ونقول لهم : ما يضر أبا بكر إذا غضبت عليه فاطمة إن كان رضي الله عنه , فقد قال الله ( لقد رضي الله عنه المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ) ( الفتح :18 ).
وأبو بكر كان رأس المؤمنين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم , فمن رضي الله عنه ورضي عنه الرسول صلى الله عليه وسلم , لا يضره غضب من غضب .
وكذا نقول : لو جعل أي إنسان نفسه مكان أبي بكر , وجاءته فاطمة رضي الله عنها تطالب بالميراث وهو قد سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا نورث " . فهل يقدم قول النبي المعصوم أو يقدم رضا فاطمة رضي الله عنها ؟ منتظرين الاجابه على هذا السؤال يا شيعة .
وكذا نقول : بأن فاطمة وجدت على أبا بكر !
والذي يظهر : أنه من زيادات الزهري وإدارجه , وليس من أصل الرواية .
ثم نرد فنقول هذا الدليل بالتفصيل .
أما قولهم : إنه ارث !!!!
فنقول لهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إنا لا نورث ما تركناه صدقة " بمعنى : الذي تركناه هو صدقة , ولذلك جاء في بعض طرق الحديث عند مسلم : " ما تركناه فهو صدقة " .
وحرف البعض هذا الحديث , فقال : " ما تركنا صدقة " فيجعلون " ما " نافية , أي : لم نترك وأهل السنة يجعلون " ما " هنا موصولة , وهي الرواية الصحيحة والتي في الصحيحين " ما تركنا صدقة " بالرفع يؤكد هذه الرواية رواية : " ما تركنا فهو صدقة " .
فالنبي لا يورث صلوات الله وسلامه عليه , بل على الصحيحين إن الأنبياء جميعا لا يورثون , وهو يستدلون بقول الله تبارك وتعالى عن زكريا : ( وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب وجعله ربي رضيا ) (مريم :16) .
وتفسير هاتين الآيتين ما يأتي :
أما الآية الأولى : وهي قول الله تبارك وتعالى : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) . فنقول :
أولا : أنه لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولدا حتى يرث المال فقط , فكيف ترضى هذا لنبي كريم وهو زكريا أن يسأل ولدا , لكي يرث المال ؟!.
ثانيا :المشهور أن زكريا كان فقيرا يعمل نجارا , فأي مال عند زكريا حتى يطلب من الله تبارك تعالى أن يرزقه وارثا , بل الأضل في أنبياء الله تبارك وتعالى أنهم لا يبقون مال , بل يتصدقون به في وجوه الخير .
ثالثا : وهو ما يدل عليه سياق الآية , فهو قول الله تبارك وتعالى ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) .
كم شخصا في آل يعقوب ؟ وأين يحيى من آل يعقوب ؟
آل يعقوب , هم : موسى , وداود , وسليمان , ويحيى , و زكريا , وأقوامهم , بل كان كل أنبياء بني إسرائيل من آل يعقوب , لأن إسرائيل هو يعقوب , فكيف ببقية بني إسرائيل من غير الأنبياء و إذن , فكيف سيكون نصيب يحيى ؟
ثم إنه محجوب بالفرع الوارث , فلا شك أن قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) يرد على قول من يقول : إنه أراد وراثة المال , بل ذكر يعقوب , لأن يعقوب نبي و زكريا نبي , فأراد أن يرث النبوة والعلم والحكمة .
رابعا : وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث ) , أو قوله : ( إنا لا نورث ما تركنا صدقة ) , وجاء في الحديث : ( إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا , وإنما ورثوا العلم ) " سنن أبي داود " كتاب العلم , باب : الحث على طلب العلم , حديث (3641) وإسناده صحيح .
أما الآية الثانية : وهي قول الله تبارك وتعالى : ( وورث سليمان داود ) فكذلك لم يرث منه المال , إنما ورث النبوة والحكمة والعلم لأمرين اثنين :
الأول : أن داود قد اشتهر أن له مائة زوجة , وله ثلاثمائة سرية , أي : أمة , وله الكثير من الأولاد , فكيف لا يرثه إلا سليمان ؟ بل أخوة سليمان أيضا يرثون , فتخصيص سليمان بالذكر ليس بسديد , إن كان معه ورثة آخرون .
فلو كان الأمر إرثا عاديا ما كان لذكره فائدة في كتاب الله , ولكن تحصيل حاصل , لأن إرث المال أمر عادي , والذي لا شك فيه أن الله أراد شيئا أخر خصه بالذكر , وهو إرث النبوة .
وأما قولهم : إنها هبة وهدية من النبي صلى الله عليه وسلم وهبها لفاطمة يوم خيبر , فقد روى الكاشاني في " تفسيره " : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر وبعد أن أنزل الله تبارك وتعالى عليه : ( وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ) " الاسراء :26" , فنادى فاطمة فأعطاها فدك . "تفسير الصافي " , (3/186) .
