اسعف سلمان المنكوب فمن يسعف الوطن المنكوب
عبد الجبار سبتي
دائما ما اتذكر الحسنة الوحيدة للسيد اياد علاوي رئيس الوزراء الاسبق حينما قام وفي اول ايام ولايته ومن خلال لقاء على قناة العراقية بفتح خط مباشر للحديث مع الناس .. واذكر اني بقدر ما استحسنت هذا الفعل الجرئ من الرجل وما ازال اذكره في احاديثي , استأت , من فحوى المكالمات التي كانت تتحدث في اغلبها الاعم عن مشاكل شخصية بحته , اما لغرض التعيين او رفع غبن او مظلمة , او قضاء حاجة وكان استيائي مرده وسببه اني لاحظت اننا كأمة او شعب ما زلنا وكأننا لا نريد ان نغادر النظام الابوي في الحكم , حيث ما زال الناس يفكرون بنفس الطريقة التي تعودوا عليها من ان الرئيس او رئيس الوزراء او الوزير هو الحاكم الناهي وهو من يقوم بقضاء حاجات الناس وكأنها منة له عليهم فيوظف ويعين ويعطي ويمنع
تمنيت في وقتها ان تتحدث الاصوات عن معانات شعب لا عن معانات فردية ومطالب امة لا مطالب شخصية المفروض ان يقضيها موظف صغير في دائرة صغيرة , لا بأس ان يطالب المظلوم بحقه وان يرفع صوته اينما حل وهذا حقه , لكن هذه ليست قضيتنا , قضيتنا ايها الاخوة هي مظلومية شعب بأكمله , مظلومية وطن انتهب وسلب وكادت ان تقضي عليه فتن الدهر ومكائد الحاقدين , ان كنا نقصد الوزير الفلاني لغرض تعين او وظيفة او رفع مظلومية وما زلنا اذا ما هو عمل مكاتب التعيين وما هو عمل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وعلام تصرف المرتبات والمخصصات الضخمة , قد يقول احد انها مقصرة او طريقها طويل وروتينها ممل , فاقول ذلك ما كنا نبغ , وهنا بيت القصيد ومربط الفرس , وهذا ما ارمي اليه وهو هدفي.
في لقطة اخرى يشاء القدر ان اكون في مكان تواجد فيه دولة رئيس الوزراء السيد المالكي حيث كان في زيارة لاحد الوجهاء الذي كان يقطن في منزل قريب من السوق , حيث تجمع جمع من الناس للسلام عليه ولقاءه , توقعت من السيد المالكي ان يقوم بلقاء الناس وتحيتهم بعد الفراغ من الزيارة , وكنت امني النفس بأن تكون هذه الحادثة سلاح في يدي اقارع فيه اخواني ممن يرى غير رأيي في الدفاع عن الرجل خصوصا واني من المعجبين والمدافعين عنه وعن قدراته, لكن ما حدث شكل لي صدمة ما زلت اذكرها , فقد اخبرني من بقي في مكان الحدث ان السيد المالكي قام بتوزيع مبالغ نقدية على الحضور من دون لقائهم وفي رايي المتواضع ان مثل هذا الفعل لا يليق برجل يؤسس لحكم ديمقراطي ويرأس مؤسساته ويؤمن بأن المسؤول مهما علت مكانته فهو خادم لشعبه ولوطنه .
ما ذكرني بهذه الاحداث خبر قرأته (ودائما ما اقرأ او اشاهد امثاله في القنوات الفضائية ) قرأته في صحيفة البينة الجديدة يتحدث عن معاناة المطرب الريفي سلمان المنكوب وقيام السيد رئيس مجلس محافظة بغداد بتقديم يد العون والرعاية للمطرب المذكور , وفي الحقيقة فان موقف الجريدة تشكر عليه , وكذلك موقف السيد رئيس مجلس المحافظة ...
اذا فقد تمت المهمة وتم اغاثة المنكوب ولكن السؤال كم منكوبا يمكنكم ان تغيثون بمثل هذه الطريقة وكم يستطيع السيد علاوي ان يوظف من خلال ساعة مباشرة على احدى القنوات وكم يستطيع السيد المالكي ان يعطي من المال لاناس وقفوا على باب اوصد بوجوههم وكم تستطيع فضائية ما ان تنقذ من العوائل الهالكة والمتهالكة .. الا ترون معي انها طريقة دعائية بحته ..لا تغني ولا تشبع ولا تنقذ وطن من مخالب جوع وجهل وتخلف ودمار .. ان كنا نريد ان نبني وطننا بمثل هذا الطريقة وان كنا نبحث عن اغاثة شعب منكوب بمثل هذا الاسلوب القديم والبالي والمتوارث من زمن الدجل والمكر والخديعة فكم سيلزمنا لنصل ولو الى ادنى درجة من درجات سلم الحضارة والانسانية .
الا يمكن لرؤوساء الوزارات مهما كانوا ومن اي جهة اتو ان يقوموا بعمل اشمل واعم واكبر من توزيع اموال او قضاء حاجة لاشخاص معدودين بينما المطالب المشابهة والتي لم يشئ حظها ان تصل كاخواتها تعد بالملايين , هل يعقل ان انتظر انا او غيري لقاءا بأحد المسؤولين حتى يتم اغاثتي او يقضى طلبي , وماذا لو اني لم التق بهذا المسؤول اصلا , هل هذا يعني ان ابقى مريضا او ابقى عاطلا عن العمل او ان اعيش على احسان المحسنين .
ياسادة تذكروا قول امير المؤمنين ( لو كان المال مالي لعدلت بينهم .. فكيف والمال مالهم والفئ فيئهم) متى يشعر المسؤول اي مسؤول ومهما كبر او صغر منصبه بأنه موظف عند الشعب ليخدمهم لا ليمن عليهم بالعطايا والتعيينات , ومتى يشعر المسؤولون الاعلاميون ان ليس كل البضاعة للبيع والمتاجرة والاعلان , كونوا مهنيون واسسوا دولة مؤوسسات لا دولة اسماء وشخصيات , انتم تعلمون والكل يعلم ان اعداد المحتاجين في البلد كبيرة , وما تشهده المؤوسسات الخدمية من زخم وتزايد في اعداد المراجعين يؤدي الى استغلالهم من قبل الموظفين والقائمين على تلك الدوائر او على الاقل الى انهاكهم او فقدان ماء وجههم ,او يؤدي الى تعطيل مصالحهم وربما ضياع حقوقهم , اذا لماذا لايتم زيادة اعداد وفروع تلك المؤوسسات والعاملين فيها واعطائها الاهتمام اللازم والاولوية , اذا كانت الدوائر الخدمية بمجملها منكوبة فكيف تستطيع تقديم خدمة لشعب منكوب.
لماذا لا يتم البحث عن طرق تقلل من الروتين الحاصل في جميع دوائر الدولة واين وزارة التخطيط من مثل هذه القضايا ولماذا لا يتم الاستفادة من الفائض في اعداد الموظفين الموجودة في دوائر اخرى تستنزف الاقتصاد, ونقلهم الى دوائر خدمية لنوسيع رقعة الخدمات المقدمة ونزيد عدد المستفيدين منها ونسهل مراجعاتهم لها , ان القصور في عمل الدوائر الخدمية واضح وجلي ولا يمكن السكوت عليه الى ما لا نهاية .. وعلى السياسي او الاعلامي الذي يبحث عن النجاح ويريد ان يواصل الدرب ان يولي ملف الخدمات العناية اللازمة والمطلوبة , ولكي يكسب ود الناس ورضاهم ومن ثم اصواتهم عليه ان يفهم ان مفتاح ذلك كله يكمن في ما يقدم من خدمة لهذا الشعب , لا ان يهرول الى دمشق ليعلن منها انه يرفض تدخل طهران بالشأن الداخلي ويغمض عينه عن اين هو وماذا يفعل , او ان يعلن انه يرفض العمل مع فلان ويجعل من نفسه قيما على شعب وعلى امة ناسفا بذلك ارادة الناخبين , من فاز في هذه الانتخابات واستطاع ان يشكل حكومة عليه ان يفهم ان الخدمات هي الباب لمواصلة النجاح , ومن لم يحالفه الحظ فاليفهم سبب فشله وليحاول ان يقفز على تلك الاسباب لا ان يقفز على ارادة الناخبين وان يضع العصى في الدولاب ويقف حجر عثرة في وجه مصالح الشعب ويمارس سياسة الارض المحروقة.
ليفهم الجميع ان الشعب والوطن اليوم هم في امس الحاجة الى من يقدم لهم لقمة خبز من دون ان يمن بها , ومن يقدم الدواء والعلاج للمرضى من غير ان يفرض نفسه كظل لله على الارض , اقرأوا عيون الناس وحاولوا ولو مرة ان تفهموا معاناتهم ومطالبهم , لو كانوا بحاجة اليكم ما انتخبوا غيركم , العراق اليوم ليس بحاجة لمن ينظر ويفتي ويامر بقدر ما هو بحاجة لمن يعمل ويقدم خدمة , لسنا بحاجة الى دولة دينية تعلمنا كيف نعبد الله عزوجل ولسنا بحاجة لوسطاء بيننا وبينه سبحانه , ولا نحتاج الى دولة ثوار تعلمنا كيف نثور على من ظلمنا فتاريخنا يشهد وكفى به شهيدا , ولسنا بحاجة الى دولة تعسكر المجتمع فاراضينا والحمد لله ممتدة وتكفينا , نحن ايها السادة بحاجة الى دولة خدمات تجعلنا نشعر بانسانيتنا اتجاه أي مسؤول مهما كبر, لا ان نكون متسولين نستجدي الاحسان من فلان او علان .
خدمة الشعب ايها الاخوة لا تكون من خلال طرح مشاكل فردية مع احترامنا وتقديرنا لما يقوم به البعض من جهد لانقاذ حالة هنا او حالة هناك , خدمة الشعب اخواني تكون من خلال طرح حلول عامة وجذرية وافكار وروئ ومحاسبة المقصر في هذا المجال حتى وان كان من ذوي القربى واعطاء الفرص للاخرين ليمارسوا دورهم لان المسؤولية لا تقع على عاتق الحكومة او البرلمان فقط وانما هي مسؤولية الجميع , والقصور في جوانبها يمس الجميع , ولا بد لنا من نبذ وترك التفكير الابوي العقيم في قيادة دولتنا او مؤسساتنا الحكومية او الاعلامية , علينا بالتفكير جديا بتكوين دولة حضارية , دولة مؤسسات تقدم خدماتها لشعب انكوى وما زال يكوى ويحترق كل يوم بالوان من نيران الحاجة والعوز والفقر والحرمان والتشرد بينما ينعم (الاباء) من رؤساء احزاب وكتل ووزراء ومدراء عامين ومدراء قنوات فضائية بما ليس من حقهم ويسرقون لقمة من فم طفل جائع او دواء من قلب مريض , ليقوموا بعد ذلك بتقديم منة لمحتاج اومسلوب او منهوب وما اكثرهم في هذا الوطن المنكوب .
(ما اهلك الامم التي سبقتكم الا انهم كانوا اذا سرق فيهم القوي تركوه وان سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد )