العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية نسايم
نسايم
شيعي حسيني
رقم العضوية : 18676
الإنتساب : Apr 2008
المشاركات : 7,218
بمعدل : 1.19 يوميا

نسايم غير متصل

 عرض البوم صور نسايم

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي قصة بلوهر ويوذاسف
قديم بتاريخ : 02-12-2009 الساعة : 04:59 AM




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد و عجل لوليك الفرج

قصة بلوهر ويوذاسف

ك عن أبي علي أحمد بن الحسن القطان عن الحسن بن علي العسكري قال : حدثنا محمد بن زكريا أن ملكا من ملوك الهند كان كثير الجند ، واسع المملكة ،مهيبا في أنفس الناس ، مظفرا علي الاعداء ، وكان مع ذلك عظيم النهمه في شهوات الدنيا ولذاتها وملاهيها ، مؤثرا لهواه ، مطيعا له ، وكان أحب الناس إليه وأنصحهم له في نفسه من زين له حاله وحسن رأيه ، وأبغض الناس إليه و أغشهم له في نفسه من أمره بغيرها وترك أمره فيها ، وكان قد أصاب الملك فيها في حداثة سنه وعنفوان شبابه وكان له رأي أصيل ولسان بليغ ومعرفة بتدبير الناس و ضبطهم ، فعرف الناس ذلك منه فانقادوا له ، وخضع له كل صعب وذلول ، واجتمع له سكر الشباب وسكر السلطان ، والشهوة والعجب ، ثم قوي ذلك ما أصاب من الظفر على من ناصبه والقهر لاهل مملكته ، وانقياد الناس له ، فاستطال على الناس واحتقرهم ، ثم ازداد عجبا برأيه ونفسه لما مدحه الناس وزينوا أمره عنده ، فكان لا همة له إلا الدنيا وكانت الدنيا له مؤاتية لا يريد منها شيئا إلا ناله ، غير أنه كان مئناثا لا يولد له ذكر ، وقد كان الدين فشا في أرضه قبل ملكه وكثر أهله ، فزين له الشيطان عداوة الدين وأهله وأضر بأهل الدين فأقصاهم مخافة على ملكه وقرب أهل الاوثان ، وصنع لهم أصناما من ذهب وفضة ، وفضلهم و شرفهم ، وسجد لاصنامهم .
فلما رأى الناس ذلك منه سارعوا إلى عبادة الاوثان والاستخفاف بأهل الدين ثم إن الملك سأل يوما عن رجل من أهل بلاده كانت له منه منزلة حسنة ومكانة رفيعة وكان أراد أن يستعين به على بعض اموره ويحبوه ويكرمه ، فقيل له أيها الملك إنه قد خلع الدنيا وخلي منها ولحق بالنساك فثقل ذلك على الملك ، و شق عليه ، ثم إنه أرسل إليه فاوتي به ، فلما نظر إليه في زي النساك وتخشعهم زبره وشتمه وقال له : بينا أنت من عبيدي وعيون أهل مملكتي ووجههم وأشرافهم إذ فضحت نفسك وضيعت أهلك ومالك واتبعت أهل البطالة والخسارة حتى صرت ضحكة ومثلا ، وقد كنت أعددتك لمهم اموري ، والاستعانة بك على ما ينوبني ، فقال له : أيها الملك إن لم يكن لي عليك حق فلعقلك عليك حق ، فاستمع قولي بغير غضب ، ثم ائمر بما بدالك بعد الفهم والتثبيت ، فإن الغضب عدو العقل ، ولذلك يحول ما بين صاحبه وبين الفهم ، قال له الملك : قل ما بدالك .
قال الناسك : فإني أسألك أيها الملك أفي ذنبي على نفسي عتبت علي أم في ذنب مني إليك سالف ؟ .
قال الملك : إن ذنبك إلى نفسك أعظم الذنوب عندي ، وليس كلما أراد رجل من رعيتي أن يهلك نفسه أخلي بينه وبين ذلك ، ولكني أعد إهلاكه لنفسه كإهلاكه لغيره ممن أنا وليه والحاكم عليه وله ، فأنا أحكم عليك لنفسك وآخذ لها منك إذ ضيعت أنت ذلك ، فقال له الناسك : أراك أيها الملك لا تأخذني إلا بحجة ولا نفاذ لحجة إلا عند قاض ، وليس عليك من الناس قاض ، لكن عندك قضاة وأنت لاحكامهم منفذ ، وأنا ببعضهم راض ، ومن بعضهم مشفق .
قال الملك : وما أولئك القضاة ، قال : أما الذي أرضى قضاءه فعقلك ، وأما الذي أنا مشفق منه فهواك ، قال الملك : قل ما بدالك وأصدقني خبرك ومتى كان هذا رأيك ؟ ومن أغواك ؟ قال : أما خبري فإني كنت سمعت كلمة في حداثة سني وقعت في قلبي فصارت كالحبة المزروعة ثم لم تزل تنمي حتى صارت شجرة إلى ما ترى ، وذلك ؟ أني كنت قد سمعت قائلا يقول : يحسب الجاهل الامر الذي هو لا شئ شيئا والامر الذي هو الشئ لا شئ ، ومن لم يرفض الامر الذي هو لا شئ لم ينل الامر الذي هو شئ ، ومن لم يبصر الامر الذي هو الشئ لم تطب نفسه برفض الامر الذي هو لا شئ ، والشئ هو الاخرة ، ولا شئ هو الدنيا ، فكان لهذه الكلمة عندي قرار لاني وجدت الدنيا حياتها موتا وغناها فقرا ، وفرحها ترحا ، وصحتها سقما ، و قوتها ضعفا ، وعزها ذلا ، وكيف لا تكون حياتها موتا ، وإنما يحيى فيها صاحبها ليموت ، وهو من الموت على يقين ، ومن الحياة على قلعة ، وكيف لا يكون غناؤها فقرا وليس اصيب أحد منها شيئا إلا احتاج لذلك الشئ إلى شئ آخر يصلحه و إلى أشياء لا بدله منها .ومثل ذلك أن الرجل ربما يحتاج إلى دابة فإذا أصابها احتاج إلى علفها وقيمها ومربطها وأدواتها ، ثم احتاج لكل شئ من ذلك إلى شئ آخر يصلحه ، وإلى أشياء لا بدله منها ، فمتى تنقضي حاجة من هو كذلك وفاقته ؟ وكيف لا يكون فرحها ترحا وهي مرصدة لكل من أصاب منها قرة أعين أن يرى من ذلك الامر بعينه أضعافه من الحزن ، إن رأى سرورا في ولده فما ينتظر من الاحزان في موته وسقمه وجايحة إن أصابته أعظم من سروره به ، وإن رأى السرور في مال فما يتخوف من التلف أن يدخل عليه أعظم من سروره بالمال ، فإذا كان الامر كذلك فأحق الناس بأن لا يتلبس بشئ منها من عرف هذا منها ، وكيف لا يكون صحتها سقما وإنما صحتها من أخلاطها وأصح أخلاطها وأقربها من الحياة الدم ، وأظهر ما يكون الانسان دما أخلق ما يكون صاحبه بموت الفجأة ، والذبحة والطاعون والاكلة والبرسام ، وكيف لا تكون قوتها ضعفا وإنما تجمع القوى فيها ما يضره ويوبقه ، وكيف لا يكون عزها ذلا ولم يرفيها عز قط إلا أورث أهلها ذلا طويلا ، غير أن أيام الغر قصيرة ، وأيام الذل طويلة ، فأحق الناس بذم الدنيا من بسطت له الدنيا فأصاب حاجته منها ، فهو يتوقع كل يوم وليلة وساعة وطرفة عين أن يعدى على ماله فيحتاج ، وعلى حميمه فيختطف ، وعلى جمعه فينهب ، وأن يؤتى بنيانه من القواعد فيهدم ، وأن يدب الموت إلى جسده فيستأصل ويفجع بكل ما هو به ضنين .


