أن الأصولية الشيعية وإن انتفقت من حيث النظرية العامة في القانون الدولي إلاأنها تتميز من حيث الدقة والابتكار وتعتبر عملية الستنباط لدى المجتهد الّذي حصل على المؤهلات التالية كما ذكرها الشهيد الثاني وهي الكلام والأصول والنحو والتصريف ولغة العرب وشرائط الأدلة والأصول الأربعة وهي الكتابة والسنة والأجماع ودليل العقل[1] مع كونه بالغاعاقلاً مؤمنا عادلاً ولا تعتبر قول الصحابة .
ويري أبن عبد الشكور من الحنفية أنه يوجد الاجتهاد بعد صحة إيمانه ولو بالأدلة الإجمالية ومعرفة الكتاب قيل بقدر خمسمائة آية والسنة متنا قيل التي يدور عليها العلم الف ومائتان وسندا مع العلم بحال الرواة ولو بالنقل عن أئمة الشأن ومواقع الإجماع أن يكون ذا حظ وافر مما تصدى له هذا العلم فإن تدوينه وإن كان حادثا لكن المدون سابق وأما العدالة فشرط قبول الفتوى[2].
وقد اشترط النسفي في كشف الاسرار الإطلاع على علم اللغة والأصول إلا أن النسفي لم يعتبر الإجماع قال ولم يذكر الإجماع اقتداء بالسلف لأنه لا يتعلق به فائدة الاختلاف بالاستنباط[3].
ويرى الكثير من الأمامية أن الإجماع ليس له عنوان مستقل إلا إذا وقع كاشفا عن قول إمام معصوم وهكذا عندما نلاحظه عن بعض الأصوليين من أبناء العامة أن الاجماع لا ينعقد إلا عن مستند[4].
أما قوله لأصحابه فقال الآمدي كل من الأشاعرة والمعتزلة والشافعي في أحد قوليه وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه والكرخي[5].
وغرضه عدم حجية قول الصحابي وأوضح الشوكاني من الزيدية رأيه بقوله والحق أنه ليس بحجة فإن اللّه سبحانه لم يبعث إلى هذه الأمة إلا نبيا محمدا صلىاللهعليهوآلهوليس لنا إلا رسول واحد وكتاب واحد وجميع الأمة مأمورة باتباع كتابه وسنة نبيه ولا فرق بين الصحابة ومن بعدهم في ذلك فكلهم مكلفون بالتكاليف الشرعية وباتباع الكتاب والسنة[6].
والّذي نلاحظه أن قول الصحابي لم يثبت دليل على اعتباره وإلا لا ستلزم أن يكون فعله وقوله وتقريره حجة في عرض السنة وهذا غير ثابت .
وتعريف الاجتهاد كما ورد في الصحاح بذل الوسع والمجهود[7].
وفي الاصطلاح كما جاء عن الشيخ البهائي في زبدة الأصول الاجتهاد ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأصل فعلاً أو قوة قريبة .
وعرفه العلامة الحلي بأنه عبارة عن (استفراغ الوسع من الفقيه لتحصيل الظن بحكم شرعي) .
وعرفه النسفي بأنه بذل الوسع والطاقة في طلب الحكم الشرعي بطريقه[8].
وعرفه أستاذنا المعظم الخوئي بأنه استفراغ الوسع في تحصيل الحجة القطعية بالوظيفة من الواقعية والظاهرية[9].
والّذي يبدو من ملاحظة هذه التعاريف أنها غير صالحة للجامعية والمانعية فاعتبار الظن بالحكم يوجب خروج العلم بالأحكام ودخول الظن غير المعتبر في الظن مع أن بعض هذه التعاريف أيضا لا تشتمل على الوظيفة الشرعية من البراءة العقلية والاحتياط أو التخيير وهكذا الكلام في الملكة إذا قلنا أن المدار في الاستنباط هو فعليته لأن الملكة تقع في المعد والاستباط الفعلي يقع متأخرا عنها .
أما الطرق الموصلة لاستنباط المجتهد كما ذكره الشهيد الثاني مع مساعدة القواعد الأصولية لديه حتى يمكنه القدرة على الاستنباط في الحكم الشرعي بعد دراسة الأصول اللفظية والعملية وإليك بعض النقاط التالية :
1 ـ بحث الألفاظ ويتناول في أول بحثه تعريف علم الأصول بأنه علم يبحث عن قواعد تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الشرعي وذهب النائيني أنه أعم من استنباط الحكم الواقعي والظاهري وأضاف العراقي قيد المعذرية .
وموضوعه يعرف بالأثر كما ذكره الكفاية وذكر العراقي أن لا حاجة إلى موضوع كلي لعدم وجود جامع في غالب الفنون .
ويرى الكفاية أن تمايز العلوم بالأغراض ويرى النائيني أن تمايز العلوم بالموضوعات المقيدة بالحيثيات ويرى العراقي أن تمايز العلوم باعتبار نظر المدونين[10] والمعتبر لدينا في التمايز بالأغراض لبناء العقلاء على ذلك .
ويرى النائيني حقيقة الوضع أنه معنى بين التشريع والتكوين .
والكفاية أن الوضع نحو اختصاص بين اللفظ والمعنى وأنه من سنخ الاعتبارات ويرى الوالد أنها من الأمور الواقعية والعراقي يراه أنه نحو إضافة بين اللفظ والمعنى.
وينقسم الوضع إلى الوضع العام والموضوع له عام كأسماء الأجناس وإلى الوضع الخاص والموضوع له خاص كالأعلام الشخصية وإلى الوضع العام والموضوع له الخاص كالحروف وينقسم المعنى إلى الأسمى والحرفي .
ويرى النائيني أنهما متحدان في المعنى وأن الآلية والاستقلالية من شؤون الاستعمال ويرى أن الحروف إيجادية فالموجد للأرتباط بين الموضوع والمحمول هو المعنى الحرفي ويرى العراقي بأنها إخطارية[11].
وذهب الإصفهاني بأن معاني الحروف آلية ومتقومة بغيرها لأن بها الربط والمعاني الإسمية ما لها الربط فهما مختلفان ذاتا[12] ونحن نرتئي نظرية الفلاسفة في هذا الميدان من أختلافهما ذاتا .
وتعرض علماء الأصول إلى الخبر والانشاء فذهب العراقي إلى عدم الفرق بين الخبر والإنشاء فإن كلاً منهما إيقاع النسبة وإيجادها إلا أن جهة الفرق أنه في الخبر إن النسبة الكلامية عما في الخارج بالعرض وفي الإنشاء ليس إلا إيقاع النسبة وإيجادها ويرى الأصفهاني أن اللفظ في الخبر والإنشاء واحد إلا أن الداعي مختلف .
ويتعرضون إلى بحث الدلالة بأنها غير تابعة للإرادة في الدلالة التصديقية دون التصورية أو أن الإرادة تقييد الوضع أو من قبل الواضع .
وقد تعرضوا إلى الحقيقة والمجاز وعلامة الحقيقة التبادر وعدم صحة السلب والإطراد وصحة الحمل فالحقيقة استعمال اللفظ في تمام ما وضع له والمجاز على عكسه وله علائق تخصه .
وأما نظرهم في الصحيح والأعم وهي أن اسامي العبادات والمعاملات هل يراد بها تمامية الأجزاء والشرائط أو الأعم منها ولا يقع هذا البحث في إطار الحقيقة الشرعية بل يعمها ويعم غيرها ولا يتصور الجامع في الأعم لفرض التبادل والغيرية وإذا تبدل الشيء وتغير من حال إلى حال لا يمكن تصوير الجامع فيه ويمكن تصوير الجامع في الصحيح واستكشافه بالأثر وهذه نظرية الكفاية .
ويرى النائيني الأعم من الصحيح والفاسد في العبادات وفي المعاملات ينزل على ماجرى عليه العرف وليس له اصطلاح خاص أمام العرف والّذي نعتقده أن الأسامي موضوعه للأعم من الصحيح والفاسد .
ولكن العراقي يجري نزاع الصحيح والأعم على القول بالحقيقة الشرعية وعدمه والصحة تنزع عن مقام الأجزاء ويرى أن الجامع هو العنوان الكاشف عن الوجود ولكن لا عن الوجود بما هو بل نحو الوجود المقارن للماهيات وذهب إلى أن المعاملات تقع في ثلاث نقاط :
1 ـ معاني عرفية اعتبارية أمضاها الشارع ويصح التمسك بالأطلاق فيها بالمسبب. 2 ـ أو أنها من الأمور الواقعية كشف عنها الشارع والعرف وهو الّذي اختاره . 3 ـ أو أنها من الأعتبارات الشرعية .
ويرى الأصفهاني أن الجامع في الصحيح والأعم هو عبارة عن الأمر المبهم ويرى أن المعاملات ليس للشارع فيها وضع ولا اعتبار خاص وإنما هي اعتبارات وليست من الأمور المقولية غايته أن الشارع قد أمضى تلك الاعتبارات العرفية فيؤخذ بإطلاقات المعاملات سواء قلنا بالصحيح أم الأعم لثبوت الإطلاق عند العرف ما لم يكن المفهوم عند العرف مجملاً .
وثمرة النزاع بين الصحيح والأعم التمسك بالإطلاق على الأعم وإجمال اللفظ بناء على الصحيح والصحة ، تكون وراء المسمى على الأعم ودخيلة فيه على الصحيح.
أما الاشتراك فيرونه واقعا والوقوع دليل الإمكان إلا أنه خارج عن الاستنباط وإنما المهم لديهم هل استعمال اللفظ بأكثر من معنى جائز أم لا فإن كان اللفظ بنحو العلاقة فلا مانع منه وإن كان بنحو المرآتية للمعنى فلازمه استعمال لحاظين على ملحوظ واحد .
ويتعرض علماء الأصول إلى بحث المشتق وعرفه في الكفاية بأنه ماجرى على الذات باعتبار تلبسها من المبادىء ولا يدخل اسم الزمان في التعريف ويكون بين المشتق الأصولي والعرفي العموم والخصوص من وجه ويرى أن الزمان خارج بين المشتق الأصولي والعرفي العموم والخصوص من وجه ويرى أن الزمان خارج عن الأفعال وأنه يعرف من خارج كما يبدو لدينا ذلك والمراد بالحال في المشتق ما كان جاريا حال التلبس لا حال النطق واستعمال المشتق فيما انقضى عنه المبدأ فإن كان بلحاظ حال التلبس في الماضي حقيقة ويرى النائيني أن الحال هو فعلية التلبس لا الزمان كما يبدو من الكفاية ويرى العراقي أن الحال ليس دخيلاً في المشتق .
وهل مفهوم المشتق بسيط أم مركب فإن كان مركبا لزم أخذ مفهوم الشيء في المشتق ولازمه أخذ العرض العام في الفصل كما في قولنا الإنسان ناطق أو يلزم انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورة من قولنا الإنسان ضاحك وهذه النظرية للشريف .
وأجاب صاحب الفصول في الملاحظة الأولى بأن الفصول الحقيقية لا يؤخذ فيها مفهوم الشيء والفصول المتداولة مثل الناطق لوازم الفصول الحقيقية فيجوز أخذ العرض العام فيها .
وأجاب عن الملاحظة الثانية بأن القضية مقيدة بالوصف وثبوت الوصف ليس ضروريا وتعرض صاحب الكفاية إلى محل النزاع في البساطة والتركيب هي البساطة في مقام الإدراك والتصور لا في مقام التحليل والدقة وإلا فهو مركب[13] وتمسك الأصفهاني بنظرية الفلاسفة بأن الناطق فصل حقيقي وهو النفس الناطقة فعلى هذا لا يحمل على الشيء .
واختلاف المبادىء من الملكة والحرفة والفعلية لا يوجب اختلافا في صدق المشتق على ما انقضى عنه المبدأ وأن الاستعمال فيه مجاز .
وهناك نظرية معاكسة وهي أن استعمال المشتقات فيما إذا كانت المبادىء ملكة أو حرفة تكون حقيقة وأجاب العراقي بأن المدار في صدق المشتق على مثل التاجر ونحوه ليس بنحو الملكة وإنما يصح الإطلاق بلحاظ العرف على تلك الفترات الّذي هو غير مشغول في التجارة لما في نظرهم أنها بحكم المعدومة .وذهب الأصفهاني إلى أن المشتق موضوع لخصوص المتلبس دون ما انقضى عنه المبدأ يبدو لدينا ذلك التبادر وصحة السلب عن الوصف الزائل عنه .
وللمشتق أثر في الأعتراف الدولي يكون الإقرار هل يشترط فيه فعلية السلطنة فإذا ذهب من الدولة السلطنة فهل الدولة المعترف بها دوليا بعد ذلك ملزمة بالتسليم لذلك الأعتراف من قبل تلك السلطة أم لا فيكون بحث المشتق إن كان له توسعة عرفية لمن انقضى عند المبدأ فتكون الدولة الفعلية ملزمة باعتراف الدولة السابقة وإلا فلا .
وقد تعرض إليه علماء أصول الشيعة مفصلاً مع بحث فقهائهم لقاعدة من ملك[14]. كل ما تعرضنا إليه يقع مقدمة لمباحث الألفاظ .
ومن مباحث الألفاظ الأصولية التي يقوم عليها النظام الإسلامي والقانون الدولي بحث الاوامر والنواهي مقدمة الواجب والعموم والخصوص والاطلاق والتقييد والمفاهيم . راجع ما كتبناه في المحاكمات بين الكفاية والأعلام الثلاث .
وهناك بعض النقاط التي توسع فيها علماء الشيعة لم يذكرها علماء الأصول الدولي وعلماء الجمهور ترشد القارئ بمطالعتها حتى يجد الفارق في التطور الفكري لعلماء أصول الشيعة عن غيرهم .
وإن كان لدينا ملاحظات حول الأصول الدولية والأصول الشيعية ليس المجال التعرض لذكرها هنا من اشعة الايمان ج6 الخاقاني تحقيق dr. Sajid Sharif Atiya سجاد الشمري sajidshamre*************.
[1] . الروضة البهية 236 / 237 .
[2] . مسلم الثبوت 319 ـ 320 / 3 .
[3] . كشف الإسرار 2 / 169 / 4 / 16 .
[4] . إرشاد الفحول 79 وأصول الخضري 310 .
[5] . الأحكام للآمدي ص130 ج4 .
[6] . إرشاد الفحول 243 .
[7] . الصحاح 457 ـ 458 .
[8] . كشف الأسرار للنسفي ص170 ج2 .
[9] . مباني الاستنباط ص507 ج4 .
[10] . المحاكمات ج1 ص35 37 .
[11] . نفس المصدر السابق ص117 .
[12] . نفس المصدر السابق 122 .
[13] . المحاكمات ج2 ص183 190 .
[14] . القواعد الفقهية للأستاذ البوجنردي ج1 ص4 ط 1969م وكتاب المحاكمة في القضايا تأليف الهمداني تقرير سماحة الوالد ص 380 ـ 384 .