فاطمة الزهراء آية من السماء / الجزء الأول
بقلم : عبود مزهر الكرخي
في مقالنا الحالي سوف نتطرق إلى جوانب مضيئة من شخصية السيدة الجليلة والعظيمة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والتي كانت مثار عدة نقاشات وحوارات حول السر الآلهي في خلق هذه المرأة ذات القدر الكبير والمنزلة الرفيعة والعظيمة عند الله سبحانه وتعالى وعند أبيها رسول الله نبينا الأكرم محمد(ص) والتي يبقى السر المستودع فيها لا يفقهه الكثير من البشر والتي لا يعلمها إلا أئمتنا المعصومين من نسلتها الطاهرة(سلام الله عليهم أجمعين)ولندخل في محيط الجود والمنهل الصافي لهذه الشخصية والتي ارتقى بها الله عز وجل لتصبح سيدة نساء العالمين لتصل إلى منزلة الأنبياء والمرسلين والتي لم تنالها إي أمراه عبر التاريخ لا في الأولين ولا في الآخرين. وسوف نناقش بعض ما يدعي من الكتاب والذين يدعون العلم في أن الزهراء امرأة شانها شأن النساء الأخريات وحتى هذا القول صدر من يدعي نسبه إلى بيت النبوة ومن ذرية لندحض كل ما أثير حول ذلك ونأمل من الله أن نوفق في مقالنا البحثي من دحض تلك الأقاويل والشبهات التي تثار حول سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليها السلام).
وفي البداية نورد قول الأمام الخميني(قس سره) يقول الإمام رحمه الله: (إن مختلف الأبعاد التي يمكن تصورها للمرأة وللإنسان تجسّدت في شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام لم تكن الزهراء امرأة عادية، كانت امرأة روحانية ملكوتية كانت إنساناً بتمام معنى الكلمة.. حقيقة الإنسان الكامل، لم تكن امرأة عادية بل هي كائن ملكوتي تجلى في الوجود بصورة إنسان، بل كائن جبروتي ظهر على هيئة امرأة... غداً ذكرى مولد الكائن الذي اجتمعت فيه المعنويات والمظاهر الملكوتية، والإلهية والجبروتية والملكية والإنسية).(1)
ويضيف رحمه الله: (فمثل هذه المنزلة.. تصدق طبقاً للروايات على فاطمة الزهراء عليها السلام أيضاً ولا يعني هذا أن تكون خليفة أو حاكماً أو قاضياً، بل هي شيء آخر أبعد من الخلافة والحكومة والقضاء لذلك فإن قولنا إن فاطمة لم تتولَّ الحكم أو الخلافة أو القضاء، لا يعني تجريدها من منزلة القرب تلك أو أنها امرأة عادية أو شخص مثلي ومثلكم).(2)
ويضيف ( كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام أنواراً محدقين بالعرش قبل أن يخلق اللَّه العالم كما تفيده الأحاديث المتوافرة لدينا وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا اللَّه.. وهي تصدق على فاطمة الزهراء عليها السلام أيضاً).(3)
وقد كان وفاتها ولنقل استشهادها مثار جدل بين كافة الفرق الإسلامية وفيهم من ينكر ذلك ومنهم من يؤيد ذلك على أنها استشهدت وهي مغصوب حقها وإسقاط جنيها وكسر ضلعها وهي تمثل حادثة خطيرة ليس في التاريخ الإسلامي فقط بل على مستوى التاريخ الإنساني ومن هناك كانت هناك روايات ثلاث في تحديد تاريخ استشهاد فاطمة الزهراء(ع) وتسمى بالأيام الفاطمية وهي الأولى والثانية والثالثة. وكان هذا التعدد مثار حوارات وجدال عدة وقد تتبعت الأمر هو طبيعي ولا داعي لهذا الجدل القائم حيث أنه في وفيات أئمتنا المعصومين نجد أن هناك العديد من الروايات في مواليدهم واستشهادهم فسيدي ومولاي الأمام الثامن علي بن موسى الرضا(ع) لديه ثلاث روايات في استشهاده والأمام الصادق لديه روايتين وغيرهم وحتى نبينا الأكرم لديه روايتين في وفاته وهي على رواية المذهب الشيعي والأخرى على المذهب السني وهذا ما سنتوقف عنده في بحث السبب في اختلاف الروايات في تحديد وفيات أهل البيت.
