الخبر الذي جاء في جريدة الجزيرة السعودية يُثير الكثير من علامات الاستفهام حول صحة الدراسة التي أجراها 'معهد البحوث والخدمات الاستشارية' بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن: (المشكلات الميدانية في مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، والذي نشرته جريدة الجزيرة قبل فترة. السبب أن هذه الدراسة متناقضة إلى درجة السخرية، ولا يمكن تصديقها البتة. فالدراسة تحدد تجاوزات أعضاء الهيئة الميدانية، خلال ثلاثة أعوام، والتي هي المدة الزمنية للدراسة، بما مقداره (38) تجاوزاً سنوياً فقط ؛ في حين أن معدل المخالفات التي تضبطها الهيئة سنوياً هي (أربعة ملايين) مخالفة. فذا كان هذا صحيحاً يجب أن تدخل هيئة الأمر بالمعروف في المملكة كتاب (جنز للأرقام القياسية)، كأفضل جهاز بيروقراطي على وجه الأرض، وربما في التاريخ، إذا ما أخذنا في الاعتبار نسبة حجم الأخطاء التي لا تكاد تذكر مقارنة بحجم الإنجازات. ولذلك فالمفروض ألا يتم تطوير الهيئة، كما أوصت الدراسة (الرصينة!)، ولكن يجب أن تفتتح معهداً عالمياً لتعليم طريقة الضبط البيروقراطي، يتوافد عليه البيروقراطيون من مشارق الأرض ومغاربها، ليتعلموا سبب هذا الإنجاز الإعجازي العظيم، ويتلقون عن أساطين الهيئة كيف تدار المنشآت البيروقراطية بهذا القدر الإعجازي من الكفاءة منقطعة النظير!
ثم إذا كان السعوديون يرتكبون أربعة ملايين انحرافاً أخلاقياً كما تقول الدرسة، وهم لا يتجاوزن العشرين مليوناً، نصفهم دون الرابعة عشر كما تقول الاحصاءات، معنى ذلك أن 60% من البالغين السعودين نساء وذكور منحرفون أخلاقياً، وهذه في حد ذاتها فضيحة! والغريب أن هذه الدراسة تفضح نفسها بنفسها. فهي تقول في إحدى توصياتها: (وجود حاجة ملحة لتطوير نظام الهيئة بما يتفق مع نظام الإجراءات الجزائية) كما جاء بالنص في الخبر. والسؤال الذي يُعري هذه الدراسة، ويفضح تواضع علميتها، على إفتراض أنها علمية أصلاً: ماهو موجب الإلحاح على التطوير طالما أن نسبة الخطأ بهذا القدر من التدني؟ كان حري بالدراسة أن توصي بإبقاء الأوضاع كما هي عليه، فليس في الإمكان أفضل مما هو كائن، إلا إذا كان القائمون على الدراسة يرمون من التوصية إلى أن يكون هذا الجهاز أقرب الأجهزة البشرية إلى الملائكة.
ومهما يكن الأمر فإن نتائج هذه الدراسة تدلنا إلى نقطتين في غاية الأهمية:
إحداهما: أن القائمين على إدارة الهيئة لا يمكن أن يعترفوا بأخطائهم، ويرفضون التطوير، مهما تظاهروا بخلاف ذلك.
النقطة الثانية: أن القائمين على هذه الدراسة، من الجسم الأكاديمي في جامعة الإمام، لو علم عنهم المقبور صدام، لانتدبهم لديه لإجراء مسح عن عدالة حكمه، واهتمامه بالمناهج الإنسانية؛ وليس لدي أدنى شك أن هذه اللجنة التي أشرفت على الدراسة، ستعطيه من النتائج ما سيجعله أعدل من عمر بن عبدالعزيز.
وبعيداً عن السخرية، فإن وجود جامعة الإمام في ذيل الجامعات العالمية من حيث التصنيف العالمي له ما يبرره، عندما نقرأ مثل هذه الدراسة المتهالكة. فجامعة تصدر مثل هذه الدراسة، وبهذا القدر من التناقض - نسبة الخطأ 38 من أربعة ملايين- ثم توصي بضرورة التطوير، هي في النتيجة لا تصلح أن تكون مدرسة لمحو الأمية فضلاً عن جامعة.