تابع~~~~~


توقيع : نسايم

يا باب الحوائــج حاجتي يمكــ
عليك اقسم بضلع الطاهرة امــكـ


إلهي أسئلك العفو والعافية

عافية الدنيا والأخرة
من مواضيع : نسايم 0 رائحة القهوة
0 فلكي يصف إمكانية رؤية قمرين بـ«كذبة أغسطس»
0 سحابة «سـوداء» أخفت برج سـاعة مكـة
0 بالورد والياسمين نرحب بالأخ العزيز الرادود علي حامد الكاظمي
0 الشاعر واثق العيساوي والملا باسم الكربلائي في قصيدة ماجينه

الصورة الرمزية نسايم
نسايم
شيعي حسيني
رقم العضوية : 18676
الإنتساب : Apr 2008
المشاركات : 7,218
بمعدل : 1.19 يوميا

نسايم غير متصل

 عرض البوم صور نسايم

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : نسايم المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 02-12-2009 الساعة : 05:00 AM




فأذم إليك أيها الملك الدنيا الاخذة ما تعطي ، والمورثة بعد ذلك التبعة ، السالبة لمن تكسو ، والمورثة بعد ذلك العرى ، المواضعة لمن ترفع ، والمورثة بعد ذلك الجزع ، التاركة لمن يعشقها ، والمورثة بعد ذلك الشقوة ، المغوية لمن أطاعها واغتر بها ، الغدارة بمن ائتمنها وركن إليها ، هي المركب القموص والصاحب الخؤون ، والطريق الزلق ، والمهبط المهوي ، هي المكرمة التي لا تكرم أحدا إلا أهانته ، المحبوبة التي لا تحب أحدا ، الملزومة التي لا تلزم أحدا ، يوفى لها وتغدر ، ويصدق لها وتكذب ، وينجز لها وتخلف ، هي المعوجة لمن استقام بها ، المتلاعبة بمن استمكنت منه ، بينا هي تطعمه إذ حولته مأكولا ، وبيناهي تخدمه إذ جعلته خادما ، وبيناهي تضحكه إذ ضحكت منه ، وبيناهي تشتمه إذ شتمت منه وبيناهي تبكيه إذا بكت عليه ، وبيناهي قد بسطت يده بالعطية إذ بسطتها بالمسألة ، وبيناهو فيها عزيز إذ أذلته ، وبيناهو فيها مكرم إذ أهانته ، وبيناهو فيها معظم إذ صار محقورا ، وبيناهو فيها رفيع إذ وضعته ، وبيناهي له مطيعة إذ عصته ، وبينا هو فيها مسرور إذ أخزنته ، وبينا هو فيها شبعان إذ أجاعته ، وبينا هو فيها حي إذ أماتته .
فأف لها من دار إذ كان هذا فعالها ، وهذه صفتها ، تضع التاج على رأسه غدوة وتعفر خده بالتراب عشية ، وتجعلها في الاغلال غدوة [ تحلى الايدي بأسوره الذهب عشية ، وتجعلها في الاغلال غدوة - خ ل ] وتقعد الرجل على السرير غدوة ، وترمي به في السجن عشية ، تفرش له الديباج عشية ، وتفرش له التراب غدوة ، وتجمع له الملاهي والمعازف غدوة ، وتجمع عليه النوائح والنوادب عشية تحبب إلى أهله قربه عشية وتحبب إليهم بعده غدوة ، تطيب ريحه غدوة وتنتن ريحه عشية ، فهو متوقع لسطواتها ، غير ناج من فتنتها وبلائها ، تمتع نفسه من أحاديثها وعينه من أعاجيبها ، ويده مملؤة من جمعها ، ثم تصبح الكف صفرا ، والعين هامدة ، ذهب ما ذهب ، وهوى ما هوى ، وبادماباد ، وهلك ما هلك ، تجد في كل من كل خلفا ، وترضى بكل من كل بدلا ، تسكن دار كل قرن قرنا ، وتطعم سؤر كل قوم قوما ، تقعد الاراذل مكان الافاضل ، والعجزة مكان الحزمة تنقل أقواما من الجدب إلى الخصب ، ومن الرجلة إلى المركب ومن البؤس إلى النعمة ، ومن الشدة إلى الرخاء ، ومن الشقاء إلى الخفض والدعة ، حتى إذا غمستهم في ذلك انقلبت بهم فسلبتهم الخصب ، ونزعت منهم القوة ، فعادوا إلى أبأس البؤس ، وأفقر الفقر ، وأجدب الجدب .فأما قولك أيها الملك في إضاعة الاهل وتركهم فإني لم أضيعهم ، ولم أتركهم ، بل وصلتهم وانقطعت إليهم ، ولكني كنت وأنا أنظر بعين مسحورة لا أعرف بها الاهل من الغرباء ، ولا الاعداء من الاولياء ، فلما انجلى عني السحر استبدلت بالعين المسحورة عينا صحيحة ، واستنبت الاعداء من الاولياء ، والاقرباء من الغرباء ، فإذا الذين كنت أعدهم أهلين وأصدقاء وإخوانا وخلطاء إنماهم سباع ضارية لا همة لهم إلا أن تأكلني وتأكل بي ، غير أن اختلاف منازلهم في ذلك على قدر القوة ، فمنهم كالاسد في شدة السورة ومنهم كالذئب في الغارة والنهبة ، ومنهم كالكلب في الهرير والبصبصة ، ومنهم كالثعلب في الحيلة والسرقة ، فالطرق واحدة والقلوب مختلفة .
فلو أنك أيها الملك في عظيم ما أنت فيه من ملكك ، وكثرة من تبعك من أهلك وجنودك وحاشيتك وأهل طاعتك ، نظرت في أمرك عرفت أنك وحيد فريد ، ليس معك أحد من جميع أهل الارض ، وذلك أنك قد عرفت أن عامة الامم عدو لك ، وأن هذه الامة التي اوتيت الملك عليها كثيرة الحسد من أهل العداوة والغش لك الذين هم أشد عداوة لك من السباع الضارية ، وأشد حنقا عليك من كل الامم الغريبة ، وإذا صرت إلى أهل طاعتك ومعرفتك وقرابتك وجدت لهم قوما يعملون عملا بأجر معلوم ، يحرصون مع ذلك أن ينقصوك من العمل فيزدادوك من الاجر ، وإذا صرت إلى أهل خاصتك وقرابتك صرت إلى قوم جعلت كدك وكدحك ومهنأك وكسبك لهم ، فأنت تؤدي إليهم كل يوم الضريبة ، وليس كلهم وإن وزعت بينهم جميع كدك عنك براض فإن أنت حبست عنهم ذلك فليس منهم البتة براض ، أفلا ترى أنك أيها الملك وحيد لا أهل لك ولا مال .
فأما أنا فإن لي أهلا ومالا وإخوانا وأخواتا وأولياء ، لا يأكلوني ، ولا يأكلون بي ، يحبوني واحبهم ، فلا يفقد الحب بيننا ، ينصحوني وأنصحهم فلا غش بيننا ، ويصدقوني واصدقهم فلا تكاذب بيننا ، ويوالوني واواليهم فلا عداوة بيننا ، ينصروني وأنصرهم فلا تخاذل بيننا ، يطلبون الخير الذي إن طلبته معهم لم يخافوا أن أغلبهم عليه أو أستأثر به دونهم ، فلا فساد بيننا ولا تحاسد ، يعملون لي وأعمل لهم باجور لا تنفد ولا يزال العمل قائما بيننا ، هم هداتي إن ضللت ، ونور بصري إن عميت ، وحصني إن اتيت ، ومجني أن رميت وأعواني إذا فزعت ، وقد تنز هنا عن البيوت والمخاني فلا يزيدها وتركنا الذخاير والمكاسب لاهل الدنيا فلا تكاثر بيننا ، ولا تباغى ، ولا تباغض ، ولا تفاسد ، ولا تحاسد ، ولا تقاطع ، فهؤلاء أهلي أيها الملك وإخواني وأقربائي وأحبائي ، أحببتهم وانقطعت إليهم ، وتركت الذين كنت أنظر إليهم بالعين المسحورة لما عرفتهم ، والتمست السلامة منهم .