ولكن فلنقف على حقيقة مهمة وهي أن الزهراء صلوات الله عليها سر الله الأعظم وانها ليست امرأة عادية كما يدعي البعض من الكتاب قصيري النظرة والعلماء الذين لديهم أهواء أموية وعباسية وناصبية وكل ما يحيط بها صلوات الله عليها سر وكما أن ولادتها سر من أسرار الله تعالى ونطفتها لم يحملها آدم وحملها سر حيث كانت المحدثة لأمها خديجة سلام الله عليها ومؤنسة ومولدها سر وحياتها وعبادتها سر وكانت كلما وقفت في محرابها تزهر لملائكة السماء كما تزهر الكواكب لأهل الأرض وبالسر المستودع فيها فإن استشهادها سر ودفنها سر وقبرها سر وفي تاريخ استشهادها سر صلوات الله عليه وعلى أبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها .
وبقول الإمام الصادق صلوات الله عليه : { إن أمرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر}.(4)
وفاطمة الزهراء(ع) هي احد الأسرار المودعة في ملكوت إلى الأرض ولهذا في وقال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ....}.(5) وأسرار الله تعالى كلها أماناته في أرضه وقلوب أوليائه ولا إجازة لهتكها وكشف قناعها إلا بين يدي صاحبها الذي هو أهل لها وهذا أمر الله تعالى به عباده المخلصين من الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)
ولهذا لا يخفى على الله تعالى أي سر لأن الله تعالى خالق الإنسان في هذا العالم وإلى ذلك أشار القرآن{ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا }(6)، فيعلم الله تعالى حقيقة أسرار الناس وما يكتمون، إلا أنه هناك أسرار مودعة من قبل الله تعالى عند كثير من الأولياء وخصوصا الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين حيث أمرهم بحفظها ولا يظهروها إلا لمن هو أهل له.
لماذا هذا الاختلاف في تحديد اليوم؟
وهناك أراء عديدة في هذا الموضوع ولكني اخترت هذان الرأيان لمنطقيتهما وقربهما من الواقع
الرأي الأول : ويرى باحثون ومفكرون أن صعوبة تحديد التاريخ يأتي من الروايات المتعددة والمختلفة في توقيت شهادة الزهراء (ع)، ويعود ذلك إلى اختلاف نسخ الروايات إذ كان من الصعب جداً ضبط التواريخ أو توثيقها كما يحدث اليوم في عصرنا.
إلى ذلك أكد آخرون أن “التواريخ كلها كانت في تلك الأزمنة من المسموعات ولم تكن تدون أوّلاً بأوّل إلا نادرا”، ومن الطبيعي جداً أن تتعرض هذه المسموعات إلى النسيان مع مرور الأزمان واختلافها.
كما يشير باحثون إلى أن حركة التدوين جاءت متأخرة في التاريخ الإسلامي، وأن شهادة الزهراء (ع) حدثت في الصدر الأول من التاريخ الإسلامي قبل ظهور حركة التدوين التي يعتقد أنها ظهرت اعتباراً من القرن الثاني.
فيما يرى البعض أن تدوين التواريخ وإن وجد في تلك الفترة الزمنية ؛ فإنه كان يدوّن على صحف قديمة ووسائل تقليدية وبسيطة لا كما هو موجود اليوم, فتعرض الكثير منها للزوال من المؤثرات والعوارض الخارجية كتعرضها للماء أو أشعة الشمس.(7)
الرأي الثاني : وعنوانه هو :
تكتم إعلامي ضد ممارسات ميليشيات قرشية!
بينما ينظر الكاتب والباحث الإسلامي الشيخ عقيل الحمداني لهذا الاختلاف من زاوية مختلفة، إذ أكد الحمداني في تصريح خص به الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة أن التكتم الإعلامي على جرائم ما وصفه بـ “التحالفات القرشية” وراء اختلاف الروايات في تحديد يوم استشهاد الزهراء (ع).
وقال إن “منشأ الاختلاف في روايات شهادة الزهراء (ع) ناظر إلى الإحداث التي رافقت شهادة النبي (ص) والتي عند إعادة كتابة سيناريو تاريخي لها نرى أنها تترافق مع أخر لحظات شهادة النبي”.
وأضاف الحمداني أن “هجوم جيش الانقلابيين على المدينة بأكثر من ثلاثة آلاف مقاتل، وفرضهم حظر تجوال على المدنيين، والهجوم على دور الأنصار واتهامهم بمقولة منا أمير ومنكم أمير، مع اعتراف الثاني أن الأنصار كلهم بايعوا علي (ع) وكانوا معه، ولما كان جسد النبي (ص) مسجى في بيت فاطمة (ع) هجمت ميليشيات قريش على بيت فاطمة واسقطوا جنينها، فبقيت المدة مبهمة في مرضها حتى شهادتها فاختلفت الروايات في ذلك تبعا للتكتم الإعلامي ضد ممارسات التحالف القرشي”.
