من هم الزيدية
الزيدية اسمٌ عامٌّ للمُنْتسبين إلى الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ ، وهم أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ من بعده، وأتباعهم.
ومنهم الهادوية: وهم المنتسبون إلى الإمام المجدد للدين الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ ، ولا فرق بينهم، ولا اختلاف عندهم في نظام الحكم، ولا في مسألة من مسائل أصول الدين.
وإنما سميت الزيدية زيدية لموافقتهم لإمام الأئمة زيد بن علي ـ عليهم السلام ـ في التوحيد، والعدل، والإمامة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والخروج على أئمة الجور والظلم كما قال الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية ـ عليهم السلام ـ: أمَا والله لقد أحيا زيدُ بنُ عليٍّ ما دثر من سنن المرسلين، وأقام عمود الدين إذ اعوج، ولن ننحوَ إلاَّ أثرَهُ، ولن نقتبسَ إلاَّ من نوره، وزيد إمام الأئمة، وأولُ من دعا إلى الله بعد الحسين بن علي ـ عليهما السلام ـ أخرجه الإمام أبوطالب في أماليه [ص186]، وما ورد فيه من البشارات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسين السبط ـ عليهم السلام ـ لا يسع المقام ذكره، وهو مبسوط في الأماليات، وكتاب الشافي، وفي المنهاج الجلي، وقواعد عقائد آل محمد، وغيرها.
وفضائله كالشمس وضحاها، لا يمتري في ذلك أحدٌ من علماء الإسلام.
سبب اختيار أهل البيت وأتباعهم _ رضي الله عنهم_ الانتساب إلى الإمام زيد بن علي عليهما السلام:
وإنما اختارَ أهلُ البيت وأتباعُهم ـ رضي الله تعالى عنهم ـ الانتساب إليه: لفتحه باب الجهاد في سبيل الله تعالى، وإحياء دينه، وتجديد شرعه، وقد كانت اشتدت الفتنة، وعظمت المحنة، واستحكمت الظلمة، وتراكمت الغمة على هذه الأمة بعد استشهاد سيد شباب أهل الجنة سبط رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وريحانته الحسين بن علي ـ عليهما السلام ـ، وظهرت البدع والفتن، وانطمست الأعلام والسنن، فلما أبان الحجة، وأوضح المحجة؛ إمام الأئمة زيد بن علي ـ عليهم السلاما ـ جعلوه عَلَمَاً بينهم، وبين الأمة؛ ليعلموهم ما يدعونهم إليه من أول وهلة، كما أفاد ذلك كلام الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية ـ عليهما السلام ـ ، وكما قال والده الكامل عبدالله بن الحسن ـ عليهما السلام ـ:"العَلَمُ بيننا وبين الناس: عليُّ بنُ أبي طالبٍ، والعَلَمُ بيننا وبين الشيعة: زيدُ بنُ عليٍّ".
وهذا كلامٌ حكيمٌ صحيحٌ فلو قال: العَلَمُ: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو اتِّباع الكتاب والسنة لم يُمَيِّز؛ لأن كلَّ مَنْ يَدَّعِي الإسلامَ من جميع الفرق يَدَّعِي ذلك، ولَّمَّا كان المدعون لمتابعة أمير المؤمنين فرقاً متعددة مَيَّزَ ذلك بالعَلَمِ الثاني؛ فإنه لم ينتسب إليه إلاَّ خلاصةُ الصفوة، وعلى هذا وردت السنةُ النبويةُ في قصد التمييز؛ ألا ترى إلى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أمير المؤمنين: ((لا يحبه إلاَّ مؤمن، ولايبغضه إلا منافق))، وكرر ذلك، وقرره بألفاظٍ كثيرة، وفي مقامات عديدة، وصار ذلك معلوماً حتى قال بعض الصحابه: كنا نعرف المنافقين ببغضهم علي بن أبي طالب، ولو قال: لا يحبني إلاَّ مؤمن، ولا يُبْغِضُنِي إلاَّ منافق لم يُمَيِّز كل التمييز؛ لأن كل من يدعي الإسلام يدعي حبه بخلاف عليٍّ ـ عليه السلام ـ
وانظر إلى خبر الثَّقَلين المروي في الصحيحِ وسائر السُّنَنِ عن بضعٍ وعشرين صحابياً، وقد أوضحتُ الكلام عليه في لوامع الأنوار [ط1/ج1/ص46]، وفي شرح الزلف [ص 223 في الطبعة الأولى، و ص321/ في الطبعة الثانية/ و ص 428/ في الطبعة الثالثة] بلفظ ((كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) وفي صحيح مسلم، وسنن أبي داود، وعبد بن حُمَيْدٍ، وغيرهم: ((أُذَكِّرُكُم الله في أهلِ بيتي))ثلاثاً.
