الشيخ المفيد يفحم عمر بن الخطاب في استدلالاته بآية الغار
بتاريخ : 11-01-2011 الساعة : 04:24 AM
ذكر أن شيخنا المفيد رحمه الله قال: رأيت في النوم كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير فقلت ما هذا؟
قيل لي: هذه حلقة فيها رجل يقص.
فقلت: من هو؟
فقالوا: عمر بن الخطاب.
فتقدمت ففرقت الناس ودخلت الحلقة فإذا برجل يتكلم على الناس بشيء لم أحصله فقطعت عليه فقلت: أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على ما يدعى من فضل صاحبك عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالى {ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ} ؟
فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع.
أولها: أن الله تعالى ذكر نبيه (ص) و ذكر أبا بكر معه فجعله ثانيه فقال {ثانِيَ اثْنَيْنِ}.
الثاني: أنه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد تأليفا بينهما فقال {إِذْ هُما فِي الْغارِ}.
الثالث: أنه أضافه إليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة فقال {إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ}.
الرابع: أنه أخبر عن شفقة النبي عليه و رفقه به لموضعه عنده فقال {لا تَحْزَنْ}.
الخامس: إعلامه أنه أخبره أن الله تعالى معهما على حد سواء ناصرا لهما و دافعا عنهما فقال {إِنَّ اللَّهَ مَعَنا}.
السادس: أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن الرسول (ص) لم تفارقه السكينة قط فقال {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}.
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار لا يمكنك و لا غيرك الظفر فيها.
فقلت له: قد حررت كلامك و استقصيت البيان فيه و أتيت بما لا يقدر أحد من الخلق أن يزيد في الاحتجاج لصاحبك عليه غير أني بعون الله و توفيقه سأجعل ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
أما قولك إن الله تعالى ذكر النبي (ص) و جعل أبا بكر ثانيه فليس في ذلك فضيلة لأنه إخبار عن عدد و لعمري إنهما كانا اثنين و نحن نعلم ضرورة أن مؤمنا و كافرا اثنان كما نعلم أن مؤمنا و مؤمنا اثنان فليس لك في ذكر العدد طائل تعتمده.
و أما قولك إنه وصفهما بالاجتماع في المكان فإنه كالأول لأن المكان يجتمع فيه المؤمنون و الكفار كما يجتمع العدد للمؤمنين و الكفار و أيضا فإن مسجد النبي (ص) أشرف من الغار و قد جمع المؤمنين والمنافقين و الكفار و في ذلك قوله تعالى {فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِينَ}. و أيضا فإن سفينة نوح قد جمعت النبي و الشيطان و البهيمة فبان لك أن الاجتماع في المكان لا يدل على ما ادعيت من الفضل فبطل فضلان.
و أما قولك إنه أضافه إليه بذكر الصحبة فإنه أضعف من الفضلين الأولين لأن الصحبة أيضا تجمع المؤمن و الكافر و الدليل على ذلك قول الله عز و جل {قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} و أيضا فإن اسم الصحبة تكون من العاقل و البهيمة و الدليل على ذلك من كلام العرب أنهم جعلوا الحمار صاحبا فقالوا :
إن الحمار مع الحمار مطية
فإذا خلوت به فبئس الصاحب
و قد سموا الجماد مع الحي أيضا صاحبا قال الشاعر :
زرت هندا و ذاك بعد اجتناب
و معي صاحب كتوم اللسان
يعني السيف فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن و الكافر و بين العاقل و البهيمة و بين الحيوان و الجماد فلا حجة لصاحبك فيها.
و أما قولك إنه قال له {لا تَحْزَنْ} فإن ذلك وبال عليه و منقصة له و دليل على خطئه لأن قوله {لا تَحْزَنْ} نهي و صورة النهي قول القائل لا تفعل فلا يخلو الحزن الواقع من أبي بكر من أن يكون طاعة أو معصية فإن كان طاعة فالنبي لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها و يدعو إليها و إن كان معصية فقد صح وقوعها فيه و توجه النهي إليه عنها و شهدت الآيات به و لم يرد دليل على امتثاله للنهي و انزجاره.
و أما قولك إنه قال إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فإن النبي «صلى الله عليه وآله» أعلمه أن الله معه خاصة و عبر عن نفسه بلفظ الجمع فقال {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} و قد قيل إن أبا بكر قال يا رسول الله إن حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه فقال له النبي «صلى الله عليه وآله» إِنَّ اللَّهَ مَعَنا أي معي و مع أخي علي بن أبي طالب.
و أما قولك إن السكينة نزلت على أبي بكر فإنه كفر لأن الذي نزلت السكينة عليه هو الذي أيده الله تعالى بجنوده كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها} فلو كان أبو بكر هو صاحب السكينة لكان هو صاحب الجنود و في هذا إخراج النبي «صلى الله عليه وآله» من النبوة ؛ على أن هذا الموضع لو كتمته على صاحبك لكان خيرا له لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبي في موضعين و كان معه قوم مؤمنون فشركوه فيها فقال في أحدهما {أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها} و قال في الموضع الآخر {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى} و لما كان في الغار خصه وحده بالسكينة و قال {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}.
فلم يحر عمر بن الخطاب جوابا و تفرق الناس و استيقظت.