بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ ... وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ
------------------
أحكام قضاء صوم شهر رمضان
بعد انقضاء شهر رمضان المبارك أعاده الله على المؤمنين باليمن والبركات ربما لم يتوفق بعض المؤمنين لصيامه ، كلاً أو بعضاً ، لعذر أو لغير عذر
وبعض من لم يصمه يجب عليه بعد انقضائه قضاءُ ما فاته من صوم شهر رمضان ، فهو مكلف بالقضاء عوض ما فاته من التكليف بالأداء
ولمّا كان لقضاء الصوم أحكام فقهية عديدة ، دوّنها الفقهاء - أعلى الله تعالى مقامهم وجزاهم عنّا خيراً - في كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية
وأغلبها مسائل ابتلائية ربما تكون مغفولةً عنها ولم يُحِط بها أكثر المؤمنين خُبراً ، مضافاً الى صعوبة لغة الفقهاء وطرحهم على عامة المؤمنين
ارتأيت التعرض الى المهم من هذه الأحكام وطرحها وصياغتها بالشكل الذي يسهل على الإخوة المؤمنين الوقوف عليها والاستفادة منها
مضافاً الى الإشارة الى بعض مسائل الخلاف بين الفقهاء ، وذلك _ بعد التوكل على الله تعالى _ ضمن أمور :
الأمر الأول / القاعدة أن كل من فاته صوم شهر رمضان وجب عليه قضاؤه يستثنى من ذلك :
أ / ما فات في زمان عدم التكليف بصوم شهر رمضان كما إذا فاته الصوم بسبب الإغماء أو الجنون أو في زمان الصغر وعدم البلوغ .
ب / الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا لم يصوموا شهر رمضان فلا يجب عليهم القضاء وتجب عليهم الفدية عن كل يوم مد من الطعام .
ج / من أفطر في شهر رمضان بسبب المرض واستمر به المرض المانع من الصوم والقضاء الى رمضان التالي بحيث لم يتمكن من القضاء طيلة السنة
فحينئذٍ يسقط عنه التكليف بالقضاء وتجب عليه الفدية عن كل يوم مد من الطعام .
د / من أفطر في شهر رمضان بسبب المرض ، ومات قبل أن يبرأ منه بحيث لم يُكلف بالقضاء لم يجب القضاء عنه بعد موته .
ما عدا ذلك يجب على كل من فاته الصوم في شهر رمضان قضاؤه بعد شهر رمضان .
الأمر الثاني / يجب في صحة صوم القضاء النية كسائر العبادات الأخرى ، وهذه بعض أحكامها :
أ / لا يشترط التلفظ والكلام في النية بل يكفي أن يقصد في نفسه الصوم قضاءً عما فاته من صوم رمضان ويعزم على ذلك ، ولو أراد التلفظ
فلا يشترط قولٌ مخصوص فيكفي مطلق ما يدل على فعل الصوم قضاءً قربة الى الله تعالى .
ب / أفتى بعض الفقهاء كالسيد السيستاني بوجوب قصد القضاء في النية فلا يكفي أن ينوي صيام يوم غد قربة الى الله تعالى ، بل لا بد أن ينوي
أن يصوم يوم غد بعنوان القضاء عما فاته من صوم شهر رمضان قربة الى الله تعالى ، فقصد القضاء معتبر في النية فلو نوى الصوم لا بعنوان
القضاء لم يصح ، والمعروف عدم الوجوب وكفاية النية الإجمالية بأن ينوي الصوم المأمور به ، وفصّل بعض الفقهاء كالسيد الصدر والشيخ الفياض
بين ما إذا كانت ذمته مشغولة بصوم آخر غير القضاء كالكفارة فلا بد أن ينوي القضاء وبين ما إذا لم تكن مشغولة الا بالقضاء فيكفي أن ينوي
ما في الذمة أو الصوم المأمور به ونحو ذلك .
ج / تتضيق نية القضاء عند الزوال فكما يجوز أن ينوي من الليل أو عند الفجر صيام يوم غد قضاءً يجوز أن ينوي القضاء الى ما قبل الزوال
فلو أصبح ممسكاً ولم يتناول المفطر ثم قبل الزوال بدا له أن يصوم ذلك اليوم قضاءً جاز له ذلك ، أما بعد الزوال فلا يصح فلو لم ينوِ الصوم
حتى زالت الشمس ودخل وقت صلاة الظهر لم يصح أن ينوي القضاء بعد ذلك كما لا يصح أن ينوي الصوم المندوب وإن كانت نيته تستمر الى
الغروب لعدم جواز الصوم المندوب لمن اشتغلت ذمته بالقضاء .
