|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى القرآن الكريم
الوجيز في علوم القران 7
بتاريخ : 29-12-2017 الساعة : 12:41 AM
الدرس السابع : أسباب النزول
نزل القران الكريم على رسول اللّه صلى الله عليه وآله في الفترة الممتدة من البعثة الشريفة إلى وفاته، وكانت الايات التي تنزل في المناسبات والأحوال المختلفة تتعرض لمختلف الأغراض الرسالية، فتارة تنزل الايات أو السور لتبيّن حكماً وتحدد موقفاً يتطلبه الواقع المعاش، وأخرى تجيب على سؤال يرفع إلى الرسول صلى الله عليه وآله وثالثة تعالج مشكلة حاصلة، وقد ينزل من القران ابتداءً ما يبيّن الأحكام والمعارف الإسلامية ويقص القصص ويضرب الأمثلة الأمر الذي يدخل في الأغراض العامة للرسالة.
v القرائن الحاليّة
من المعروف عند أهل العربية أن المتكلم قد يعتمد في مقام التكلّم والتخاطب على قرائن توضح مراده وتشكل جزءاً مهماً من أدوات الخطاب، هذه القرائن لا يمكن إهمالها في مجال تفسير الكلام. وهي على نوعين:
1- قرائن مقاليّة: من نفس اللفظ.
2- قرائن حالية، كالإشارات والحركات وحال المخاطب والواقع الحاصل والظرف المحيط بالمتكلم أو المخاطب.
فإن المتكلم عندما يورد جملة استفهامية مصدرة بهمزة الاستفهام مثلاً، قد يكون غرضه الاستفهام الحقيقي وقد يكون غرضه التقرير وقد يكون غرضه غير ذلك من الانكار والتعجب وأمثالها. ولا يمكن التمييز بين الأغراض المختلفة هذه إلا من خلال القرائن الحالية غالباً والمقالية أحياناً.
والمناسبات التي كانت تنزل فيها الايات تشكل قرائن حالية تحيط بالنص وتلقي ضوءاً
--------------------------------------------------------------------------------
51
--------------------------------------------------------------------------------
على المراد منه، وهو أمر يجعل لأسباب النزول أهميّة خاصة في فهم الايات. حيث أن معرفة الزمان والمكان وسائر الظروف المحيطة بالنص لها أثر في إماطة اللثام عن مكنونات المراد. وهذا أمر لا يقتصر في نطاق فهم القران الكريم وإنما هي قاعدة تجري في كل تخاطب، كالحديث النبوي وكلام المعصومين أيضاً، ومن هنا كان بالإمكان أن يقال إن دراسة السيرة النبوية وخصوصيات المجتمع المكي والمدني وتفاصيل الأحداث التي عاصرت النص لها مدخلية كبيرة في فهم النص. ولا نعني بذلك أن نكتفي بقراءة التاريخ أو السيرة ونفسر القران على ضوء ذلك، فإن دراسة السيرة يعني التدقيق فيها والوصول إلى الحقائق التاريخية وما هو الصحيح من سيرته صلى الله عليه وآله .
ولعل أسباب النزول هي حلقات ومحطات من تلك السيرة والوقائع التاريخية، لا بد من معرفتها بدقة بعيداً عن الخلفيات المسبقة.
v الدّس في أسباب النزول
لقد تعرضت مناسبات النزول كما تعرض التاريخ ككل للدّس والتشويه، وذلك لأغراض عديدة، منها ما كان لأغراض سياسية تهدف إلى تزييف الواقع لصالح الحكام، ولا شك أن نزول اية في شخص معين يعني الشيء الكثير في هذا المجال.
ومن تلك الأغراض ما يرتبط بتحريف معاني القران لتتناسب مع الأهواء والمذاهب. وهذا يجعل من دراسة أسباب النزول مهمة شاقة، تحتاج إلى تحقيق وتدقيق في سند الروايات، الناقلة لأسباب النزول، ولا بد من تطابق ما ورد في أسباب النزول مع العقيدة الثابتة، ومع سلسلة الحوادث والسير التاريخي حتى تبدو منسجمة تماماً مع بقية المقاطع.
وعليه نحتاج إلى تطبيق قواعد نقد النصوص الروائية.
فأحياناً يُدعى نزول اية في شخص، وبعد التدقيق يتبين أن نزول الاية حصل في زمان تأخر عن ذلك الشخص، أو يروي سبب النزول من لم يكن موجوداً حين نزول الايات كما يحصل مثلاً فيما يروى عن ابن عمر أو ابن عباس أو عائشة في مناسبات النزول في السور المكية الأولى، ليس على نحو الرواية عن الغير والحكاية عنهم بل على نحو الحضور والمشاركة في الحديث.
--------------------------------------------------------------------------------
52
--------------------------------------------------------------------------------
كما أن سياق الكثير مما روي في أسباب النزول يظهر منه أن الراوي لا ينقل المناسب رواية ومشافهة وإنما ينقل قصة تاريخية ثم يطبق الايات عليها ويربطها بها ربطاً، وهذا إن كان يعد حكاية لأسباب النزول فهو مجرد اجتهاد من الراوي.
وعدد كبير من أسباب النزول التي تروى متناقضة فيما بينها، وأحياناً قد تروى عن راوٍ واحد أسباب نزول في اية واحدة متناقضة أو لا يمكن الجمع بينها.
ولقد ساهمت قضية المنع في كتابة الحديث في عصر الخلافة الأول في خلط الأوراق وتضييع الحقائق، وفتحت الباب واسعاً أمام النقل بالمعنى الذي قد يفقد الحديث الكثير من الدقة والخصوصيات، ومهدت الطريق لمن يريد الدس والتلاعب والكذب، وخاصة أولئك المتربصون بالإسلام الدوائر من أهل الكتاب، وما كان هذا الكم الهائل من الإسرائيليات في الحديث إلا نتيجة لهذه المأساة، ولقد نال أسباب النزول قسطاً وافراً من تلك المدسوسات والإسرائيليات.
هذه الأمور دعت الكثير من محققينا إلى التقليل من أهمية أسباب النزول بل إسقاطها عن الاعتبار.
v المنهج اللازم إتباعه في تقييم أسباب النزول
مما تقدم يتبين أنه لا بد من اتباع المنهج التالي قبل الأخذ بأي نص متضمن لسبب نزول اية قرانية:
أولاً: إن القران الكريم هو الأصل الذي ينبغي عرض الأحاديث عليه لتمييز الموافق من المخالف وعلى أساسه نقبل الحديث أو نرفضه.
ثانياً: إن أسباب النزول هي روايات تحكي لنا شأن النزول الذي يساعد على فهم القران وتحديد المراد في اياته.وعليه فلا بد من عرض الأخبار المتضمنة لأسباب النزول أيضاً على القران قبل كل شيء وإسقاط ما كان منها مخالفاً للقران.
والمخالفة هنا لا بد أن تكون لما هو بيّن واضح ومعروف الدلالة. فلا يرد إشكال الدور الذي قد يدعى.
--------------------------------------------------------------------------------
53
--------------------------------------------------------------------------------
ثالثاً: يجري التحقيق في أسانيدها لإثبات صحتها وعدم نقلها عن الوضاعين والضعفاء وإلا فيجري فيها أحكام التعارض.
رابعاً: التأكد من عدم معارضة ما ورد في سبب النزول مع العقيدة الثابتة والصحيحة.
خامساً: التأكد من صحة المضمون تاريخياً وإمكانه، وذلك بتوافقه مع المسار التاريخي للأحداث، ومع زمان نزول الاية.
سادساً: التأكد من عدم معارضة رواية سبب النزول مع غيرها من الروايات.
فما يسلم عندنا من روايات أسباب النزول نستفيد منه في تفسير الايات، لكن اجراء هذه الموازين لن يسلم عندنا منها إلا القليل، ولأجل هذا لم يعلق عليها السيد الطباطبائي رضوان الله عليه الكثير من الأهمية واعتبر أن المعارف القرانية العالمية الدائمة لا تحتاج أبداً إلى أسباب النزول 1.
بينما يخالفه في ذلك الواحدي فيعتبر أنه يمتنع معرفة تفسير الاية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها 2. واعتبر غيره أن معرفة سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القران 3.
