|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 52510
|
الإنتساب : Jul 2010
|
المشاركات : 95
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
خسائس صفات الدنيا
بتاريخ : 17-08-2010 الساعة : 01:01 AM
خسائس صفات الدنيا
اعلم ان للدنيا صفات خسيسة قد مثلت في كل صفة بما تماثله فيها فمثالها في سرعة الفناء و الزوال و عدم الثبات: مثل النبات الذي اختلط به ماء السماء فاخضر، ثم اصبح هشيما تذروه الرياح، او كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه، او كقنطرة تعبر عنها و لا تمكث عليها. و في كونها مجرد الوهم و الخيال، و كونها مما لا اصل لها و لا حقيقة، كفىء الظلال، او خيالات المنام و اضغاث الاحلام، فانك قد تجد في منامك ما تهواه، فاذا استيقظته ليس معك منه شيء.
و في عداوتها لاهلها و اهلاكها اياهم: بامراة تزينت للخطاب، حتى اذا نكحتهم ذبحتهم. فقد روى: «ان عيسى عليه السلام كوشف بالدنيا فرآها في صورة عجوز شمطاء هتماء عليها من كل زينة، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا احصيهم، قال: فكلهم مات عنك او كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت، فقال عيسى-عليه السلام-: بؤسا لازواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين؟ كيف تهلكينهم واحدا واحدا و لا يكونون منك على حذر؟ ! » .
و في مخالفة باطنها لظاهرها: كعجوز متزينة تخدع الناس بظاهرها.
فاذا وقفوا على باطنها و كشفوا القناع عن وجهها، ظهرت لهم قبائحها روى: «انه يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء، انيابها بادية، مشوه خلقها، فتشرف على الخلائق، و يقال لهم: تعرفون هذه فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه! فيقال: هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها، و بها تقاطعتم الارحام، و بها تحاسدتم و تباغضتم و اغررتم، ثم يقذف بها في جهنم، فتنادى: اى رب! اين اتباعي و اشياعي؟ فيقول الله -عز و جل-: الحقوا بها اتباعها و اشياعها» .
و في قصر عمرها لكل شخص بالنسبة الى ما تقدمه من الازل و ما يتاخر عنه من الابد: كمثل خطوة واحدة، بل اقل من ذلك، بالنسبة الى سفر طويل، بل بالنسبة الى كل مسافة الارض اضعافا غير متناهية.
و من راى الدنيا بهذه العين لم يركن اليها، و لم يبال كيف انقضت ايامه في ضيق و ضر او في سعة و رفاهية، بل لا يبني لبنة على لبنة. توفى سيد الرسل صلى الله عليه و آله و ما وضع لبنة على لبنة و لا قصبة على قصبة.
و راى بعض اصحابه يبني بيتا من جص، فقال: «ارى الامر اعجل من هذا» . و الى هذا اشار عيسى عليه السلام حيث قال: «الدنيا قنطرة، فاعبروها و لا تعمروها» .
و في نعومة ظاهرها و خشونة باطنها: مثل الحية التي يلين مسها و يقتل سمها.
و في قلة ما بقى منها بالاضافة الى ما سبق: مثل ثوب شق من اوله الى آخره، فبقى متعلقا في آخره، فيوشك ذلك الخيط ان ينقطع.
و في قلة نسبتها الى الآخرة: كمثل ما يجعل احد اصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع اليه من الاصل.
و في تاديه علائقها بعض الى بعض حتى ينجر الى الهلاك: كماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله. و في تادية الحرص علهيا الى الهلاك غما: كمثل دودة القز كلما ازدادت على نفسها لفا كان ابعد لها من الخروج حتى تموت غما.
و في تعذر الخلاص من تبعاتها و استحالة عدم التلوث بقاذوراتها بعد الخوض فيها: كالماشي في الماء، فانه يمتنع الا تبتل قدماه.
و في نضارة اولها و خباثة عاقبتها: كالاطعمة التي تؤكل، فكما ان الطعام كلما كان الذ طعما و اكثر دسومة كان رجيعة اقذر و اشد نتنا، فكذلك كل شهوة من شهوات الدنيا التي كانت للقلب اشهى و اقوى، فنتنها و كراهيتها و التاذى بها عند الموت اشد، و هذا مشاهد في الدنيا.
فان المصيبة و الالم و التفجع في كل ما فقد بقدر الالتذاذ بوجوده و حرصه عليه و حبه له، و لذا ترى ان من نهبت داره و اخذت اهله و اولاده، يكون تفجعه و المه اشد مما اذا اخذ عبد من عبيده، فكل ما كان عند الوجود اشهى عنده و الذ، فهو عند الفقد ادهى و امر، و ما للموت معنى الا فقد ما في الدنيا.
و في تنعم الناس بها ثم تفجعهم على فراقها: مثل طبق ذهب عليه بخور و رياحين، في دار رجل هياه فيها، و دعا الناس على الترتيب واحدا بعد واحد ليدخلوا داره، و يشمه كل واحد و ينظر اليه، ثم يتركه لمن يلحقه، لا ليتملكه و ياخذه، فدخل واحد و جهل رسمه، فظن انه قد وهب ذلك له، فتعلق به قلبه، لما ظن انه له، فلما استرجع منه ضجر و تالم، و من كان عالما برسمه انتفع به و شكره و رده بطيب قلب و انشراح صدر. فكذلك من عرف سنة الله في الدنيا، علم انها دار ضيافة سبلت على المجتازين لينتفعوا بما فيها، كما ينتفع المسافر بالعواري، ثم يتركوها و يتوجهوا الى مقصدهم من دون صرف قلوبهم اليها، حتى تعظم مصيبتهم عند فراقها، و من جهل سنه الله فيها، ظن انها مملوكة له، فيتعلق بها قلبه، فلما اخذت منه عظمتبليته و اشتدت مصيبته.
و في اغترار الخلق بها و ضعف ايمانهم بقوله تعالى في تحذيره اياهم غوائلها: كمفازة غبراء لا نهاية لها، سلكوها قوم و تاهوا فيها بلا زاد و ماء و راحلة، فايقنوا بالهلاك، فبيناهم كذلك اذ خرج عليهم رجل و قال:
ارايتم ان هديتكم الى رياض خضر و ماء رواء ما تعملون؟ قالوا: لا نعصيك في شيء. فاخذ منهم عهودا و مواثيق على ذلك، فاوردهم ماء رواء و رياضا خضراء، فمكث فيهم ما شاء الله، ثم قال: الرحيل! قالوا: الى اين؟ قال: الى ماء ليس كمائكم، و الى رياض ليست كرياضكم. فقال اكثرهم: لا نريد عيشا خيرا من هذا، فلم يطيعوه. و قالت طائفة -و هم الاقلون-: الم تعطوا هذا الرجل عهودكم و مواثيقكم بالله الا تعصوه و قد صدقكم في اول حديثه؟ فو الله انه صادق في هذا الكلام ايضا!
فاتبعه هذا الاقل، فذهب فيهم الى ان اوردهم في ماء و رياض احسن بمراتب شتى مما كانوا فيه اولا، و تخلف عنه الاكثرون، فبدرهم عدو، فاصبحوا من بين قتيل و اسير.
منقول نصا من كتاب جامع السعادات للمولى محمد مهدي النراقي احد اعلام المجتهدين
|
|
|
|
|