تارة ترتبط الوسوسة بالقلب وخطراته ولا تتعلق بالأفعال ويسمى هذا النوع من الوسوسة الفكرية وهي موجودة بكثرة وهي تنشأ عادة من ضعف الإرادة. فعندما تضعف أعصاب الإنسان أو يتعرض للمصاعب، أو يرى مصيبة كبيرة، يصاب من الناحية الروحية بالوسوسة الفكرية، وهي على مراتب فتارة تكون بمستوى الشك والشبهة فقط، وقد بحثنا حولها، كما ذكرنا طرق العلاج.
وتارة تشتد وترتفع حتى قد تصل ـ والعياذ بالله ـ موضعاً يسيء فيه القول على الله ويعتقد ان أفعال الله ظالمة.
ويبدأ يشك بالقرآن قليلاً قليلاً حتى يصل إلى وضع يشتم فيه (في قلبه) الله والنبي والأئمة والمقدسات، هذا نوع من الوسوسة الفكرية وتوجد أنواع أخرى منها تتعلق بدنيا المرء وأعماله أو بعلاقته بالناس كسوء الظن مثلاً، ما هو محل حديثنا هو الوسوسة الفكرية فلابد من ذكر العلاج، وعلاجها سهل جداً، وهو ان يصرف نفسه كلما أتاه ذلك الشك.
مثلاً كلما شك فعليه أن لا يحسب لذلك حساباً ولا يعطيه أهمية ما يتكلم مع أي كان، أو أن يأخذ شيئاً ويأكله ويصرف نفسه عنه وعلى هذا المنوال ولن يطول الوقت حتى يختفي هذا الشك رويداً رويداً.
يقول الإمام الصادق (ع): لا تعتنوا بهذا الخبيث أعني الخناس ولا تمكنوه منكم وسوف يولي عنكم إذا لم تبالوا به ولن يعود إليكم، فإن تجاوبتم معه أقبل عليكم.
وقول الإمام الصادق (ع) يستند إلى أصل قرآني:
(إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)( سورة النحل، الآيتان: 99 و100).
بعد تكرار التاكيد مما يعرفه أهل العلم جيداً يقول تعالى:
ان الشيطان ليس له سلطان على الإنسان، ولكن أي إنسان؟
ذلك الإنسان الذي لجأ إلى الله واستعاذ به، ذلك الإنسان الذي قد أحكم ارتباطه بربه.
يتسلط الشيطان على الإنسان عندما يقف تحت رايته، أي أنه عندما يسعى نحو الشيطان فإن الشيطان يقبل عليه.
أما إذا ترك الإنسان الشيطان وأهمله، فليس للشيطان عندئذٍ أثر على الإنسان.
إذا وقف الإنسان تحت راية الله فإن الشيطان يخشى الاقتراب لقد وعد القرآن بأن الملائكة يبعدون الشياطين عمن عزز ارتباطه بالله! (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله).
يعني ان من ألطاف الله الكبيرة أن جعل ملائكة مأمورين موكلين بحفظكم من شرور الدنيا، ومن شرور الجن ومن شرور الشياطين.
وعلى هذا فإن أحكمتم علاقتكم بالله فإن الشيطان سيكون عاجزاً عن متابعتكم، من هنا فإذا لم تبالوا به فإن الشك والشبهة سيرتفعان من أذهانكم، ولا يعودان إليكم.
زار شخص النبي (ص) وقال: يا رسول الله هلكت وعدمت.
فقال له النبي ألأن الشيطان جاءك وقال لك من خلقك؟ فقلت: الله فقال ومن خلق الله؟ فعجزت عن الجواب. فقال الرجل: نعم.
فقال النبي إذا عرض لك شك مثل هذا فقل (لا إله إلا الله) واصرف نفسك عن ذلك.
كلمة (لا إله إلا الله) وكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) وقراءة القرآن وصيام شهر رمضان المبارك والصلاة أول وقتها علاج فعال لرفع الوسوسة.
هذا إذا كان الأمر في بدايته، أما إذا أصغى لكلام الشيطان، فكلما سمعه أكثر يترسخ في قلبه أكثر. حتى يترسخ في قلبه الشك الأول والثاني و.. وهكذا.
فيصل حالة والعياذ بالله يسيء فيها الظن بالله، ويعتقد أن الله ظالم وهذا علاجه عدم الاعتناء أيضاً.
حتى ولو ذكر النبي الأكرم (ص) بسوء، حتى لو خطر بقلبه ان الله ظالم وليس بعادل. فعليه أن لا يهتم ولا يؤذي نفسه ويقرأ قليلاً من القرآن وإذا كان الأمر يتعلق بالنبي والأئمة الطاهرين (ع) فليصل عليهم.
وقد ورد في كثير من الروايات ان الإكثار من الصلاة على النبي (ص) يرفع الوسوسة وتتلاشى هذه الوسوسة وتزول وليقو ارتباطه بالله، ويصلِّ الصلاة لوقتها وليهتم بالواجبات وخاصة الحجاب بالنسبة للنساء، وان يهتم بالمستحبات ما لم تزاحم عمله، ويصلي صلاة الليل، ويقرأ القرآن، يدعو الله ويتوسل له، ويساعد الناس، ويعين الزوج زوجته،، وتساعد الزوجة زوجها وخدمة المسلمين، والأهم من ذلك اجتناب الذنوب، وكلما كان اجتنابه أشد فان الوسوسة الفكرية ستزول شيئاً فشيئاً.
ولكن ذلك يحتاج إلى صبر وسعة صدر، شهراً أو شهرين أو عدة شهور فسوف يتحسن ويتمكن من اقتلاع أصل هذه الرذيلة.
وما يقوله بعض علماء النفس من ان الوسوسة الفكرية لا علاج لها. فأنهم حتماً مخطئون في ذلك.
ذلك لأننا شاهدنا الكثير من الناس وقد أصيبوا بحالة الوسوسة الفكرية قد تحسنوا وتمكنوا من إحراق جذورها وتخلصوا منها بواسطة إهمالها وبواسطة الارتباط بالله.
نعم من الناحية الجسمية يجب أن ينظم نومه ويقوي أعصابه، وان لا يتشنج، ولا تتعرض أحاسيسه لصدمات، كل ذلك لازم ومؤثر جداً للتخلص من الوسوسة الفكرية.