ولنقف هنا قليلا :
أولا : هذه القصة مكذوبة , ولم تنزل هذه الآية في هذا الوقت , ولم يعطي النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة – رضي الله عنها وأرضاها – شيئا , بل الصحيح أن فاطمة طلبت فدك من باب الإرث لا من باب الهبة , وفتح خيبر في أول السنة السابعة , وزينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم توفيت في الثامن من الهجرة "سيرة أعلام النبلاء " (2/250) , و"الإصابة " (4/206) .
وأم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم ,توفيت في التاسعة من الهجرة " سيرة أعلام النبلاء " (2/252), و " الإصابة " (4/466) , فكيف يعطي فاطمة ويدع أم كلثوم وزينب صلوات الله وسلامه عليه , فهل اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفرق بين أولاده صلى الله عليه وسلم .
ثم إن النعمان بن بشير لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله , إني قدت وهبت ابني حديقة , وأريد ان أشهدك , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكل أولادك أعطيت ؟ ) قال : لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذهب فإني لا أشهد على جور ) .
"صحيح مسلم " كتاب الهبات , باب : كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة , حديث ( 1623) .
فسما جورا , وذلك أن يفضل بعض أولاده على بعض , فهذا النبي الكريم الذي لا يشهد على الجور , هل يفعل الجور ؟
أبدا . بل نحن ننزهه صلى الله عليه وسلم .
ثم إن كانت هبة , فإما تكون قبضتها أو لم تقبضها .
فإن كانت قبضتها , فكيف جاءت تطالب بها . وإن لم تكن قبضتها , فإن الهبة إن لم تقبض فكأنها لم تعطى .
فعلى أي الأمرين سواء القول إنها إرث أو نقول هبة , فالقول ساقط , فهي لا إرث ولا هبة .
والعجيب في الأمر أنه بعد وفاة الصديق رضي الله عنه استخلف عمر بن الخطاب , ثم عثمان , ثم استخلف علي , فلو فرضنا أن فدك لفاطمة سواء أكانت إرثا أم هبة , فهي تدخل في ملك فاطمة رضي الله عنها , وهي ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر , فإلي من تذهب فدك ؟
تذهب إلي الورثة , فعلي له الربع لوجد الفرع الوارث , والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم رضي الله عنهم لهم الباقي , للذكر مثل حظ الأنثيين .
ولما استخلف علي رضي الله عنه لم يعطي فدك لأولاده , فإن كان أبو بكر ظالما وعمر ظالما وعثمان ظالما , لأنهم منعوا فدك أهلها , فلم لا يتعدى الحكم إلي علي , لأنه منع فدك أهلها ولم يعطها لأولاد فاطمة .
وفدك كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلكا توفي كانت بيد أبي بكر ثم عمر , وفي عهد عمر جاء العباس وعلي وطلبا منه أن يكون بيدهما ما أعطاهما إياها يديرانها , ثم كانت بيد علي وظلت عنده إلي أن توفي سنة ( 40هــــ ) ثم بيد الحسن , ثم بيد الحسين , ثم الحسن بن الحسن , وعلي بن الحسين , ثم زيد بن الحسن . " فتح الباري " (6/239) , حديث ( 3094) .
نحن ننزه الجميع , ننزه أبا بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين , ومن كانت فدك في يده إلي زيد بن الحسن .
فلم تكن فدك هبة , ولم تكن - كذلك – إرثا من النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيا : كيف يترك النبي صلى الله عليه وسلم كل هذا المال , وهو الزاهد ومما يدل على هذه الأمور :
1. حديث أم سلمة رضي الله عنها , وفيه : أن النبي دخل عليها وهو ساهم الوجه , قالت : فحسبت ذلك من وجه , فقلت يا رسول الله , أراك ساهم الوجه , أفمن وجه ؟ فقال بأبي هو وأمي : ( لا , ولكن الدنانير السبع التي أتينا بها أمس , أمسينا ولم ننفقها ) رواه احمد (6/314) , "النهاية " (2/429) .
2. توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي مقابل ثلاثين صاعا استلفها
" صحيح البخاري " كتاب الجهاد , باب : ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم , حديث ( 2916) .
فمن عنده فدك وسهم خيبر يرهن درعه مقابل عشرين صاعا ؟!
ويذكرون عن فاطمة : أنها لما منعت فدك غضبت وذهبت الي قبر أبيها تشتكي إليه !!!!!!!!!
وهذا كذب , بل ولا يليق بفاطمة رضي الله عنها , فإن الله يقول عن العبد الصالح النبي الكريم يعقوب عليه السلام ( قال إنما أشكوا بثي وحزني إلي الله واعلم من الله ما لا تعلمون )
" يوسف : 86" .
والمشهور : أن أبا بكر ترضاها حتى رضيت , كما أخرج هذا الكثير من أهل العلم عن الشعبي ومرسلا صحيحا , والشعبي من كبار التابعين , والله اعلم بحقيقة الأمر .
وكذلك المشهور : أن فاطمة غسلتها أسماء بنت عميس , وأسماء زوجة أبي بكر الصديق , فكيف تغسلها زوجة أبي بكر الصديق وأبو بكر لا يدري بموتها ؟؟؟!!! .
والصحيح : أنها دفنت ليلا , ولم يؤذن أبو بكر فيها .
وعائشة دفنت ليلا , بل وسيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن ليلا .