الرضاعة السليمة في رأي الإمام الصادق (عليه السلام)
بتاريخ : 11-09-2007 الساعة : 05:53 PM
الرضاعة السليمة في رأي الإمام الصادق (عليه السلام)
من مظاهر عبقرية الإمام الصادق (عليه السلام) رأيه في الرضاعة السليمة، وتوجيهه الأمهات إلى إرضاع الطفل وهو راقد إلى الناحية اليسرى من أمه. وطوال قرون ممتدة ظلت الحكمة من هذه النصيحة خافيه على الكثيرين، الذين كانو يعتبرونها تدخلاً فيما لا يعنيه، وتزيداً لا لزوم له.
وعندما سئل الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الذي ولد بعد وفاة الصادق (عليه السلام) بعامين (أي في سنة 150 للهجرة في مدينة غزة وتوفي في القاهرة في عام 199 هـ) عن رضاعة الطفل وهو راقد إلى الجانب الأيمن من أمه أو إلى الجانب الأيسر، رد قائلاً: لا فرق بين الأيمن و الأيسر، وللأم أن ترضع طفلها كما تشاء وبالأسلوب الذي يشعره بالراحة.
ورأي البعض أن الإمام جعفراً (عليه السلام) قد خالف ما جرت عليه الأمهات من وضع الطفل في الناحية اليمنى عند إرضاعه، وأن الأكرم للأم وللطفل أن يكون في ناحية الميمنة عند الرضاع.
وهكذا خفيت الحكمة من هذه النظرية في الشرق وفي الغرب، حتى عصر النهضة والتجديد، ولم يقع أحد على الفوائد المرتجاة من تطبيقها عملياً عند الرضاعة.
وفي القرن الثامن عشر الميلادي وهو عصر النهضة والتجديد، أنشئت جامعة كورنيل(1) في ولاية نيويورك (والتي يعزى الفضل في تأسيسها إلى عزرا كورنيل الذي عانى في صغره عناءً شديداً من مشكلات الرضاعة ومتاعبها) ومن هنا اعتزم أن يلحق بالجامعة مستشفى، وأن يلحق بالمستشفى معهداً لدراسة مشكلات الرضاعة والطفولة.
ولما استكملت الجامعة مرافقها، بدأ هذا المعهد في دراسة كل ما يتعلق بالطفولة والرضاعة، حتى أصبح من أهم المؤسسات العلمية المتخصصة في شؤون الطفل في العالم.
وقل أن تجد موضوعاً يتعلق بالطفل أو بالرضاعة إلا وقد وفاه هذا المعهد دراسة وبحثاً وخرج فيه بأسلم النتائج العلمية. وقد يندهش المرء إذا عرف إن هذا المعهد عني كذلك بدراسة اللوحات الزيتيه التي رسمها كبار الفنانين للأطفال والتي تقتنيها المتاحف الرئيسية، ولوحظ أن معظم هذه الصور كانت تمثل الأم حاملة طفلها من الناحية اليسرى. ذلك أن عدد الصور التي درست كان 466 صورة، تبين أن 373 صورة منها تمثل أمهات يحضن أطفالهن إلى الناحية اليسرى، في حين أن 93 صورة كان الطفل فيها محمولاً من الناحية اليمنى، أي أن 80%من الصور الموجودة في المتاحف، والتي تمثل، الأمومة، قد أظهرت الطفل محمولاً من الناحية اليسرى.
وفي ولاية نيويورك عدداً من مراكز الولادة ورعاية الطفل التابعة لمؤسسة كورنيل الجامعية للأطفال، وكلها توافي المعهد العلمي للجامعة بالتقارير والملفات الطبية الخاصة بالأطفال والأمهات لدراستها.
ويؤخذ من التقارير التي أرسلت إلى هذا المعهد العلمي في فترة غير قصيرة أن الطفل في أيامه الأولى يكون أهدأ وأقل بكاءً لو نام إلى الجانب الأيسر لأمه، أما إن نام إلى الناحية اليمنى، فهو يستيقظ في فترات قصيرة متقطعة وينخرط في البكاء.
ويلاحظ أن هذه الدراسة تتناول الأطفال البيض والسود دون تفرقة، وقد برهنت في جميع الحالات على أن الطفل، سواء أكان أبيض أو أسود أو هندياً أحمر، يجد مزيداً من الراحة والهدوء إذا رقد إلى الجانب الأيسر لأمه.
وقد أنفقت جامعة كورنيل وقتاً طويلاً في بحث هذا الموضوع إلى أن تم اكتشاف الأشعة التي يسرت على الأطباء رؤية الجنين في رحم أمه وتصويره، وتعرف باسم (هولو جرافي) وقد تبين من استخدام جهاز (هولو جرافي) أن ضربات قلب الأم تحدث أمواجاً تنتشر في جسمها وتصل إلى سمع الطفل. وبعد أن عرف الأطباء هذه الحقيقة، رغبوا في معرفة الآثار التي تظهر في الطفل عند توقف ضربات قلب الأم، ولا سيما لأن توقف نبض قلب الأم كان معناه الموت للأم وللطفل معاً، ومن ثم أجرى الأطباء تجارب على الحيوانات المرضعة، فتبين لهم إن إيقاف نبضات قلب الحيوان الحامل ينعكس على جنينه على الفور، وهي نتيجة تحققت من التجارب التي أجريت على فصائل شتى من الحيوانات، وقطع الأطباء بأن توقف قلب الأم يؤثر تأثيراً مباشراً في الجنين، وبوفاة الأم، يموت الجنين بدوره، لأن الجنين يتغذى من الشريان الأورطي المتصل بقلب الأم ويتأثر بنبضات قلبها، ولو توقف هذا النبض لانقطع الغذاء عن الجنين ولمات في بطن أمه.
وقد استنتج الأطباء من هذه التجارب أن الجنين لا يعتاد سماع ضربات قلب أمه وحسب، بل إن حياته ترتبط أيضاً بهذه الضربات وبالدفء الذي تشيعه، فإن توقفت الضربات انقطع الغذاء عن الجنين ومات. ولأن الطفل قد اعتاد على سماع ضربات قلب أمه منذ كان جنيناً في الرحم، فهو يرتبط بأمه ويتعلق بها ويشعر بهدوء وراحة بالقرب من نبضات قلبها، وهذا هو السر في أن حمل الطفل من ناحية الأم اليسرى يجعله أكثر اطمئناناً وهدوءً، وهو ما يفتقر إليه الجانب الأيمن للأم.
ولولا جهود المعهد العلمي الجامعي الذي أسسته جامعة كورنيل في دراسة أوضاع الطفل ومشكلاته الصحية والنفسية واسباب الرعاية السليمة التي تتاح له في أيامه الأولى، لما عرفنا أهمية النظرية التي ساقها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في هذا المقام، ومؤداها أن الرضاعة تقتضي من الأم توسيد طفلها إلى جانبها الأيسر لا الأيمن.
وقد ارتأى مركز الولادة ورعاية الطفل التابع لجامعة كورنيل تجهيز جميع فروعه ووحداته بجهاز يوضع في غرفة الأطفال الحديثي الولادة ومهمته بث صوت شبيه بنبضات قلب الأم، وزودت أسرة الأطفال بجهاز مهمته نقل صوت هذه الضربات إليهم.
ومعروف أن قلب الشخص البالغ السليم يدق عادة مرة في الدقيقة، ومن التجارب التي أجريت على الأطفال زيادة عدد نبضات القلب إلى 120 نبضة في الدقيقة، فكان من أثر ذلك انزعاج الأطفال وارتفاع عقائرهم في البكاء، فإن اعيدت النبضات إلى وضعها الطبيعي، وهو 72 دقة في الدقيقة، كف الأطفال عن البكاء. وقد جربت هذه التجربة وأعيدت في مراكز الرضاعة مراتٍ كثيرة، فكانت نتيجتها واحدة.
وهناك تجربة أخرى أجريت على الأطفال الرضع، فقد وضعت مجموعة منهم في غرفة بها جهاز يقلد ضربات قلب الأم بحيث يسمعه الأطفال، ووضعت مجموعة أخرى في غرفة يخيم عليها الهدوء، وليس فيها جهاز كهذا. فاتضح للأطباء إن الأطفال الذين تضمهم المجموعة الأولى، وهم الذين يسمعون صوت النبضات، يزيد وزنهم بسرعة تفوق سرعة الوزن لدى أطفال المجموعة الثانية.
وقد قام الدكتور (لي سولك) وهو طبيب متخصص في طب الأطفال في معهد كورنيل الجامعي بجولة حول العالم لدراسة التقاليد التي تجري عليها الشعوب والأمم في إرضاع الطفل ورعاية الطفولة، وكتب في تقريره يقول إنه رأى في مناطق شتى من العالم أمهات يحتضن أطفالهن في الجانب الأيسر، وذلك أثناء نهوضهن بأعمالهن أو عند عبور الطرق.
كما لاحظ أن معظم الأمهات اللائي يحضن أطفالهن من الناحية اليمنى هن عسراءات (أي يستخدمن من أيديهن اليسرى).
وما قاله الدكتور (لي سولك) في تقريره إنه سأل عدداً من الأمهات عن سبب حملهن لأطفالهن من الناحية اليسرى وإرضاعهن لهم في هذا الوضع، فلم تستطع الأمهات تعليل ذلك ولا خطر ببال إحداهن أن تقول للدكتور سولك بأن الطفل يأنس بسماع صوت القلب عندما تحمله أمه من الناحية اليسرى، وهو الصوت الذي ألفه منذ أن كان جنيناً في الرحم.
وروى الدكتور سولك أن بعضاً من الأمهات قلن له إن أطفالهن يستيقظون في جنح الليل ويبكون طلباً للطعام، ولا يجدون مشقة في الاهتداء في الظلام إلى الثدي الأيسر دون مساعدة الأم، ولم تستطع الأمهات تعليل هذه الظاهرة، فقام الدكتور سولك من ناحيته بتعليلها، قائلاً أن الطفل يهتدي إلى الثدي الأيسر بسماعه ضربات قلب الأم، ولا تعليل سوى ذلك لهذه الظاهرة.