تابع.....


توقيع : نسايم

يا باب الحوائــج حاجتي يمكــ
عليك اقسم بضلع الطاهرة امــكـ


إلهي أسئلك العفو والعافية

عافية الدنيا والأخرة
من مواضيع : نسايم 0 رائحة القهوة
0 فلكي يصف إمكانية رؤية قمرين بـ«كذبة أغسطس»
0 سحابة «سـوداء» أخفت برج سـاعة مكـة
0 بالورد والياسمين نرحب بالأخ العزيز الرادود علي حامد الكاظمي
0 الشاعر واثق العيساوي والملا باسم الكربلائي في قصيدة ماجينه

الصورة الرمزية نسايم
نسايم
شيعي حسيني
رقم العضوية : 18676
الإنتساب : Apr 2008
المشاركات : 7,218
بمعدل : 1.19 يوميا

نسايم غير متصل

 عرض البوم صور نسايم

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : نسايم المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 02-12-2009 الساعة : 05:01 AM



فهذه الدنيا أيها الملك التي أخبرتك أنها لا شئ فهذا نسبها وحسبها ومسيرها إلى ما قد سمعت ، قد رفضتها لما عرفتها ، وأبصرت الامر الذي هو الشئ فإن كنت تحب أيها الملك أن أصف لك ما أعرف عن أمر الاخرة التي هي الشئ فاستعد إلى السماع ، تسمع غير ما كنت تسمع به من الاشياء .
فلم يزده الملك عليه إلا أن قال له : كذبت لم تصب شيئا ، ولم تظفر إلا بالشقاء والعناء ، فاخرج ولا تقيمن في شئ من مملكتي ، فإنك فاسد مفسد .وولد للملك في تلك الايام بعد إياسه من الذكور غلام لم يرالناس مولودا مثله قط حسنا وجمالا وضياء ، فبلغ السرور من الملك مبلغا عظيما كاد يشرف منه على هلاك نفسه من الفرح ، وزعم أن الاوثان التي كان يعبدها هي التي وهبت له الغلام ، فقسم عامة ما كان في بيوت أمواله على بيوت أوثانه ، وأمر الناس بالاكل والشرب سنة وسمى الغلام يوذاسف ، وجمع العلماء والمنجمين لتقويم ميلاده ،
فرفع المنجمون إليه أنهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف والمنزلة مالا يبلغه أحد قط في أرض الهند ، واتفقوا على ذلك جميعا ، غير أن رجلا قال : ما أظن الشرف والمنزلة والفضل الذي وجدناه يبلغه هذا الغلام إلا شرف الاخرة ولا أحسبه إلا أن يكون إماما في الدين والنسك وذا فضيلة في درجات الاخرة لاني أرى الشرف الذي تبلغه ليس يشبه شيئا من شرف الدنيا وهو شبيه بشرف الاخرة .
فوقع ذلك القول من الملك موقعا كاد أن ينغصه سروره بالغلام ، وكان المنجم الذي أخبره بذلك من أوثق المنجمين في نفسه وأعلمهم وأصدقهم عنده ، وأمر الملك للغلام بمدينة فأخلاها وتخير له من الظؤرة والخدم كل ثقة وتقدم إليهم أن لا يذكر فيما بينهم موت ولا آخرة ولا حزن ولا مرض ولا فناء حتى تعتاد ذلك ألسنتهم وتنساه قلوبهم ، وأمرهم إذا بلغ الغلام أن لا ينطقوا عنده بذكر شئ مما يتخوفونه عليه خشية أن يقع في قلبه منه شئ فيكون ذلك داعية إلى اهتمامه بالدين والنسك ، وأن يتحفظوا ويتحرزوا من ذلك ، ويتفقد بعضهم من بعض ، وازداد الملك عند ذلك حنقا على النساك مخافة على ابنه .
وكان لذلك الملك وزير قد كفل أمره وحمل عنه مؤونة سلطانه ، وكان لا يخونه ولا يكذبه ولا يكتمه ، ولا يؤثر عليه ، ولا يتواني في شئ من علمه ، ولا يضيعه ، وكان الوزيز مع ذلك رجلا لطيفا طلقا معروفا بالخير يحبه الناس ويرضون به إلا أن أحباء الملك وأقربائه كانوا يحسدونه ، ويبغون عليه ، ويستثقلون بمكانه .
