اباء :
أعلنت مؤسسة آل البيت الشيعية في مصر والتي يرأسها الزعيم الشيعي المعروف محمد الدريني أن أجهزة الأمن ألقت القبض على 306 من أعضائها خلال مداهمات تمت الأسبوع الماضي في تكتم شديد.
وكانت وسائل إعلام مصرية قد نقلت عن مصدر أمني تأكيده نبأ القبض على عدد من الشيعة لكنه رفض ذكر عددهم.
وأشار المصدر إلى احتمال التحقيق معهم في سياق قضية "خلية حزب الله".
من جانب أخر قال محمد الدريني أمين مؤسسة آل البيت أن من أبرز الذين ألقي القبض عليهم الشيخ حسن شحاتة العالم السني الذي أعتنق الفكر الشيعي منذ أكثر من عشرة أعوام وتم فصله من عمله خطيباً لمسجد شهداء الجامعة الذي يبعد عدة أمتار عن مقر السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.
وأكدت مصادر أن شحاتة المتواري عن الأنظار منذ 14 عاما، تم اعتقاله من منزله في منطقة وسط القاهرة في 22 يونيو الجاري، ووجهت إليه والى أعضاء المجموعة المعتقلة البالغ عددها 306 أفراد تهمة زعزعة الأمن القومي المصري وازدراء الأديان.
وجاءت التحقيقات مع شحاتة على خلفية قيامه بزيارتين إلى إيران، تزامنا مع كشف السلطات المصرية عن خلية حزب الله بقيادة اللبناني سامي شهاب والتي تتهمها بالتخطيط لتنفيذ اعتداءات داخل الأراضي المصرية، واستهداف السفن الأجنبية المارة بقناة السويس.
وحسب المصدر، فإن شحاتة قام بزيارة إلى إيران عن طريق لبنان، وكان ذلك في سبتمبر 2008، كما قام بزيارة ثانية إلى إيران عن طريق سورية، لكن المصدر لم يحدد توقيت هذه الزيارة.
ويرجح أن هذا هو السبب في شن حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت شحاتة والمتشيعين أتباعه، حيث من المحتمل أن يواجهوا باتهامات عن ارتباطهم تنظيميًا بحزب الله، في إطار التحقيقات الجارية.
وأكد الدريني بأن المقبوض عليهم أودعوا في أماكن مجهولة ولم يفلح أقاربهم في الوصول الى تلك الأماكن على مدار الأيام الماضية.
واتهم النظام المصري بالرضوخ لأوامر المملكة العربية السعودية وعلمائها الذين يروجون لمزاعم على رأسها أن الشيعة كفرة ودمهم وأموالهم حلال.
وأعرب أمين مؤسسة آل البيت عن خيبة أمله هو وجميع أعضاء مؤسسة آل البيت لأن النظام المصري الذي كان يقود المنطقة تحول في السنوات الأخيرة إلى تابع لغيره ولأجل ذلك يتم قهر شيعة مصر ومنعهم من التعبير عن أنفسهم أو إقامة الاحتفالات وغيرها من المناسبات أو حتى الترويج لأفكارهم وعقد الندوات.
ولم يستبعد الدريني أن تكون حملة الاعتقالات الضخمة في صفوف أنصار آل البيت تتسق مع الحملة المسمومة التي تشن على الجمهورية الإسلامية في طهران بغرض تأليب الرأي العام المحلي والإقليمي.
ولم يستبعد توجيه اتهامات خطيرة للمجموعات الكبيرة التي اعتقلت على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين كالتخطيط لقلب نظام الحكم والإعداد لعمليات تخريبية في قلب المدن المصرية وربما يصل الأمر لتوجيه اتهامات أكثر خطورة.
كما توقع الدريني أن يواجه نفس مصير المعتقلين في أي لحظة بسبب مواقفه التي تعتبرها السلطات غير متسقة مع مواقف النظام نفسه وبسبب مواقفه المناوئة للنظام، وتوقع موسماً شديد القسوة لشيعة مصر خلال المرحلة المقبلة، لكنه تعهد بأن يناضل هو وجميع أعضاء مؤسسة آل البيت خلال المرحلة المقبلة من أجل الإفراج عن كافة المعتقلين من الشيعة.
وتسعى المؤسسة في الوقت الراهن لجمع معلومات مفصلة عن المعتقلين وأسرهم وأماكن تواجدهم من أجل تكليف هيئة دفاع تضم عددا من المحامين للدفاع عنهم.
من جانبه أكد المرجع الشيعي الدكتور أحمد راسم النفيس أنه لم تكن هناك هدنة بين النظام وبين الشيعة في أي وقت من الأوقات، قائلا أن الأجهزة الأمنية تلاحقهم على الدوام وتقوم باعتقالهم.
ونفى علمه عن عدد من تم اعتقالهم وأشار في الوقت نفسه إلى خطورة الحرب الإعلامية التي يقودها النظام ضدهم لأنها تسفر في نهاية الأمر عن ترسيخ حالة العداء للشيعة في الشارع المصري وتدفع نحو المزيد من القهر الموجه ضدهم.
وندد النفيس بما تقوم به الفضائيات الوهابية التي يشرف عليها الأمن على حد رأيه ضد الشيعة من أجل تأليب الرأي العام عليهم.
أما المستشار الدمرداش العقالى الناشط الشيعي المصري فقال أن مثل هذه الأمور تؤدى لوجود شكل من أشكال الحرب بين شباب الشيعة وشباب السنة على ساحة الانترنت سواء بتدمير المواقع المتبادل او بالتعليقات الطائفية فى وقت يحتاج فيه المسلمون إلى الوحدة بدلا من الشقاق والتمزق .
كان عدد من علماء الأزهر قد أكدوا مؤخرا عدم وجود ما يروج له البعض من ترويج للمذهب الشيعي وقال الدكتور عبد المعطى بيومي أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر فى هذا السياق : "لا يوجد خطر أمني على مصر من المذهب الشيعي؛ لأنه ليس خارجا عن الإسلام، كما أن الشيعة ليسوا كفارا".
من جانبها استبعدت الدكتور أمنة نصير أستاذ الفقه بجامعة الأزهر وجود ترويج للمذهب الشيعي فى مصر ولكن المشكلة تكمن في حمل الناس على تبني مذهب ما، وحتى في أهل السنة هناك منهم من يحمل الناس على اعتناق فكرهم، وهذا مرفوض أيضا".
وأضافت د . أمنة نصير : القول بالخطر الأمني من الشيعة في مصر أمر غير صحيح، ومقولة مصطنعة ليس لها أساسي فالشيعي لن يقول ما يخالفنا في الأصول، والأولى أن نخشى الزحف الغربي الذي يستهدف قتل الهوية".
واعتبرت الدكتور آمنة نصير أن مسألة إشاعة الخطر الأمني من الشيعة "جزء من البحث عما يمزقنا ويفرقنا، في وقت لابد فيه من أن نردد ما يجمعنا بالشيعة من أن كلينا مسلم يعبد ربا واحدا، ونتجه لقبلة واحدة، ونقرأ قرآنا واحدا، ونصلي صلاة واحدة .
عدد الشيعة المصريين
ولا يستطيع أحد الجزم بعدد الشيعة في مصر، فوفقًا لتقرير الحالة الدينية للخارجية الأمريكية يقدر عدد الشيعة في مصر بـ750 ألف شخص، بينما تزيد تكهُّنات محمد الدريني –الأمين العام للمجلس الأعلى لآل البيت- من هذا الرقم، مشيرًا إلى أنه يعتقد أن عدد الشيعة يفوق هذا العدد بكثير، على اعتبار أن هناك ما يزيد على عشرة ملايين صوفي في مصر، ويوجد بينهم ما لا يقل عن مليون يتبعون الفكر الشيعي -وحسب اعتقاده- فإن كثيرا من الشيعة في مصر لا يعلنون عن معتقدهم نتيجة الضغوط الأمنية والإعلامية.
ورغم اليقين بعدم إمكانية الجزم بعدد الشيعة في مصر، فضلاً عن أماكن تركزهم فإنهم موجودون في المجتمع، ولا يمكن تجاهلهم أو التقليل من شأنهم، أو إنكار امتداد تأثير الفترة الشيعية التاريخية على الواقع المصري إلى الحد الذي وصف "الخميني" -زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية- مصر بأنها "سنية المذهب، شيعية الهوى"، فالاحتفالات بموالد آل البيت (مولد الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة) لا تفرق بين سني وشيعي .
التعايش المصري بين سنة وشيعة ترعاه فطرة السلام وعدم الشقاق في الإنسان، وربما يرجع إلى جذر ثقافي لدى المصريين، حتى في أمثالهم الدارجة، ومنها المثل القائل: "موسى نبي، وعيسى نبي، ومحمد نبي، وكل من له نبي يصلي عليه" .