د / إذا كان في ذمته قضاء أكثر من يوم فهل يصح أن يكتفي بنية واحدة في اليوم الأول للجميع ؟ بأن ينوي منذ الليلة الأولى صيام عشرة أيام مثلاً قضاء
ولا يجدد النية في كل ليلة كما هو الحال في شهر رمضان حيث يصح أن ينوي صيام الشهر كله منذ الليلة الأولى بلا حاجة الى تجديد النية
في كل ليلة ، فهل يصح ذلك في القضاء أيضاً أم لا بد أن ينوي كل يوم في ليلته فيكون لكل يوم نية مستقلة في ذلك اليوم ؟
قال بعض الفقهاء كالسيد الصدر لا يصح ذلك في القضاء بل لا بد لكل يوم من نية مستقلة تبدأ بأول الليل وتنتهي عند زوال ذلك اليوم ، فلو أراد أن
يصوم يوم الخميس قضاءً فله أن ينوي صومه منذ غروب ليلة الخميس الى الظهر من يوم الخميس نفسه فلا يجوز تقديم نية صيام يوم الخميس على
ليلة الخميس أي في يوم الأربعاء وما قبله ولا تأخيرها عن ظهر يوم الخميس ، والمعروف بين الفقهاء هو الجواز وأن حكم القضاء حكم شهر رمضان
فيمكن الاكتفاء بنية واحدة للجميع بلا حاجة الى التجديد في كل ليلة .
هـ / حكم نية قضاء رمضان من حيث التردد فيها حكم نية صوم رمضان فبمجرد التردد في النية في أثناء النهار يبطل صوم رمضان وكذا صوم القضاء
فإذا تردد في النية والاستمرار بصوم القضاء بطل الصوم وإن لم يتناول المفطر ، غير أن هذا الحكم ينطبق على صوم القضاء بعد الزوال فقط ، فلو
تردد بعد الزوال هل يستمر أو يفطر بطل صوم القضاء بمجرد التردد مباشرة ، أما إذا كان التردد قبل الزوال بأن تردد هل يكمل الصوم في ذلك اليوم من
باب القضاء أو يأجله الى يوم آخر فالصوم وإن كان يبطل بذلك لكن يجوز له أن يرجع وينوي صوم القضاء مرة أخرى ما دام الزوال لم يحصل بعد
لأن نية القضاء تستمر الى الزوال ، وهذا بخلاف صوم رمضان فسواء تردد في نيته قبل الزوال أو بعده بطل ولا يمكن الرجوع الى نية الصوم مرة أخرى
ونفس الكلام في ما إذا نوى تناول المفطر ولم يتناوله فإن كان ذلك بعد الزوال لم يصح إتمام صوم ذلك اليوم بعنوان القضاء وإن كان قبل الزوال جاز
أن يرجع وينوي القضاء مرة أخرى ما دام لم يتناول المفطر فعلاً .
الأمر الثالث / قضاء الصوم واجب غير فوري فلا يجب الإسراع في قضاء شهر رمضان بل يجوز التأخير شهراً أو عدة شهور أو سنة أو عدة سنين
ما لم يصدق التهاون والتسويف في امتثال الواجب فلا يجوز ، وقيل لا يجوز التأخير الى ما بعد رمضان التالي ويجب القضاء قبله ، والمعروف جواز
التأخير حتى الى ما بعد رمضان التالي الا على نحو الاحتياط الاستحبابي بأن يكون القضاء قبل رمضان التالي لكن إن حصل التأخير الى ما بعد رمضان
التالي وجب مضافاً الى القضاء بعده فدية التأخير عن كل يوم مد من الطعام بلا خلاف .
الأمر الرابع / يجوز القضاء بعد شهر رمضان في أي يوم من أيام السنة عدا الأيام التي يحرم فيها الصوم وهي يوما العيد وهما الأول من شوال والعاشر
من ذي الحجة ، وأيام التشريق لمن كان بمنى وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة فإنه يحرم صوم هذه الأيام لمن كان بمنى
دون من لم يكن بها فلا يجوز صوم القضاء ولا غيره في هذه الأيام الخمسة لحرمة الصوم فيها غير أن أيام التشريق حرمة الصوم فيها مختصة بمن كان
بمنى بخلاف حرمة الصوم في يومي العيد فتشمل جميع المكلفين ، كما لا يصح الصوم فيما إذا كان مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة ، وكذا في أيام الحيض والنفاس والمرض الذي يضر معه الصوم ، وكذا في أيام الكفر والارتداد وأيام الجنون والإغماء ، ويجوز إيقاع الصوم فيما عدا ذلك من الأيام .
الأمر الخامس / لو أخّر القضاء عدة رمضانات لم تتعدد فدية التأخير بل تجب فدية واحدة عن التأخير الى ما بعد رمضان التالي ولا تتكرر بالتأخير الى
ما بعد رمضان الثاني والثالث فلو فاته الصوم ولم يقضه الا بعد عشر سنين أي بعد عشرة رمضانات لم تجب الا فدية واحدة عن التأخير الى ما بعد رمضان الأول .
ووجوب الفدية كما يشمل متعمد التأخير الى ما بعد رمضان التالي فكذا غير العامد ، فلو أخر القضاء الى شهر شعبان مثلاً وتفاجئ عند حلول شعبان
بعدم قدرته على القضاء إما للسفر أو للمرض أو الحيض ونحو ذلك فلم يتمكن من القضاء الا بعد رمضان التالي وجبت الفدية عليه أيضاً وإن كان
معذوراً بالتأخير يستثنى من ذلك من استمر به المرض فتجب عليه الفدية ويسقط القضاء كما تقدم .
الأمر السادس / من فاته أكثر من يوم من شهر رمضان لم يجب عليه التتابع في قضائها بأن يصومها الواحد تلو الآخر بل يجوز له التفريق بينها بأن
يصوم في كل أسبوع أو شهر مثلاً يوماً أو أكثر .
الأمر السابع / لا يجوز التطوع بالصوم أي الصوم بنية الاستحباب الا بعد الفراغ من قضاء صوم رمضان فلو صام بنية الاستحباب لم يصح الا مع النسيان
فيصح على إشكال عند بعض الفقهاء ، أما إذا كان في ذمته صوم آخر واجب كالكفارة جاز تقديمه على القضاء فلو أفطر في رمضان عمداً وجب عليه
مضافاً الى القضاء الكفارة فلو اختار أن يكفّر بالصوم كان مخيراً في تقديم القضاء أو صوم الكفارة ، كما يجوز أن يؤجر نفسه للقضاء عن الغير وإن كان
مطالباً بالقضاء عن نفسه .
الأمر الثامن / لو كان عليه قضاء أكثر من يوم لم يجب عليه التعيين وكفاه أن يصوم بعدد ما فاته فلو أفطر ثلاثة أيام مثلاً يكفي أن يصوم ثلاثة أيام
بنية القضاء ولا يجب أن يعيّن وينوي قضاء اليوم الأول عن أول يوم فاته والثاني عن الثاني والثالث عن الثالث وهكذا ، وكذا لو كان عليه رمضانان مثلاً
فيكفي أن يصوم شهرين ولا يجب أن يعين أن الأول عن الشهر الأول والثاني عن الشهر الثاني ولو أراد التعيين لم يجب عليه الترتيب فيجوز أن ينوي قضاء
الشهر الثاني قبل الأول مثلاً إذا لم يصم رمضان الأخير وكان في ذمته رمضان سابق جاز أن يبدأ بقضاء الأخير قبل السابق كما يجوز أن يقضي السابق
قبل الأخير غير أنه إن قضى السابق ولم يتمكن من قضاء الأخير حتى دخل رمضان القادم وجبت عليه كفارة التأخير .
الأمر التاسع / حكم صوم القضاء حكم صوم رمضان في بطلانه بتعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر على القول المعروف بين الفقهاء فمن أجنب
ليلاً وبقي على الجنابة حتى طلع عليه الفجر لم يصح أن يصوم ذلك اليوم بنية القضاء .
وهل كذلك تعمد البقاء على حدثي الحيض والنفاس ؟ فإذا طهرت المرأة قبل الفجر وتعمدت البقاء على الحدث ولم تغتسل حتى طلوع الفجر فهل يصح أن
تصوم ذلك اليوم بنية القضاء أم أن حكمها حكم من تعمد البقاء على الجنابة ؟
الجواب / المعروف بين الفقهاء أن تعمد البقاء على حدث الحيض أو النفاس لا يمنع من صوم القضاء وإن كان يمنع من صوم رمضان وليس هو كتعمد
البقاء على الجنابة ، وخالف السيد السيستاني واحتاط وجوباً بالإلحاق فتعمد البقاء على حدث الحيض أو النفاس حكمه حكم تعمد البقاء على الجنابة في
أنه مانع من صحة صوم القضاء أيضاً .
الأمر العاشر / إذا نام قبل الفجر واستيقظ بعده فوجد نفسه جنباً بالاحتلام لم يصح أن يصوم ذلك اليوم بنية القضاء ، خلافاً للمحتلم في شهر رمضان إذا
أفاق من نومه بعد طلوع الفجر ووجد نفسه جنباً فإنه يصح منه الصوم ويجب هذا هو المعروف بين الفقهاء وخالف السيد الصدر والسيد السيستاني
فحكما بصحة صوم القضاء أيضاً وأن حكمه حكم صوم رمضان في عدم بطلانه بالإصباح جنباً ، أما إذا احتلم خلال النهار فلا خلاف في الصحة
وعدم بطلان الصوم بذلك .
الأمر الحادي عشر / يجوز الصوم نيابة عن الغير إذا كان ميتاً ولا يصح القضاء عن الحي فمن اشتغلت ذمته بالقضاء ولم يقضِ حتى مات جاز لغيره
القضاء عنه بأن يصوم بنية القضاء عما في ذمة الميت سواء كان قريباً كالأب والأم أم لم يكن كذلك ، تبرعاً أو بأجرة ، ويجب ذلك على الولد الأكبر
الذكر قضاءً عما فات أباه .
الأمر الثاني عشر / يجوز إبطال صوم القضاء ونية الإفطار قبل الزوال ولا يترتب على ذلك إثم ولا كفارة ما لم يكن القضاء مضيّقاً ولا يجوز ذلك بعد الزوال فيجب إتمام الصوم
ولو أفطر بعد الزوال أثم ووجبت عليه الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد ، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام . هذا في القضاء عن النفس
أما إذا كان الصوم قضاءً عن الغير جاز إبطاله حتى بعد الزوال ولا كفارة في ذلك ، ما لم يكن القضاء بأجرة وقد اشتُرط عليه القضاء في يوم معيّن .
الأمر الثالث عشر / يشترك صوم القضاء مع صوم رمضان في المفطرات إجمالاً فما ثبتت مفطريته لصوم رمضان فهو مفطر لصوم القضاء أيضاً
الا تعمد البقاء على حدث الحيض او النفاس على الرأي المعروف خلافاً للسيد السيستاني الذي أثبته لصوم القضاء أيضاً ، وكذا نسيان غسل الجنابة فإنه
مبطل لصوم رمضان دون صوم القضاء . وكما تجب الكفارة في صوم رمضان بفعل أي واحد من المفطرات فكذا في صوم القضاء ففعل أي واحد من
المفطرات فيه بعد الزوال موجب للكفارة أيضاً هذا على الرأي المعروف وخالف السيد السيستاني فخص وجوب الكفارة في صوم القضاء بأربعة مفطرات فقط وهي
الأكل والشرب والجماع والاستمناء ففعل أي واحد منها بعد الزوال موجب للكفارة وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد ، فان لم يتمكن صام ثلاثة أيام .
الأمر الرابع عشر / إذا شك أنه هل صام شهر رمضان بشكل صحيح فلا يجب عليه القضاء أم أن صومه كان باطلاً فيجب عليه القضاء ؟
بنى على صحة صومه ولم يجب عليه القضاء .
وإذا تيقن أن ذمته مشتغلة بالقضاء وشك هل قضى وأفرغ ذمته أم لا ؟
بنى على العدم ووجب عليه القضاء .
وإذا علم أن عليه عدة أيام وشك في عددها جاز له الاقتصار على الأقل وإن كان الأفضل مراعاة الأكثر
فإذا شك أنه مطالب بخمسة أيام أو ستة جاز أن يقتصر على الخمسة .
وإذا علم أنه أفطر في صوم القضاء ولم يدرِ أنه أفطر قبل الزوال فلا تجب عليه الكفارة أم بعده فتجب عليه الكفارة لم تجب الكفارة .
*******
هذه أهم أحكام قضاء صوم شهر رمضان
نسأل الله تعالى التوفيق والقبول
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين