عظم الله اجورنا واجوركم بمصاب الامام الكاظم (عليه السلام)
من الامور الواضحة في سيرة الامام الكاظم (عليه السلام) انه قام بمراحل عمل لاجل الحفاظ على الرسالة المحمدية الاصيلة .
وجاءت هذه المراحل تكميلية لما قام به آباءه من قبله ومن هذه الادوار او المراحل هي الحفاظ على شيعته و مواليه او المحافظة على القواعد الشعبية .
تعلمون ان القواعد الشعبية في زمن الامام الكاظم (عليه السلام) اتسعت اتساعا لا مثيل له ، فكثرة الثوراة في هذه الحقبة كانت نتيجة طبيعية لهذا الاتساع ،وحتى طريقة السجن للامام والاقامة الجبرية التي لم يكن معمول بها في زمن بني امية ولا بداية حكم بني العباس ، سببه يعود الى اتساع قاعدة الامام بالشكل الذي لم ينفع معه التهديد والقتل بل حاولوا فصل القيادة عن جماهيرها .
فبعد ان بذل الائمة جهودهم من اجل المحافظة على الخط الحقيقي للاسلام ، وابراز الاطار التفصيلي للكتلة الشيعية ، اصبح من الضروري المحافظة على تلك القواعد الشعبية التي حملت هذا الفكر الاصيل .
فلذلك قام الامام الكاظم (عليه السلام) بهذا الدور الواضح من خلال سيرته العطرة وهذا ما افضاه الامام الصادق (عليه السلام) حيث يروي المفضل عن الامام الصادق (عليه السلام) قائلا :هذا المولود الذي لم يولد فينا اعظم بركة على شيعتنا منه ( يقصد الامام الكاظم (عليه السلام) )
هذه القاعدة الواسعة في ضل تطور حكومي لا نضير له، و في دولة ينصبون العداء لال محمد ومن يواليهم ، والكثير من رجالات الشيعة معروفين وهم مرتبطون بنظام وقانون دولة .فهم بهذه الحالة بحاجة الى من يعينهم بحوائجهم المرتبطة في الدولة من ظرائب وغيرها .
لذلك نلاحظ امظاء الامام لبعض رجالات الشيعة في تولي مناصب مهمة في دولة هارون . شريطة ان يكونوا عونا للشيعة بقضاء حوائجهم
كعلي بن يقطين وعلي بن يقطين وزيراً لهارون وكان يشرف على بلاد واسعة وكان من أقرب المستشارين له ، وقد ضمن له الإمام الكاظم (ع) الجنة وأن لا تمسه النار .
حتى كان الامام الكاظم (عليه السلام) شديد الحرص على حماية علي بن يقطين واليك هاتين الروايتين تبين هذا المعنى .
في يوم حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثياباً فاخرة أكرمه بها ومن جملتها دراعة منسوجة بالذهب سوداء من لباس الخلفاء فانفذها علي بن يقطين لموسى الكاظم، فردها وكتب إليه: تحتفظ عليها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج معه إليها.
فارتاب علي بن يقطين لردها عليه ولم يدر ما سبب كلامه ذلك، ثم انه احتفظ بالدراعة وجعلها في سفط وختم عليها.
فلما كان بعد مدة يسيرة تغير علي بن يقطين على بعض غلمانه ممن كان يختص بأموره ويطلع عليها، فصرفه عن خدمته وطرده لأمر أوجب ذلك منه، فسعى الغلام بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقال له: ان علي بن يقطين يقول بامامة موسى الكاظم وانه يحمل إليه في كل سنة زكاة ماله والهدايا والتحف، وقد حمل إليه في هذه السنة ذلك وصحبته الدراعة السوداء التي اكرمته بها يا أمير المؤمنين في وقت كذا.
فاستشاط الرشد لذلك غيظاً وقال: لاكشفن عن ذلك، فان كان الأمر على ما ذكرت ازهقت روحه، وذلك من بعض جزائه، فانفذ في الوقت والحين من احضر علي بن يقطين، فلما مثل بين يديه قال: ما فعلت بالدراعة السوداء التي كسوتكها واختصصتك بها مدة من بين سائر خواصي.
قال: هي عندي يا أمير المؤمنين في سفط فيه طيب مختوم عليها.
فقال احضرها الساعة.
وفي موقف اخر
كتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى (ع) أن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله ، فكتب إليه أبو الحسن (ع) : فهمتُ ما ذكرتَ من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك فأن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلل شعرلحيتك وتمسح رأسك كله ، وتمسح ظاهر أذنيك . وباطنها ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ولا تخالف ذلك إلى غيره .
فلما وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجب بما رسم فيه ، ممّا أجمع العصابة على خلافه ، ثم قال : مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره ، وكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالاً لأمر أبي الحسن (ع) ، وسعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد ، وقيل له : إنه رافضي مخالف لك .
فقال الرشيد لبعض خاصّته : قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين والقذف له بخلافنا وميله إلى الرفض ولست أرى في خدمته لي تقصيراً ، وقد امتحنته مراراً فما ظَهَرْتُ منه على ما يُقذف به ، وأحبّ أن استبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز منّي .
فقيل له : إنّ الرّافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه ولا ترى غسل الرّجلين فامتحنه يا أمير المؤمنين من حيث لا يعلم ، بالوقوف على وضوئه ، فقال : أجل إنّ هذا الوجه يظهر به أمره ، ثم تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدّار ، حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرّشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين ، ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء ، فتمضمض ثلاثاً ، واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وخلّل شعر لحيته ، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ، ومسح رأسه وأذنيه ، وغسل رجليه والرشيد ينظر إليه .
فلما رأه وقد فعل ذلك ولم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده ، وورد عليه كتاب أبي الحسن (ع) : ابتداءً من الآن يا علي بن يقطين فتوضّأ كما أمر الله ، واغسل وجهك مرة فريضة ، وأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك بنداوة وضوئك ، فقد زال ما كان يخاف عليك والسلام ) فلاحظ مدى حرص الامام عليه السلام على سلامة علي بن يقطين .
لكن بالرغم من حرص الامام على سلامته وحبه له نلاحظ ان الامام عليه السلام لم يستقبل علي ابن يقطين ولم ياذن له بالدخول عليه لان ابن يقطين حجب احد الشيعة وهو ابراهيم الجمال عن الدخول عليه و في هذا العام نفسه حج علي بن يقطين فاستأذن بالمدينة على الامام موسى بن جعفر فحجبه ، ولم ياذن له بالدخول عليه ، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : سيدي ما ذنبي ؟ فقال : حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال ، وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك حجب إبراهيم الجمّال ، فقلت : يا سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة ؟ فقال : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مسرجاً ، قال : فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمّال بالكوفة ، فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين. فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي ؟! فقال علي بن يقطين : يا هذا إن أمري عظيم ، وآلى عليه أن يأذن له ، فلما دخل قال : يا إبراهيم إن المولى (ع) أبى أن يقبلني أو تغفر لي ، فقال : يغفر الله لك فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خده فامتنع ابراهيم من ذلك ، فآلى عليه ثانياً ففعل ، فلم يزل ابراهيم يطأ خده ، وعلي بن يقطين يقول : اللهم اشهد ، ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر (ع) بالمدينة ، فأذن له ودخل عليه فقبله ) .
فلم يرضى الامام عنه حتى ارضى الشيعي الذي قصر عنه .
واخيرا اختم حديثي بهذه الرواية
قال رجل من أهل الري: ولى علينا بعض كتاب يحيى بن خالد، وكان علي بقايا يطالبني بها، وخفت من إلزامي إياها خروجا عن نعمتي وقيل لي: إنه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي إليه وأمت به إليه فلا يكون كذلك، فأوقع فيما لا أحب فاجتمع رأي على أن هربت إلى الله تعالى وحججت ولقيت مولاي الصابر يعني موسى بن جعفر عليه السلام فشكوت حالي إليه، فأصحبني مكتوبا نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أن لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلا من أسدى إلى أخيه معروفا أو نفس عنه كربة أو أدخل على قلبه سرورا وهذا أخوك والسلام). قال: فعدت من الحج إلى بلدي، ومضيت الى الرجل ليلا واستأذنت عليه وقلت: رسول الصابر عليه السلام فخرج إلي حافيا ماشيا ففتح لي بابه وقبلني وضمني إليه وجعل يقبل عيني ويكرر ذلك، كلما سألني عن رؤيته عليه السلام وكلما أخبرته بسلامته وصلاح أحواله استبشر وشكر الله تعالى، ثم أدخلني داره وصدرني في مجلسه وجلس بين يدي، فأخرجت إليه كتابه عليه السلام فقبله قائما وقرأه، ثم استدعى ماله وثيابه فقاسمني دينارا دينارا ودرهما درهما وثوبا ثوبا وأعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته وفي كل شئ من ذلك يقول: يا أخي هل سررتك ؟ فأقول: إي والله وزدت على السرور، ثم استدعى العمل فأسقط ما كان باسمي وأعطاني براءة مما يوجبه علي عنه وودعته وإنصرفت عنه، فقلت لا أقدر على مكافأة هذا الرجل إلا بأن أحج في قابل وأدعو له وألقى الصابر وأعرفه فعله، ففعلت ولقيت مولاي الصابر عليه السلام وجعلت احدثه ووجهه يتهلل فرحا فقلت: يا مولاي هل سرك ذلك ؟ فقال إي والله لقد سرني وسر أمير المؤمنين عليه السلام والله لقد سر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله والله لقد سر الله تعالى
ما اعظم هذا الكلام (إي والله لقد سرني وسر أمير المؤمنين عليه السلام والله لقد سر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله والله لقد سر الله تعالى )
واخيرا اقول فليتامل الشيعي الذي يعمل في ضل حكومة جائرة او مخالفة لدينه او هو الحاكم كيف يعامل اخوانه بقضاء حوائجهم