اللعب وانواعه:
إنّ اللّعب هو عمل الأطفال، فهو المختبر الّذي يتعلّم عبره الأطفال كيفيّة سير العالم وهويّتهم ومستقبلهم و ما هي الأمور المسموحة والممنوعة، و اللّعب له أوجه متعدّدة أكانت على مستوى أسلوبه أو تأثيراته، إن راقبت عن كثب بعض أنواع اللّعب المختلفة يمكنك النّظر إلى العالم عبر عيني طفلك.
· اللعب بهدف التعلّم:
اللعب هو مهمّة طفلك الأولى! ففي الشهور الاخيرة من سنته الاولى ، أيّ شيء وكلّ شيء يمكن أن يبدو جديداً ومثيراً للاهتمام، فكلّ نشاط يمثّل بالنسبة إليه فرصة ليتسلّى ويتعلّم، إنّه يجد متعة في مراقبة ما يحصل عندما يدفع بقطع طعام عشائه الواحدة تلو الأخرى إلى خارج الصينية، أو عندما يُفرغ حقيبة أمه ملقياً بالأغراض أرضاً بينما تكون هذه الأخيرة مشغولة في التحدث إلى صديقتها، حتى الأعمال الأكثر روتينية كحمام طفلك، يمكن أن تتحوّل إلى لعبة تحد، ساعدي طفلك مثلاً على إغراق قارورة وراقبيها تُخرج الفقاقيع الكبيرة، بقليل من الإبداع إذاً، يمكنك أن تعزّزي باستمرار نموّ طفلك من خلال اللعب، لذلك، ننصحك بأن تكتشفي "الجزء الممتع" في الأشياء الموجودة في منزلك، وفي النشاطات التي تقومين بها يوميا، فيمكنك مثلاً أن تسلّي طفلك لساعات بفضل ذلك الصندوق المصنوع من الكرتون الذي كنت على وشك التخلّص منه، اليك اقتراح آخر: لمَ لا تلهين طفلك أثناء تغيير حفاضه، فتعلّمينه التصفيق بينما تغنّين له أحد الألحان التي يعرفها من دار الحضانة؟ و كذلك ضعي له العاب او دمى في سريره وفي كرسي السيارة الخاص حتى لا يمل ويستمتع بوقته، وكذلك عندما يستيقظ فانه سيتسلى بها وسياخر ايقاظه لك، لانه يهدي نفسه وينشغل بدميته،حولي وقت استحمامه الى وقت للمرح والمتعة،، باستخدام بطات السباحة، والكرات التي تطفو، وكذلك طشطشي ماء على وجهه، واضربي الماء بيديك، واساليه عن الاشياء، دعيه يؤشر ويسمي، وباختصار، يكفي أن تنظري إلى كل حالة من خلال عينيّ طفلك، لكي تجدي بسرعة الطرق اللازمة لتحويل تلك الحالات إلى نشاط ترفيهيّ، لا بل تثقيفيّ.
· تعلّم كيفية اللعب:
إنّ الأطفال يتعلّمون من خلال اللعب، لكنّهم بحاجة أيضاً إلى المساعدة ليتعلّموا كيف يستفيدون من اللعب إلى أقصى حدّ، يراقب طفلك حركاتك كلّها، وغالباً ما تكون تصرفاته وردّات فعله مشابهة لتصرفاتك، لذلك، يمكنك أن تساعديه على تنمية فضوله، وثقته بنفسه، وحبّه للتفاعل مع الآخرين من خلال الإرشاد والتشجيع، ونحن ننصحك بأن تشركي طفلك في نشاطاتك كلما أمكن، حوّلي الأعمال اليومية إلى ألعاب، وحثّي طفلك على اكتشاف ملمس الأشياء، وأصواتها، وحركاتها، عندما تخرجان معاً، أشيري إلى كلّ ما قد يثير اهتمامه، وتذكّري أنّه على الرغم من أنّه لا يتكلّم بعد فهو بدأ مرحلة فهم ما يُقال من حوله استعداداً للتكلّم في مرحلة تالية، عرّفيه إلى أطفال آخرين، فمن الممكن إقامة الصداقات حتّى في هذه السنّ الصغيرة، كذلك، ننصحك بأن تشعريه دائماً بالطمأنينة بينما تشجعينه على اكتشاف بيئات جديدة، والتفاعل مع أصدقاء جدد، واختبار نشاطات جديدة، فهو بحاجة إلى أن يشعر بوجودك، وبالأمان والطمأنينة بقربك، بينما هو مشغول في التعرّف إلى أصدقاء جدد والقيام بالمغامرات.
