17 ديسمبر، 2013، الساعة 11:07 صباحاً
السيد / عدنان الجنيد
الأخوة الشرفاء والمواطنون الأوفياء ,إن بلدنا الحبيب(الجمهورية اليمنية)تتعرض اليوم إلى مؤامرة كبيرة وهي أخطر المؤامرات بدعم أجندة خارجية وعبر أيادٍ داخلية, وهذه المؤامرة هي :إشعال نار الفتنة الطائفية والعداوة المذهبية بين أبناء الشعب اليمني الواحد ,وتكاد هذه الفتنة أن تدخل إلى كل بيت ,وما نراه من سفك للدماء وقتل للنفوس البريئة إلا بسبب نتائج هذه الفتنة , فعليكم أيها المواطنون الغيورون على هذا الوطن أن توحدوا جمعكم وتلموا شعثكم ضد كل من يريد أن يفرِّق جماعتكم ويزرع العداوة والبغضاء فيما بينكم ,فأنتم مسلمون وإن اختلفت مذاهبكم وأفكاركم وآراؤكم ... فإلهاكم واحد ,ونبيكم واحد, وقرآنكم واحد, فلماذا يقتل بعضكم بعضا ؟ ولماذا يُكفِّر بعضكم البعض الآخر ؟؟ لقد حذَّر سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- أمته مما يحدث لها اليوم قائلاً: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)رواه البخاري
لكن الأمة عملت عكس ما أمرها به نبيها - صلى الله عليه وآله وسلم – وخالفت كتاب ربها الذي نهى عن قتل النفس الإنسانية ,قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)[ 151 الأنعام] .
وقال تعالى من قتل نفساً بعير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)[ 32 المائدة].
ولم يكتفِ الحق تعالى عند هذا الحد بل حثَّنا على الإحسان والمبرَّة إلى المشركين الذين لم يقاتلونا ولم يسعوا في مؤاذاتنا, قال تعالىلا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) [8 الممتحنة] ومعنى هذه الآية :لا ينهاكم الله بقوله (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )عن أن تحسنوا وتعاملوا بالعدل الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم, لأن ذلك منكم إقساط ,والله يحب المقسطين .وأما من قال بأن هذه الآية منسوخة بقوله (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ..)فليس بصحيح لأن هذه الآية التي زعموا بأنها ناسخة تعني الحربيين الذين حاربوا سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ونصبوا له العداء طوال عشر سنوات وهي من سورة التوبة جاءت بعد أن برئ الله ورسوله من المشركين الذين نقضوا العهود والمواثيق التي عقدها معهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فأمهلهم الله تعالى أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر أحراراً آمنين علَّهم يعودون إلى حظيرة الإسلام ويتركون ما هم عليه من إبطان الشرك ... هذا ولم يتم قتل أحد من المشركين لأنه لم تمض أربعة الأشهر إلا وقد أسلموا وأقاموا الشعائر الإسلامية ,وإذا كان كذلك فكيف يقولون بأن هذه الآية ناسخة لآية الممتحنة؟ إذاً فهذه الآية جاءت في ظرف معين وانتهى ,كذلك الأمر بقتال المشركين في هذه الاية مبين على كونهم هم الذين بدؤوا المسلمين بالقتال ونكثوا عهودهم قال تعالى : (ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة) [13: التوبة ] كذلك نجد في كتاب الله بأنه تعالى أمر المسلمين بقتال من قاتلهم في أكثر من آية كقوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا..) فلم يأمر الله تعالى المسلمين بقتل من خالفهم من أهل الديانات أو من سالمهم من بني الإنسان كما يظنه من لا فهم له في كتاب الله ,وأما الآية ـ السابقة ـ والتي أوردناها واستشهدنا بها فهي تشمل أهل الذمة والمعاهدين والمسالمين وليس الحربيين ,فإذا فهمت ذلك فلا نسخ.
