|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 12:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى شيعته من المؤمنين والمسلمين، فإن الله يقول: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ، وهو إسمٌ شرفه الله تعالى في الكتاب، وأنتم شيعة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما أنه من شيعة إبراهيم. إسمٌ غير مختص، وأمر غير مبتدع، وسلام الله عليكم، والله هو السلام، المؤمِّن أولياءه من العذاب المهين، الحاكم عليكم بعدله.
أما بعد، فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم معاشر العرب على شر حال، يغذو أحدكم كلبه، ويقتل ولده! ويغير على غيره، فيرجع وقد أغير عليه! تأكلون العلهز والهبيد والميتة والدم! تنيخون على أحجار خُشْن، وأوثان مضلة، وتأكلون الطعام الجشب، وتشربون الماء الآجن، تَسافكون دماءكم، ويسبي بعضكم بعضاً!
وقد خص الله قريشاً بثلاث آيات وعمَّ العرب بآية، فأما الآيات اللواتي في قريش فهي قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
والثانية: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شيئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.
والثالثة: قول قريش لنبي الله تعالى حين دعاهم إلى الإسلام والهجرة، فقالوا: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا، فقال الله تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَئٍْ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
وأما الآية التي عمَّ بها العرب فهي قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.
فيا لها من نعمة ما أعظمها إن لم تخرجوا منها إلى غيرها، ويا لها من مصيبة ما أعظمها إن لم تؤمنوا بها وترغبوا عنها. فمضى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد بلغ ما أرسل به، فيا لها مصيبة خصت الأقربين، وعمت المؤمنين، لن تصابوا بمثلها، ولن تعاينوا بعدها مثلها!
فمضى صلى الله عليه وآله وسلم لسبيله وترك كتاب الله وأهل بيته، إمامين لايختلفان، وأخوين لا يتخاذلان، ومجتمعين لايتفرقان.
ولقد قبض الله محمداً نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولأنا أولى الناس به مني بقميصي هذا، وما ألقيَ في روعي، ولا عرضَ في رأيي، أن وجه الناس إلى غيري، فلما أبطأوا عني بالولاية لهممهم، وتثبط الأنصار وهم أنصار الله وكتيبة الإسلام وقالوا: أما إذا لم تسلموها لعلي فصاحبنا أحق بها من غيره! (يقصد عليه السلام أن هذا كان أمراً غير معقول لايتصور، وإلا فقد أخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما سيجري وصرح هو بذلك مراراً).
فوالله ما أدري إلى من أشكو، فإما أن تكون الأنصار ظلمت حقها، وإما أن يكونوا ظلموني حقي، بل حقي المأخوذ وأنا المظلوم، فقال قائل قريش: الأئمة من قريش، فدفعوا الأنصار عن دعوتها ومنعوني حقي منها!
فأتاني رهطٌ يعرضون عليَّ النصر، منهم ابنا سعيد، والمقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، والزبير بن العوام، والبراء بن عازب، فقلت لهم: إن عندي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عهداً وله إليَّ وصية لست أخالفه عما أمرني به، فوالله لو خزموني بأنفي لأقررت لله تعالى سمعاً وطاعة، فلما رأيت الناس قد انثالوا على أبي بكر بالبيعة أمسكت يدي، وظننت أني أولى وأحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه ومن غيره، وقد كان نبي الله أمر أسامة بن زيد على جيش وجعلهما في جيشه، وما زال النبي إلى أن فاضت نفسه يقول: أنفذوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة!
فلما رأيت راجعة من الناس قد رجعت عن الإسلام تدعو إلى محو دين محمد وملة إبراهيم عليهما السلام، خشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً وهدماً تكون المصيبة علي فيه أعظم من فوت ولاية أموركم، التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم تزول وتنقشع كما يزول وينقشع السحاب!
فنهضت مع القوم في تلك الأحداث حتى زهق الباطل، وكانت كلمة الله هي العليا، وإن رغم الكافرون...
فوليَ أبو بكر فقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً، حتى إذا احتضر قلت في نفسي ليس يعدل بهذا الأمر عني، ولولا خاصةٌ بينه وبين عمر، وأمرٌ كانا رضياه بينهما، لظننت أنه لايعدله عني، وقد سمع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبريدة الأسلمي حين بعثني وخالد بن الوليد إلى اليمن، وقال: إذا افترقتما، فكل واحد منكما على حياله وإذا اجتمعتما فعلي عليكم جميعاً، فغزونا وأصبنا سبياً فيهم خولة بنت جعفر جار الصفا، فأخذت الحنفية خولة، واغتنمها خالد مني وبعث بريدة إلى رسول الله مُحَشِّراً عليَّ، فأخبره بما كان من أخذي خولة فقال: يا بريدة حظه في الخمس أكثر مما أخذ، إنه وليكم بعدي! سمعها أبو بكر وعمر! وهذا بريدة حي لم يمت، فهل بعد هذا مقال لقائل.
فبايع عمر دون المشورة، فكان مرضي السيرة من الناس عندهم، حتى إذا احتضر قلت في نفسي ليس يعدل بهذا الأمر عني، للذي قد رأى مني في المواطن، وسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعلني سادس ستة! وأمر صهيباً أن يصلي بالناس، ودعا أبا طلحة زيد بن سعد الأنصاري فقال له: كن في خمسين رجلاً من قومك فاقتل من أبي أن يرضى من هؤلاء الستة!... (وقال) هؤلاء الرهط الذين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض، فكيف يأمر بقتل قوم رضي الله عنهم ورسوله، إن هذا لأمر عجيب! ولم يكونوا لولاية أحد منهم أكره منهم لولايتي، كانوا يسمعون وأنا أحاجُّ أبا بكر وأقول: يا معشر قريش إنا أحق بهذا الأمر منكم ما كان منا من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين بدين الله الحق، وإنما حجتي أني وليُّ هذا الأمر من دون قريش أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: الولاء لمن أعتق، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعتق الرقاب من النار وأعتقها من الرق، فكان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولاء هذه الأمة، وكان لي بعده ما كان له، فما جاز لقريش من فضلها عليها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم جاز لبني هاشم على قريش، وجاز لي على بني هاشم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، إلا أن تدعي قريش فضلها على العرب بغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن شاؤوا فليقولوا ذلك.
فخشي القوم إن أنا وليتُ عليهم أن آخذ بأنفاسهم وأعترض في حلوقهم، ولا يكون لهم في الأمر نصيب! فأجمعوا عليَّ إجماع رجل واحد، حتى صرفوا الولاية عني إلى عثمان، رجاء أن ينالوها ويتداولوها في ما بينهم... فدعوني إلى بيعة عثمان فبايعتُ مستكرهاً وصبرت محتسباً... فقال عبد الرحمن بن عوف: يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص! فقلت: لست عليه حريصاً وإنما أطلب ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحقه وأن ولاء أمته لي من بعده وأنتم أحرص عليه مني، إذ تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه بالسيف.
اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي، ودفعوا حقي، وصغروا قدري وعظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به منهم فاستلبونيه، ثم قالوا إصبر مغموماً أو مت متأسفاً!
وأيم الله لو استطاعوا أين يدفعوا قرابتي كما قطعوا سببي فعلوا، ولكنهم لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً! وإنما حقي على هذه الأمة كرجل له حق على قوم إلى أجل معلوم، فإن أحسنوا وعجلوا له حقه قبله حامداً، وإن أخروه إلى أجله أخذه غير حامد، وليس يعاب المرء بتأخير حقه، إنما يعاب من أخذ ما ليس له، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إليَّ عهداً فقال: يا ابن أبي طالب لك ولاء أمتي فإن ولوك في عافية وأجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه، فإن الله سيجعل لك مخرجاً. فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا معي مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الهلاك، ولو كان لي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمي حمزة وأخي جعفر لم أبايع مكرهاً، ولكني بليت برجلين حديثي عهد بالإسلام العباس وعقيل، فضننت بأهل بيتي عن الهلاك، فأغضيت عيني على القدى، وتجرعت ريقي على الشجى، وصبرت على أمَرِّ من العلقم، وآلم للقلب من حزِّ الشفار.
