا إلغاء إرادته في ذلك وإنما على الإنسان السعي والطلب ثم يأتي التوفيق بالاستجابة من عند الله سبحانه وتعالى، و يتحقق السعي عند الإنسان ببذل ما لديه من حول وقوة في سبيل الحق سبحانه، فيبذل قصارى جهده من علم وعمل وجهاد وصبر ويواجه مشاكل الجهل والعناد والسخرية وتكالب القوى المضادة والتحامها في باطلها ضده، كل ذلك لا يغير من صلابته شيئاً وهو على اتصال وثيق بالله عن طريق الدعاء والتضرع.
فإذا وجد الله جلّ وعلا من عبده ذلك منّ عليه بحوله وقوته وقذف في قلبه نوراً وذلّل له الصعاب" أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين" الزمر22، ويقول تعالى: " أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها" الأنعام 122.
وكما أن الطلب والسعي له دور في تحقيق شرح الصدر كذلك فإن المعرفة( معرفة الله تعالى وسنته) لها الأثر الفعّال في ذلك.
منها معرفة معية الله للمؤمنين والتي أفصح عنها قوله تعالى لموسى وأخيه: " إنني معكما أسمع وأرى" وهذا الإحساس يكسب المؤمنين القوة والصلابة.
ومنها معرفة أن الإبتلاء سنة إلهية تعمّ الجميع" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" العنكبوت 1.
ومنها معرفة أن لكل ابتلاء فرجا ولكل عسر يسرًا" سيجعل الله بعد عسر يسرا" الطلاق7،