الحمد لله أهل الحمد، والصلاة والتسليم على رسوله الأمين محمد المختار وآله الطيبين الأطهار.
لقد كثر الكلام واحتدم الجدال في قضية إيمان شيخ بني هاشم أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وكتب في هذا الموضوع جماعة من أهل السنة والشيعة على السواء كتبا ذهب فيها أصحابها الى القول بايمانه (1) وقد عرضنا أقوال النافين والمثبتين في كتابنا ((يوم الدار)) (2) ولما عرضت على
____________
(1) من بعض هذه الكتب:
(أ) ايمان أبي طالب للشيخ المفيد.
(ب) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب للسيد شمس الدين مختار بن معد.
(ج) شيخ الأبطح للسيد محمد على شرف الدين.
(د) أبو طالب شيخ بني هاشم لعبدالعزيز سيد الأهل.
(هـ) أبو طالب مؤمن قريش لعبدالله الخنيزي.
(2) سيصدر للمؤلف قريبا.
الأستاذ الدكتور علي عبدالعظيم أن يقدم للكتاب استجاب لذلك مشكورا ومن جملة ما ذكر في التقديم قوله: ((ومن خير فصول الكتاب البحث الذي كتبه عن إسلام أبي طالب فقد شرح الصدور وأقر العيون وأفاد به المستفيدين، وأقنع به الباحثين المنصفين فقد كان فيه قوى الحجة صائب الرأي… وأتمنى أن يطبع هذا الفصل الخاص بايمان أبي طالب في كتيب مستقل ليعم به النفع، جميع المثقفين.
وبناء على هذه الرغبة من الأستاذ الفاضل الدكتور علي عبدالعظيم سارعنا بطبعه مستقلا عن كتابنا ((يوم الدار)).
ورأيت من باب الفائدة المزدوجة أن أصحبه بما كتبه بعض الكتاب المعاصرين الذي كان يذهب في بداية عهده بالكتابة الى نفي إيمان أبي طالب اعتمادا على بعض المؤرخين فقال: ((وكان لهذا اليتيم ـ يعني النبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ـ سمات في حداثته من النبل والقداسة
عرفها أبو طالب وجعلته والكثيرين من ذوي العلم في الناس يتوقعون لابن عبدالله بين العرب مكانة لن يبلغ شأوها في أقوالهم بالغ، ولكن الشيخ، مع هذا تجلل بالصمت وجلس ينظر، وان هي الا شقاوة شاءها له طالع سوء، به على الشر كبا، وعن الخير نبا)) (1).
ثم انتهى به المطاف بعد أن قطع أشواطا مضنية ومتعبة في كتابة التاريخ وقراءة نصوصه مع الأناة والتأمل وحسن الصبر الى أن قال بإيمان أبي طالب مستدلا لذلك بالوقائع والأحداث التاريخية التي صحبت بداية الدعوة الإسلامية بما في ذلك شعر أبي طالب ومواقفه الجريئة المخلصة من الدعوة وصاحبها فيقرر الأستاذ بعد ذلك ويقول: ((والواقع أن موضوع إسلام أبي طالب لا يغني فيه المنقول عن المعقول وليس مما يرجع في تحقيقه الى الأسفار وحدها لفرط ما غلب من
____________
(1) عبدالفتاح عبدالمقصود ـ الإمام علي بن أبي طالب: 1/47.
بعد على تاريخ تلك الفترة من تزييف وابتداع الأحاديث والروايات، وحسبنا دليلا على تغلب الميل لعقيدة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في نفس أبي طالب أن الشيخ الكريم ـ انتصارا لهذه العقيدة ـ قدم ابنه أمير المؤمنين وهو أعز على نفسه من كل أهله بمقياس القرابة فداء لابن أخيه وهو في الحقيقة فداء للدين)).