وأما أمر عثمان فكأنه علم من القرون الأولى عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى، خذله أهل بدر، وقتله أهل مصر، والله ما أمرت ولا نهيت، ولو أني أمرت كنت قاتلاً، ولو أني نهيت كنت ناصراً، وكان الأمر لاينفع فيه العيان، ولا يشفى منه الخبر، غير أن من نصره لايستطيع أن يقول خذله من أنا خير منه، ولا يستطيع من خذله أن يقول نصره من هو خير مني. وأنا جامع لكم أمره: إستأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع، والله يحكم بينكم و بينه. والله ما يلزمني في دم عثمان تهمة، ما كنت إلا رجلاً من المسلمين المهاجرين في بيتي، فلما قتلتموه أتيتموني تبايعوني فأبيت عليكم وأبيتم عليَّ، فقبضت يدي فبسطتموها وبسطتها فمددتموها، ثم تداككتم علي تداكَّ الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى ظننت أنكم قاتليَّ، وأن بعضكم قاتل بعض، حتى انقطعت النعل وسقط الرداء ووطئ الضعيف، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن حُمل إليها الصغير، وهدج إليها الكبير، وتحامل إليها العليل، وحسرت لها الكعاب فقالوا: بايعنا على ما بويع عليه أبو بكر وعمر، فإنا لانجد غيرك ولانرضى إلا بك، بايعنا لانفترق ولا نختلف! فبايعتم على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم دعوت الناس إلى بيعتي فمن بايعني طائعاً قبلت منه، ومن أبي تركته، فكان أول من بايعني طلحة والزبير فقالا: نبايعك على أنا شركاؤك في الأمر! فقلت: لا، ولكنكما شركائي في القوة، وعوناي في العجز، فبايعاني على هذا الأمر، ولو أبيا لم أكرههما كما لم أكره غيرهما! وكان طلحة يرجو اليمن، والزبير يرجو العراق، فلما علما أني غير موليهما استأذناني للعمرة يريدان الغدرة، فأتيا عايشة واستخفاها مع كل شئ في نفسها عليَّ... وقادهما عبد الله بن عامر إلى البصرة، وضمن لهما الأموال والرجال، فبيناهما يقودانها إذ هي تقودهما، فاتخذاها فئة يقاتلان دونها! فأيُّ خطيئة أعظم مما أتيا، أخرجا زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيتها فكشفا عنها حجاباً ستره الله عليها، وصانا حلائلهما في بيوتهما، ولا أنصفا الله ولا رسوله من أنفسهما! فمنيت بأطوع الناس في الناس عايشة بنت أبي بكر، وبأشجع الناس الزبير وبأخصم الناس طلحة بن عبيد الله، وأعانهم عليَّ يعلى بن منية بأصوع الدنانير، والله لئن استقام أمري لأجعلن ماله فيئاً للمسلمين!
ثم أتوا البصرة وأهلها مجتمعون على بيعتي وطاعتي، وبها شيعتي خزان بيت مال الله ومال المسلمين، فدعوا الناس إلى معصيتي وإلى نقض بيعتي وطاعتي، فمن أطاعهم أكفروه ومن عصاهم قتلوه! فناجزهم حكيم بن جبلة فقتلوه في سبعين رجلاً من عباد أهل البصرة ومخبتيهم، يسمَّوْنَ المثفنين كأن راح أكفهم ثفنات الإبل، وأبى أن يبايعهم يزيد بن الحارث اليشكري فقال: إتقيا الله، إن أولكم قادنا إلى الجنة فلا يقودنا آخركم إلى النار، فلا تكلفونا أن نصدق المدعي ونقضي على الغائب، أما يميني فشغلها علي بن أبي طالب ببيعتي إياه، وهذه شمالي فارغة فخذاها إن شئتما! فخنق حتى مات رحمه الله. وقام عبد الله بن حكيم التميمي فقال: ياطلحة هل تعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم هذا كتابي إليك. قال: هل تدري ما فيه؟ قال: إقرأه عليَّ. فقرأه فإذا فيه عيبُ عثمان ودعاؤه إلى قتله! فسيروه من البصرة!
وأخذوا عاملي عثمان بن حنيف الأنصاري غدراً فمثلوا به كل مثلة، ونتفوا كل شعرة في رأسه ووجهه! وقتلوا شيعتي طائفة صبراً، وطائفة غدراً، وطائفة عضواً بأسيافهم حتى لقوا الله!
فوالله لو لم يقتلوا منهم إلا رجلاً واحداً لحلَّ لي به دماؤهم ودماء ذلك الجيش لرضاهم بقتل من قتل! دع أنهم قد قتلوا أكثر من العدة التي قد دخلوا بها عليهم، وقد أدال الله منهم، فبعداً للقوم الظالمين. فأما طلحة فرماه مروان بسهم فقتله، وأما الزبير فذكرته قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك تقاتل علياً وأنت ظالم له! وأما عايشة فإنها كانت نهاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مسيرها، فعضت يديها نادمة على ما كان منها!
وقد كان طلحة لما نزل ذا قار قام خطيباً فقال: أيها الناس إنا أخطأنا في عثمان خطيئة ما يخرجنا منها إلا الطلب بدمه، وعليٌّ قاتله وعليه دمه...!
فلما بلغني قوله وقول كان عن الزبير قبيح، بعثت إليهما أناشدهما بحق محمد وآله ما أتيتماني وأهل مصر محاصرو عثمان فقلتما: إذهب بنا إلى هذا الرجل فإنا لا نستطيع قتله إلا بك، لما تعلم أنه سيَّر أبا ذر رحمه الله، وفتق عماراً، وآوى الحكم بن أبي العاص وقد طرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر، واستعمل الفاسق على كتاب الله الوليد بن عقبة، وسلط خالد بن عرفطة العذري على كتاب الله يمزقه ويحرقه، فقلت: كل هذا قد علمت ولا أرى قتله يومي هذا، وأوشك سقاؤه أن يخرج المخض زبدته! فأقرَّا بما قلت! وأما قولكما إنكما تطلبان بدم عثمان، فهذان ابناه عمرو وسعيد، فخلوا عنهما يطلبان دم أبيهما، ومتى كان أسد وتيم أولياء بني أمية، فانقطعا عند ذلك! فقام عمران بن حصين الخزاعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا هذان لا تخرجانا ببيعتكما من طاعة علي، ولا تحملانا على نقض بيعته فإنها لله رضى، أما وسعتكما بيوتكما حتى أتيتما بأم المؤمنين! فالعجب لاختلافها وإياكما ومسيرها معكما، فكفَّا عنا أنفسكما وارجعا من حيث جئتما، فلسنا عبيد من غلب، ولا أول من سبق! فهمَّا به ثم كفَّا عنه!
وكانت عايشة قد شكَّت في مسيرها وتعاظمت القتال، فدعت كاتبها عبيدالله بن كعب النميري فقالت أكتب: من عايشة بنت أبي بكر إلى علي بن أبي طالب، فقال: هذا أمر لايجري به القلم . قالت: ولمَ؟ قال: لأن علي بن أبي طالب في الإسلام أول وله بذلك البدء في الكتاب. فقالت: أكتب: إلى علي بن أبي طالب من عايشة بنت أبي بكر، أما بعد فإني لست أجهل قرابتك من رسول الله، ولا قدمك في الإسلام، ولا غَنَاءك عن رسول الله، وإنما خرجت مصلحة بين بنيَّ لا أريد حربك إن كففت عن هذين الرجلين، في كلام لها كثير، فلم أجبها بحرف، وأخرت جوابها لقتالها.
فلما قضى الله لي الحسنى سرتُ إلى الكوفة، واستخلفت عبد الله بن عباس على البصرة، فقدِمتُ الكوفة وقد اتسقت لي الوجوه كلها إلا الشام، فأحببت أن أتخذ الحجة وأفضي العذر، أخذت بقول الله تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، فبعثت جرير بن عبد الله إلى معاوية معذراً إليه، متخذاً للحجة عليه، فردَّ كتأبي وجحد حقي ودفع بيعتي، وبعث إليَّ أن ابعث إليَّ قتله عثمان، فبعثت إليه ما أنت وقتلة عثمان؟ أولاده أولى به، فادخل أنت وهم في طاعتي ثم خاصم القوم لأحملكم وإياهم على كتاب الله، وإلا فهذه خدعة الصبي عن رضاع المليّ! فلما يئس من هذا الأمر بعث إلي أن اجعل الشام لي حياتك، فإن حدث بك حادث من الموت لم يكن لأحد عليَّ طاعة، وإنما أراد بذلك أن يخلع طاعتي من عنقه، فأبيتُ عليه، فبعث إليَّ إن أهل الحجاز كانوا الحكام على أهل الشام، فلما قتلوا عثمان صار أهل الشام الحكام على أهل الحجاز! فبعثتُ إليه إن كنت صادقا فسمِّ لي رجلاً من قريش الشام تحل له الخلافة، ويُقبل في الشورى، فإن لم تجده سميت لك من قريش الحجاز من يحل له الخلافة ويُقبل في الشورى.