فعدل الأكثر عن هذا اللفظ الصحيح المعلوم إلى لفظ ((وسنتي))، وهي رواية شاذة، لم تُخَرَّجْ في الصحيح، ولا في شيء من الأمهات السِّت إلا في الموطأ بلاغاً مرسلة، فلا تراهم يذكرون تلك الرواية المعلومة الصحيحة المروية من الطرق الكثيرة بأي ذكر لا في كتابةٍ، ولا في خطابةٍ، ولا أي مقام، بل أعرضوا عنها صَفْحَاً، وطووا دونها كَشْحَاً، وصيَّروها نسيَّاً مَنسياً؛ لأن بذكرها يتضح الأمر، وينكشف اللبس.
وأما السُّنة فهي دعوى مشتركة لا يعجز عنها أحدٌ ممن يدَّعي الإسلام.
نعم! ولا منافاة بين الروايتين، فالكتاب والسُّنة مؤداهما واحد، فلذا اكتفَى بذكره في الرواية الصحيحة، فمن اعتمد على رواية ((وسنتي))، لقصد إلغاء رواية ((وعترتي)) فقد خالف السُّنةَ قطعاً، وهَجَرَ ما علم أنه من السُّنة بإجماع؛ نعوذ بالله تعالى من الزيغ والهوى.
هذا وليس بين الزيدية كلهم قاسمية، وهادوية، وناصرية، ومؤيدية خلاف في الأصول الدينية التي هي عمدة الإسلام، وأساس الدين الحنيف، وأما المسائل الفرعية الاجتهادية فلكل إمام أنظاره واجتهاداته، يوافقه فيها من أراد موافقته، وكلهم نجوم هدى، وأعلام اقتداء:
مِثْلَ النجومِ التي يَسري بها السَّاري
مَنْ تَلْقَ منهم تَقُلْ لاقيتُ سيِّدَهُم
فمهما كان المتابعُ مقتدياً بآثارهم، مهتدياً بأنوارهم، فقد اعتصم بالحبل الأقوى، واستمسك بالعروة الوثقى، لآيات التطهر، والمودة، والولاية، وخبر الثقلين المجمع على صحته، ومن ألفاظه ما أخرجه مسلم في صحيحه: (( ألا وإني تاركٌ فيكم ثَّقَلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً))، وأخرجه سائرُ المحدثين بألفاظه وسياقاته، وأخبار السفينة، والنجوم، وما لا يحاط به كثرة كتاباً وسنةً كما قال السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير:
ثَّقَلانِ للثَّقَلين نصُ محمدِ
من رامَ عَدَّ الشُّهبْ لم تتعددِ
والقومُ والقرآنُ فاعرفْ قَدْرَهُمْ
ولهم فضائلُ لستُ أُحصي عَدَّهَا
هذا، ونسبة هذه الطائفة الزَّكية إلى الإمام الأعظم زيد بن علي ـ عليهما السلام ـ مجمعٌ عليها بين الأمة؛ كما ذكر ذلك النوويُّ في شرح مسلمٍ، وابنُ الأثير في النهاية، والشهرستانيُّ في المِلَلِ والنِّحَلِ، وصاحبُ القاموسِ، وغيرُهم.
قال الشيخ ابن تيمية في الأول من منهاجه [صفحة21] ما لفظه: لفظ الرافضة إنما ظهر لَّمَّا رفضوا زيد بن علي بن الحسين إلى قوله: وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم.
قال: وسَمَّىَ من لم يرفضه من الشيعة زيدياً؛ لانتسابهم إليه، ولَّمَّا صُلِبَ كانت العباد تأتي إلى خشبته بالليل فيتعبدون عندها إلى آخره. تأمل هذا.
قلت: أراد عليه السلام بقوله: تأمل هذا، أنه لم يعد التعبد عند الموتى شرك.
وقال في الجزء الثاني[67]: وتولاه قوم فسموا زيدية، لانتسابهم إليه، ثم وصفهم بالعلم والصدق والشجاعة إلى آخر كلامه.
قال مولانا الإمام ـ أيده الله تعالى ـ: وهذه النسبة ليست كسائر النسب المذهبية التي مفادها التقليد والمتابعة في المسائل الفرعية كأهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وإنما هي للاتفاق في مسائل الأصول التي لا يجوز التقليد فيها، ولا الخلاف كما سبق إلخ كلام شيخنا الإمام المجتهد المطلق مجدالدين المؤيدي ـ رضي الله تعالى عنه ـ وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وقال الإمام الأعظم المنصور بالله رب العالمين عبدالله بن حمزة ـ عليهما السلام ـ في الشافي:
"وكان زيد بن علي ـ عليهما السلام ـ أولَ من سنَّ الخروجَ على أئمة الجور، وجرد السيف بعد الدعاء إلى الله؛ فمن حذا حذوه من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ فهو زيدي، ومن تابعهم وصوبهم من الأمة فكذلك، ولم يتأخر عن زيدٍ إلاَّ الروافضُ، فهم أهل هذا الإسم، والنواصبُ إلخ كلامه ـ عليه السلام ـ.
ولزيادة البحث ـ وإن كان قد تقدم ما فيه كفاية وافية، ونبذة إن شاء الله تعالى شافية، ولكنها لا تخلو من فائدة ـ نذكر ما قاله مولانا الإمام الحجة مجدالدين المؤيدي ـ أيده الله تعالى ـ في التحف الفاطمية شرح الزلف الإمامية في سبب الإنتماء إلى الإمام زيد بن علي ـ عليهما السلام ـ ومعناه [ط3/ص67]:
قال ـ أيده الله تعالى ـ :"ولَّمَّا ظهرت الضلالات، وانتشرت الظلمات، وتفرقت الأهواء، وتشتت الآراء في أيام الأُمَوية ـ وإن كان قد نجم الخلاف في هذه الأمة من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلاَّ أنها عظمت الفتن، وجَلَّت الِمَحن في هذه الدولة ـ، وصار مُتَلَبِّسَاً بالإسلام من ليس من أهله، وادَّعاه من لا يحوم حوله، وقام لرَّحْضِ الدين، وتَجديد ما أتى به رسول رب العالمين الإمام زيد بن علي يقدم طائفة من أهل بيته وأوليائهم، وهي الطائفة التي وعد الله تعالى الأمة على لسان نبيها ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنها لن تزال على الحق ظاهرة، تُقَاتِلُ عليه إلى يوم الدين.
أَعلَنَ([1]) أهلُ البيت ـ صلوات الله عليهم ـ الاعتزاءَ إلى الإمام زيد بن عليٍّ، بمعنى أنَّهم يدينون الله تعالى بِما يدينه، من: التوحيد، والعدل، والإمامة؛ ليظهروا للعباد ما يدعونهم إليه من دين الله تعالى القويم، وصراطه المستقيم، وكان قد أقام الحجة، وأبان المحجة، بعد آبائه صلوات الله عليهم، فاختاروه علماً بينهم وبين أمة جدِّهم.
قال الإمام الكامل عبدالله بن الحسن بن الحسن: "العَلَمُ بيننا وبين النَّاس: عليُّ بنِ أبي طالبٍ، والْعَلَمُ بيننا وبين الشيعة: زيدُ بن عليٍّ".
وقال ابنه الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية:" أمَا والله لقد أحيا زيدُ بنُ عليٍّ ما دثر من سنن المرسلين، وأقام عمود الدين إذْ اعوج، ولن نقتبس إلاَّ مِنْ نوره، وزيدٌ إمامُ الأئمة"، انتهى.
فلم يزل دعاء الأئمة، ولا يزال على ذلك إن شاء الله تعالى إلى يوم القيامة.
([1])- جواب لَمَّا.
الكلام على النصب والرفض
قال ـ أيده الله تعالى ـ في لوامع الأنوار [ط1/ج1/ص 207] في الكلام على النَّصْبِ والرَّفْضِ:
"هذا ومن مباينتهم لآل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، ومجانبتهم لأوليائهم ما عُلِمَ منهم من التبديع لهم والتضليل، وعدم التأول لهم بأي تأويل، ورميهم لأوليائهم من العصابة الناجية، والطائفة الهادية بدائهم، من الرفض والغلو، وقد علموا أنَّ النصب والرفض، مع ما تقدم من أسماء الذم، واردة في أعدائهم.
[النصب]
أما النَّصبُ فواضحٌ، وليس بين الأمة اختلاف في أنه لأعداء آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ.
قال ابن حجر في تحديده: والنصب بغض علي، وتقديم غيره عليه انتهى.
قال مولانا الإمام ـ أيده الله تعالى ـ : وظاهر هذا العموم في تقديم غيره عليه، وقد قَدَّمَهُ الله تعالى، ورسولُهُ صلى الله عليه وآله وسلم بعد أخيه وابن عمه سيد المرسلين صلوات الله عليهم على الخلق، فهو الحق الذي نطقت به السنة والقرآن، ودلت عليه صرائح حجج الله تعالى القاطعة البرهان، لا بالدعاوى الْمُخْتَلَقَةِ التي لم يُنْزِل الله تعالى بها من سلطان.
فقد أخرج الله تعالى الحقَّ على لسانه، ولَمْ يَزل يُخْرِجُ الله تعالى الحقَّ على ألسنتهم، وإنْ حاولوا كتمه، وخالف ما في أجِنَّتِهم، فانظر إلى هذا، وإلى ما تقدم له في تحديد التشيع، المذموم عندهم، الذي هو من أعظم الجرح، ففيه التصريح بأنَّ تقديمه على الشيخين غلو ورفض، وأن مجرد محبته تشيع، وهو عندهم ذم وغض، لتعلم إنْ كنتَ من ذوي العلم، وتنظر إنْ كنتَ من أولي النَّظَرِ، وتعتبر إنْ كنتَ من أهل الفكر، فقد صارت محبةُ أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ عندهم تشيعاً، وبغضُهُ نصباً، وتقديمه على غيره رفضاً، وتقديم غيره عليه نصباً.
وكلُّ اسم من هذه الأسماء ذماً وجرحاً، وهضماً وقدحاً، فهل بقي على هذا للسالك من سبيل؟! وإلى أي جيل ينحاز طالب النجاة والحق عندهم في شأن سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صلوات الله عليهم ـ؟ وفي أي قبيل؟
وليس هذا ببدع من تناقض أقوالهم، وتهافت أحوالهم، ولئن رمت التأويل لهم في شأن التقديم، بأن المراد بتقديم غيره غير المشايخ على بعده وتعسفه، إذ ليس بين الأمة خلاف إلاَّ في تقديمه عليهم، أو تقديمهم عليه، فلا يستقيم لك بوجه التأويل، في شأن المحبة والبغض، فليس بينهما واسطة في حقه عقلاً وشرعاً إلاَّ التوقف، وهو غير مراد إجماعاً وقطعاً.
وليس مرادهم بالمحبة إلاَّ المحبة المطلقة، لأنهم جعلوا أول درجات الغلو فيها: التقديم، كما صرح به الشيخ هذا وغيره، واعترضه كما تقدم السيد محمد بن إسماعيل الأمير، وذلك واضح لمن لم يعم التعصب بصيرته، ولم يسلب الهوى فكرته، وما ذلك وغيره مما هو أعظم وأطم من مناقضتهم، وتهافتهم إلاَّ مصداق الإصابة بالدعوة النبوية ((واخذل من خذله))، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى () إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[سورة النجم: 2ـ 3]
من هم الرافضة
الإمام زيد بن علي ـ عليهما السلام ـ والرافضة:
الرافضة هم الذين رَفَضوا بيعة الإمام زيد بن علي ـ عليهما السلام ـ.
قال مولانا الإمام الحجة مجدالدين المؤيدي ـ أيده الله تعالى ـ في لوامع الأنوار[ط1/ج1/ص209] في الكلام على الرافضة:
وأمَّا الرَّفْضُ فقد أجمع الجميع أنه اسم للفئة الرافضة للإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي صلوات الله عليهم كما صَرَّحَ به النوويُّ في شرح مسلم، وصاحب القاموس، وغيرهما من علمائهم، قال ابن تيمية في الجزء الأول من المنهاج [ص21]:
"لفظ الرافضة إنما ظهر لَمَّا رَفَضُوا زيدَ بن علي بن الحسين، إلى قوله: فقال: رفضتموني، فسموا رافضة لرفضهم إياه وسَمَّىَ من لم يرفضه من الشيعة زيدياً لانتسابهم إليه".
وقال في [ص 67]:" ومن حينئذ انقسمت الشيعة ثم قال: فالزيدية خير من الرافضة، وأعلم وأصدق وأشجع انتهى.
وهو معلوم لا نـزاع فيه بين الأمة، وإنما النـزاع في السبب، وآل محمد ـ عليهم السلام ـ أعلم بذلك، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه، مع أنه لو فرض صحة ما روته العامة، أنهم رفضوه لعدم تصريحه بالبراءة من الشيخين، فلا مستروح لهم في ذلك.
أما أولا: فلا يلزم إظهار البراءة، ولو كانت عنده جائزة، لخشية افتراق الجمع، وانشقاق العصا، وإثارة الفتنة، ولو لم يدل على ذلك إلاَّ قوله تعالى {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }[الأنعام: 107]، وله بأبيه الوصي ـ صلوات الله عليه ـ أعظم أسوة، فقد كان يسكت على أشياء كثيرة، هي عنده منكرة، كما علم ذلك من صرائح كلماته، المنقولة بالتواتر لمن اطَّلَعَ على سيرته ـ صلوات الله عليه ـ.
وأما ثانياً: فليس ذلك إلاَّ سبب الرفض للإمام ولآل محمد ـ عليهم السلام ـ بالاتفاق، والذَّم والوعيدُ واردان على الرفض، لا على الباعث عليه ولا على علامته، ألا ترى أنَّ من ترك الصلاة مثلاً لأجل محبة الراحة أو نحو ذلك من الدواعي المباحة وعلامته أنَّه مثلاً يَلْبَسُ الثياب السود: يكون مذموماً ومعاقباً على ترك الصلاة قطعاً لا على السبب والعلامة، وأما السبب ونحوه فأمر آخر موقوف على الدليل.
وقد روى إمام الأئمة الهادي إلى الحق عن الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ بعد أن حكى سبب رفضهم، وأنهم تعللوا عليه بما يدعون من الوصية والنص على جعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ ما نصه: فلما كان فعلهم على ما ذكرنا سماهم أي الإمام زيد بن علي ـ عليهما السلام ـ روافض، ورفع يديه، فقال: اللهم اجعل لعنتك، ولعنة آبائي وأجدادي، ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي كما رفض أهلُ حروراء عليَّ ابن أبي طالب حتى حاربوه انتهى.
فانظر على أي شيء وجه اللعن، وعلل الرفض، أعلى البراءة؟ أم على رفضه، والخروج من بيعته؟، كما رفض أهلُ حروراء جَدَّهُ ـ صلوات الله عليهم ـ.
ولَمْ يَذْكُرِ البراءةَ، ولا ذَكَرَ كَوْنَهُ جعلها الموجب، ولا أنه علق عليها الذم أحدٌ من الرواة، لا من آل محمد ـ عليهم السلام ـ، ولا من غيرهم، وإن كانوا قد رووا أنها السبب في رفضهم له.
وهذا الحافظ المِزِّيُّ ـ صاحبُ تهذيب الكمال، وهو الذي عليه المدار عندهم في علم الرجال ـ روى عن الإمام الأعظم زيد بن علي ـ عليهما السلام ـ في ترجمته ما لفظه: الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة، مرقت الرافضة علينا كما مرقت الخوارج على علي ـ عليه السلام ـ، ونقله صاحب الخلاصة بلفظه.
وقال في التهذيب: قالوا: إذاً نرفضك، فسميت الرافضة، وقال في شأن الزيدية: فخرجوا مع زيد بن علي فسميت الزيدية" انتهى المراد.
فهذا نقل أئمة آل محمد ـ عليهم السلام ـ، ونقل ثقات غيرهم، وإقرارهم أنها مرقت عليه، كما مرقت الخوارج على جده، وأنها سميت الرافضة لرفضها له ـ عليه السلام ـ، وهو المعلوم، والأخبار والآثار دالة على ذلك.
وروى صاحب المحيط ـ رضي الله عنه ـ : بسنده إلى أبي الطيب محمد ابن محمد بن فيروز الكوفي، قال: حدثنا يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم السلام ـ
قال ـ أيده الله تعالى ـ: يعني إمام الأئمة الهادي إلى الحق ـ عليهم السلام ـ. قال: حدثني أبي عن أبيه، قال: لَّمَّا ظهر زيد بن علي، ودعا الناس إلى نصرة الحق، فأجابته الشيعة، وكثير من غيرهم، وقعدوا عنه، وقالوا: لستَ الإمام؟ قال: فَمَنْ هو؟ قالوا: ابنُ أخيكَ جعفرٌ.
فقال لهم: إنْ قال جعفرٌ هو الإمام فقد صدق، فاكتبوا إليه واسألوه.
فقالوا: الطريق مقطوعة، ولا نَجِدُ رسولاً إلاَّ بأربعين ديناراً.
قال: هذه أربعون ديناراً، فاكتبوا وأرسلوا إليه.
فلمَّا كان من الغد أتوه، فقالوا: إنه يداريك.
فقال لهم: ويلكم إمامٌ يُداري من غير بأس، أو يكتم حقاً؟ أو يخشى في الله أحداً ؟.
اختاروا: إمَّا أن تقاتلوا معي، وتبايعوني على ما بويع عليه علي، والحسن، والحسين ـ عليهم السلام ـ، أو تعينوني بسلاحكم، وتكفوا عَنِّي ألسنتكم، فقالوا: لا نفعل.
فقال: الله أكبر، أنتم والله الروافض الذين ذكر جدي رسول الله ((سيكون من بعدي قوم يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل بيتي، ويقولون ليس عليهم أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر، يقلدون دينهم، ويتبعون أهواءهم)) انتهى.
وقد روى هذا السيد الإمام أبو العباس الحسني ـ عليه السلام ـ.
فَمَنِ الذين يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل البيت، ويقولون ليس عليهم أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر، ويرون تحريم الخروج على الظلمة، ويوجبون الطاعة للجبابرة المتغلبين على الأمة، فيعينونهم بذلك على تعدي حدود الله تعالى، وانتهاك كل حرمة، وينصرونهم على قتل الآمرين بالقسط، الحافظين لحدود الله تعالى من الأئمة؟.
وقد علموا: أن الله تعالى لَم يَجعل بنص كتابه للظالمين عهداً، وأنه لا يتخذ المضلين عضداً.
وعلى الجملة قد قضت المعلومة من الأدلة، وإجماع جميع أهل الملة أنَّ الإمام الأعظم زيد بن علي ـ عليهما السلام ـ، وطائفته هم المحقون، وأن هذه الفرقة الرافضة له مبطلون، وليس النـزاع إلاَّ فيما كان عليه من البراءة عن الشيخين، أم الولاية لهما، أم التوقف فيهما، وهو أمر آخر يجب على المتدين الاعتماد فيه على الدليل من غير تقليد، ولا تعويل على متابعة الأقاويل.
والمعلوم من حال الإمام الأعظم ـ صلوات الله عليه ـ بالإجماع من الجميع أنَّه لَمْ يَبْحث عن معتقدهم في ذلك، ولم يسألهم عن البراء، ولا التولي، وأنَّه لم يُسمهم الرافضة، ولم يلعنهم، ولم يتبرأ منهم إلاَّ حين خذلوه، ورفضوه ولم ينصروه.
وبذلك يعلم أنهم لم يستحقوا ذلك، إلاَّ لرفض إمام الحق، والخروج عن طاعة سادة الخلق كايناً في ذلك السبب ما كان، هذا معلوم بأبين بيان، وأوضح برهان، والله المستعان.
فكيف يكون رافضياً من تولاه، ونصره وقاتل بين يديه؟ ومن أتى من بعده متبعاً لأثره مقتدياً بهديه، مهتديا بنوره؟
فقد صارت هذه الطائفة المتسمية بالسنية ترمي به قطعاً أولياء الله تعالى، وأولياء رسوله، وأهل بيت نبيه، القانتين من هذه العصابة، تجارياً على الله تعالى، وإطِّراحاً للمفروض عليهم من حقوق القرابة، ومعاندة للحق، ومضادة لبراهينه، وقواطعه.
فإن كنت أيها الطالب للنجاة المراقب لله تعالى؟ ممن اطلع على الأحوال، ومارس علم الرجال، لم تحتج إلى تجشم بيان، ولا تكلف برهان"
انتهى كلامه ـ أيده الله تعالى ـ.
وقال الإمام مجدالدين المؤيدي ـ أيده الله تعالى ـ في التحف شرح الزلف، الطبعة الثالثة [ص 68]:
وحال الإمام الرضي، السابق الزكي، الهادي المهدي، زيد بن علي، وقيامه في أمة جده طافح بين الخلق، ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الخبر الشريف بضلالها.
وسبب مفارقتهم له مذكور في كتاب معرفة الله للإمام الهادي إلى الحق، وغيره من مؤلفات الأئمة والأمة، فإن الأمة أجمعت على أن الرافضة هم الفرقة الناكثة على الإمام زيد بن علي([1])، ولكنها اختلفت الروايات في سبب نكثهم عليه، وأهل البيت أعلم بهذا الشأن، واقتدت هذه الفرقة بسلفها المارقة الحرورية، كما قال الإمام زيد بن علي: اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي، كما رفض أهل حَرَوْرَاء([2]) علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ، حتى حاربوه([3]).
وأما رواية العامة، فقال في تاريخ الأمم والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الجزء (8) ص272 حوادث سنة 122 ما لفظه: (وتخوف زيد بن علي أن يؤخذ فعجل قبل الأجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة..إلى قوله: فلما رأى أصحاب زيد بن علي الذين بايعوه أن يوسف بن عمر قد بلغه أمر زيد، وأنه يدس إليه ويستبحث عن أمره، اجتمعت إليه جماعة من رؤوسهم، فقالوا: رحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر.
..إلى قوله: فقال لهم زيد: إن أشد ما أقول فيما ذكرتم إنا كنا أحق بسلطان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من الناس أجمعين، وأن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً قد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة، قالوا: فلم يظلمك هؤلاء إذا كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا بظالمين، فقال: إن هؤلاء ليسوا كأولئك إن هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم، وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وإلى السنن أن تُحْيَا، وإلى البدع أن تطفأ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل، ففارقوه ونكثوا بيعته، وقالوا: سبق الإمام، وكانوا يزعمون أن أبا جعفر محمد بن علي أخا زيد بن علي هو الإمام، وكان قد هلك يومئذ، وكان ابنه جعفر بن محمد حياً، فقالوا: جعفر بن محمد إمامنا اليوم بعد أبيه، وهو أحق بالأمر بعد أبيه ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة.
قال: وكانت طائفة منهم قبل خروجه مَرُّوا إلى جعفر بن محمد بن علي، فقالوا له: إن زيد بن علي فينا يبايع أَفَتَرَى لنا أن نبايعه، فقال لهم: نعم بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا، فجاءوا فكتموا ما أمرهم به).
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج5 ص389 في ترجمة الإمام زيد ما لفظه: روى عن أبيه زين العابدين وأخيه الباقر..إلى قوله: وعنه ابن أخيه جعفر بن محمد، وشعبة، وفُضَيل بن مرزوق، والمطّلب بن زياد، وسعيد بن خثيم، وابن أبي الزناد، وكان ذا علم وجلالة وصلاح هفا وخرج فاستشهد.
إلى قوله: قال عيسى بن يونس، وجاءت الرافضة زيداً، فقالوا: تبرأ من أبي بكر وعمر حتى ننصرك..إلى قوله: قالوا: إذاً نرفضك، فمن ثم قيل لهم الرافضة، وأما الزيدية فقالوا بقوله وحاربوا معه، وذكر إسماعيل السُّدي عنه، قال: الرافضة حربنا مرقوا علينا.
وروى عبدالله بن أبي بكر العتكي عن جرير بن حازم، قال: رأيت النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كأنه متساند إلى خشبة زيد بن علي وهو يقول: هكذا تفعلون بولدي؟!
قال عباد الرَّواجني: أنبأنا عمرو بن القاسم، قال: دخلت على جعفر الصادق وعنده ناس من الرافضة، فقلت: إنهم يبرؤون من عمك زيد، فقال: برأ الله ممن تبرأ منه، كان والله أقرأنا لكتاب الله وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم ما تركنا وفينا مثله.
قال الذهبي: قلتُ: خرج متأولاً، وقتل شهيداً وليته لم يخرج.
قال مولانا أيده الله تعالى: فهل جرى لتقديم المشائخ ذكر في رواياتهم فنقلهم لاسم الرفض إلى من قدم علياً ـ عليه السلام ـ على المشائخ زور وبهتان ليس لهم عليه أي مبرر، فقد اتفقنا نحن وهم على أن الرافضة هم الذين رفضوا زيد بن علي ـ عليهما السلام ـ.
قال نشوان الحميري في كتابه الحور العين في ذكر الرافضة ما لفظه: فقال لهم زيد: إن أبا بكر وعمر ليسا كهؤلاء هؤلاء ظالمون لكم ولأنفسهم ولأهل بيت نبيهم، وإنما أدعوكم إلى كتاب الله ليعمل به وإلى السنة أن يعمل بها، وإلى البدع أن تطفأ، وإلى الظَّلَمة من بني أمية أن تخلع وتنفى، فإن أجبتم سعدتم وإن أبيتم خسرتم ولست عليكم بوكيل، قالوا: إن برئت منهما وإلا رفضناك، فقال زيد: الله أكبر، حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: ((إنه سيكون قوم يدَّعون حبنا لهم نبز فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون)) اذهبوا فإنكم الرافضة ففارقوا زيداً يومئذ فسماهم الرافضة فجرى عليهم هذا الاسم.
وروى السيد أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني في كتاب الدعامة: أن جميع فرق الأمة اجتمعت على إمامة زيد بن علي عليه السلام إلا هذه الفرقة التي تقدم ذكرها، فقال لما شهر فضله وتقدمه وظهر علمه وبراعته، وعُرف كماله الذي تقدم به أهل عصره اجتمع طوائف الناس على اختلاف آرائهم على مبايعته فلم يكن الزيدي أحرص عليها من المعتزلي، ولا المعتزلي أسرع إليها من المرجي، ولا المرجي من الخارجي، فكانت بيعته عليه السلام مشتملة على فرق الأمة مع اختلافها ولم يشذ عن بيعته إلا هذه الطائفة القليلة التوفيق.
إلى قوله: وكان أفضل العترة ؛ لأنه كان مشاركاً لجماعتهم بوجوه لم يشاركوه فيها، فمنها اختصاصه بعلم الكلام الذي هو أجل العلوم وطريق النجاة، والعلم الذي لا ينتفع بسائر العلوم إلا معه والتقدم فيه والاشتهار عند الخاص والعام.
هذا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ يصفه في صنعة الكلام ويفتخر به ويشهد له بنهاية التقدم، وجعفر بن حارث في كتاب الديانة وكثير من معتزلة بغداد كمحمد بن عبدالله الإسكافي وغيره ينسبون إليه في كتبهم، ويقولون: نحن زيدية وحسبك في هذا الباب انتساب المعتزلة إليه مع أنها تنظر إلى الناس بالعين التي ينظر بها ملائكة السماء إلى أهل الأرض مثلاً، فلولا ظهور علمه وبراعته وتقدمه على كل أحد في فضيلته لما انقادت له المعتزلة.
إلى قوله: ومما يدل على صحة ما رواه السيد أبو طالب من إجماع فرق الأمة على زيد بن علي لما كان من فضله قول شاعر الخوارج يرثي زيداً عليه السلام ويقرع الزيدية:
يا با حسين والأمور إلى مديً
يا با حسين لو شراة عصابة
أولاد دَرْزَةَ أسلموك وطاروا
علقتك كان لوردهم إصدار
وقال أيضاً:
أولاد دَرْزَةَ أسلموك مبتلاً
تركوا ابن فاطمة الكرامُ جدودُه
يوم الخميس لغير ورد الصادر
بمكان من مسخنة لعين الناظر
وروى حسن بن علي بن يحيى بن أبي يعلى عن عمر بن موسى، قال: قلت لزيد بن علي: أكان علي إماماً؟
فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبياً مرسلاً، لم يكن أحد من الخلق بمنـزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا كان لعلي ما ينكر الغالبية، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان علي من بعده إماماً للمسلمين في حلالهم وحرامهم، وفي السنة عن نبي الله وتأويل كتاب الله فما جاء به علي من حلال أو حرام أو كتاب أو سنة كان رده عليه كفراً، فلم يزل ذلك حتى أظهر السيف وأظهر دعوته واستوجب الطاعة ثم قبضه الله شهيداً.
ثم كان الحسن والحسين فوالله ما ادعيا منـزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من القول فيهما ما قال في علي عليه السلام، وأيضاً أنه قال: سيدا شباب الجنة، فهما كما سماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانا إمامين عدلين فلم يزالا كذلك حتى قبضهما الله تعالى شهيدين، ثم كنا ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعدهما ولد الحسن والحسين، ما فينا إمام مفترضة طاعته، ووالله ما ادعى علي بن الحسين أبي ولا أحد منـزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا منـزلة علي، ولا كان من رسول الله فينا ما قال في الحسن والحسين غير أنا ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهؤلاء يقولون حسدت أخي وابن أخي، أحسد أبي حقاً هو له، لبئس الولد أنا من ولد، إني إذاً لكافر إن جحدته حقاً هو له من الله، فوالله ما ادعاها علي بن الحسين، ولا ادعاها أخي محمد بن علي منذ صحبته حتى فارقني.
ثم قال: إن الإمام منا أهل البيت المفروض علينا وعليكم وعلى المسلمين من شهر سيفه ودعا إلى كتاب ربه وسنة نبيه وجرى على أحكامه وعرف بذلك، فذلك الإمام الذي لا تسعنا وإياكم جهالته.
فأما عبد جالس في بيته، مرخٍ عليه ستره، مغلق عليه بابه يجري عليه أحكام الظالمين لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ؛ فأنى يكون ذلك إماماً مفروضة طاعته؟
وفي فضل زيد ما روى محمد بن سالم، قال: قال لي جعفر بن محمد: يا محمد، هل شهدت عمي زيداً؟ قلت: نعم، قال: فهل رأيت فينا مثله: قلت: لا، قال: ولا أظنك والله ترى فينا مثله إلى أن تقوم الساعة، كان والله سيدنا ما ترك فينا لدين ولا دنيا مثله.
وروى عن محمد بن علي أنه قال ـ وأشار إلى زيد ـ: هذا سيد بني هاشم، إذا دعاكم فأجيبوه،
وإذا استنصركم فانصروه." انتهى من التحف.
وقال ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة[79/ طبعة دار الكتب العلمية/ الطبعة الأُولى]في كلامه على إمام الأئمة زيد بن علي ـ عليهم السلام ـ ما لفظه:" وزيدٌ هذا كان إماماً جليلاً، استشهد في صفر سنة إحدى وعشرين ومائة، ولَّمَّا صُلِبَ عرياناً جاءت العنكبوت ونسجت على عورته حتى حُفِظَتْ عن رؤية الناس، فإنه استمر مصلوباً مدة طويلة، وكان قد خرج وبايعه خلق من الكوفة، وحضر إليه كثير من الشيعة، إلى أن قال:اذهبوا فأنتم الرافضة، فمن حينئذ سموا الرافضة، وسميت الشيعة بالزيدية" انتهى.
ولو استقصينا هذا الأمر لكثر الكلام، ولَطال المقام، ولكن كما قيل: القليل يدل على الكثير، وضوء البارق يشير إلى النَّو المطير.
ولقد تكلم كثير من المفكرين والأدباء والمؤرخين من غير أبناء الزيدية ـ قديماً وحديثاً ـ عن الزيدية، تكلموا عن فكرها، وعن منهجها، وعن أئمتها ـ عليهم السلام ـ بشيءٍ من الإعجاب والتعظيم، وسنقوم هنا بنقل بعض نصوصهم الدالة على الإعجاب والتعظيم:
1/ قال الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه [الزيدية/ص 79/ طبعة دار النهضة العربية/ الطبعة الثالثة/1411هـ]: "وإن تباهى أهلُ كلِّ دينٍ بشهدائهم، فإنه يَحِقُّ للمسلمين أن يتباهوا على الأُمم بشهداء الزيدية"
وأقول: حقاً إنها كلمة تُكتبُ بماء الذهب، فَلَعَمْرِ الحقِّ إنها لَمْ تقمْ فرقة في تاريخ الإسلام كالفرقة الزيدية لتغيير الظلم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتنغيص حياة الظالمين، ورفع راية الحرية والكرامة للناس، وبذل النفس والنفيس لإخراج البشرية من سرادق الجهل، إلى نور المعرفة والعلم، ومن عمايات الغواية إلى أنوار الهداية، ومن الاستعباد والذل تحت وطأة وقهر أهل الظلم والطغيان إلى حياة العزِّ والحرية والأمن والأمان، من تشبيه الله تعالى وتجويره وإضافة القبائح إليه، وهي التي يتـنـزه منها أهل الفساد أن تضاف إليهم، وتكذيبه في وعده ووعيده، إلى معرفة الله تعالى وتنـزيهه، وتوحيده في ذاته، وتعديله في أفعاله، وتصديقه في أقواله، وهذه العقيدة هي دين الإسلام، وهي دين الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين ـ صلوات الله تعالى عليهم أجمعين ـ وهو الدين القويم الذي أرسل الله عزَّ وجلَّ الأنبياء والمرسلين ـ عليهم السلام ـ إلى الناس لدعائهم إليه ، ] ليهلِكَ من هلك عن بينة ويحيى من حَيَّ عن بينة [ [الأنفال:42]، وكما قال تعالى{رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}[ النساء : 165 ]، وواصل الدعوة إلى هذا الدين القويم، والصراط المستقيم، والعقيدة الصحيحة: قرناءُ القرآنِ، وسفينةُ نوح المنجية من الغرق، والأمانُ من الضلال، وهم أهل البيت ـ عليهم السلام ـ فقاموا ـ سلام الله تعالى عليهم ـ بأداء هذه الرسالة أتم قيام.
2/وكذلك الدكتور علي شلق في كتابه العقل السياسي في الإسلام قد امتدح الزيدية،
والدكتور محمد عمارة، وقبلهم الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الإمام زيد، والأستاذ إمام حنفي، والأستاذ سيد مختار حشّاد، وغيرهم من المفكرين.
([1])- كما في القاموس وغيره من كتب اللغة، وكتب الحديث كشرح مسلم للنووي.
([2])- حَرَوْرَاء بفتحتين وسكون الواو وراء أخرى وألف ممدودة: موضع على ميلين من الكوفة، نزل به الخوارج فنسبوا إليه.
([3])- رسائل العدل والتوحيد 2/ 76.
منقوووول
بس ممكن تسال سؤال محدد
مو معقول اقولك احكيلي عن الجعفرية باختصار :confused: