|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 3043
|
الإنتساب : Mar 2007
|
المشاركات : 25
|
بمعدل : 0.00 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الثقافي
مصطلحات ادبية: فلسفة ما بعد الحداثة
بتاريخ : 20-04-2007 الساعة : 07:51 PM
انتشرت عدوى الميتات في الفكر الحديث؛ موت فلسفة، موت الجامعة، وموت الإنسان. ولكن يبقى إعلان بارت الشهير عن موت المؤلف هو الأكثر إثارة، وقد استقبلته الأوساط الأدبية بما يشبه الصدمة.
إن موت المؤلف هو النتيجة المنطقية لموت الإنسان، ذلك الإنسان الذي أوجدته اللحظة الديكارتية وتضخم في المئتي سنة الأخيرة فيما عرف بالنزعة الإنسانية. إذ تم استبدال اللامتناهي المحايث بالإله المفارق.
وليست الغاية هنا التوسع في المبررات التي أدت بفكر ما بعد الحداثة إلى إعلان موت الإنسان، فهذا يصلح أن يكون مبحثا مستقلا. ولكن الذات الإنسانية التي هي مركز الكون لم تعد مقبولة في فكر ما بعد الحداثة الذي دمر كل المرجعيات والمطلقات وأحال الفكر إلى مسطح معرفي تندلق عليه المعارف بلا مرجعيات ولا عمق ولا اتجاه. إذ تصبح الذات الإنسانية في هذا المسطح ليست أكثر من ثنية أو انعطافة بلا اتجاه ولا عمق أو بالتعبير السيري تحول الفكر إلى انسيكلوبيديا معرفية بلا مرجعيات. وهكذا أصبحت الذات الإنسانية يوتوبيا زائدة يجب التخلص منها.
فإذا كان الإنسان يختفي أو يتلاشى في أفق الفكر الحديث، فإن مفهوم المؤلف والذات الواعية يختفيان هما أيضا لدى تحليل الخطابات. لقد كان شيئا لازما في العصور الوسطى نسبة كتاب ما أو اكتشاف ما لصاحبه، إذ كان ذلك يعد علامة على صحته أو صحة المعلومات الواردة فيه. وكان الكلام يمتلك قيمته العلمية بمجرد عزوه أو نسبته إلى مؤلف ما. لكننا نلاحظ أن نسبة العمل إلى مؤلفه اختفت من ساحة الخطاب العلمي.
وهذا يعزى بالدرجة الأساس إلى الدقة والصرامة والموضوعية التي انتهجها العلم منذ ابتداء الحداثة ومنتجها العلم الحديث الذي ابتعد عن غموض اللغة ومجازها وعموميتها واقترب من الرياضيات في رحلته نحو التجريد. ولكننا نلاحظ في المقابل أن العلاقة بين العمل ومؤلفه قد قويت بالنسبة للخطاب الأدبي.
إن ظهور البنيوية واكتمالها بوصفها نظرية في الأدب، قد وضع العلاقة بين المؤلف والعمل موضع شك ونقد. فإذا نظرنا إلى البنيوية كمحتوى وليس منهجا تحليليا فقط، فإن هناك بنى قبلية تكون على الدوام تحت تصرف المؤلف ينهل منها على المستويين الواعي واللاواعي. وهذه البنى هي التي تشكل العمل الأدبي أكثر مما يشكله المؤلف. إن هذه البنى لا يستطيع أي مؤلف الفكاك منها. إنها تلازمه كظله في أثناء الكتابة. ونحن بالطبع ميالون إلى عد البنيوية محتوى أكثر من كونها أنموذجا قسريا يروم إدخال الخطاب في قوالب معدة سلفا أو حشره في بنى خارجة عنه، بل إن هذه البنى هي بالتأكيد محايثة للخطاب وتدخل في جوهر تركيبه.
إن إمبراطورية المؤلف عظيمة السطوة، ولقد حاول بعضهم على الدوام إن يزلزلها. ويعد الشاعر الفرنسي مالارميه بحق أول من قدم محاولة ناضجة في هذا السياق، فهو أول من تنبه إلى أولوية اللغة. وهكذا يتضح معنى الكتابة وهو بلوغ نقطة ما، إذ إن اللغة تكون قادرة على الحركة وحدها. الكتابة إذا تصبح قائمة على حذف المؤلف ويكون ذلك بإعطاء القارئ دورا متعاظما على حساب المؤلف.
الحركة السوريالية في الأدب شاركت هي الأخرى، منذ نشوئها، في نزع هالة القداسة عن المؤلف، وقد عملت من دون توقف على إحداث خيبة مفاجئة وغير متوقعة للمعنى المنتظر (وهذا بالطبع متأت من التداعيات اللاواعية التي تشكل الخطاب بحسب المفهوم السوريالي). وقد أوكلت السوريالية لليد مهمة الكتابة، بسرعة قصوى، لكي لا تترك للرأس أي دور في الكتابة (الكتابة الآلية).
