|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 875
|
بمعدل : 0.26 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الفقهي
حكمة خلق الكافر
بتاريخ : اليوم الساعة : 08:29 PM
لماذا خلق اللهُ الكافرَ وهو يعلم أنّه سوف يخلّده في النار؟ والسؤال هنا ليس عن إشكاليّة المنافاة بين العدل الإلهيّ وبين خلق الكافر مع علم الله -تعالى- بأنّه سوف يكون في نار جهنّم -حتّى يقال في الجواب: إنّ العلم الإلهيّ الأزليّ ليس له دخل في فعل الإنسان، فمجرّد علمه -تعالى- بما يختاره الإنسان لا يؤثّر على خياراته، فعلم الله -تعالى- بما يقوم به العبد لا يعني بالضرورة أنّه مريدٌ له، بل الإنسان هو من يختار بكامل حريته ووعيه الكفر الذي تكون نتيجته الدخول في النار، والبقاء فيها إلى ما لا نهاية-، وإنّما السؤال عن الحكمة من وراء خلق إنسان يعلم الله -تعالى- قبل خلقه أنّه سوف يصدر منه بكامل إرادته وحريته الكفر والعناد والجحود، وبالتالي يكون مصيره في نهاية المطاف الخلود في نار جهنّم، إذًا السؤال هنا عن الحكمة.
يمكن الجواب عن ذلك بعدّة أجوبة، ولكن سنقتصر على ذكر ثلاثة منها فقط، وهي كما يلي:
الجواب الأوّل- أنّ في خلق الكافر والمؤمن والفاسق والعدل والعاصي والمطيع جميعًا في دار الدنيا؛ إظهارٌ لقدرةِ الله -تعالى- الكاملة؛ باعتبار أنّ خلقَ الناس مع اختلاف توجهاتهم ومعتقداتهم وأفكارهم؛ آيةٌ عُظمى من آيات أنّه -تبارك وتعالى- على كلّ شيء قدير، وإلّا لو خَلَقَ اللهُ -تعالى- من عباده المؤمنين فقط؛ لتوهّم بعضهم عجزه -سبحانه وتعالى- عن غير ذلك(١)، وهذا الجواب يستفاد ممّا رواه الشيخ الصدوق -رحمه الله تعالى- في العلل، بسنده عن الإمام الرضا -عليه السلام-، حيث سأله علي بن فضال: "لم خلق الله -سبحانه وتعالى- الخلق على أنواع شتّى، ولم يخلقهم نوعًا واحدًا؟ فقال -عليه السلام-: لئلّا يقع في الأوهام أنّه عاجز، ولا يقع صورة في وهم ملحد إلّا وقد خلق الله -عزّ وجلّ- عليها خلقًا؛ لئلّا يقول قائل: هل يقدر الله -عزّ وجلّ- على أنْ يخلق صورة كذا وكذا؛ لأنّه لا يقول من ذلك شيئًا إلّا وهو موجود في خلقه -تبارك وتعالى-، فيعلم بالنظر إلى أنواع خلقه أنّه على كل شئ قدير"(٢).
الجواب الثاني- أنّ خلق الكافر فيه إرشادٌ لذوي الألباب إلى بطلان فكرة الجبر في الأفعال؛ لأنّه لو كان الجبر جائزًا أو لازمًا؛ لكان المناسب لحكمة الله -تعالى- بمقتضى لطفه أنْ يجبر الناس جميعًا على الإيمان لا على الأضداد، والحال أنّ هذا الفرض خلاف ما هو واقع؛ إذ ليس كلّ الناس مؤمنين، بل فيهم المؤمن وفيهم الكافر، وإرجاع اختلاف الناس في الكفر والإيمان إلى الجبر باطل؛ لأنّ الجبر على الأضداد -كما أسلفنا- يخالف المناسب لحكمة الله في الجبر -لو كان جائزًا أو لازمًا- على الإيمان فقط غير المتحقّق خارجًا، وبالتالي يكون منشأ اختلافهم في ذلك هو الحريّة والإرادة التكوينيّة التي منحها الله -تعالى- لهم في اختيار الإيمان أو الكفر، وعليه يكون خلق الكافر المختار دالًّا على بطلان الجبر، ولو كان الخلق مقتصرًا على المؤمنين فقط الذين لا يُحتمل منهم الكفر -؛ لعدم خلق الكفّار أصلًا-؛ لظَنَّ البعض في إيمانهم -؛ بسبب عدم صدور الكفر عن أحدهم- الإيجاب دون الاختيار، ولكن وجود الكافر الذي قد يؤمن، والمؤمن الذي قد يكفر؛ يدفع ما قد يُظَنّ، ويدلّ العاقل بأدنى توجه على بطلان الجبر(٣).
الجواب الثالث- أنّ في خلق الكافر إظهار لحقارة الدنيا و نفاسة الآخرة؛ باعتبار أنّ الدنيا تقع فـي يـد البرّ والفاجر والمؤمن والكافر، والآخرة مخصوصة بالخواص وأهل العمل والإخلاص، فيكون ظهور ذلك للمؤمن داعيًا له إلى الزهد في الدنيا والرّغبة في الآخرة؛ لأنّ المشاهدة بالنظر أقوى من الخبر(٤)، وإلى هذا أشار النبيّ الأكرم -صلى الله عليه وآله- بقوله: "والذي نفس محمد بيده لو أنّ الدنيا كانت تعدل عند الله -عزّ وجلّ- جناح بعوضة ما سقى الكافر والفاجر منها شربة من ماء."(٥).
وصفوة القول: إنّ السؤال عن الحكمة وراء خلق الكافر المختار الذي يعلم الله -تعالى- أنّه سوف يخلده في نار جهنّم؛ له عدّة أجوبة، منها: أنّ في خلق الكافر إظهارٌ لقدرةِ الله -تعالى- الكاملة، ودفعٌ لِتَوهّم عجزه -سبحانه وتعالى- عن ذلك، ومنها: أنّ خلق الكافر فيه إرشادٌ إلى بطلان الجبر، وأيضًا فيه دفعٌ لظنّ الجبر على الإيمان؛ الحاصل من الاقتصار على المؤمنين في الخلق، ومنها: أنّ في خلق الكافر إظهار لحقارة الدنيا و نفاسة الآخرة.
الهوامش:------
(١) ينظر: الحرّ العامليّ، الشيخ محمد بن الحسن، رسالة علّة خلق الكافر، تحقيق وتصحيح عبد الهادي سجاد المحمودي، ص٤٣ و٥٤، نشر مؤسّسة معارف أهل البيت -عليهم السلام-، إيران-قم، الطبعة الأولى، سنة (١٤٤٢هـ).
(٢) الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمّي، علل الشرائع والأحكام والأسباب، ج١، ص٢٩، ح١٣، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت -عليهم السلام- لإحياء التراث، إيران-قم، الطبعة الأولى، سنة (١٤٤٣هـ).
(٣) ينظر: نفس المصدر الأوّل، ص٤٣ فقط.
(٤) ينظر: نفس المصدر الأوّل، ص٤٨-٤٩.
(٥) الطوسيّ، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن، الأمالي، ص٥٣١، ح١، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة-مؤسسة البعثة، الناشر دار الثقافة، إيران-قم، الطبعة الأولى، سنة (١٤١٤ه).
: الشيخ قتيبة عقيل المطوري-العتبة الحسينية المقدسة
|
|
|
|
|