كان لأحد الخلفاء غلام يحبه حباً جماً ويبدي إعجابه به وإطراءه عليه. وفي أحد الأيام مرض الغلام وأخذ مرضه يشتد رويداً رويداً.
فاستدعى الخليفة له الأطباء من كل أنحاء البلاد ففحصوه وأعطوه شتى أنواع الأدوية والعقاقير الطبية، بيد أن الغلام لم يشف.
ويوماً جاء طبيب حاذق وطفق يفحص الغلام العليل وأضمر في نفسه استنتاجاً مفاده أن مرضه ذا سبب نفسي. وبناء على ذلك فقد أخلى الغرفة من الأشخاص الزائرين والمرافقين والحاشية وأخذ يتحدث مع الغلام على انفراد، فسأله:
(ما هي الحادثة التي وقعت فحل بك ما تعاني منه ؟).
فأطرق الغلام هنيهة من الزمن ثم قال:
(أغراني بعض أعداء الخليفة من المقربين منه والمتظاهرين بحبه وطلبوا إلي إراقة السم في شرابه كي يموت مسموماً.
ولقد خدعت بما وعدوني به من الأموال والمكافآت فأقدمت على دس السم له وقدمته كي يشربه. ومن باب الصدفة أن الخليفة أدرك أن شرابه مسموم فلم يشربه. وبقيت أتوقع أن يعاقبني بأشد ما يكون العقاب.
بيد أنه ليس فقط لم يعاقبني بل زاد في إحسانه وحبه لي بحيث أحسست بمرارة الخجل ووخز الضمير فمرضت. وإن مرضي ما هو إلا من شدة الندم والخجل وليس له علاج أو دواء، وما لم أمت فسأبقى أعاني من عذاب الضمير).
ويح هذا الإنسان! ما أشد اليوم الذي يعرف الناس فيه حقيقته، وعلى الرغم من أن الله أقرب إليه من حبل الوريد ويعلم كل ما يقوم به ومطلع على جميع خياناته وذنوبه وأعماله القبيحة لكنه يستره ويعامله بحلمه ويزيد له النعم ويضاعف إحسانه ويغدق عليه النعم