تحمست شعوب عربية كثيرة للثورات العربية التي بدأت في تونس، وكذلك فعلت وسائل إعلام كثيرة بخاصة تلك القنوات العربية الخارجة عن صف الأنظمة العربية أو التي تملك بعض الاستقلال الإعلامي. لقد حظيت الثورات العربية بتغطية جيدة وبحماس جماهيري واسع إلا من ثورة البحرين. اهتم الناس بداية بثورة البحرين وحاولت بعض القنوات تغطية الأحداث على استحياء، لكن البحرين تغيب عن السطح الإعلامي الآن إلى حد كبير، وكأن ظلما لم يقع ولا يقع على شعب البحرين. هذا علما أن البحرين يتم انتهاكها الآن من قبل دول أجنبية بأدوات عربية.
لماذا تتحمس الجماهير ووسائل الإعلام لثورات عربية، بينما لا نجد تلك الحماسة للبحرين؟ هل البحرين دولة شاذة عن الدول العربية الأخرى، ويتميز نظامها بالحرية والمنهجية العلمية وبناء الشخصية المستقلة؟ هل تتمتع البحرين بقيادة حديثة وفذة وقادرة على نشر العدالة والمساواة ونشر أجواء الحرية والبناء والتقدم؟ هل أخطأ شعب البحرين عندما وقف متحديا النظام ومطالبا بالتغيير كما تطالب الشعوب الأخرى؟ واضح أن شعب البحرين لا يعاني من ظلم حكامه فقط، وإنما هو يعاني أيضا من ظلم وسائل الإعلام التي انحازت للقوى التي ترى في حرية البحرين تكبيلا لحرياتها هي في نهب ثروات الأمة والشسيطرة على منطقة الخليج.
العنوان البائس لقهر أهل البحرين هو أن إيران تحرض الشيعة على الثورة، وأن المتمردين في البحرين هم شيعة. على الرغم من أن حكومة البحرين لا تميز بين شيعة وسنة. هذا عنوان ممجوج وتكرر على مسامع العربي منذ عام 1979، وهو يهدف إلى صناعة عدو إيراني على العرب أن يحشدوا طاقاتهم من أجل القضاء عليه. والمعنى أن الشيعة والسنة في البحرين يعيشون حياة عزة وإباء وحرية، وأن المشكلة هي إيران.
دعونا نكون واضحين: هذه أمة تعاني من فئوية تعصبية. الشيعة كانوا مضطهدين في لبنان، وهم مضطهدون الآن في البحرين والسعودية، وتم شن حرب على الزيديين في اليمن، مثلما أن السنة مضطهدون في إيران. اضطهاد الأقليات الدينية والمذهبية والقومية عبارة عن سمة عامة في المنطقة، وتتم ممارستها من مختلف الأنظمة القائمة في مخالفة واضحة وكبيرة للشرع الإسلامي, وقد خرجت جماهير الأمة في مختلف البلدان من أجل أن تقضي على هذه التعصبية المقيتة التي تسيء للجميع ولا تخدم الفكرة الإسلامية سواء التي تأتي من السنة أو الشيعة.
قد يكون الشيعة في البحرين موالين لإيران، وهذا ما لم نتحقق منه بعد، لكننا متحققون تماما من ولاء القبائل الحاكمة في الخليج للولايات المتحدة الأمريكية، ومن تطبيع هذه القبائل للعلاقات مع الكيان الصهيوني. فمن يوالي الأجنبي الذي ينهب الثروات لا يحق له أن يدين الآخرين بولائهم للغير. بالأمس كانت قبائل الخليج توالي شاه إيران وتأتمر بأمره على الرغم من أنه شيعي، لكن العلة لم تكن بشيعيته ولكن لأنه كان الحارس الوفي لمصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة.
الرجاء ألا يستخدم أحد مقولة سني وشيعي من أجل أن يبرر مخازيه. لو كان حكام العرب سنة حقا لدعموا المقاومة السنية في لبنان وفلسطين، ولو كانوا سنة حقا لما سمحوا باحتلال العراق، ولوكانوا مسلمين حقا لما سمحوا باستباحة أرض العرب وثروات العرب ومقدسات العرب. هذه مقولة لا يُقصد منها إلا تمزيق الأمة وتبرير سيطرة أهل الغرب على الأمة العربية بشيعتها وسنتها. نحن لا نفصّل طريقا إلى الجنة، وليس من حق شيعي أو سني أن يرسل أحدا إلى الجنة أو أن يحرمه منها، أو أن يرسله إلى جهنم، فهذا شأن رب العالمين سبحانه، وليعمل كل فرد وفق ما يرى مناسبا للفوز بالآخرة، والعاقبة للمتقين.
المهم أن سياسات التمزيق مرفوضة، وكذلك سياسات الاضطهاد. وإذا كان العرب خائفين من إيران فإن عليهم الاعتماد على أنفسهم ومراكمة القوة الدفاعية اللازمة، لا أن يتمسكوا بالهيمنة الأمريكية.
واضح أن الأنظمة العربية تخشى أن يتبدل من يمتطيها، أو بصورة أكثر دقة، أن الأمريكيين يخشون نفوذ إيران مما يهدد هيمنتهم على الثروات العربية.
المهم الآن هو أن من حق أهل البحرين الثورة من أجل حريتهم، ومن حقهم أن نقف معهم. وهذه رسالة إلى قناة الجزيرة التي أشعر أنها راعت القبائل العربية الحاكمة على حساب المبدأ. نحن مع مبدأ حرية الإنسان العربي وكل المواطنين غير العرب وغير المسلمين، ولسنا منحازين لنظام مستبد ضد الشعب. الحكم في البحرين حكم متخلف وقمعي وينتمي إلى العصور الحجرية، ومن حق أهل البحرين أن يعيشوا في القرن الحادي والعشرين كغيرهم الشعوب.