أرشيف ملفات شتازي في برلين للألمان خبرة معرفية في ملفات المخابرات ينبغي للعراقيين اليوم الاستفادة منها أيضا. فعلى نمط ما كان يسمى بهيئة غاوك، التي تأسست لغرض إعادة قراءة التاريخ بعد إنهيار ألمانيا الشرقية، يزمع العراقيون إعادة قراءة التاريخ بعد جمع الملفات السرية لنظام البعث وإعادة تقييمها بعد فرزها. تقرير سونيا فالينكار
التقت السيدة ماريانه بيرتليرMarianne Birthler في الأسبوع الماضي بندوة في واشنطن مع عراقيين يعيشون في المهجر بناء على دعوة من مؤسسة هاينريش بول الألمانية Heinrich-Böll Stiftung. لقد كان هدف الندوة هو البحث عن كيفية استفادة العراقيين من خبرة ألمانيا في التعامل مع ما خلفة نظام سلطوي من تركة. يقدر عدد الضحايا في عهد صدام حسين الدموي على مدى 35 عاما بأكثر من مليون إنسان تم قتلهم. لقد كان التعذيب والقتل السياسي من سمات هذا النظام على الدوام. ولقد هرب الآلاف من العراقيين إلى الخارج خوفا من بطش هذا النظام.
قدمت السيدة بيرتلير من جهتها وصفا لعمل دائرتها، التي استطاعت بفضل البحث وإعادة التكوين لملفات دائرة المخابرات الألمانية الشرقية سابقا، والتي تسمى شتازي Stasi، في جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا، وذلك بشكل كلي وطرحه أمام الناس للتعرف عليه. لقد كان هناك ما يزيد عن 2,4 مليون مواطن ألماني من ألمانيا الديمقراطية يخضعون وبشكل دائم لمراقبة جهاز المخابرات هناك. ومنذ فتح أرشيف الملفات السرية لأول مرة في عام 1999 تم يوميا فضح أناس جدد كانوا يعملون لمصلحة المخابرات الألمانية الشرقية بشكل غير رسمي، كما فضحت عمليات تجسس واسعة تم تنفيذها في جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا.
شبكة المخبرين
وكما هو الحال بالنسبة للمخابرات الألمانية الشرقية شتازي، فإن نظام صدام حسين كان يمتلك أيضا أرشيفا واسعا يحتوي حسب التقديرات على حوالي 300 إلى 400 مليون وثيقة. وحسب آراء الخبراء هناك إثباتات مازالت قيد السرية حول جرائم بطش النظام العراقي. ومن أجل الحفاظ على تمسكه بالسلطة كان النظام العراقي يمتلك شبكة واسعة من المخبرين والعملاء، التي كانت تمارس التعذيب والقتل دون رادع.
ولقد قالت السيدة هيلغا فلوريس، مديرة مؤسسة هاينريش بول، بأن منظمتها تعتقد بأن خبرة ألمانيا التي تزيد عن عشر سنوات في كيفية التعامل مع ملفات المخابرات الألمانية الشرقية شتازي، ستكون أيضا بالنسبة للعراقيين على قدر كبير من الفائدة. وأضافت بأن العراقيين مازالوا في بداية الطريق من أجل إعادة دراسة ماضيهم. "إن هناك كما هائلا من الأسئلة حول هذا الموضوع، على سبيل المثال لا الحصر إنجاز قانون يستند إليه وتراعى على أساسه المحافظة على أمانة المعلومات من ناحية ومن ناحية أخرى ضمان الحق في الإطلاع على الوثائق.
فاعلية رغم الفوضى
لقد قام السيد حسن منيمنة، رئيس مدير مؤسسة الذاكرة العراقية في واشنطن، بجمع ست ملايين وثيقة حكومية من عهد الدكتاتورية. "فبالرغم من أن نظام صدام حسين لم يكن يمتلك إمكانيات جهاز المخابرات الألماني الشرقي شتازي ولم يعمل ببراعة ذلك الجهاز، إلا أنه وبفضل تعدد المنظمات السرية الهائل استطاع تعويض النظام العراقي عن هذا النقص. لقد كان النظام العراقي أكثر غموضا بكثير من مثيله الألماني الشرقي."
واقترح السيد منيمنه من جهته أن يقوم العراق بإنشاء دائرة مختصة على غرار ألمانيا في إنشائها هيئة جاوج، من أجل إعادة دراسة وفرز أرشيف مخابرات نظام صدام حسين. وحسب أقوال السيدة بيرتلير فإن معظم ذلك الأرشيف يخضع لرقابة الحكومة الإنتقالية في العراق. وسيتم استخدام تلك الوثائق كمواد ثبوتية في محاكمة أعضاء الحكومة السابقة. وبالرغم من ذلك فهناك ملفات إما أنها تعتبر ضائعة أو أنها وقعت في أيدي منظمات دينية وسياسية. "إن الخوف من إساءة استخدام هذه الوثائق كبير جدا"، هذا ما قالته السيدة بيرتلير في مقابلة صحفية.
إنهاء التملق بالسرية
ولقد قامت المخابرات الأمريكية أيضا أثناء بحثها عن أسلحة دمار شامل بمصادرة جزء من الملفات، وهي حتى هذه اللحظة ليست مستعدة لإطلاع العراقيين على محتوى هذه الملفات من الوثائق. "إننا نحاول إقناع الأمريكان بأنه من مصلحة الملايين من العراقيين الإطلاع على هذه الملفات والتعرف على محتواها وما فعله النظام بالضبط"، هذا ما قاله السيد منيمنه. إن هذه الوثائق على قدر كبير من الأهمية من أجل القضاء على "ثقافة السرية" التي كانت تسود في المجتمع العراقي والتوصل إلى صورة تاريخية بديلة متكاملة في هذا البلد.