ونظرت إلى أهل الشام فإذا هم بقية الأحزاب، فراش نار وذباب طمع، تجمَّع من كل أوب، ممن ينبغي أن يؤدب ويحمل على السنة، ليسوا مهاجرين ولا أنصار، ولا تابعين بإحسان، فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة فأبوا إلا فراقي وشقاقي، ثم نهضوا في وجه المسلمين ينضحونهم بالنبل ويشجرونهم بالرماح! فعند ذلك نهضت إليهم، فلما عضتهم السلاح ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف فدعوكم إلى ما فيها، فأنبأتكم أنهم ليسوا بأهل دين ولا قرآن، وإنما رفعوها مكيدة وخديعة فامضوا لقتالهم، فقلتم إقبل منهم واكفف عنهم فإنهم إن أجابوا إلى ما في القرآن، جامعونا على ما نحن عليه من الحق، فقبلت منهم وكففت عنهم، فكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين حكمين ليحييا ما أحياه القرآن، ويميتا ما أماته القرآن، فاختلف رأيهما واختلف حكمهما، فنبذا ما في الكتاب، وخالفا ما في القرآن وكانا أهله.
ثم إن طائفة اعتزلت فتركناهم ما تركونا، حتى إذا عاثوا في الأرض يفسدون ويقتلون، وكان فيمن قتلوه أهل ميرة من بني أسد، وخباباً وابنه وأم ولده، والحارث بن مرة العبدي، فبعثت إليهم داعياً فقلت إدفعوا إلينا قتلة إخواننا، فقالوا: كلنا قتلتهم، ثم شدت خيلهم ورجالهم، فصرعهم الله مصارع الظالمين.
فلما كان ذلك من شأنهم، أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم فقلتم: كلَّت سيوفنا ونصلت أسنة رماحنا وعاد أكثرها قصيداً، فأذن لنا فلنرجع ولنستعد بأحسن عدتنا، وإذا نحن رجعنا زدنا في مقاتلتنا عدة من قتل منا، حتى إذا أظللتم على النخيلة أمرتكم أن تلزموا معسكركم، وأن تضموا إليه نواصيكم، وأن توطنوا على الجهاد نفوسكم، ول اتكثروا زيارة أبناءكم ونساءكم، فإن أصحاب الحرب مصابروها، وأهل التشمير فيها الذين لا يتوجدون من سهر ليلهم ولا ظمأ نهارهم، ولا فقدان أولادهم ولا نساءهم! فأقامت طائفة منكم معدة، وطائفة دخلت المصر عاصية، فلا من دخل المصر عاد إليَّ، ولا من أقام منكم ثبت معي ولا صبر، فلقد رأيتني وما في عسكري منكم خمسون رجلاً، فلما رأيت ما أنتم عليه دخلتُ عليكم فما قدر لكم أن تخرجوا معي إلى يومكم هذا!
لله أبوكم ألا ترون إلى مصر قد افتتحت، وإلى أطرافكم قد انتقصت، وإلى مسالحكم تُرقى، وإلى بلادكم تُغزى، وأنتم ذووا عدد جم، وشوكة شديدة، وأولوا بأس قد كان مخوفاً! لله أنتم أين تذهبون، وأنى تؤفكون، ألا وإن القوم قد جدوا وتآسوا وتناصروا وتناصحوا، وإنكم قد أبيتم وونيتم وتخاذلتم وتغاششتم، ما أنتم إن بقيتم على ذلك سعداء، فنبهوا رحمكم الله نائمكم، وتجردوا وتحروا لحرب عدوكم، فقد أبدت الرغوة عن الصريح، وأضاء الصبح لذي عينين، فانتبهوا إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء، وأهل الجفاء ومن أسلم كرهاً، وكان لرسول الله آنفاً وللإسلام كله حرباً! أعداء السنة والقرآن، وأهل البدع والإحداث، ومن كانت نكايته تتقى، وكان على الإسلام وأهله مخوفاً، وآكلة الرشا، وعبيد الدنيا!
ولقد أنهيَ إليَّ أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه أتيَّةً هي أعظم مما في يديه من سلطانه، فصفرتْ يد هذا البائع دينه بالدنيا، وخزيتْ أمانة هذا المشتري بنصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وأيُّ سهم لهذا المشتري بنصرة فاسق غادر، وقد شرب الخمر وضرب حداً في الإسلام، وكلكم يعرفه بالفساد في الدين وإن منهم من لم يدخل في الإسلام وأهله حتى رضخ له عليه رضيخة! فهؤلاء قادة القوم، ومن تركت لكم ذكر مساوية أكثر وأبور! وأنتم تعرفونهم بأعيانهم وأسمائهم كانوا على الإسلام ضداً، ولنبي الله صلى الله عليه وآله وسلم حرباً، وللشيطان حزباً، لم يقدم إيمانهم ولم يحدث نفاقهم!
وهؤلاء الذين لو ولوا عليكم لأظهروا فيكم الفخر والتكبر، والتسلط بالجبرية، والفساد في الأرض! وأنتم على ما كان منكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدى سبيلاً، منكم الفقهاء والعلماء والفهماء، وحملة الكتاب والمتهجدون بالأسحا ، ألا تسخطون وتنقمون أن ينازعكم الولاية السفهاء البطاء عن الإسلام، الجفاة فيه؟!
إسمعوا قولي يهدكم الله إذا قلت، وأطيعوا أمري إذا أمرت، فوالله لئن أطعتموني لاتغوون، وإن عصيتموني لاترشدون! قال الله تعالى: أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ . وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ، فالهادي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هاد لأمته على ماكان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن عسى أن يكون الهادي إلا الذي دعاكم إلى الحق، وقادكم إلى الهدى! خذوا للحرب أهبتها، وأعدوا لها عدتها، فقد شبَّت وأوقدت، وتجرد لكم الفاسقون لكيما يطفئوا نور لله بأفواههم، ويغروا عباد الله.
ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والجفاء، أولى بالحق من أهل البر والإحسان والإخبات في طاعة ربهم ومناصحة إمامهم!
إني والله لو لقيتهم وحدي وهم أهل الأرض ما استوحشت منهم ولا باليت، ولكن أسفٌ يريبني وجزعٌ يعتريني من أن يلي هذه الأمة فجارها وسفهاؤها، فيتخذون مال الله دولاً، وكتاب الله دغلاً، والفاسقين حزباً، والصالحين حرباً!
وأيم الله لولا ذلك ما أكثرت تأنيبكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ أبيتم حتى حمَّ لي لقاؤهم، فوالله إني لعلى الحق، وإني للشهادة لمحب، وإني إلى لقاء الله ربي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر، إني نافرٌ بكم فانفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، ولاتثاقلوا في الأرض فتغموا بالذل، وتقروا بالخسف، ويكون نصيبكم الأخسر! إن أخا الحرب اليقظان الأرق، إن نام لم تنم عينه، ومن ضعف أوذي، ومن كره الجهاد في سبيل الله كان المغبون المهين.
إني لكم اليوم على ما كنت عليه أمس، ولستم لي على ما كنتم عليه، من تكونوا ناصريه أخذ بالسهم الأخيب! والله لو نصرتم الله لنصركم وثبت أقدامكم، إنه حقٌّ على الله أن ينصر من نصره، ويخذل من خذله، أترون الغلبة لمن صبر بغير نصر، وقد يكون الصبر جبناً ويكون حمية، وإنما النصر بالصبر، والورد بالصدر، والبرق بالمطر. اللهم اجمعنا وإياهم على الهدى، وزهدنا وإياهم في الدنيا، واجعل الآخرة خيرا لنا من الأولى). انتهى.
(نهج السعادة للمحمودي: 5 /194، وذكر من مصادره في: 5 /258: كشف المحجة لثمرة المهجة للسيد ابن طاووس ص173 ، و البحار:8 /184، ط الكمباني، ....ثم قال: وممن روى هذا الكتاب بألفاظه من أهل السنة إلا في ألفاظ نادرة وجمل يسيرة هو ابن قتيبة فإنه رواه في الجزء الأول من الإمامة والسياسة ص154، ط مصر. في عنوان: ما كتبه علي لأهل العراق قبل بيان مقتله عليه السلام. ورواه أيضاً بمغايرة طفيفة في بعض ألفاظه وجمله إبراهيم بن محمد الثقفي في الغارات، كما في بحار الأنوار: 8 /615، في عنوان: الفتن الحادثة بمصر، وشهادة محمد بن أبي بكر. وأشار إلى هذا الكتاب أحمد بن يحيى البلاذري، أنساب الأشراف ص400... ورواه أيضاً محمد بن جرير بن رستم الطبري المتوفى أوائل القرن الرابع في آخر الباب الرابع من كتاب المسترشد، 77 قال: وروي الشعبي عن شريح بن هانئ قال: خطب علي بن أبي طالب عليه السلام بعدما افتتحت مصر، ثم قال: وإني مخرج إليكم كتاباً فيه جواب ما سألتم عنه وكتب: (من عبد الله علي أميرالمؤمنين، إلى من قرئ عليه كتابي من المؤمنين والمسلمين، أما بعد فإن الله بعث محمداً... ثم ساق الكتاب كما تقدم برواية ثقة الإسلام باختلاف طفيف في بعض ألفاظه). انتهى.
|
|
|
|
|