والحقيقة أن الثروة التفسيرية التي وصلتنا عن أهل بيت العصمة والطهارة أعانت كثيراً المفسر الشيعي، في حين أن المفسر السنّي حرم منها، فلم يعد أمامه بدّ من التشبث بأسباب النزول ونحن لا ننكر العلاقة الوثيقة بين التفسير وأسباب النزول، إلاّ أن ما يروى فيه من نصوص اعتمادها المفسرون الكثير منها ساقط إما سنداً أو لمخالفته للقران والعقائد الثابتة، هذاورغم أنهم ينصّون في بداية الأمر على ضرورة ملاحظة الصحيح من أسباب النزول لكنهم بعد ذلك يخلطون الغث بالسمين ويتشبثون بالسقيم خاصة عندما يكون المورد فيه إثبات فضيلة ومكرمة لأحد من الحكام أو المحسوبين عليهم.
--------------------------------------------------------------------------------
54
--------------------------------------------------------------------------------
v المورد لا يخصص الوارد
ومهما يكن فإن أسباب النزول ليست في حقيقتها وواقعها سوى مناسبات استدعت نزول الاية في وقتٍ ما و ظرفٍ خاص وفي الغالب فإن الايات النازلة في مناسبات خاصة كانت تؤسس لقاعدة عامة أو لحكم كلّي أو يبيّن حقيقة علمية، وهذا يعني أن النازل من القران في تلك المناسبات لا يختص بذلك المورد أو تلك المناسبة، وعليه فإن شأن النزول لا يلعب دوراًفي تخصيص ما نزل عاماً وتقييد ما نزل مطلقاً.
فالقران الكريم وإن نزل في زمان محدّد لكن الخطاب القراني لا يختص بجيل النزول، وهو يخاطب البشرية عامة والأجيال كلها.
فاية الظهار مثلاً نزلت بمناسبة مظاهرة أوس بن الصامت لزوجته خولة بنت ثعلبة كما في رواية أو في غيرهما كما في رواية أخرى إلاّ أن حكم الظهار الذي تضمنته الاية لا يختص بهما ولكنه يجري في كل حالة مشابهة إلى يوم القيامة.
ومثلها اية السرقة والزنا والقذف والحجاب واللعان.
وفي رواية عن الباقر عليه السلام أنه قال: " إن القران حي لا يموت، وإن الاية حية لا تموت فلو كانت الاية إذا نزلت في الأقوام ماتوا ماتت الاية لمات القران ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين " 4.
وروي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام :" إن القران حي لم يمت وإنه يجري التأكّد من الرواية الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على اخرنا كما يجري على أولنا " 5.
وقد اشتهر بين الفقهاء قولهم أن المورد لا يخصص الوارد، وهم يريدون بذلك المعنى المتقدم ذكره.
v التطبيق والجري
كثيراً ما يوردون الايات القرانية بعد ذكر الحوادث التاريخية لانطباقها عليها، دون
--------------------------------------------------------------------------------
55
--------------------------------------------------------------------------------
دعوى نزولها في شأنها. فيأتي من لا دقة له في النقل فيتخيل نزولها في تلك الواقعة فينقل ذلك.
وأحياناً يرد التطبيق على لسان الرسول صلى الله عليه وآله نفسه أو على لسان بعض الأئمة عليهم السلام، وهذا ينسجم تماماً مع ما قدّمنا من كون الاية تبقى على عمومها وإن نزلت في مناسبة خاصة، وهي تقبل الانطباق على كل مورد يتناوله عمومها وإن حصلا في زمان متأخر عن زمان نزول الاية.
بل ربما ورد تفسير اية لفظ عام بمصداق معين أو واقع خارجي خاص، وهو أيضاً كثير، ومع ذلك فهو لا يعني مطلقاً تخصيص الاية والغاء عمومها، وإنما هو من باب التطبيق والجري. وإلى هذا الأمر يشير باستمرار العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان، وهو من التفسير بذكر المصداق الخارجي أو الإشارة إلى أحد الموارد وأنها مقصودة في الاية، لا أنها تمام المقصود.
النتيجة: نظراً لفقدان أكثر ما يروى في أسباب النزول للسند المعتبر أو غيره من شروط القبول فلا يمكن الاعتماد عليها، وبذلك تقل أهمية دراسة أسباب النزول.
ومع ذلك فهي لا تخصص العام ولا تقيد المطلق، فتسميتها بمناسبات النزول أو شأن النزول أولى من تسميتها بالأسباب.
وقد بالغ أهل السنّة بالاهتمام بأسباب النزول وأعطوها دوراً كبيراً في التفسير رغم اضطراب أسانيدها. بينما أثرى التراث التفسيري عند الشيعة ما ورد في المأثور عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام .
v نماذج مدسوسة في أسباب النزول
1- قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ 6.
روى البخاري أنها نزلت في أبي طالب عندما حضرته الوفاة 7 وهو غير صحيح لكون
--------------------------------------------------------------------------------
56
--------------------------------------------------------------------------------
السورة مدنيّة إجماعاً. وتقدم نزول الاية عن السورة مما لا دليل عليه ولا يساعد عليه الاعتبار وهو مبني على مذهبهم من وفاة أبي طالب رضي الله عنه على الكفر وقد ثبت عندنا أنه مات على الإيمان.
وقد روي عندهم رواية أخرى في أنها نزلت في استغفار الرسول صلى الله عليه وآله لوالدته 8.
2- قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ...﴾ 9.
رووا في الصحيحين 10 أنها نزلت لما سأله اليهودي عن الروح، ويفترض أن يكون السؤال في المدنية لأنه هناك جاور اليهود وجرى له معهم الكثير من المناظرات، بينما السورة مكية بالإجماع، فالسؤال إذن ينبغي أن يكون من قبل المشركين في مكة، ولا مانع أن يكون بتوجيه من اليهود.
3- قوله تعالى: ﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ 11.
رووا في سبب نزولها 12 أن جماعة من كبار الصحابة كانوا قد دعاهم رجل إلى طعام فأكلوا وشربوا فلما ثملوا وجاء وقت الصلاة قدّموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ: " أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد " فنزلت الاية. وقد ذكر بعضهم أن صاحب الدعوة هو عبد الرحمن بن عوف، وإن من بينهم علي عليه السلام ، وأن الذي تقدم للصلاة هو علي أو عبد الرحمن، وهو لا يصح حتى مع القول بأن القصة قبل تحريم الخمر، لأن علياً عليه السلام لم يعاقرها أبداً، ولأن مقتضى العصمة عدم إمكانية ذلك وعدم إمكانية خطأ القراءة عليه خاصة في مثل هذه المواضع التي لا يمكن أن تبرر بعدم تحريم الخمر، بالإضافة إلى أن النهي عن الخمر جاء في سورة الأعراف وهي مكية. فالقصة من وضع الكذابين زمن الأمويين لإرضاء أمرائهم الحاقدين على علي عليه السلام وقد فسر في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام بأنه سكر النوم 13.
--------------------------------------------------------------------------------
57
--------------------------------------------------------------------------------
أسئلة حول الدرس
1- لماذا كانت لأسباب النزول أهمية خاصة في فهم الايات؟
2- ما هي الأسباب التي جعلت المحققين يقللون من أهمية أسباب النزول ويسقطونها عن الاعتبار؟
3- لماذا لا تعتبر مشكلة عدم التثبت من أسباب النزول سداً منيعاً بوجه المفسر الشيعي، بينما هي كذلك بالنسبة للمفسر السني؟
4- هل يختص القران بالمناسبة التي نزل فيها بحيث يكون الخطاب القراني في زمان محدد مختصاً بذلك الجيل المعاصر؟
5- أعطِ نموذجاً من النماذج المدسوسة في أسباب النزول.
هوامش
1- الطباطبائي، القران في الإسلام، 154 153.
2- الواحدي النيسابوري، أسباب النزول، 7.
3- حكاه السيوطي عن ابن دقيق العيد: الإتقان 1/92، وقريب منه عن أبي الفتح القشيري حكاه الزركشي: البرهان، 1/22.
4- المجلسي، بحار الأنوار، 430 35.
5- المصدر نفسه، 430 35.
6- سورة التوبة:113.
7- الواحدي، أسباب النزول 281، والبخاري كتاب الجنائز باب 18، ومناقب الأنصار باب04.
8- الواحدي، أسباب النزول، 381.
9- سورة الإسراء:85.
10- صحيح البخاري كتاب الإعتصام باب 8 3 وكتاب العلم باب 47.
11- سورة النساء:43.
12- راجع تفسير الكشاف للزمخشري 513 1 وما ورد في الهامش.
13- الكليني، الكافي 371 3 الحر العاملي، وسائل الشيعة 291 233/7.
|
|
|
|
|