· اللّعب الرّمزي:
بالنّسبة إلى الطفل أو الولد في سنته الاولى ، ليست القطعة إلاّ قطعة فحسب، إن امتلك أكثر من قطعة، يمكنه أن يكدّسها أو يفرّقها، لكن ما إن يبلغ السّنة الثّانية من العمر حتّى يبدأ باستعمال القطع لمزيد من الأغراض، فقد يرى فيها منزل أو سيّارة إلخ، حيث تغدو الألعاب رموزاً لأغراض أخرى، قد تحاول طفلتك أن تطعم دميتها وكأنّها طفل بدورها، يمكنك حتّى ملاحظة انّها تحمل دميتها بالطّريقة نفسها التي كنت تحملينها بها.
يظهرهذا النّوع من التّمثيل الرّمزي إلى أيّ مدى تطوّر دماغها، هذا ما يحضّرها ويساعدها على تخطّي أحداث تثير الذعر، يمكن مثلاً لطبيب أطفال يريد فحص أذني طفلتك بحثاً عن التهاب أن يبدأ بـ"فحص" أذني الدّمية الموجودة معها، هذا يسمح للطفل ان تستبق ما سيحصل لها ممّا سيخفف من قلقها.
· اللّعب الموازي:
يحتاج الأطفال إلى شركاء في اللّعب لكن طريقة لعبهم تختلف عن طريقة لعب الكبار، اعطي مثلاّ لطفلين يبلغان سنة ونصف من العمر الألعاب نفسها في الغرفة ذاتها، فتلاحظين أنّهما لا يبديان اهتماماً كبيراً ببعضهما البعض، لكن إن راقبتهما عن كثب، تلاحظين إن اختار أحدهما شاحنة يقوم الآخر بتقليده، إن نظر الأوّل إلى الشّاحنة وقال، "كلاّ" (وهي الكلمة المفضّلة لدى الأطفال) سيقوم الآخر على الأرجح بتقليده أيضا، إن تطوّرالأطفال بشكل يسمح لهم بالتّعبير عن نفسهم عبر الكلمات، قد تسمعينهم يتحدّثون لكن بعبارات غير منطقيّة، " يركب الجرو في السّيّارة" " "إنّها شاحنة كبيرة، هل يشعر الجرو بالجوع؟" " " شاحنتي: فروم فروم".
تلك كانت أمثلة عن اللّعب الموازي، فخلافاً للأبناء الأكبر سنّاً والذين يتفاعلون ويتواصلون بشكل مباشر، يراقب الأطفال سلوك الآخرين، ويشكّل اللّعب الموازي الخطوة الأولى نحو إنشاء العلاقات الإجتماعيّة المتينة خارج إطار العائلة، فالشّركاء في اللّعب الموازي يشكّلون أوّل أصدقاء طفلك.
· اللّعب الخيالي:
ليس الخط الفاصل ما بين الواقع والخيال واضحاً بالنّسبة إلى الأطفال، قد يحارب طفل أكبر سنّاً على وشك أن يدخل المدرسة التّنانين أو قد يدّعي الطّيران حتّى بلوغ القمر، من دون أن يغادر غرفته حتّى. إن أردت بناء حصن لطفل في هذا العمر، كلّ ما تحتاجين إليه هو كرسيين وبطّانية موضوعة فوقهما، للّعب الخيالي أهداف متعدّدة كما يتخطّى حدود اللّعب العادي، فهو يسمح لطفلك باكتشاف أفكار جديدة واختبار الحياة من منظار مختلف.
ابتداءً من العام الثّالث، يتوسّع اللّعب الخيالي ليشمل رفاق خياليّين، وغالباً ما يقدم هؤلاء الأصدقاء على القيام بأمور لا يستطيع أو لا يجرؤ طفلك على القيام بها، قد يكون الصّديق الخيالي متطلّباً للغاية أو قد يتحدّث مع البالغين والأبناء الأكبر سنّاً بقلّة تهذيب، قد يكون لديه قوى سحريّة أوقوّة أو حكمة عظيمة، إنّها طريقة يتّبعها طفلك لاختبار الحياة من منظار آخر وللتّلاعب بمفهوم القوّة، كما أنّها طريقة لإلقاء اللّوم على شخص آخر عندما يوقع الطفل العصير على السّجّادة العجميّة مثلا.