والحقيقة أن الكلام عن موت المؤلف كان سيكون غير مبرر لولا ظهور كينونة اللغة ونضجها؛ أي بلوغ اللغة سن الرشد لتكون قادرة على الكينونة بنفسها.
وهكذا، فإن كل نص يوجد ويتكون داخل شبكة من النصوص الأخرى التي تحيط به. إنه يحيلنا إلى خطابات أخر ويندمج في حقل واسع من الخطابات، ويستند إلى ما كان قد قيل سابقا، كل ذلك من خلال البنى الجزئية التي تشكل الخطاب؛ وداخل هذا السياق البنيوي يموت المؤلف. ولا تعود علاقة المؤلف بالنص تتجلى إلا في فرادة غيابه.
كل هذه التيارات السابقة قدمت بالتأكيد المبررات الكافية لموت المؤلف، ولكن اللسانيات الحديثة جاءت أخيرا لكي تقدم أداة تحليلية فاعلة من أجل تدمير المؤلف. فقد أوضحت لنا اللسانيات بشكل جلي أن التعبير في جملته إنما هو صيرورة فارغة تعمل بشكل مستقل دونما حاجة إلى ذوات المتخاطبين. فقد باتت اللغة تنتج المعنى بشكل تلقائي دونما حاجة إلى تدخل ذات المؤلف.
وهكذا أصبح ابتعاد المؤلف ابتعادا حقيقيا وظل يتضاءل حتى أصبح كتمثال صغير. وأصبح النص يصنع من الآن فصاعدا ويقرأ بطريقة تجعل المؤلف غائبا عن كل المستويات، ومع موت المؤلف حل الناسخ الحديث محله في عملية الكتابة، ولم تعد الكتابة تأليفا (خلقا)، بل أصبحت أداء ليس إلا إذا جاز التعبير.
وهكذا أصبح النص فضاء لأبعاد ما متعددة تتزاوج فيها كتابات مختلفة وتتنازع من دون أن يكون أي منها أصليا أو مرجعيا، فالنص هو نسيج لأقوال ناتجة عن ألف بؤرة من بؤر الثقافة. إن الكاتب لا يستطيع إلا أن يحاكي حركة سابقة له على الدوام من دون أن تكون هذه الحركة أصلية. إن الناسخ الحديث يفترق عن المؤلف كونه لا يجد في نفسه انفعالات ولا مشاعر ولا بشائر، وعلى العموم لا يجد أي عمق مزعوم، بل إنه يجد تحت تصرفه عددا لانهائيا من البنى الجزئية ونسيجا من العلامات ينهل منها أثناء التأسيس للنص.
وعندما ننتقل إلى ساحة النقد، فإن موت المؤلف كان له أثر مماثل لما حدث في ساحة الإبداع. فالنقد الكلاسيكي كان يقوم على أسطورة فك رموز العمل الإبداعي منطلقا من نسبة النص إلى المؤلف مما يستتبع القول بمدلول محدد ونهائي وإغلاق الكتابة.
وهذا التوجه ملائما تماما للنقد الكلاسيكي الذي يسعى دائما إلى الكشف عن أقانيم المؤلف (المجتمع، التاريخ، النفس، الحرية) خلف ستار العمل الأدبي، وعندما يوفق النقد في الربط المنشود بين المؤلف وأقانيمه خلف ستار العمل الأدبي، يكون النقد قد حقق انتصارا، ولكن زعزعة المؤلف أدت أيضا إلى زعزعة النقد (وهذه نتيجة متوقعة)، لأن النقد الكلاسيكي كان دائما يستمد سلطته ومشروعيته من سلطة المؤلف. فالنقد الكلاسيكي لا يعترف بإنسان داخل النص سوى الإنسان الذي يؤلف ولا يهتم بالإنسان القارئ ولم يعترف بوجوده، وبعد موت المؤلف تنتقل اللعبة إلى ساحة القارئ.
والنص مصنوع من كتابات مضاعفة، وهو نتيجة لثقافات متعددة تدخل كلها في حوار ومحاكاة ساخرة وتعارض، ولكن ثمة مكان جديد تتجمع فيه هذه التعددية وهو القارئ وليس المؤلف كما كان سائدا.
إن النقد الألسني لم يعد يبحث عن أقانيم المؤلف كما في السابق. لأنه ببساطة لم يعد بحاجة إلى ذلك، إذ إن الخطاب يشي بكل الظروف التي رافقت تشكله. إنه يعكف على الاستدلال عن ذاته بذاته دونما حاجة إلى البحث عنها خارج الخطاب، والخطاب يتقمص كل حيثيات نشوئه، وهذا بالطبع يعفينا من أي بحث عن مبررات للخطاب من خارجه، فالمبدأ الأساسي في النقد الألسني ينطلق من مبدأ المحايثة، وهو دراسة النسق اللغوي في ذاته من دون العودة إلى تاريخه ولا إلى علاقته بأقانيم المؤلف، لم يعد كل ذلك لازما.
|
|
|
|
|