و رأى أن اختلاف الروايات في شهادة الزهراء (ع) يشبه كثيراً حكمة إخفاء قبرها الشريف لدوام ذكرها وتعريف الناس بظلامتها حسب الروايات الثلاث التي تعقد فيها المآتم التي تبين مظلوميتها وما جرى عليها من آلام ومحن.(8)
وهذا الرأي هو ما أميل إليه أكثر لأنه من المعروف أنه في عهد خلافة الشيخين تم منع تدوين الحديث الشريف وهو أمر سياسي بحت وأمر شخصي قد أتى به الشيخين ولم يكن أمر نهى عنه رسول الله (ص) كما ذكرت ذلك كل الكتب من فرق الجماعة والمذهب وقد أشار إلى ذلك كتاب الطبقات لأبن سعد حيث قال " إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بما أمر بتحريقها ".(9)
وبقى هذا المنع نافذا حتى ولي الحكم عمر بن عبد العزيز الأموي فرفع المنع وكتب إلى أهل المدينة : " ان انظروا حديث رسول الله فاكتبوه فاني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله . "(10)
و روى الذهبي أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال :" إنكم تحدثون عن رسول الله(ص) أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه".(11)
وروى الذهبي ان عمر حبس ثلاثة ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال : " أكثرتم الحديث عن رسول الله".(12)
ليأتي عثمان فقد أقر ذلك حيث قال على المنبر : " لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد ابي بكر ولا في عهد عمر".(13)
هذه أمثله ليس على الحصر مما كان على عهد الخلفاء الثلاثة من الحظر على الصحابة في نشر أحاديث الرسول ، غير أنهم جمجموا في الكلام ولم يفصحوا عن السبب كما فعله معاوية على عهده . ولعدم الإطالة في هذا الموضوع والذي تناولته في مقالات سابقة الخلاصة التي ننتهي إليها أن هذا المنع كان قراراً شخصياً وبأمر سياسي من الشيخين ليستمر إلى عهد عمر بن العزيز ولغايات الغرض منها تثبيت قواعد حكم من جلسوا على الحكم وإسكات كل معارض ومن أجل مخالفته لأوامر السلطة ، نفى أبو ذر من بلد إلى بلد حتى لقي حتفه طريدا فريدا بالربذة سنة 31 ه . وهو خير دليل على ما نقول.
وفي جزئنا سنكمل مقالنا البحثي إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية لنحلل عظمة الزهراء وإنها آية من السماء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
المصادر :
1 ـ مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني رحمه الله ص23.
2 ـ نفس المصدر ص 21.
3 ـ نفس المصدر ص 21.
4 ـ بصائر الدرجات 29.
5 ـ [النساء : 58].
6 ـ [الفرقان : 6].
7 ـ موقع مؤسسة الحكمة للثقافة الإسلامية / اخترنا لكم / مقال السيناريو “المفجع” لرحيل الزهراء (ع).. لماذا نختلف في تحديد تاريخه؟!
8 ـ الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة. وموقع مؤسسة الحكمة للثقافة الإسلامية / اخترنا لكم / مقال السيناريو “المفجع” لرحيل الزهراء (ع).. لماذا نختلف في تحديد تاريخه؟!
9 ـ طبقات ابن سعد 5 / 140 بترجمة القاسم بن محمد بن ابي بكر .
10 ـ فتح الباري باب كتابة العلم 1 / 218. مقدمة الدارمي : ص 126.. أبو حفص عمر بن عبد العزيز . ولي الخلافة سنة 99 فرفع اللعن عن الامام علي ، وأرجع فدكا إلى ورثة الزهراء ، وامر بكتابة الحديث وله حسنات اخرى . توفي سنة 101 ه.
11 ـ تذكرة الحفاظ للذهبي بترجمة ابي بكر 1 / 2 - 3 .
12 ـ تذكرة الحفاظ 1 / 7 بترجمة عمر . وابن مسعود هو أبو عبد الرحمن ، عبد الله بن مسعود الهذلي ، وأمه ام عبد بنت عبدود الهذلي . كان ابوه حليف بني زهرة . أسلم عبد الله قديما واجهر بالقرآن في مكة فضربوه حتى ادموه وهاجر إلى الحبشة والمدينة ، وشهد بدرا وما بعدها وقطع عثمان عطاءه سنتين لانكاره على الوليد ما ارتكبه ازمان ولايته على الكوفة ومات سنة اثنتين وثلاثين واوصى ان لا يصلي عليه عثمان . اسد الغاية 3 / 256 - 260 . ومستدرك الحاكم 3 / 315 و 320 وراجع احاديث عائشة 62 - 65 وابو مسعود الانصاري عقبة بن عمرو البدري ، اختلف في وفاته . اسد الغابة 5 / 296.
13 ـ منتخب الكنز بهامش مسند احمد 4 / 64 .