يقول سماحة الإمام الخامنئي بعد ان حمد الله و صلى على النبي و آله لا سيما صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه :
" و ثمّة تناسب بين هوية التعبئة و حقيقتها ، و هوية محرم و عاشوراء ، تفخر التعبئة بأنها سائرة على درب عاشوراء و مدرستها ، طبعا عاشوراء هي ذروة التضحية و الإيثار " .
إن التعبئة ذات الطابع الشعبي الإيماني المستضعف هويتها و حقيقتها متناسبة و مستمدة من محرم و عاشوراء أي من ثورة سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام .
فالإمام الحسين عليه السلام ثار على الظالم الفاسق الكافر المنحرف المستكبر ، حتى نال ما أمّل من خروجه فنال المقام الأعلى بين الشهداء هو و أصحابه فكان سيد الشهداء ، و كذلك شبان التعبئة الجهادية بكافة أنواعها ثارت و انتفضت و لم تقبل بما قبل به الأذلاء فقدمت الشهداء جلّهم من الشباب فهنيئا للملتحقين بركب أبي عبد الله عليه السلام ، لكن يبقى لعاشوراء خصوصية كما اشار الامام الخامنئي و هي أنها ذروة التضحية و الإيثار .
ثم يضيف سماحته : " و إن قضية عاشوراء ليست هذا فقط ، نعم أبرز و أوضح خصوصيات عاشوراء منذ بدء المسيرة في المدينة نُثرت بذور المعرفة و البصيرة ، و هذه خصوصيات واقعة عاشوراء " .
فعاشوراء هي ليست فقط سيرة إمام معصوم قام لأداء تكليفه و واجبه ضد الفساد و الفسوق الصادر عن بني أمية فاستشهد و من معه ، التضحية و الشهادة لله هي أبرز خصوصيات عاشوراء لكن التضحية و الوفاء لا بُدّ من أن يكونا مسبوقين بشيء مهم جدا ليستقيم القيام و الثورة و حتى نعرف أنفسنا من أين و الى أين ، حتى نعرف كيف نتعامل مع العدو .
هذا الأمر الّذي هو " المعرفة و البصيرة " فالإمام الحسين عليه السلام كان على معرفة بالزمان و الظرف و المكان المناسب للقيام و الثورة و هذا من أهم أسباب و عوامل نجاح المشروع الإلهي ، فقد كان عليه السلام و من معه نافذي البصيرة ، يقول الامام الصادق عليه السلام في حقه عمه العباس عليه السلام :" كان عمي العباس بن علي عليه السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان ، جاهد مع أخيه الحسين و أبلى بلاء حسنا و مضى شهيدا " .
و هذه البصيرة لا تتوقد الا بالقربى من الله و تلك المعرفة لن توجد و لن يستطيع عقل الانسان أن يدرك واقع الامور بدقة الا بتوفيق من الله ، فاستمرار الثورة و امتدادها بعد موت او شهادة اصحابها رهن علاقتهم بالله ، فالامام الحسين كان ذا علاقة شديدة قوية لا يمكن أن يتعلق بغير الله و هذا سبب بقاء صدى ثورته مسموعا مدى الدهر .
اما في الجانب الاخر ، إذا نظرنا الى الحركات الغير الهية كالشيوعية و الماركسية و الامبريالية و كافة الماديين و غيرها تجدها اما انتهت كالاولى و فشلت و بعضهم يتخبط في فراغ حياته الجوفاء كالماديين فلا منجى و لا مهرب الا الى الله .
ثم يُضيف سماحة القائد " دام ظله " : " اذا لم يكن الناس أو الأمة متحلية بالبصيرة فإن الحقائق المتنوعة سوف لن تُصلح أمرها و لن تُعالج مشكلاتها ، و عليه فإن الاخلاص و معرفة الظرف و الزمان و نثر بذور حركة تاريخية متصاعدة من خصوصيات عاشوراء المهمّة ".
فلا بُدّ إذا من وجود البصيرة المنتهاها الى الله و المعرفة بحقائق الامور ، فعاشوراء لم تنتهِ من بعد ظهيرتها بل وقتها انطلق التيار الّذي لا يزال يتصاعد و يتنامى عبر التاريخ .
ثم يتوجه سماحة القائد الى المجاهدين ببيان حقيقة التعبئة : " التعبئةهي نفس هذا الدرب ، و نفس هذه الحركة و نفس هذه الأهداف و نفس هذه الأدوات و الوسائل و التعبئة جماعة مضحية من الناس و لأجل الناس ، إنها تشكيل جماعة في مسيرة عظيمة لشعب مجاهد ، المشاركة في ميدان الدفاع و في ميدان العلم و في ساحة الفن .. "
فيا أيها الإخوة و الأحبة المجاهدون في مختلف الميادين العسكرية و الثقافية و الاعلامية ، خلف مقعد الدراسة و خلف دشمة الموقع و خلف شاشة الحاسوب ، انتم المضحون المتفانون لأجل الناس و أنتم منهم ، فالتضحية ليست فقط ببذل الدم بل ببذل المال للفقراء و المحتاجين و بمساعدة المستضعفين ، و أنت أيها التعبوي الشجاع لو ساعدت شيخا عجوزا بعبور الطريق فأنت تجاهد و عندما تصلي تجاهد و عندما تدرس تجاهد ، عندما تدافع بالكلمة فإنك تجاهد و في كل عمل خيّر فأنت تجاهد .
أما في أحوال و صفات التعبئة يقول القائد المفدى : " التعبئة سياسية و لكنها ليست مصابة بالسياسة و الألاعيب السياسية و ليست فئوية ، التعبئة مجاهدة لكنها ليست متطرفة و عديمة الانضباط ، التعبئة متدينة و متعبدة بعمق لكنها ليست متحجرة و لا تؤمن بالخرافات " .
عندما قام رسول الله صلى الله عليه و آله ببناء دولته سعى أن تكون كاملة متكاملة لا يشوبها نقص أو ضعه ، فكانت دولة المسلمين منية على اسس و مباني اجتماعية و عسكرية و سياسية فكان يوقع المعاهدات و يشن حروبا دفاعية عن الأمة الاسلامية ، و هذا ما نحن عليه الان و كما قال الامام الخميني قدس سره " سياستنا عين ديننا " فالسياسة لا يمكن لها ان تنفصل عن الدين فهما واحد و لكن أي سياسة ، انها سياسة اعرف الحق تعرف أهله بالسير وفق مبدأ صحيح معروف و واضح و متلقى من قبل الشارع المقدس من سيرة المعصومين عليهم السلام .
السياسة التي اتبعها رسول الله و أمير المؤمنين و سائر المعصومين عليهم السلام ، الهادفة الصادقة الوفية المتأنية المدركة ، لا سياسة ابي سفيان و معاوية و عمرو بن العاص و بني امية و بني العباس فبينهما فرق عظيم .
و التعبئة كذلك متعبدة مجاهدة لا متطرفة الى درجة تخطي الحدود الشرعية و اعمال الرأي في الاحكام تحت عنوان طاعة الله و الجهاد ، فإن قوما خالفوا رسول الله و أصرّوا على الصيام بالسفر اثناء الزحف لفتح مكة فسماهم بالعصاة ، و إن قوما قتلوا الابرياء و المسلمين تحت مسنى الجهاد فأصبحوا بقتلهم للمؤمنين عمدا من الخاسرين .
و من أهم الصفات التي طرحها سماحته أن التعبئة ذات بصيرة و هذه البصيرة تفقدها العحب بالنفس فتكون نفس التعبوي بصيرة عالمة بما يدور حولها و لا يغفل عن مكائد الاعداء مما يحيكونه و ما ذلك الا لنفاذ بصيرته و توفيق الله ، و هذا ما أكد سماحة الامام الخامنئي عليه في غير مناسبة في مواجهة الحرب الناعمة مشددا على البصيرة و الوعي و الاستعداد و ما شكال .
ثم يتحدث سماحته عن منشأ ثقافة التعبئة و سريانها الى باقي الشعوب حتى ان شبان نيويورك و كاليفورنيا يرددون شعارات ثورة مصر و تونس و هم استلهموا و تعلموا من حزب الله و حماس و الجهاد الاسلامي و ان المعلم الاول لكل التعبويين هو الامام الخميني .
و ختم سماحته قائلا : " نتمنى أن يُوفق الله تعالى كل شعبنا العزيز و شبابنا التعبويين الاعزاء و كل شباب هذا البلد و المسؤولين للاستمرار في هذا الدرب ، و ليعلم الجميع انهم مسؤولون في هذا الميدان ، مسؤولو البلد و مختلف الشرائح ، الشعب متواجد في الساحة جاهزية الشعب في قضايا شتى جاهزية كامة ، على المسؤولين ان يعرفوا قدر هذا الشعب و قدر هذه الجاهزية ، و ان يقوموا بأعمالهم التي على عاتقهم على أفضل وجه في السلطات الثلاث كي يتقدم الشعب الى الامام بانسجام .
و هذه التحركات في اطراف العالم الاسلامي هي بلا ريب تحركات باقية و متقدمة الى الامام ، الشعوب تستيقظ الواحد تلو الاخرى ، و عملاء الاستكبار سيخرجون من الساحة الواحد تلو الاخر ، و تتضاعف شوكة الاسلام و اقتداره ان شاء الله يوما بعد يوم .
ربنا اجعلنا جديرين بهذه النِعم الكبرى و شاكرين لها ، اللهم نوّر قلوبنا بنور محبتك و معرفتك و أوليائك و اشملنا بأدعية الامام المهدي المنتظر ارواحنا فداه ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته "