دائما ما تقف ولاء أمام المرآة لوقتٍ طويل متأملةً ملامح وجهها المشوهة و دموعها تجري بكثرة أغمضت ولاء عينيها بألم ثم أدارت المرآة الى الوجه الآخر لتظهر صورة والدتها المرحومة
مسحت دموعها بكفها و توجهت إلى الطابق السفلي لقاعة الطعام
ولاء : السلام عليكم
الكل : وعليكم السلام
ضربت ولاء أخيها محمد الذي يبلغ الخامسة عشر من العمر على يده بخفه : كم
مره قلت لك لا تاكل وخالتي بعدها متجي ... متى بس بتعقل ؟
محمد : أوووف يعني نموت جوع ... خالتي يبيلها ساعتين توقف على المرايا و تتزين ومادري وشو
أبو محمد : يا ولد تكلم بأدب و أكل فكنا من شرك ( ثم نظر بطرف عينيه الى ابنته ولاء التي من زوجته المرحومه ) الله جميل يحب الجمال
صممت ولاء كما تفعل دائما ً فقد اعتادت على نظراتهم وكلامهم المميت
الى أن جاءت خالتها
أبو محمد : سموّ
الخاله هدى : أقول حبيبتي منى أكيد بتروحي معاي للمشغل
منى : أكيد يمه ما بقى شي على زواج أخوي إبراهيم
أبو محمد : أخذوا ولاء معكم تستعد من الحين
منى : لا لا مانبيها
توقفت ولاء عن الأكل بل جمدت حركتها و قالت بصوت يرجف : لا تخافي يا أختي أنا ماني رايحه
و نهضت عن المائده بهدوء وهي تقول : سفره دايمه
انسحبت من بينهم ودموعها تفيض في عينيها استعدادا ً للنزول و هي تسمع ضحكاتهم تتعالى
هي تعلم جيدا ً بأن الحروق سببت لها تشوه لا يزول حتى بعد عمليات
التجميل فآثار التشوه لا زالت تخفي الكثير من جمالها الذي لم يعد أحد منهم يراه
و ان أضافت لنفسها بعض المساحيق فهي تزيدها سوءا ً و تعلم أيضا ً بأن
والدها لا يحبها فهي من زوجته و ابنت عمه التي تزوجها لرغبه والده و هي
شديدة الشبه بوالدتها التي تفوق الجمال لم تتحمل التفكير الذي يجهدها ويتعبها يوميا ً
توجهت الى غرفتها الكئيبة و بدأت بإدارة الهاتف
ولاء : ألو ... ابراهيم
ابراهيم : هلا والله ... صاير شي ؟
ولاء : ولاشي بس حبيت اسألك متى بتجي عشان أسوي لك الغدا مثل ما وعدتك
ابراهيم : ما شاء الله ولا نسيتي ... يمكن أجي أربع أو أربع ونص
ولاء : أوكي ...مع السلامه
ابراهيم : الله يسلمك ... باي
ابتسمت ولاء قليلاً فهي تشعر بالرضا بكل ما تفعله قررت البدء بالطهي
قبل مجيء أخيها الكبير والذي سيكون حفل زفافه بعد اسبوع تقريباً على
أخت أحد أصدقائه و ولاء تصغره بسنة واحدة
مضى الوقت بسرعه و لم تشعر ولاء بذلك و بدأت بتقديمه في قاعه الطعام
ولاء : صارت الساعه خمس وربع ولاجى ... بتصل عليه شكلي
ولاء : ابراهيم وينك ؟
ابراهيم : توني داش البيت الحين ابدل واجيلك
ولاء : يالله بسرعه
وبعد خمس دقائق
ابراهيم : واااآآو نيال الي بياخذج
انتبه ابراهيم لإختفاء ابتسامة أخته ولاء
ابراهيم : ولاء ترى عمرش للحين 23 يعني جاي ان شاء الله نصيبج
ولاء : تتوقع مين يتحمل يصبح ويمسي على وجهي المشوه
ابراهيم : استغفر الله .. ولاء أبدا ً ما توقعت منج هالكلام
عندج جمال نادر نشوفه في هالأيام
ولاء : ابراهيم جمالي ما عاد له أثر ابدا ً الكل يشوفني بعين ثانيه كأني كائن غريب
الكل يبتعد عني ما يتحملوا يشوفوا شكلي نهائيا ً
ابراهيم : الي يعرف جوهرج بيشوفج ملكة جمال مو بس جميلة
تفكرين منى أحلى منج للأسف منى ما تملك نص جمالج
كنت أتمنى أختي منى تكون مثلج مو جريئة وطويلة لسان و ..
قاطعته ولاء : لا تقول عنها كذا صحيح أحيانا اغار منها بسبب أبوي وخالتي هدى
بس هي أختي الوحيده و الله رزقني بجمال يفوق جمالها بس الله اخذه مني و بعدين هي للحين صغيره عمرها 18 بعدين بتعقل
ابراهيم : الله يهديها مع انها مو صغيرة واذا ما تعدلت من ألحين
ما بتتعدل لما تكبر
ولاء : اشفيك ما تاكل ؟
ابراهيم : بس شبعت والا شكلج تبيني أمتن و تكرهني فاطمة
ولاء : ههههه أكيد لا
ابراهيم : ولاء للحين مصرة ما تبي تشوفي زوجتي
ولاء : ودي أشوفها بس ما أبيها تشوفني
ابراهيم : لازم تكوني واثقه من نفسج وتطلعي للناس
مو تحبسي حالج و تنعزلي عن العالم
ولاء : نظراتهم سكوتهم يعذبني يذبحني احس اني مختلفه عنهم
ابراهيم : ترى فطومة حبوبة و ماهي متكبرة و أكيد بتحبج
ولاء : اممم .. خلاص موافقه بس فكني من حنتك
ابراهيم : هههههه أصلا أنا ذابحنها من كثر ما أسولف عنش
ولاء : هههه عساه بالخير بس ، جيبها الوقت الي تبيه تدري عني فاضيه
ابراهيم : بالخير اشوي خخخ .... ولاء الفراغ اللي معيشة حالج فيه يضايقني واااجد
من بعد الحادث و انتين حابسة نفسج و رفضتي حتى تكملي الدراسة و للحين مصرة بعد
ولاء : ليش تبيني ارجع للمدرسة الحين و بعدين الحمد لله اني فاهمة
و الله يخلي الكتب مالية مكتبتي و ماني محتاجة للدراسة
ابراهيم : بس لما تكملي دراستج تطلعي تتعرفي على الناس مو حابسه نفسج هني
ما تطلعي
ولاء : أقول ابراهيم روح نام أحسن
ابراهيم : رايح لاني تعبت منج
مضت ثلاثة أيام بلياليها مسرعه فمنى و والدتها تقضيان وقتهما بين الأسواق و
صالونات التجميل أما محمد فمعظم وقته خارج المنزل برفقة أصحابه و ابراهيم
مع فاطمة مستعدان لحفل زفافهما فقدقرب موعده و أمـا ولاء فيومها يمضي
كالآخر و إن اختلف فاليوم الذي يليه أشد حزنا ً من الآخر
قبل ليلة الزفاف
على ذلك الكرسي الذي بللته الدموع و أرهقته الآلام تجلس ولاء عليه محطمة
متعبة من الذكريات
فوقفت عند أول لقاء بينها وبين زوجة أخيها
ولاء بخجل لأنها لم تعتد على استقبال الضيوف : نورتينا يا الغاليه
فاطمة : النور نورج ولاء ( ثم تلتفت الى ابراهيم ) و الله أختك ولاء تنحسد عليها
دخلت قلبي بسرعة
ابراهيم : وشو قصدج ؟ والا تبيني أغار
ضحكت ولاء بخجل : ههههه والله نيال اخوي بوحدة بأخلاقج
فاطمة : تسلمي حبيبتي تصدقي من زمآآآن أقوله ابي اشوف أختك ولاء
كل مره يجيب عذر
ابراهيم : المهم شفتيها و أكليها بعد يالله عن أذنكم
ولاء : هههه الله وياك
ولاء أنها خافت كثيرا ً قبل لقائها فقد خافت أن تصدم بها
أو أن تُجرح مره أخرى فهي لم تقابل أحدا ً منذ زمنٍ طويل
و لكن فاطمة كانت ذات أخلاق نبيلة
و تتذكر جيدا ً كلماتها التي جعلتها تفكر كثيرا ً فقد حدثتها عن الجمال الحقيقي
و الجوهر الذي يطغى على الجمال الظاهري فيكسبه جمالاً سحريا ً مميز
لقد كان لكلمات فاطمة الجانب الإيجابي على ولاء و على تفكيرها
فهي في أمس الحاجة لمثل هذه الكلمات بعد أن سيطر الحزن عليها و اليأس
بسبب أقرب الناس لديها من والدها الذي يكره رؤيتها و زوجته التي لم يسبق
و ان سمعت لها حديثا ً فهي كثيرا ً ما تشعل النار بينها وبين أختها منى
و تزرع الغيرة و الحقد في قلب ولاء الأبيض الذي يستحيل له أن يكره
ولاء تبكي و تتعب و تتأذى
بسببهم وإن كانت مشوهة الملامح فلما السخط من قضاء الله
شعورها بأنها مختلفه يقتلها في كل حين
نهضت ولاء بهدوء من الكرسي و اتجهت إلى صورة والدتها فقبلتها و أدارتها
لتظهر لها المرآة مررت يديها برقه على المناطق المشوهة في وجهها
ثم نظرت الى عينيها مرة أخرى
ولاء : اني جميلة و التشوه قضاء قدر
المفروض ما أسمح لأي شخص يجرحني و يحطم حياتي
الحادث قضاء وقدر و مابيدي شي وتشوهي امتحان من الله
لكني للأسف دفنت نفسي بالحيا و خليت أقرب الناس يحطموني و استسلمت لهم
ان أخطئوا أهلي أني ساعدتهم في هالشي و شاركتهم فيه
لا تدير الأيام ظهرها للخلف فتجري و سرعان ما ينقضي العمر