من هذا تعلم بأن الله تعالى أمر المسلمين أن يحسنوا إلى المشركين الذين لم يقاتلوهم ولم يخرجوهم من ديارهم ,ومعلوم أن لفظ المشركين – كما ذهب إليه المفسرون – خاص بعبَّاد الأوثان والأصنام .,لأن لفظ المشرك يتناول من اتخذ مع الله إلهاً آخر ,وإذا كان كذلك فكيف يقتل المسلم أخاه المسلم؟ مع أن المسلم الموحِّد من أهل الجنة حسب ما جاء في الحديث ,فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عثمان بن عفان أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة)
قلت: وهذا ظاهر بأن مجرد العلم بالوحدانية موجب لدخول الجنة فكيف بعد هذا يُكفَّر المسلمُ الموحِّد ويُستباح دمه؟! وجاء ـ أيضاًـ في صحيحيّ البخاري ومسلم بالإسناد إلى المقداد بن عمرو أنه قال: (يارسول الله أرأيت إن لقيتُ رجلاً من الكفار ,فاقتتلنا فضرب إحدى يديّ بالسيف فقطعها ,ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله , أأقتله يارسول الله بعد أن قالها ؟فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـلا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)
قلت: فانظر بربك أيها المنصف إلى هذا الحديث وإلى أيِّ درجة بلغ في احترام الإسلام وأهله ... لقد قضى بأن المقداد على سوابقه وبلائه في الإسلام لو قتل ذلك الرجل لكان بمنزلة الكافرين وكان المقتول بمنزلة واحد من أعاظم السابقين في الإسلام فليتقِ الله الذين يفتون بتكفير مخالفيهم ,ويستبيحون دم أهل لا إله إلا الله .وأصرح من هذا الحديث ما أخرجه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال: (بعثنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى الحرقة فصبّحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ,فلما غشيناه قال :لا إله إلا الله ,فكف الانصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته ,فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك فقال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ؟ قلت: كان متعوذاً . قال :فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم )1هـ
قلت : لا يخفى ما في كلام أسامة من الدلالة على أنه كان يخاف أن لا يُغفر له ولذلك تمنّى تأخر إسلامه عن هذه الخطيئة ليكون داخلاً في حكم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (الإسلام يجبُّ ما قبله ) وناهيك بهذا دليلاً على احترام لا إله إلا الله وأهلها , ... وإذا كانت هذه حال من يقولها متعوِّذاً فكيف بمن قالها معتقداً بها ومؤدياً الصلاة المكتوبة ومتوجهاً للقبلة المشهودة ومخرجاً الزكاة المفروضة ومؤدياً لبقية أركان الإسلام؟!.
روى البخاري بسنده قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله سلم ـ من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ما للمسلم وعليه ما على المسلم ) وفيه ـ أيضاًـ بالإسناد إلى أنس قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من صلى صلا تنا واستقبل قبلتنا, وأكل ذبيحتنا ,فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله, فلا تخفروا الله في ذمته )
ومعلوم بأن جميع المذاهب الإسلامية الشيعية والسنية كلها تؤدي شعائر الدين وكلها متفقة على أصول الدين وإن اختلفت في فروعه ,وبهذا يحرم تكفير وقتل أي مسلم بأي مذهب كان قال تعالى : (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ...) أي فلا تكفِّروا ولا تقتلوا أخاكم الإنسان الذي ألقى عليكم تحية السلام فلا تُكفِّروه ولا تقتلوه بذريعة أنه ليس مؤمناً من أجل حطام الدنيا الزائل أو من أجل أن تحصلوا على ما معه من مال , فإن الله يغنيكم عن قتله إن انتهيتم عن قتله وتكفيره.
أخي المواطن الإنسان: إن جميع الديانات السماوية جاءت لاحترام النفس الإنسانية بغض النظر عن ديانتها ,فلا يجوز إباحة دم الإنسان ,وإني من هذا المنبر الفكري الحر أُهيب بكافة العلماء والدعاة وخطباء المساجد أن يكثفوا جهودهم ويشمروا عن سواعدهم بالقيام بواجبهم ,وذلك بتوعية الناس عبر جميع الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة... بتوعيتهم في حسن التعايش ,وبث روح التسامح ,واحترام الإنسان .وأهل الإسلام ,ونبذ الفرقة ,ونشر المحبة والسلام ,والاعتصام بكتاب الله الكريم.... وتحذيرهم من خطر التكفير وعواقبه الوخيمة ,واستباحة الدماء ,وأن هذه الفتنة الطائفية والعداوة المذهبية إنما زرعها أعداء الإسلام عبر أيادي عملائهم من الداخل ,كي يظل شعبنا اليمني ممزقاً ومشتتاً وصولاً إلى التناحر والاقتتال فيظل مشتغلاً بفتنه الداخلية وينسى أعداءه الحقيقيين
إن الفتنة الطائفية والمذهبية توشك أن تدخل إلى كل بيت إن لم يتم إيقافها في الحال ,والمسؤولية يتحملها الجميع ,فقد انتهى زمن الصمت ولا بد من الصدع بكلمة الحق هذا ولينتهي أهل العناد عن غيّهم ,وليحذروا غضب الله تعالى وسخط نبيهم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيُحرم قتل الإنسان ولا كفر في الإسلام .