الهيئات الشيعية
نشأت في السبعينيات بعض الجمعيات والهيئات الشيعية التي مارست نشاطها -بحرية نسبية- وكان في مقدمتها جمعية "آل البيت" التي ظهرت إلى الوجود عام 1973، وتعتبر مركز الشيعة في مصر، واستندت في عملها إلى فتوى الشيخ "محمود شلتوت" بجواز التعبد بالمذهب الجعفري الذي يُعد المذهب الفقهي المعتمد لدى الشيعة الإثني عشرية، وكان يتبعها عدد من الفروع تسمى "حسينيات"، ولم تكن الجمعية تظهر السمة الشيعية علانية كما لم تكن فكرة التشيع واضحة في أهدافها، خاصةً أنها ضمت بين عناصرها سنة وشيعة، وانحصرت أنشطتها في المساعدات الاجتماعية والخدمات الثقافية والعلمية والدينية، وهو ما اعتبره البعض امتدادا لجماعة التقريب، واستمرت الجمعية حتى عام 1979.
أما المجلس الأعلى لرعاية آل البيت فأسسه ورأسه محمد الدريني عام 1998، وكان يصدر منه جريدة "صوت آل البيت"، ولكن بعد اعتقال "الدريني" استولى على المجلس شخص يدعى "محمد المرسي"، وهو ما عجل بحدوث انشقاقات داخل المجلس، وجعله يفقد فاعليته وقوته.
وبحلول العام 79 توقفت أنشطة جماعة التقريب وجمعية آل البيت بعد قيام الثورة الإيرانية، ويلاحظ أن علاقة الدولة المصرية بالشيعة في الداخل كانت تتأثر سلباً وإيجاباً بعلاقاتها الخارجية أو بإيران على وجه التحديد، فتم إغلاق جمعية آل البيت بقرار إداري من الحكومة، وضم المسجد التابع لها لمساجد الحكومة؛ وربما كان التواجد غير المصري بالجمعية أحد أسباب هذا الأمر، وجاء في قرار الوقف أن الجمعية تمثل خطورة على عقائد الناس ووحدة صفوفهم ببث أفكار غريبة تخالف الدين الإسلامي وتؤيد الفكر الشيعي؛ وهو ما يعني أن الجمعية ارتكبت المخالفة التي تبيح حلها حسب قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة الذي ينص على أنه يجوز حل الجمعية في حالة إذا ما ارتكبت مخالفة جسيمة للقانون، أو إذا خالفت النظام العام والآداب.
ومع بداية عام 1981 بدأ القضاء ينظر الدعوى المرفوعة من القائمين بأمر الجمعية ضد الحكومة، والتي يطالبون فيها بعودة الجمعية، ووقف تنفيذ قرار الحل، وأصدر القضاء حكمه في 29-12-1981 بوقف قرار حل جمعية آل البيت لعدم وجود أسباب قانونية كافية إلا أن الحكومة المصرية لم تنفذ الحكم للآن.
ولا يعتبر التشيع تهمة في القانون المصري، فالبعض اعتنق المذهب الشيعي مثل الكاتب الصحفي صالح الورداني عام 1981، ثم تحول عنه عام 2006، وخلال فترة تشيعه أصدر أكثر من 15 كتابا عن الشيعة منها: "الحركة الإسلامية في مصر" و"الشيعة في مصر"، و"الكلمة والسيف"؛ ويلاحظ أن بداية تشيع الورداني كانت عن طريق الاحتكاك بالطلاب العرب الشيعة، وأسس دار "البداية" عام 1986 كأول دار نشر شيعية في مصر، وبعد إغلاقها عام 1989 قام بتأسيس دار "الهدف"، كما شملت قائمة المتشيعين الشيخ "حسن شحاتة"، وهو خطيب مفوه في مصر، وكان نجما تلفزيونيا حتى تم اعتقاله بتهمة تكوين تنظيم شيعي، وكذلك الدكتور "أحمد راسم النفيس" الأستاذ المساعد بكلية الطب جامعة المنصورة؛ والذي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين حتى عام 1985، ثم انفصل عنها واتجه نحو التشيع.
أما التهم التي تم توجيهها إلى كل التنظيمات الشيعية التي تم القبض عليها منذ الثمانينيات فتتراوح بين الحصول على تمويل أجنبي، وتحديدا من جهات إيرانية؛ وهي تهمة وجهت للكثيرين؛ والاتصال بجهات خارجية حيث اعتقل الدريني في مارس 2005 بتهمة التواصل مع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، واللافت أنه لم ينسب إلى أي من تلك المجموعات الشيعية القيام أو الدعوة للقيام بأعمال تتصف بالتطرف والغلو.