إنّ البخاري و إن ذكر شيئاً من فضائل علي وأهل بيته وأصحابهم، إلاّ أنّ قلمه يرتعش عندما يصل إلى فضائلهم فيعبث بالحديث مهما أمكن، وإليك نموذجين:
إنّ حديث الولاية، يعني قول النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في حقّ علي ـ عليه السَّلام ـ : «علي منّي وأنا من علي، وهو وليّكم من بعدي» من الأحاديث المتضافرة الذي أخرجه غير واحد من أئمّة الصحاح والسنن وحفّاظ الحديث، وقد نقله جمّ غفير من كبار أئمّة الحديث في كتبهم، ربّما يبلغ عددهم حسب ما استخرجه المحقّق المتتبع السيد حامد حسين اللكهنوي(المتوفّى1306هـ) في كتابه «عبقات الأنوار» إلى 65 محدثاً وحافظاً، وعلى رأسهم:
1. سليمان بن داود الطيالسي(المتوفّـى204هـ).
2. أبوبكر عبد اللّه بن محمد بن أبي شيبة(المتوفّـى 239هـ).
3. أحمد بن حنبل(المتوفّـى241هـ).
4. محمد بن عيسى الترمذي(المتوفّـى279هـ).
5. أحمد بن شعيب النسائي (المتوفّـى303هـ).
إلى غير ذلك من أئمّة الحفّاظ والمحدّثين(1)، وإليك نصّ الحديث:
1) أخرج النسائي في خصائصه قائلاً: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، عن ابن فضيل، عن الأعرج، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: بعثنا رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إلى اليمن مع خالد بن الوليد، وبعث علياً على جيش آخر، وقال: إن التقيتما فعليٌّ على الناس، وإن تفرّقتما فكلّ واحدمنكما على جنده، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، وظفر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى عليّ جاريةً لنفسه من السبي، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأمرني أن أنال منه. قال: فدفعت الكتاب إليه ونلت من عليّ، فتغيّر وجه رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، فقلت: هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وألزمتني بطاعته فبلّغت ما أُرسلت به. فقال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لي: «لا تقعنَّ يا بريدة في عليّ، فإنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي».(2)
2) وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس، عن بريدة، قال: غزوت مع عليّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمتُ على رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ذكرت عليّاً فتنقّصته فرأيت وجه رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يتغيّر، فقال : «يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»، قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه».(3)
وما جاء في الحديث الذي أخرجه النسائي من قوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «عليّ منّي وأنا من علي وهو وليكم بعدي» لا ينافي المنقول في مسند أحمد، ولعلّ الرسول جمع بين الكلمتين، أو أنّ الراوي نقل بالمعنى فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
وعلى كلّ حال فالحديث كان مذيّلاً بما يدلّ على ولايته بعد رحيل الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .
ويؤيد ذلك انّ الإمام أحمد أخرج الحديث عن عمران بن حصين بالشكل التالي:
3) قال: بعث رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ سرية وأمّر عليهم علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنه) فتعاقد أربعة من أصحاب محمد أن يذكروا أمره لرسول اللّه، قال عمران: وكنّا إذا قدمنا من سفرنا بدأنا برسول اللّه، فسلّمنا عليه، قال: فدخلوا عليه، فقام رجل منهم، فقال يا رسول اللّه: إنّ عليّاً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه.
ثمّ نقل قيام الثلاثة الباقين وتكرارهم ذلك القول وإعراض الرسول عنهم، حتى انتهى إلى قوله: فأقبل رسول اللّه على الرابع وقد تغيّر وجهه، فقال: «دعوا عليّاً، إنّ عليّاً مني وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي».(4)
4) وأخرج الترمذي عن عمران بن حصين ونقل الحديث مثل ما نقل أحمد بن حنبل، إلى أن قال: فقام الرابع، فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليه رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ـ والغضب يُعرف في وجهه ـ فقال: «ما تريدون من عليّ! ما تريدون من عليّ! ما تريدون من عليّ! إنّ عليّاً مني وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن بعدي».(5)
ترى أنّالرواية تنصّ على الولاية الدالّة على أنّه الإمام بعد رحيل الرسول لكن البخاري كعادته أخرج الحديث عن بريدة، فذكر شيئاً من الحديث وحذف بيت القصيد منه، فأخرج الحديث عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه بالنحو التالي :
قال: بعث النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلمّـا قدمنا على النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ذكرت ذلك له.
فقال: «يا بريدة أتبغض عليّاً؟» فقلت: نعم، قال: «لا تبغضه فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك».(6)
ترى أنّه حذف الفقرة الأخيرة من الحديث التي هي بمنزلة بيت القصيد منه وهي: «انّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي».
ومن المؤسِف انّ الشيخين : البخاري ومسلماً لم ينقلا عن علي ـ عليه السَّلام ـ في صحيحهما إلاّ ثلاثة وأربعين حديثاً (7) ، وفي الوقت نفسه نقلا عن أبي هريرة ما يناهز ستمائة وسبعة أحاديث(8) . والأوّل باب علم النبي وأوّل من آمن به ولازمه منذ نعومة أظفاره إلى رحيل النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، والثاني أسلم سنة سبع، وأدرك من عصر النبوة أربع سنين وقضى سنة منها في البحرين وصاحب النبي قرابة ثلاثة أعوام .
( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى ).(9)
ــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
1- لاحظ نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار:15/51ـ54.
2- خصائص علي بن أبي طالب:167، تحقيق محمد باقر المحمودي، الطبعة الأُولى ـ 1403هـ.
3- مسند أحمد بن حنبل: 5/347.
4- مسند أحمد:4/437.
5- سنن الترمذي:5/632.
6- صحيح البخاري:5/163، باب بعث علي بن أبي طالب و خالد ابن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع.
7- الجمع بين الصحيحين للحميدي:1/157ـ173.
8- الجمع بين الصحيحين: 3/5ـ322.
9- النجم:22.