كيف ينهض شيعة العراق وفيهم موفق الربيعي وامثاله؟
الحكومة العراقية فاشلة، في كل المعايير، بل أن النظام السياسي نفسه مختل، وأسباب الفشل كثيرة، ولكن عادة تنحصر بواحد من إثنين أو كليهما، التنظيم والأفراد، ومهما بلغ الأفراد من الرقي في العلم والتخصص والإخلاص فلن يستطيعوا تحقيق الأهداف المرجوة إن كان التنظيم رديئاً، وكذلك فإن التنظيم المثالي يكون مجرد هيكل على ورق إن لم يكن قادته والعاملون فيه أكفاء، وبدون التنظيم المؤسسي الجيد والأفراد الأكفاء تكون الحالة ميؤوس منها، وهذا هو حال العراق اليوم وبالأمس.
القول بأن الشيعة يحكمون العراق ادعاء اجوف، والصحيح هو أن هنالك ثلة من الشيعة يشاركون في الحكم، وهم في الغالب واجهة يستتر وراءها الحاكمون الحقيقيون للعراق وهم المحتلون وحلفاؤهم من دول الخليج والأكراد والسنة، ولو كان هؤلاء الحاكمون المنتسبون للمذهب الشيعي يمثلون مصالح الشيعة فعلاً لما وقفوا متفرجين غير مكترثين لدماء الشيعة المسفوحة بالإرهاب، ولرأينا تحسناً في حال الشيعة، يضاهي على الأقل ما حظي به الأكراد.
موفق الربيعي عضو في نادي ساسة الشيعة الحاكمين، لا على أساس مؤهلاته وخبراته أو أداءه المتميز وإنما بفضل اختياره من قبل المحتلين في البدء ومن ثم انضمامه لهذا النادي المغلق، وفي مقابلة للربيعي مع الجريدة السعودية الشرق الأوسط والمنشورة في عددها الصادر في 30 حزيران 2011م كشف عن نمط التفكير والسلوك السائد بين الساسة الشيعة، والذي يكمن وراء فشلهم في تحقيق مصالح الجماهير التي انتخبتهم ، ويفترض بهم تمثيلها.
أول عهد الربيعي بالوظيفة آبان عهد مجلس الحكم المعين من قبل المحتلين، وبقي فيها في عهود علاوي والجعفري والمالكي، على الرغم من اختلاف سياسات هؤلاء، وهو يقر بأنه كان يدافع عن سياساتهم على الرغم من عدم اعتقاده بجدواها انطلاقاً من "باب مهني" على حد تعبيره، ولا أعرف مهنة أو قواعد مهنية تجيز لفرد الدفاع عن مواقف لا يؤمن بها؟ أليس هذا هو نفس العذر الواهي الذي استعمله جلاوزة النظام البعثي البائد وغيره من النظم الفاشية في تبرير اقترافهم لأبشع الجرائم بحق المعارضين وغيرهم؟
شهد الربيعي في المقابلة فقال: "لقد وظفنا في الحكومة حرامية وجهلة وأميين" وزاد على ذلك: " إن هناك بعض المسؤولين الذين وظفناهم في الحكومة (جوعى) يعانون من جوع قديم للمال، ولم يروا الفلوس في حياتهم وأول ما رأوها تحولوا إلى حرامية، وكانوا أناسا نعتمد عليهم وعلى سمعتهم الدينية. وقد حوكم البعض منهم وطرد البعض، لكن الدولة لا تزال منخورة بالفساد"، وهو شاهد من أهلها، ومن البديهي بأن الذين استعانوا بهؤلاء الجهلة واللصوص يتحملون المسؤلية الكاملة عن تصرفاتهم، وتحتم القواعد الأخلاقية عليهم التنحي عن مناصبهم بل واعتزالهم العمل السياسي، وهو ما لم يفعل الربيعي ورهطه.
يضيف الربيعي بأن " أكبر اخفاقاتنا هي أننا لم نستطع تحقيق المصالحة الوطنية"، وهو يغالط في ذلك، لأنه هو جماعته من المحسوبين على الشيعة بذلوا أقصى جهدهم لتحقيق ما يسمونه بالمصالحة الوطنية، وتنازلوا عن حقوق الشيعة في سبيل ذلك، وتغاضوا عن المذابح التي اقترفت بحقهم، وتبين بأن المراد من المصالحة الوطنية، اصدار صك غفران لجرائم البعثيين واعادتهم إلى مواقع السلطة والمسؤولية، تنفيذاً للإملاءات الأمريكية والمشيئة الخليجية، وهو ما حدث بالفعل.
وتكاد ترى الدموع المترقرقة في عيون الربيعي وهو يصرح لجريدة الوهابيين بما يلي: " فمثلاً كان الضابط الكبير في الجيش العراقي الذي يحمل رتبة لواء ركن وقائد فرقة بمثابة ملك في العراق من حيث امتيازاته المادية والمعنوية، وقمنا برميه إلى الشارع وجردناه من كل امتيازاته وحقوقه، هذا شيء كبير جدا." وقد غفل الربيعي عن حقيقة أن هذا الضابط الكبير في جيش الطاغية صدام كان على الأغلب مجرماً سفاحاً مثل سيده، وهو شريك له في جرائمه باستعمال الأسلحة الكيماوية وقصف المدن والمراكز السكانية وغير ذلك من الفضائع، ورميه في الشارع جريمة إذ الواجب محاكمته ومعاقبته.
يجد الربيعي العذر للإرهابي السني وقتله الأبرياء من الشيعة بقوله: " لماذا رفع السلاح؟ لأننا ابعدناه 100 بالمائة عن السلطة وعن الثروة وسلبناه حياته ووجوده"، ولعله افضل دفاع عن الإرهاب الطائفي الذي يستهدف الشيعة، ويتناسى الربيعي بأن المحتلين لا الشيعة أسقطوا النظام البعثي، وبأن الأمريكان لا الشيعة أسسوا المحاصصة الطائفية، والتي ضمنت للسنة تمثيلاً يفوق بكثير استحقاقهم العددي، أما الثروة فقد كان الشيعة وما زالوا - باستثناء شلة الساسة وأعوانهم - أفقر طوائف العراق، ولا أدري كيف تم استلاب حياة ووجود السنة بعد الإحتلال؟ وهل كان المئات من الألاف من قتلى الحرب الأهلية المدفونين في النجف أو في المقابر الجماعية في المثلث أو زوار الائمة الذين تفتت أجسادهم بفعل الانفجارات أو التهمت أشلاءهم الأسماك من السنة أم الشيعة؟
ينز كلام الربيعي بالحقد على الشيعة، ويتلاقى في ذلك مع أشد الحاقدين على كل الشيعة، أي السعوديين الوهابيين، فهو يعود في المقابلة مع الشرق الأوسط ليؤكد ما صرح به في السابق بأن الموت يأتي للعراق من إيران وسورية، وحتى اليوم لم نشاهد دليلاً واحداً على ضلوع إيران أو جماعة تابعة لها في عملية إرهابية داخل العراق، أما دخول الإرهابيين من الحدود السورية فهو أمر لا خلاف عليه، ولكن هل ينكر الربيعي بأن معظم الإرهابيين المتسللين عبر الحدود السورية هم من السلفيين الوهابيين وإن غالبيتهم من السعودية؟
وبيت القصيد هو علاقة العراق بالسعودية ودور الربيعي في ذلك، إذ يؤكد:" أنا فخور بما أنجزته من علاقات مع السعودية، وهذه العلاقات كانت بين الحكومة العراقية وحكومة المملكة وبتحفيز مني. أعتقد أن العراق دولة عربية والانتماء العربي للعراق شيء لا يجب أن يناقش ولا نفرط فيه. والمسألة الثانية هي أن مركز الثقل السياسي والمالي والاقتصادي والديني في العالم الإسلامي هو في السعودية، ولا يمكن أن نستعيد هويتنا العربية إلا من خلال البوابة السعودية، لذلك أعتقد أن العلاقات العراقية - السعودية قضية أساسية ومصيرية، ويجب أن نؤكد عليها بالحكومة المقبلة".
الربيعي الشيعي فخور بدوره في توطيد العلاقات مع السعودية، المجاهرة بعداءها للشيعة، موطن الإرهاب السني المعادي للشيعة، مصدر الفتاوى المحرضة على قتل الشيعة، موطن الألاف من الإرهابيين الذين جاؤوا للعراق لقتل الشيعة، والممول الرئيسي للتنظيمات السلفية الوهابية الإرهابية، والداعية لتدمير أضرحة ائمة الشيعة، والمشاركة في قمع الشيعة في البحرين، والمتأمرة على شيعة لبنان، والمحرضة على تدمير إيران.
هذه هي السعودية التي يرى الربيعي بأنها مركز الثقل في العالم الإسلامي والبوابة الوحيدة التي يمكن للعراق من استعادة هويته العربية المفقودة.
الربيعي هو أحد الساسة المنتسبين للشيعة، والذين ساعدتهم أصوات ملايين الشيعة في البقاء بالحكم، لذا لا يلوم شيعة العراق أحداً على حالتهم المزرية اليوم إلا أنفسهم.
15 آب 2011م