إن الإنسان يحلق في شهر رمضان في أجواء التوحيد، والمناجاة، وكبت النفس عن الشهوات، وتلاوة الكتاب الكريم.. فالغالب على هذا الشهر، اللون التوحيدي.. وهذا اللون يتجلى بشكل واضح وصريح في ليالي القدر المباركة، حيث يقضي المؤمن ليله من المغرب إلى مطلع الفجر، وهو يذكر ربه ذكراً متميزاً بليغاً.. فالإنسان يحتاج في نشاطه اليومي، وفي حركته اليومية إلى هذه الصلة الوثيقة برب العالمين.. ومن منا يمكن أن يعيش، وهو مبتور الصلة بمنشأ الفيض، والهبة العظمى في هذا الوجود؟!.
إن الغضب من الصفات المتأصلة في النفس ... والسبب في ذلك ان الإنسان موجود ناطق ذو شعور ، لا يرضى بكثير من الاقول والافعال ، فيكون من الطبيعي انقداح حالة في النفس ، فليس الحل هو( منع ) تحقق هذه الحالة في النفس ، اذ انها قهرية مترتبة على مواجهة النفس لما ينافر طبعها .. وانما الحل هو عدم ( تسرية ) هذه الحالة الى الخارج ، وهو ما يعبر عنه بكظم الغيظ ، فليست المشكلة في اصل وجود الغضب وانما في عدم كظمه ، وقد روي : { ان من كظم غيظا ، ملأ الله جوفه إيماناً } البحار -ج69ص382 .. وليعلم ان اصل الغضب قد يكون ما يبرره شرعاً ، ولكن المشكلة في الدواعي وراء ذلك ، فقد لا يكون الداعي إلهيا ، بل يكون هو ( التشفي ) كما يحصل مع من ينبغي تأديبه كالأطفال ، وان كان النأديب حقاً .. وقد يكون الداعي إلهيا الا ان صاحبه قد (يتجاوز) حدوده الشرعية ، فيغضب اكثر مما غضب الله تعالى لنفسه .. وليعلم ايضا ان (المستعجل ) في انفاذ غضبه كالمستعجل في كسر جرة لا يمكن جبرها بعد كسرها ، بخلاف المتأني في انفاذه ، فان بامكانه كسر الجرة متى شاء ، كما ان بأمكانه العدول عن قرار كسره .
إنّ الإحساس بالتفوق الذي لا مبرر له عقلاً ولا شرعاً، قد يوجب في بعض الحالات منع الهبات المدخرة للعبد.. إضافة إلى سلب الهبات الفعلية، وهذا معنى الانسلاخ من الآيات، الذي وقع فيه أمثال بلعم...
إن هذا الاعتكاف الظاهري في المساجد ظاهرة جيدة!.. ولكن البعض يخرج من المسجد، وإذا به يهم بالمعصية.. صحيح هو جسمه اعتكف في المسجد، وصام الشهر.. ولكن لم يدخل في دورة اعتكاف روحي، بل خرج وهو على ما هو عليه.. لذا، فإن الاعتكاف الروحي ضروري للعبد: فالبعض في إجازة الصيف، يذهب لشم الهواء في الجبل أو في المصيف؛ وهذه الروح أليس لها الحق أن تُعطى إجازة لمدة ثلاثة أيام إن لم يكن أسبوعاً؟.. فالذي يحيي ليالي القدر إلى الصباح، من الطبيعي أنه يرهق في النهار، لذا عليه أن يخصص أيامه ولياليه لهذه القضية المصيرية، ويحاول أن يكون في حل من العمل اليومي!..
إن من يهوى الدنيا ، يطلبها بكل متعها ، من دون ( تقييدها ) بكونها حسنا عند الحق المتعال ..وذلك لأن كل ما فيها - مما يطابق الهوى - مطلوب لديه ..وهذا بخلاف المؤمن الذي لا يريد من الدنيا والآخرة ، إلا ما كان ( حسناً ) عند مولاه ..ولهذا يوكل أمر آخرته ودنياه إليه ، لأنه الأدرى بالحسن الذي يلائمه بالخصوص ..وقد روي عن الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة }أنه قال : ( رضوان الله والجنة في الآخرة ، والسعة في الرزق ، وحسن الخلق في الدنيا ) .
إن صاحب المعصية، في كنف الله عز وجل، إن أبدوا حركة إيجابية (وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي).. فرب العالمين يبحث عن العاصين.. إذ أن أنين المذنبين أحب إلى الله -عز وجل- من تسبيح المسبحين
إذا أردنا أن نبقي المعلول، فلابد أن نبقي العلة -العلة المحدثة، والعلة المبقية-!.. فبالنسبة للإنسان الذي توفق لشيء من الطاعة والإنابة إلى الله -عز وجل- في شهر رمضان، فمن المعلوم أن هذه التوفيقات ناتجة من هذه التركيبة المعروفة: من الكف عن الحرام، والأنس بالعبادة في أسحار شهر رمضان وغيره، ومن تلاوة القرآن الكريم.. فلو أن الإنسان قام بهذه التركيبة بعد شهر رمضان المبارك.. فيتحول الكف عن الطعام والشراب، إلى كف عن المحرمات -هذا حرام بالعرض، وهذا حرام بالذات- ويبقى الأنس بالقرآن الكريم تلاوةً، ولو في حد أقل.. ويبقى الارتباط بأدنى درجات الدعاء والابتهال.. عندئذ فإن المؤمن سوف يعيش في شوال، أجواء قريبة مما كان يعيشها في الشهر الكريم.. ولهذا نلاحظ أنه الشريعة قائمة على إيجاد محطات عبادية في طوال السنة.
إن من يمارس عملية ( التفكير ) والتأمل في المجال العلمي - ولو الدنيوي - يمتلك ( قابلية ) التركيز والسيطرة على الذهن في مجمل حياته ..وبذلك يكون أقرب من غيره للتأمل في ما يحسن التفكير فيه مما يتصل بأمر آخرته ، كما أنه يكون أقدر من غيره على التركيز الذهني في العبادة ، وهو بدوره عامل مساعد للتفاعل النفسي معها ..فعند انتفاء الصورة المزاحمة والمنافرة لما تقتضيه العبادة -كالصلاة مثلاً - فإن النفس تكون ( أقدر ) على الالتفات إلى الجهة الواحدة التي أمِـر بالالتفات إليها ..ومن هنا كان أهل الفكر والنظر ، أقدر من غيرهم على السير الفكري والنفسي إلى الحق المتعال .
إن رب العالمين عطاؤه غير مرسوم بيد البشر.. إذا أردت أن ترسم لنفسك طريقاً في الحياة، فانظر إلى رضا الله عز وجل، وما الذي يريده رب العالمين منك في هذه اللحظة؟...
لو أن إنسانا كل يوم يُعطى عسلا، حتى أصبح مدمنا على العسل، وإذا يُؤتى له بمربى أو حلوى من النوع السيئ ؛ فهل تراه يأكله؟!.. ولهذا فهو قد يصاب بضعف وانهيار ؛ لأنه ليس عنده ذاك العسل، وهذه الحلوى لا تشبعه ولا يرضى بها!..
إن بعض الناس عندما يتقدم في طريق الإيمان درجات، ويعيش حالات متميزة من الإقبال، ومن ثم يؤخذ منه الإقبال، فإنه يصبح لا يأنس لا بالعبادة، ولا بالجلوس مع الناس، ولا تغريه الديوانية، ولا يغريه المسجد.. فأين يذهب هذا الإنسان؟!.. وماذا يعمل؟!.