بقيّة الله الأعظم الإمام
الحجّة بن الحسن عجّل الله تعالى فرجه
إثبات أنّه حيٌّ يُرزق
الحديث المتواتر عند الفريقين وهو، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما".
طرق الحديث
- قال الحافظ ابن حجر الهيتمي المكّي (974هـ) :
"اعلم أن الحديث التمسّك [بالثقلين] بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً"(1).
- ومن طرق الإماميّة (82) حديثاً(2).
فيتحصّل أنّ حديث (التمسّك بالثقلين) حديث متواتر.
والشاهد من الحديث الشّريف أنّ أهل البيت (عليه السلام) لن يفترقوا عن القرآن وبما أنّ القرآن موجود بين ظهرانينا فلابدّ من وجود أحدٍ من أهل البيت (عليه السلام) مع القرآن الكريم وهو الإمام الحجّة المهدي (عليه السلام).
أوّل ما نطق به عليه السلام عند ولادته الشريفة
روى الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتاب الغيبة قال: أخبرنا ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفّار في حديث ولادة المهدي عليه السلام: أنّ أبا محمّد عليه السلام قال له: يا بني أنطق بقدرة الله، فاستعاذ وليّ الله من الشيطان الرجيم واستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ" وذكرت الآيتين قالت: وصلّى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والأئمّة (عليهم السلام) واحداً واحداً حتّى انتهى إلى أبيه"(3).
وحتّى نعرف لماذا الإمام الحجّة عليه السلام ذكر هذه الآية الشريفة حين ولادته المباركة " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون"(4)، فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: المستضعفون في الأرض المذكورون في الكتاب الذين يجعلهم الله أئمّة، نحن أهل البيت يبعث الله مهديهم فيعزّهم ويذلّ عدوّهم(5).
الآيات والسور المتعلّقة بمقام الحجّة (عليه السلام)
ـ قال تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون "(6).
أولاً: (وعد الله) هو: "وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون "(7).
ثانياً: ما هو هذا الدّين الّذي سيُمكّن؟
الجواب هو:
قال تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا"(8)، وهذه الآية نزلت في غدير خمّ بعد تنصيب الأمير عليه السلام إمرة المؤمنين فالدّين الحقّ هو مع ولاية أهل البيت عليهم السلام.
ـ قال تعالى: " أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون"(9).
وحتّى نعرف ما العلاقة بين "كشف السّوء" و"جعل خلفاء للأرض"، نرجع إلى قول المعصوم عليه السلام؛ فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "نزلت في القائم عليه السلام، هو والله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض"(10)
وأيضاً آيات القرآن الكريم تفسّر بعضها البعض؛ ففي نفس السورة يقول الله تعالى:" قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُون"(11).
وهؤلاء العباد المصّطفون، هم:
"إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم"(12).
فالذرية هم أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسّلام.
عصر ظهوره الشّريف
بعد أن أثبتنا وجود الحجّة بن الحسن (عجّل الله تعالى فرجه) فبظهوره يفرح المؤمنون بآل محمّد ويحزن الكافرين، ومن وعظم عصر ظهوره المبارك سمّيت سورة كاملة مباركة بعصر ظهوره وهي "سورة العصر"، قال تعالى:
"وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ".
"فعن المفضل بن عمر قال: سألت الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر) قال عليه السلام: العصر عصر خروج القائم عليه السلام (إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر) يعني أعداءنا (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني بآياتنا (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يعني بمواساة الاخوان (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) يعني بالإمامة (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر) يعني بالفترة"(13).
قال العلّامة المجلسي (1111هـ) في شرح هذه الرواية المباركة:
"بيان: قوله عليه السلام يعني أعداءنا، أي الباقون بعد الاستثناء أعداؤنا، فلا ينافي كون الاستثناء متصلا، قوله تعالى: (وتواصوا) أي وصّى بعضهم بعضا، قوله يعني بالفترة، أي بالصبر على ما يلحقهم من الشبه والفتن والحيرة والشدة في غيبة الإمام عليه السلام"(14).
خروج قائم آل محمّد عليهم السلام
روى الشيخ الصدوق (381هـ) بسنده
"عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: القائم منّا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا قد عمّر، و ينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه، قال: قلت: يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟
قال: إذا تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات الزور، وردت شهادات العدول، واستخف الناس بالدماء وارتكان الزنا وأكل الربا، واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.
وأول ما ينطق به هذه الآية "بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين" ثم يقول: أنا بقية الله في أرضه وخليفته وحجته عليكم فلا يسلم عليه مسلم إلا قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه، فإذا اجتمع إليه العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله عز وجل من صنم (ووثن) وغيره إلا وقعت فيه نار فاحترق. وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به"(15).
السلام على
الخلف المفضال، أكرم الأخيار، خفيّ الأرواح القدسيّة، ومعراج العقول البشريّة
قطب رحى الوجود، نور الله الأزهر، المنصور بالرّعب، غاية البشر
بقيّة الله الأعظم أبي القاسم محمّد بن الحسن
أرواحنا وأرواح العالمين لتراب نعليه الفدى.
ـــــــــــ
(1) أحمد بن حجر الهيتمي المكّي، الصواعق المحرقة في الرّد على أهل البدع والزّندّقة، (تركيا، مكتبة الحقيقة، 1424/ 2003)، ص209.
(2) محمّد تقي الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن، (ط2، لا بلدة، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، 1979)، ص165.
(3) محمّد بن الحسن الحر العاملي، إثباة الهُداة بالنّصوص والمعجزات، تحقيق علاء الدّين الأعلمي، (ط1، بيروت، مؤسّسة الاعلمي، 1425/ 2004)، ج5، ص310، حديث 89.
(4) سورة القصَصْ: آية 5–6.
(5) محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، تحقيق محمد الباقر البهبودي، (ط2، بيروت، مؤسّسة الوفاء، 1403/ 1983)، ج51، ص63، حديث 65.
(6) سورة النور: آية 55.
(7) سورة الروم: آية 6.
(8) سورة المائدة: آية 3.
(9) سورة النمل: آية 62.
(10) المجلسي، المصدر السابق، ج51، ص48.
(11) سورة النمل: آية 59.
(12) سورة آل عمران: آية 33 – 34.
(13) المجلسي، المصدر السابق، ج24، ص214.
(14) المجلسي، المكان نفسه.
(15) محمّد بن علي بن بابويه القمّي الصدوق، كمال الدّين وتمام النّعمة، تحقيق علي أكبر الغفاري، (إيران، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1405هـ)، ص331، حديث 16.