اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن عدوهم
يعتبر الإنسان نباتا من الأرض أنبته الله أي أخرجه منها، فقال تعالى: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً}( نوح: 17). ولاشك أن هذا الإنسان يأخذ خاصية الأرض بما فيها من معادن وغيرها وهذا واضح بأدنى تأمل. ومن أحكام هذه الأرض أنه كلما كانت أرضاً طيبة أي جيدة كان نباتها وزرعها حسناً وطيباً ولذلك قال الله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}( الأعراف: 58).
وانطلاقا من هذه الحقيقة يتقوم جسد الإنسان في صلاحه وفساده وأنه متى صلحت الأرضية التي تحمل هذه الروح تكون شفافة لا يكدرها شيء، فتنطلق في عالم الملكوت، ومن هنا حرم الله على الإنسان بعض الأشياء لما لها من ضرر على نفس البدن والروح فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}( الأعراف: 33).
ومن أعظم الضرر على الإنسان هو لقمة الحرام حيث تحرمه من العروج إلى عالم الملكوت و لذلك نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن كل طعام محرم، أو فيه شبهة تحريم.
قال ( صلى الله عليه وآله ): «من أكل لقمة حرام لم يقبل له صلاة أربعين ليلة»( عدة الداعي: 33).
ويقول ( صلى الله عليه وآله ): «إنّ الله حرم الجنة جسدًا غُذي بحرام»( كنز العمال 4: 14)، أي أن الجسد الذي يكون غذاءه حراما لا يمكن أن يدخل الجنة بهذا الجسد لأنه نبات خبث، والخبث لا يكون في الجنة، لذا من شروط التوبة أن يذيب اللحم والشحم الذي نبت على العظم من الطعام المحرم، فيجعله ينموا من جديد بالطعام المحلل وليست المسالة هنا فقط. بل أن تأثير اللقمة المحرمة كبير جداً، سواء كان في الأعمال العبادية، كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): «إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كل ملك في السماوات والأرض»( بحار الأنوار 100: 12).
وعنه ( صلى الله عليه وآله ): «العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل»( عدة الداعي: 141)، أو حتى في النشأة والتربية فإننا نعلم إن الإنسان يؤثر فيه خاصية الجينات وهذه الجينات هي عناصر، وكل عنصر لم يكن صحيحا يؤثر تأثيرا سلبيا. وهذه العناصر تتغذى من الطعام لذلك كان: «الكاد على عياله من الحلال كالمجاهد في سبيل الله»( من لا يحضره الفقيه 2: 168).
أما والعياذ بالله لو كان طعامه ومأكله من الحرام فأنه لا يؤثر في الإنسان نفسه بل حتى في عقبه وعياله ولو بعد حين، فعن أمير المؤمنين( عليه السلام ) : «إنّ الرجل إذا أصاب مالاً من حرام لن يقبل منه حج ولا عمرة ولا صلة رحم حتى أنه يفسد الفرج»( وسائل الشيعة 12: 61).
بل من آثار لقمة الحرام أنها تصم الأسماع عن سماع الحق والتعقل به كما قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء عن جيش ابن زياد: «أن لقمة الحرام ملأت بطونهم» فصدهم ذلك عن الحق.
وكلما كان الإنسان متحفظا في مأكله وطعامه كان نباته حسنا وأعظم شيء يذكر في هذا المجال قصة المحقق الاردبيلي، فهو نتاج لقمة الحلال، وطهارة النطفة التي تعتبر أساساً لمخلوق جيد. فقد جاء والده إلى قناة يملأ قربته ماءً فرأى تفاحة تجري على الماء، فأخذها وأكلها، ولكنه وقف فجأة يفكر، كيف أكل التفاحة ولم يستأذن من صاحبها، فأخذ يعاتب نفسه على هذا التصرف الذي لا ينبغي صدوره منه، ولذا فكر في أن يمشي باتجاه معاكس لجريان الماء لعله يصل إلى صاحب التفاحة فيسترضيه على أكله لها، مشى مسافة حتى وصل إلى مزرعة التفاح فلقي صاحب المزرعة وكان عليه سيماء الصالحين فقال له:
إن تفاحة كانت تجري على الماء في القناة فأخذتها وأكلتها أرجوك أرض عني!
أجابه الرجل: كلا لن أرضى عنك.
قال: أعطيك ثمنها.
قال: لا
وبعد الإصرار والإلحاح الشديدين وافق صاحب المزرعة أن يرضَ عنه ولكن بشرط واحد!
قال الشاب: فما هو الشرط؟
أجاب الرجل: عندي ابنة عمياء، صماء، خرساء، مشلولة الأرجل إذا وافقت أن تتزوجها أرضَ عنك وإلا فلا!
فلما رأى الشاب أنه لا سبيل إلى جلب رضاه إلا بالموافقة على هذا الشرط الصعب، دعاه إيمانه إلى الموافقة. وهو يندب حظه، ويسترجع(يسترجع : أي يقول إنا لله وإنا إليه راجعون) على هذا البلاء العظيم جراء تفاحة. مضت الأمور كما يريد أبو البنت وقرأ العقد وتزوج الشاب، وعند دخوله على عروسه فوجىء بعروس ذات قامة ممشوقة وهي في غاية الجمال، أنها مواصفات نقيضة للمواصفات التي ذكرها له أبوها. فخرج الشاب مسرعا (خشية حدوث خطأ في الزواج فتحدث له مشكلة أخرى) وإذا بالرجل ينتظره مبتسماً قال: خيراً إلى أين؟
قال الشاب: إن البنت التي ذكرت لي وصفها ليست هي العروس التي دخلت عليها؟!
أجابه الرجل: إنها هي. لأني حينما وجدتك جاداً في جلب رضاي لأكلك تفاحة خرجت عن حيازتي، وسقطت في الماء وأخذها الماء مسافة بعيدة وجئت تطلب الحل، علمت إنك الشاب الذي كنت انتظره منذ أمد لأزوجه ابنتي الصالحة هذه. ولقد قلت لك: إنها عمياء خرساء فلأنها لم تنظر ولم تكلم رجلا أجنبيا قط. وقلت لك إنها مشلولة فلأنها لم تخرج من المنزل لتدور في الطرق، وإنها صماء فلأنها لم تستمع إلى غيبة أو غناء، أليست هذه فتاة مؤمنة يستحقها شاب مثلك؟
وكان ثمار هذا الزواج المبارك ولادة إنسان اشتهر في ورعه وتقواه وقربه إلى الله وحبه للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ومودته العميقة لأهل البيت ( عليهم السلام ) وعرف عنه كثرة ملاقاته لمولانا صاحب العصر والزمان وهو المقدس الجليل الشيخ أحمد الاردبيلي.
ولكي نعلم كيف صار الشيخ المقدس هكذا لننظر إلى أمه ماذا تقول حينما سُئلت كيف صار ولدها الشيخ بهذا المقام؟ فأجابت: أني لم آكل في حياتي لقمة مشبوهة، وقبل إرضاع طفلي كنت مداومة على إسباغ الوضوء، ولم انظر إلى رجل أجنبي بريبة قط، وسعيت في تربية طفلي أن أراعي النظافة والطهارة، وأن يصاحب الأولاد الصالحين.
ونحن حينما نتأمل هذه الحادثة العظيمة نعرف كيف يكون أثر لقمة الحلال وكيف يؤثر الاجتناب عن المحرمات، وردع النفس عن الاقتحام في الشبهات والمحظورات. فقد ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله ): «ترك لقمة الحرام أحب إلى الله من صلاة ألفي ركعة تطوعًا»( عدة الداعي: 65).
لما سأل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال: «ما أفضل الأعمال؟ قال: الورع عن محارم الله»( بحار الأنوار 42: 190)، ويقول ( صلى الله عليه وآله ): «لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلاّ مخافة الله إلاّ أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة»( كنز العمال 15: 787)