بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وكلنا يعلم ان الدنيا زائلة وسيؤول مصيرها إلى الفناء، ولكننا نجد بعضنا يتكالب عليها ويتنازع ما لها وسلطانها ويشيع في الأرض الفتن والفساد، مع أننا نعرف أن الموت إذا ما جاء لا يطرق الأبواب ولا يستأذن أحداً، وهو آت في ساعة ما دون ريب في ذلك، فكيف بنا لو عمّرنا ألف سنة؟ أو خلدنا في الدنيا؟ أيمكن أن نتصور كيف سيكون الحال؟! إذاً فراق الدنيا ووداع عالم الفناء نعمة جليلة بذاتهن رغم أنه يعد الإنسان لدخول عالم الخلد والبقاء، عالم الآخرة.
الوجه الأول: ان التذكير بفناء الدنيا يعد نعمة لأن المستمع سوف يقدّر حينها قيمة عمره الثمين، فيتوجه إلى إفناء سني عمره في لزوم الطاعات وبذل العبادات، لأن دأب العقلاء الذين تيقنّوا من لزوم الفناء للعالم وسرعة الرحيل عنه أن ينشغلوا بالتفكير والسعي نحو إعداد مستلزمات السفر البعيد إلى الآخرة لأنهم على موعد مسبق معها في وقت قريب، فنراهم يبذلون قصارى الجهود من أجل اعداد ما ينفع للمنزل العامر، بل ونراهم لا يحبّذون التفريط بساعة واحدة أو دونها بما لا يعود عليهم بالنفع والخير لآخرتهم، وهذا هو ديدان أهل القلوب الحيّة والنابضة الذين قد ضاق عليهم الوقت وسني العمر.
الوجه الثاني: وهو أن التذكير بفناء الدنيا يؤدي إلى نزع الثقة والاعتماد على لذات الدنيا ونعيمها باعتبار عدم ديمومة هذه النعم واللذات، وهذه الحال ستؤدي بالضرورة إلى أن يقلع الغني وصحيح البدن عن الغرور بماله: وبنفسه وينزع لباس الكبر والخيلاء والعجب وينظر إلى الآخرين على أنهم اقران له ليس إلاّ، وهكذا حال في المعدم والمريض والضعيف فهم سيطوون من اليأس كشحاً ولا يدعون للحزن أو المهانة سبيلاً إلى عنفوان إيمانهم، ونراهم لا يتزلزلون أو يذهلون لفقدهم بالموت عزيزاً وحبيباً عندهم لأنهم سيدركون أن (كل من عليها فانٍ) فلا هي الآلام تبقى، ولا المحن تدوم، ولا هو الهناء يقيم ولا النعيم يطول في دار قد رصدها الفناء والزوال والاندثار، وحينها عندما يأتون لك معزين بفقدك أمك أو أبيك ترد عليهم بكل سكينة، انه الموت الذي كتب علينا جميعاً فلن يفارق منّا أحداً.
ولعّل تذكير الحسين (ع) في ليلة عاشورا لأخته العقيلة زينب أفضل مصداق لما نقول حيث عنى بقوله (لقد رحل عن هذه الدنيا من هو أفضل مني، فقد خلّفها وراءه جدي وأبي وأمي وأخي، كما في نص قوله (ع) (جدي خير مني، وأبي خير مني، وامي خير مني، وأخي خير مني، ولكل مسلم برسول الله اسوة).