قد يشعر بعض الأهل بالقلق حيال الأصدقاء الخياليّين لكنه لا يوجد داع لذلك، بحسب الأبحاث الّتي قام بها الطّبيب "جيروم سينجر" فإنّ الأطفال الّذين يبلغون سنّ الدخول إلى المدرسة والّذين يملكون أصدقاء وهميّين غالباً ما يتحلّون بخيال أكبر ويتمتّعون بحسن التّعبير عن ذاتهم مقارنة مع الأطفال الأخرين، فهم غالباً ما يشعرون بالسّرور ويتّفقون بشكل أفضل مع أصدقائهم في الصّف، وما يثير الإهتمام هو أنّ أغلبيّة هؤلاء الأطفال يقولون لأهلهم إنّهم يملكون أصدقاء وهميّين.
· اللّعب التّعاوني:
ينتقل الأطفال قبل الدّخول إلى المدرسة من العزلة واللّعب الموازي إلى اللّعب التّعاوني، في هذه المرحلة يتعلّم طفلك التّحكّم بمهارات إجتماعيّة جديدة ومهمّة مثل تقاسم الألعاب واللّعب بحسب الدّور وإطاعة القوانين والتّفاوض، وهذه الأمور كلّها جزء من سلوكيّات صعبة التّعلّم بالنّسبة لطفل، ففي النّهاية، يعتقد طفلك في هذه السّن أنّه أهمّ مركز في العالم.
· التّشاطر:
عندما يريد طفل في هذه المرحلة غرضاً ما، لا يحتمل فكرة إعطائه إلى شخص آخر، فتعلّم تشاطر الأغراض أمر معقّد بسبب الطرق التي نستخدم بها كلمة "تشاطر" والّتي تبعث على الالتباس،( فإن طُلب من طفلة مشاطرة ألعابها مثلا تحصل عليها بعد هنيهة، لكن إن طُلب منها أن تتشاطر الحلوى مع الآخرين، فهي لا تحصل عليها مجدّداً)، من الأسهل على الأطفال تعلّم كيفيّة مشاطرة الأغراض إن قضوا وقتاً مع أهلهم يلعبون ألعاباً تقتضي منهم أن يعطوا غرضاً لأهلهم ومن ثمّ الحصول عليه مجدّداً.
· اللّعب بالدّور:
تكون رغبات الطفل في فترة ما قبل دخوله المدرسة ملحّة وآنيّة، فعندما يريدون أمراً ما، يريدون الحصول عليه فوراً! يتطلّب انتظار الدّور تأخير السّرور والشّعور بما يساور الآخرين من أحاسيس بسبب اللّعب، لكنّ العواطف الّتي يتعلّمها الأطفال في المنزل أو أثناء اللّعب الموازي قد تكون ذات منفعة كبرى.
· إطاعة القوانين:
يودّ جميع الأطفال أن يربحوا الآخرين في الألعاب الّتي يلعبونها، ستقوم غالبيتهم بكلّ ما في وسعها للرّبح، حتّى لو اقتضى الأمر بعض الغشّ، قد يغضّ البالغون النّظر عن هذا الأمر، لكن أصدقاءهم لن يفعلوا ممّا يؤدّي إلى تعلّم الطفل دروساً صعبة ومهمّة حول أهمّيّة اتّباع القوانين.
· التّفاوض:
من يلعب أولاً؟ كيف تُنتقى اللّعبة الأولى؟ من يلعب دور النّائب ومن يلعب دور العمدة؟ يتطلّب اللّعب التّعاوني من طفلك العطاء الذّاتي والحصول على عطاء الآخرين والتّسوية على ما يريد - وهي أمور صعبة للغاية بالنّسبة للطفل الّذي يخال نفسه مركز العالم، لكن ما إن يستطيع طفلك التّفاوض والتّشاطر واللّعب بالدّور واتّباع القوانين حتى يكون قد أحرز تقدّماً كبيراً نحو طريق الدّخول إلى المدرسة ومن ثمّ مهجع الثّانويّة وأخيراً غرفة المجلس في الشّركة.
لذا راقبي طفلك اثناء اللّعب، فبهذه الطّريقة تعرفين مدى تطوّره الإجتماعي وقدراته على التّفكير أيضا، فضلاً عن ذلك فإنّ مراقبته ممتعة للغاية.
التعديل الأخير تم بواسطة البحرانية ; 24-10-2008 الساعة 11:49 PM.