هذا والله أسأل أن ينفع به ويهدي فريقا من المنصفين لتناول هذا الموضوع بأقلام معاصرة تستهدف البحث عن الحقيقة غير متأثرة بآراء مسبقة وبعيدة كل البعد عن كل عصبية مذهبية والحمد لله رب العالمين.
أبو طالب بن عبدالمطلب
بعد عبدالمطلب تولى زعامة قريش ابنه أبو طالب ويسترعي النظر في هذه ثلاثة أمور تلابس أبا طالب، وهي أنه:
1 ـ لم يكن أكبر أخوته، مع أن السن كان له حينئذ وزنها في تحديد المواقع وتقويم الرجال.
2 ـ كان فقيرا لا مال له، مع أنه لم يكن يتبوأ سدة الزعامة في قريش في الجاهلية إلا من كان مستندا إلى ثراء وغنى كبيرين، وظاهرين.
3 ـ كان بين اخوانه من هو، فعلا، على غنى وثراء واسع وهو العباس بن عبدالمطلب.
وكل هذه أمور تجعل أبا طالب فذا في زعامته لقريش، مما يؤكد أنه كان على مواهب وصفات ألغت التأثير المعاكس لكل هذه العوامل الثلاثة بالنسبة له، وأتاحت له أن يتصدر قومه ويسودهم دون منازع، فقد كان له من مكارم
الصفات، ومعالي السجايا والأخلاق، ما جعله محل احترام الجميع ومحبتهم.
اسمه: عبدمناف بن عبدالمطلب.
لقبه: ابوطالب. وقد غلبت عليه هذه الكنية حتى لم يعرف أن أحدا كان يناديه باسمه الأصلي (عبدمناف) أبدا.
سيادته في قومه
كانت شخصية أبي طالب القوية تسيطر على النفوس بطهارتها واستقامتها وترفعها عن الدنيا، الى أنه مع ذلك، كان شاعرا مجيدا، فأضاف الى تأثيره بالشخصية تأثيره باللسان وسحر البيان.
ولقد خلف أبو طالب أباه عبدالمطلب في كل مناصبه ومكانته، ولكن ضيق حالته المالية جعله يكل الى أخيه العباس شأن السقاية وأعباءها نظرا لما كان له من ثراء واسع، يعينه على أن ينهض بمهمتها بصورة أحسن تتناسب
مع ما اعتاده بنوهاشم من اكرام وتكريم ضيوف البيت الحرام من الحجيج.
ومما يؤثر عن حكمته وحسن تقديره أنه كان أول من سن القسامة في العرب قبل الاسلام (1). وذلك في دم عمرو بن علقمة، ثم جاء الاسلام فأقرها.
كفالته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم
كان أبو طالب الأخ الشقيق الوحيد لعبدالله (والد النبي). وقد عهد اليه والده عبدالمطلب بكفالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان عند حسن الظن به، حدبا عليه، وانعطافا اليه، ورعاية له وعناية به، حيث لم يجعله فقط، كواحد من أبنائه، بل كان يقدمه عليهم أجمعين (2).
وكان مما زاد في اعزازه عنده، واهتمامه بشأنه
____________
(1) (القسامة) بالفتح: الأيمان تقسم على أولياء الدم.
(2) سيرة ابن هشام: 1/179.
وحرصه عليه أن جميع الدلائل كانت ترهص بأن له شأنا في المستقبل. ومن ذلك:
1 ـ ما يرويه ابن اسحاق من أن ((رجلا عائفا من لهب، كان اذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر اليهم، ويعتاف (1) لهم فيهم، فأتاه أبو طالب بالنبي ـ وهو غلام ـ فنظر اليه.. ثم قال ـ بعد فترة ـ ردوا على هذا الغلام الذي رأيت آنفا، فوالله ليكونن له شأن…. فلما رأى أبو طالب حرصه عليه، غيبه عنه)) (2).
2 ـ ما سمعه أبو طالب من بحيرى الراهب، اذ قال له: ((ارجع بابن أخيك الى بلده، وأحذر عليه يهود، فوالله لو رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به الى بلاده)) (3).
____________
(1) يعتاف: يتكهن ويتنبأ.
(2) المصدر نفسه: 180.
(3) المصدر السابق: 182.
3 ـ ولقد سبق أن سمعه أبو طالب من والده عبدالمطلب في شأنه ثم صدقه كلام العائف والراهب من بعد ـ فكان لهذا أثره الكبير في أنه صار على أتم الثقة من أنه سيكون له شأن عظيم.
4 ـ ولقد ظل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بيت عمه أبي طالب، محل الاعزاز والاكرام والاهتمام والعناية الى أن انتقل الى بيت الزوجية حيث بنى بخديجة بنت خويلد (1) احدى كرائم مكة، ومعالم ثرائها في تلك الأيام.
ولعل مما يشير الى مكانة النبي عند أبي طالب،
____________
(1) أُم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى من قريش: زوجة رسول الله الأُولى، وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة، ولما بعث رسول الله دعاها الى الإسلام، فكانت أول من أسلم من الرجال والنساء. وأولاده كلهم منها، غير ابراهيم ابن مارية القبطية. وفاتها في السنة الثالثة قبل الهجرة. بعد خمس وعشرين سنة من حياة زوجية هادئة وادعة هنيئة ذاق فيها رسول الله طعم السعادة البيتية برغم ما عاناه في العشر السنوات الأُولى للبعثة من المتاعب والمشقة.
وتقديره له أن نستمع اليه ـ وهو يخطب في حفل زواج النبي من السيدة خديجة اذ يقول: ((ان ابن أخي هذا محمد بن عبدالله، من علمتم قرابة وهو لا يوزن بأحد الا رجحه: شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فان كان في المال قل، فان المال ظل زائل، وعارية مسترجعة. وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك. وما أحببتم من الصداق فعلي، ومحمد ـ بعد هذا ـ له نبأ عظيم، وخطر جليل)) (1).
على أن أبا طالب لم يكن يصدر ـ في تقديره لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم عن مجرد الحب والقرابة بينهما، أو مجرد الاعجاب بمحامد الصفات، وجميل السجايا، وكريم الأخلاق، التي كان يتحلى بها النبي، وانما كان عن اكبار واجلال وتقدير واحترام ـ على ما كان بينهما من فارق
____________
(1) الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي: 1/238، تاريخ ابن خلدون: 2/712.
السن ودرجة القرابة ـ لشخصية النبي، فكان، وهو كافله وحاميه، يمدحه بالقصائد التي لا يمدح بمثلها الا الملوك والعظماء من مثل قوله:
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا *على ربوة من فوق عنقاء عطيل
وتأوى اليه هشام ان هاشما *عرانين كعب، آخرا بعد أول
يطوف به الهلاك من آل هاشم *فهم عنده في نعمة وفواضل
ويقول علي بن يحيى البطريق في بيان سر ذلك ((لولا خاصة النبوة وسرها، لما كان مثل أبي طالب ـ وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها ـ يمدح ابن أخيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وهو شاب
قد ربى في حجره، وهو يتيمه ومكفوله، وجار مجرى أولاده. فان هذا الاسلوب من الشعر لا يمدح به التابع من الناس، وانما هو مديح الملوك والعظماء، فاذا تصورت أنه شعر أبي طالب، ذلك الشيخ المبجل العظيم، في محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه في حجره… علمت موضع خاصة النبوة وسرها، وأن الله تعالى أوقع في القلوب والأنفس له منزلة رفيعة ومكانا جليلا (1).
ولم يكتف أبوطالب بهذا وانما وقف حياله صلى الله عليه وآله وسلم منذ بعثته، يعينه وينصره ويحميه، دون أن يلقى بالا لما يترتب على ذلك من مشاق ومتاعب مادية ومعنوية، وظل على ذلك حتى انتقل الى أخراه.
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/63 تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.
وحينما تألبت قريش كلها ضد ابن أخيه، وواجهوا أبا طالب في هذا، لم يلن ولم يهن، ودعا بني هاشم وبني عبدالمطلب الى مشاركته في منع الرسول والقيام دونه، فأجمعوا اليه، وقاموا معه، فسر بذلك وطابت نفسه، وتفجرت شاعريته يمدحهم، ويفخر بهم، وذلك اذ يقول:
وان حصلت أشراف عبد منافها *ففي هاشم أشرافها وقديمهاوان فخرت يوما فان محمدا *هو المصطفى من سرها وكريمها (1)
وحينما أحس روح الشر التي سيطرت على قريش قد تجاوزت حدودها، بعد أن ذاع أمر النبي بين القبائل وخشى أن تنضم دهماء العرب ورعاعها
____________
(1) سيرة ابن هشام: 1/269.
الى المخالفين من قومه، مما لا قبل له به، توجه، مع وفد من بني هاشم، الى البيت متعوذا بحرمته ومكانته، مما يصوره بقوله:
ولما رأيت القوم لا ود فيهم *وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى *وقد طاوعوا أمر العدو المزابلوقد حالفوا قوما علينا أظنة *يعضون غيظا خلفنا بالأناملصبرت لهم نفسي بسمراء سمحة *وأبيض عضب من تراث المقاولوأحصرت عند البيت رهطي واخوتي *وأمسكت من أثوابه بالوصائلأعوذ برب الناس من كل طاعن *علينا بسوء أو ملح بباطلوبالبيت حق البيت من بطن مكة *وبالله، أن الله ليس بغافل
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ *وهل من معيذ يتقي الله عاذل (1
)
ولقد كان آخر سهم في جعبة قريش ضد أبي طالب، ومن معه في حماية النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو فرض الحصار والمقاطعة لبني هاشم، لا يتناكحون معهم، ولا يبايعونهم، فقبل بنو هاشم ذلك التحدي وانحازوا الي شيخهم وكبيرهم أبي طالب في شعبه، ولم يشذ منهم ـ في ذلك ـ الا شقيهم أبو لهب واستمر الحال على ذلك ثلاث سنوات صمدوا خلالها وثبتوا رغم الجوع والأملاق الذي أصابهم حتى هيأ الله من أنهى هذا الحصار.
وفاته
استمرت مناصرة أبي طالب للنبي منذ بعثه الله تعالى ـ لا وهن فيها ولا تخليا بحال من الأحوال
____________
(1) سيرة ابن هشام: 1/272.
حتى لفظ أنفاسه الأخيرة من الدنيا وذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة (1) وكان ذلك بعد الحصار المشار اليه بسنة ونصف تقريبا، بل أنه لم ينس ـ وهو في آخر رمق من حياته ـ أن يمارس نصرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد التفت الى المحيطين به قبيل وفاته، فأوصاهم بالنبي قائلا ((أُوصيكم بمحمد خيرا، فانه الأمين في قريش، والصادق في العرب، والجامع لكل ما أُوصيكم به… والله لا يملك أحد سبيله الا رشد، ولا يهتدي بهديه إلا سعد، ولو كان في العمر بقية لكففت عنه الهزاهز، ورفعت عنه الدواهي. أن محمد هو الصادق فأجيبوا دعوته، واجتمعوا على نصرته، فانه الشريف الباقي لكم على الدهر)) (2).
____________
(1) ابن القيم ـ زاد المعاد: 2/46.
(2) وبهذا نزل القرآن الكريم من قول الله تعالى وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)) الزخرف: 44.
عقيدته
وهذه الوصية وحدها كفيلة بأن تنبىء عن حقيقة عقيدته في محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته، ولكن خلافا نشب حول هذه العقيدة فيما بعد البعثة النبوية، وان اتفق الجميع على أنه كان قبلها من المتألهين الحنفاء، وانه لم يعرف عنه أنه هام بصنم أبدا، أو سجد لصنم قط (1).
فالشيعة وبعض المعتزلة وبعض السنة، يرون أنه آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبدينه (2) وان كان لم يعلن ذلك لأسباب كثيرة، ترجع كلها لمصلحة الدعوة الوليدة، وامكان الاستمرار في حمايتها، باعتبار أن المرحلة الأولى لها كانت تقتضي هذا التكتيك
____________
(1) الشيخ الصدوق ـ اكمال الدين: 104.
(2) كتاب في رحاب علي: ص14، 15 وكتاب: ما الفوارق بين السنة والشيعة: ص53 نقلا عن كتاب (أبوطالب) لعبدالعزيز سيّد الأهل.
(الخطة) (1) و يستشهدون لذلك ـ ضمن ما يستشهدون به:
1 ـ بمواقفه في مؤازرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما أسلفنا الاشارة الى بعض منه.
2 ـ وبما روى عنه من أشعار كثيرة تنبىء عن ذلك، ومنها (2).
قوله:
ولقد علمت بأن دين محمد *من خير أديان البرية دينا
وقوله:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا *نبيا كموسى خط في أول الكتب
____________
(1) كما أمر سول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعيم بن مسعود الأشجعي في غزوة الخندق أن يظل كاتما ايمانه ليتمكن من التخذيل عن المؤمنين ـ راجع سيرة ابن هشام: 2/229.
(2) أنظر في ذلك ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة: 14/55 ـ وما بعدها.
وقوله (1):
فأيده رب العباد بنصره *وأظهر دينا حقه غير باطل
وقوله (2):
لقد علموا أن أبننا لا مكذب *لدينا ولا يعني بقوله الأباطل
فمن مثله في الناسر الا مؤمل *اذا قاسه الحكام عند التفاضل
وقوله (3):
والله لن يصلوا اليك بجمعهم *حتى أوسد في التراب دفينا
فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة *وابشر وقر بذاك منك عيونا
فهو في هذه الأبيات كلها ـ يصدق محمدا
____________
(1) سيرة ابن هشام: 1/280.
(2) نفس المصدر: 1/280.
(3) شرح النهج: 14/55.
صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤمن بنبوته وبدينه، ومن ثم تصدى لنصرته بكل مرتخص وغال.
3 ـ وبما روي في الأخبار الثابتة من أنه:
(أ) لم ينكر على ابنه علي عليه السلام ايمانه بدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزجره على ذلك، أو ينهه عنه، بل أقره عليه، مع ما يعلمه بما يعرضه ذلك للمتاعب والأهوال (1).
(ب) لما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليا عليه السلام يصلي خلفه عن يمينه ـ وكان معه ولده جعفر ـ قال لجعفر: صل جناح ابن عمك، فصل عن يساره (2)، مما يدل دلالة واضحة على اسلامه فعلا، والا لما أقر ابنه عليا على اسلامه وصلاته، ولما أمر ابنه الثاني جعفرا بأن ينضم الى أخيه في الصلاة، وهي عمود الاسلام، فالولد
____________
(1) شرح النهج: 14/75.
(2) ابن الأثير أسد الغابة: 1/341.
هو أعز ما يحرص الانسان على تنشئته وفق آرائه ومعتقداته، بل وعاداته، وبخاصة في ذلك العصر من الزمان، وكذلك البيئة القبلية من المكان، بل كان هذا هو ديدن ناس ذلك الأوان، كما سجله، كذلك، القرآن ـ حكاية عنهم ـ يقول الله تعالى ((انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون (1).
ويزيد هذا تأكيدا أن أبا طالب أنشد، حينئذ، شعرا سجل فيه سعادته بذلك، يقول فيه:
ان عليا وجعفرا ثقتي *عند ملم الزمان والنوب
لا تخذلا، وأنصرا ابن عمكما *أخي لأمي، من بينهم، وابيوالله لا أخذل النبي، ولا *يخذله من بني ذو حسب (2)
____________
(1) الزخرف: 23.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد: 14/76