ثم إن الملك خرج ذات يوم إلى الصيد ومعه ذلك الوزيرر فأتى به في شعب من الشعاب على رجل قد أصابته زمانة شديدة في رجليه ، ملقى في أصل شجرة لا يستطيع براحا فسأله الوزير عن شأنه فأخبره أن السباع أصابته ، فرق له الوزير فقال له الرجل : ضمني إليك واحملني إلى منزلك فإنك تجد عندي منفعة فقال الوزير : إني لفاعل وإن لم أجد عندك منفعة ، ولكن يا هذا ما المنفعة التي تعدينها ، هل تعمل عملا أو تحسن شيئا ؟ فقال الرجل : نعم أنا أرتق الكلام فقال ، وكيف ترتق الكلام ؟ قال : إذا كان فيه فتق أرتقه حتى لا يجيئ من قبله فساد ، فلم ير الوزير قوله شيئا ، وأمر بحمله إلى منزله وأمر له بما يصلحه حتى إذ كان بعد ذلك احتال أحباء الملك للوزير وضربوا له الامور ظهرا وبطنافا جمع رأيهم على أن دسوا رجلا منهم إلى الملك ، فقال له : أيها الملك إن هذا الوزير يطمع في ملكك أن يغلب عليه عقبك من بعدك فهو يصانع الناس على ذلك ، ويعمل عليه دائبا ، فإن أردت أن تعلم صدق ذلك فأخبره أنه قد بدالك أن ترفض الملك وتلحق بالنساك ، فإنك سترى من فرحه بذلك ما تعرف به أمره ، وكان القوم قد عرفوا من الوزير رقة عند ذكر فناء الدنيا والموت ولينا للنساك وحبا لهم فعملوا فيه من الوجه الذي ظنوا أنهم يظفرون بحاجتهم منه ، فقال الملك : لئن هجمت منه على هذا لم أسأل عما سواه ، فلما أن دخل عليه الوزير قال له الملك : إنك قد عرفت حرصي على الدنيا وطلب الملك وإني ذكرت ما مضى من ذلك فلم أجد معي منه طائلا ، وقد عرفت أن الذى بقي منه كالذي مضى فإنه يوشك أن ينقضي ذلك كله بأجمعه فلا يصير في يدي منه شئ ، وأنا اريد أن أعمل في حال الاخرة عملا قويا على قدر ما كان من عملي في الدنيا وقد بدالي أن الحق بالنساك واخلي هذا العمل لاهله فما رأيك ؟ قال : فرق الوزير لذلك رقة شديدة حتى عرف الملك ذلك منه ، ثم قال : أيها الملك إن الباقي وإن كان عزيزا لاهل أن يطلب وإن الفاني وإن استمكنت منه لاهل أن يرفض ونعم الرأي رأيت ، وإني لارجو أن يجمع الله لك مع الدنيا شرف الاخرة ، قال : فكبر ذلك على الملك ووقع منه كل موقع ولم يبدله شيئا غير أن الوزير عرف الثقل في وجهه فانصرف إلى أهله كئيبا حزينا لا يدري من أين أتي ولا من دهاه ولا يدري ما دواء الملك فيما استنكر عليه فسهر لذلك عامة الليل ، ثم ذكر الرجل الذي زعم أنه يرتق الكلام فأرسل إليه فاتي به فقال له : إنك كنت ذكرت لي ذكرا من رتق الكلام فقال الرجل أجل فهل احتجت إلى شئ من ذلك ؟ فقال الوزير : نعم اخبرك أني صحبت هذا الملك قبل ملكه ومنذ صار ملكا فلم أستنكره فيما بيني وبينه قط لما يعرفه من نصيحتي وشفقتي وإيثاري إياه على نفسي وعلى جميع الناس ، حتى إذا كان هذا اليوم استنكرته استنكارا شديدا لا أظن خيرا عنده بعده ، فقال له الراتق : هل لذلك سبب أو علة ، قال الوزير : نعم دعاني أمس وقال لي كذا وكذا فقلت له كذا وكذا ، فقال : من ههنا جاء الفتق وأنا أرتقه إن شاء الله .
إعلم أن الملك قد ظن أنك تحب أن ينجلي هو عن ملكه وتخلفه أنت فيه فإذا كان عند الصبح فاطرح عنك ثيابك وحليتك وألبس أوضع ما تجده من ذي النساك واشهره ثم احلق رأسك وامض على وجهك إلى باب الملك فإن الملك سيدعو بك ويسألك عن الذي صنعت فقل له : هذا الذي دعوتني إليه ولا ينبغي لاحد أن يشير على صاحبه بشئ إلا واساه فيه وصبر عليه ، وما أظن الذي دعوتني إليه إلا خيرا مما نحن فيه ، فقم إذا بدالك ، ففعل الوزير ذلك فتخلى عن نفس الملك ما كان فيها عليه .
ثم أمر الملك بنفي النساك من جميع بلاده وتوعدهم بالقتل ، فجدوا في الهرب والاستخفاء ، ثم إن الملك خرج ذات يوم متصيدا فوقع بصره على شخصين من بعيد فأرسل إليهما فاتي بهما فاذا هما ناسكان فقال لهما : ما بالكما لن تخرجا من بلادي قالا : قد أتتنا رسلك ونحن على سبيل الخروج ، قال : ولم خرجتما راجلين ، قالا : لانا قوم ضعفاء ليس لنا دواب ولا زاد ولا نستطيع الخروج إلا بالتقصير ، قال الملك : إن من خاف الموت أسرع بغير دابة ، ولا زاد فقالا له : إنه لا نخاف الموت بل لا ننظر قرة عين في شئ من الاشياء إلا فيه .

تابع ....


توقيع : نسايم

يا باب الحوائــج حاجتي يمكــ
عليك اقسم بضلع الطاهرة امــكـ


إلهي أسئلك العفو والعافية

عافية الدنيا والأخرة
من مواضيع : نسايم 0 رائحة القهوة
0 فلكي يصف إمكانية رؤية قمرين بـ«كذبة أغسطس»
0 سحابة «سـوداء» أخفت برج سـاعة مكـة
0 بالورد والياسمين نرحب بالأخ العزيز الرادود علي حامد الكاظمي
0 الشاعر واثق العيساوي والملا باسم الكربلائي في قصيدة ماجينه

الصورة الرمزية نسايم
نسايم
شيعي حسيني
رقم العضوية : 18676
الإنتساب : Apr 2008
المشاركات : 7,218
بمعدل : 1.19 يوميا

نسايم غير متصل

 عرض البوم صور نسايم

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : نسايم المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 02-12-2009 الساعة : 05:02 AM




قال الملك : وكيف لا تخافان الموت وقد زعمتما أن رسلنا لما أتتكم وأنتم على سبيل الخروج أفليس هذا هو الهرب من الموت ؟ قالا : إن الهرب من الموت ليس من الفرق فلا تظن أنا فرقناك ولكنا هربنا من أن يعينك على أنفسنا ، فأسف الملك وأمر بهما أن يحرقا بالنار ، وأذن في أهل مملكته بأخذ النساك وتحريقهم بالنار فتجرد رؤساء عبدة الاوثان في طلبهم وأخذوا منهم بشرا كثيرا وأحرقوهم بالنار ، فمن ثم صار التحريق سنة باقية في أرض الهند ، وبقي في جميع تلك الارض قوم قليل من النساك كرهوا الخروج من البلاد ، واختاروا الغيبة والاستخفاء ليكونوا دعاة وهداة لمن وصلوا إلى كلامه .
فنبت ابن الملك أحسن نبات في جمسه وعقله وعلمه ورأيه ، ولكنه لم يؤخذ بشئ من الاداب إلا بما يحتاج إليه الملوك مما ليس فيه ذكر موت ولا زوال ولا فناء واوتى الغلام من العلم والحفظ شيئا كان عند الناس من العجائب ، وكان أبوه لا يدري أيفرح بما اوتي ابنه من ذلك أو يحزن له لما يتخوف عليه أن يدعوه ذلك إلى ما قيل فيه .
فلما فطن الغلام بحصرهم إياه في المدينة ومنعهم إياه من الخروج والنظر والاستماع وتحفظهم عليه ارتاب لذلك وسكت عنه وقال في نفسه هؤلاء أعلم بما يصلحني مني حتى إذا ازداد بالسن والتجربة علما قال : ما أرى لهؤلاء علي فضلا وما أنا بحقيق أن اقلدهم أمري ، فأراد أن يكلم أباه إذا دخل عليه ويسأله عن سبب حصره إياه ، ثم قال : ما هذا الامر إلا من قبله وما كان ليطلعني عليه ولكني حقيق أن ألتمس علم ذلك من حيث أرجو إدراكه ، وكان في خدمه رجل كان ألطفهم به وأرأفهم به ، وكان الغلام إليه مستأنسا فطمع الغلام في إصابة الخبر من قبل ذلك الرجل فازداد له ملاطفة وبه استيناسا ، ثم إن الغلام واضعه الكلام في بعض الليل باللين وأخبره أنه بمنزلة والده وأولى الناس به ، ثم أخذه بالترغيب والترهيب وقال له : إني لاظن هذا الملك سائر لي بعد والدي وأنت فيه سائر أحد رجلين إما أعظم الناس فيه منزلة وإما أسوء الناس حالا ، قال له الحاضن وبأي شئ أتخوف في ملكك سوء الحال قال : بأن تكتمني اليوم أمرا أفهمه غدا من غيرك ، فأنتقم منك بأشد ما أقدر عليك ، فعرف الحاضن منه الصدق وطمع منه في الوفاء فأفشى إليه خبره ، والذي قال المنجمون لابيه ، والذي حذر أبوه من ذلك ، فشكر له الغلام ذلك وأطبق عليه حتى إذا دخل عليه أبوه .قال : يا أبه إني وإن كنت صبيا فقد رأيت في نفسي واختلاف حالي أذكر من ذلك ما أذكر وأعرف بمالا أذكر منه ما أعرف وأنا أعرف أني لم أكن على هذا المثال وأنك لم تكن على هذه الحال ، ولا أنت كائن عليها إلى الابد وسيغيرك الدهر عن حالك هذه ، فلئن كنت أردت أن تخفي عني أمر الزوال فما خفي علي ذلك ، ولئن كنت حبستني عن الخروج وحلت بيني وبين الناس لكيلا تتوق نفسي إلى غير ما أنا فيه لقد تركتني بحصرك إياي ، وإن نفسي لقلقة مما تحول بيني وبينه حتى مالي هم غيره ، ولا أردت سواه ، حتى لا يطمئن قلبي إلى شئ مما أنا فيه ولا أنتفع به ولا آلفه ، فخل عني وأعلمني بما تكره من ذلك وتحذره حتى أجتنبه وأوثر موافقتك ورضاك على ما سواهما .
فلما سمع الملك ذلك من ابنه على أنه قد علم ما الذي يكرهه وأنه من حبسه وحصره لا يزيده إلا إغراء وحرصا على ما يحال بينه وبينه ، فقال : يا بني ما أردت بحصري إياك إلا أن انحي عنك الاذى ، فلا ترى إلا ما يوافقك ولا تسمع إلا ما يسرك ، فأما إذا كان هواك في غير ذلك فإن آثر الاشياء عندي ما رضيت وهويت .
ثم أمر الملك أصحابه أن يركبوه في أحسن زينة وأن ينحوا عن طريقه كل منظر قبيح ، وأن يعدوا له المعازف والملاهي ففعلوا ذلك ، فجعل بعد ركبته تلك يكثر الركوب ، فمر ذات يوم على طريق قد غفلوا عنه فأتى على رجلين من السؤال أحدهما قد تورم وذهب لحمه ، واصفر جلده ، وذهب ماء وجهه ، وسمج منظره ، والاخر أعمى يقوده قائد ، فلما رأى ذلك اقشعر منهما وسألل عنهما فقيل له : إن هذا المورم من سقم باطن ، وهذا الاعمى من زمانة ، فقال ابن الملك : وإن هذا البلاء ليصيب غير واحد ؟ قالوا : نعم فقال : هل يأمن أحد من نفسه أن يصيبه مثل هذا ؟ قالوا : لا ، وانصرف يومئذ مهموما ثقيلا محزونا باكيا مستخفا بما هو فيه من ملكه وملك أبيه فلبث بذلك أياما .
ثم ركب ركبة فأتى في مسيره على شيخ كبير قد انحنى من الكبر ، وتبدل خلقه ، وابيض شعره ، واسود لونه ، وتقلص جلده ، وقصر خطوه فعجب منه وسأل عنه ، فقالوا : هذا الهرم ، فقال : وفي كم يبلغ الرجل ما أرى ؟ قالوا : في مائة سنة أو نحو ذلك ، وقال : فما وراء ذلك ؟ قالوا : الموت ، قال : فما يخلى بين الرجل وبين ما يريد من المدة ؟ قالوا : لا وليصيرن إلى هذا في قليل من الايام ، فقال : الشهر ثلاثون يوما والسنة اثنا عشر شهرا وانقضاء العمر مائة سنة فما أسرع اليوم في الشهر ، وما أسرع الشهر في السنة ، وما أسرع السنة في العمر فانصرف الغلام ، وهذا كلامه يبديه ويعيده مكررا له .
ثم سهر ليلته كلها وكان له قلب حي ذكي وعقل لا يستطيع معه نسيانا ولا غفلة ، فعلاه الحزن والاهتمام فانصرف نفسه عن الدنيا وشهواتها وكان في ذلك يداري أباه ويتلطف عنده وهو مع ذلك قد أصغى بسمعه إلى كل متكلم بكلمة طمع أن يسمع شيئا يدله على غير ما هو فيه ، وخلا بحاضنه الذي كان أفضى إليه بسره ، فقال له : هل تعرف من الناس أحدا شأنه غير شأننا ، قال : نعم قد كان قوم يقال لهم : النساك ، رفضوا الدنيا وطلبوا الاخرة ، ولهم كلام ، وعلم لا يدرى ما هو ، غير أن الناس عادوهم وأبغضوهم وحرقوهم ونفاهم الملك عن هذه الارض ، فلا يعلم اليوم ببلادنا منهم أحد فإنهم قد غيبوا أشخاصهم ينتظرون الفرج ، وهذه سنة في أولياء الله قديمة يتعاطونها في دول الباطل ، فاغتص لذلك الخبر فؤاده ، وطال به اهتمامه ، وصار كالرجل الملتمس ضالته التي لا بدله منها ، وذاع خبره في آفاق الارض وشهر بتفكره وجماله وكماله وفهمه وعقله وزهادته في الدنيا وهوانها عليه .
فبلغ ذلك رجلا من النساك يقال له : بلوهر ، بأرض يقال لها : سرانديب ، وكان رجلا ناسكا حكيما فركب البحر حتى أتى أرض سولابط ، ثم عمد إلى باب ابن الملك فلزمه وطرح عنه زي النساك ولبس زي التجار وتردد إلى باب ابن الملك حتى عرف الاهل والاحباء والداخلين إليه ، فلما استبان له لطف الحاضن بابن الملك ، وحسن منزلته منه أطاف به بلوهر حتى أصاب منه خلوة ، فقال له : إني رجل من تجار سرانديب ، قدمت منذ أيام ، ومعي سلعة عظيمة نفيسة الثمن ، عظيمة القدر ، فأردت الثقة لنفسي فعليك وقع اختياري ، وسلعتي خير من الكبريت الاحمر ، وهي تبصر العميان ، وتسمع الصم ، وتداوي من الاسقام ، وتقوي من الضعف ، وتعصم من الجنون ، وتنصر على العدو ، ولم أر بهذا أحدا هو أحق بها من هذا الفتى فإن رأيت أن تذكر له ذلك ذكرته فان كان له فيها حاجة ادخلتني عليه ، فإنه لم يخف عنه فضل سلعتي لو قد نظر إليها ، قال الحاضن : للحكيم إنك لتقول شيئا ما سمعنا به من أحد قبلك ولا أرى بك بأسا وما مثلي يذكر مالا يدري به ما هو ، فأعرض علي سلعتك أنظر إليها فإن رأيت شيئا ينبغي لي أن أذكره ذكرته ، قال له
بلوهر : إني رجل طبيب وإني لارى في بصرك ضعفا فأخاف إن نظرت إلى سلعتي أن يلتمع بصرك ، ولكن ابن الملك صحيح البصر حدث السن ولست أخاف عليه أن ينظر إلى سلعتي فإن رأى ما يعجبه كانت له مبذولة على ما يحب ، وإن كان غير ذلك لم تدخل عليه مؤونة ولا منقصة ، وهذا أمر عظيم لا يسعك أن تحرمه إياه أو تطويه دونه ، فانطلق الحاضن إلى ابن الملك فأخبره خبر الرجل فحس قلب ابن الملك بأنه قد وجد حاجته ، فقال : عجل إدخال الرجل علي ليلا وليكن ذلك في سر وكتمان ، فإنه مثل هذا لا يتهاون به .فأمر الحاضن بلوهر بالتهيي ء للدخول عليه ، فحمل معه سفطا فيه كتب له ، فقال الحاضن : ما هذا السفط ؟ قال بلوهر : في هذا السفط سلعتي فاذا شئت فأدخلني عليه فانطلق به حتى أدخله عليه فلما دخل عليه بلوهر سلم عليه وحياه وأحسن ابن الملك إجابته ، وانصرف الحاضن ، وقعد الحكيم عند الملك فأول ما قال له بلوهر : رأيتك يا ابن الملك زدتني في التحية على ما تصنع بغلمانك وأشراف أهل بلادك ؟ قال ابن الملك : ذلك لعظيم ما رجوت عندك ، قال بلوهر : لئن فعلت ذلك بي فقد كان رجلا من الملوك في بعض الافاق يعرف بالخير ويرجى فبينا هو يسير يوما في موكبه إذ عرض له في مسيره رجلان ماشيان ، لباسهما الخلقان ، وعليهما أثر البؤس والضر ، فلما نظر إليهما الملك لم يتمالك أن وقع على الارض فحياهما وصافحهما ، فلما رأى ذلك وزراؤه اشتد جزعهم مما صنع الملك فأتوا أخا له وكان جريا عليه فقالوا : إن الملك أزرى بنفسه ، وفضح أهل مملكته ، وخر عن دابته لانسانين دنيين ، فعاتبه على ذلك كيلا يعود ، ولمه على ما صنع ، ففعل ذلك أخ الملك فأجابه الملك بجواب لا يدري ما حاله فيه أساخط عليه الملك أم راض عنه ، فانصرف إلى منزله حتى إذا كان بعد أيام أمر الملك مناديا وكان يسمى منادي الموت فنادى في فناء داره ، وكانت تلك سنتهم فيمن أرادوا قتله ، فقامت النوائح والنوادب في دار أخ الملك ولبس ثياب الموتى وانتهى إلى باب الملك وهو يبكي بكاء شديدا ونتف شعره ، فلما بلغ ذلك الملك دعابه ، فلما أذن له الملك دخل
عليه ووقع على الارض ونادى بالويل والثبور ورفع يده بالتضرع فقال له الملك : اقترب أيها السفيه أنت تجزع من مناد نادى من بابك بأمر مخلوق وليس بأمر خالق ، وأنا أخوك وقد تعلم أنه ليس لك إلي ذنب أقتلك عليه ، ثم أنتم تلومونني على وقوعي إلى الارض حين نظرت إلى منادي ربي إلي وأنا أعرف منكم بذنوني ، فاذهب فإني قد علمت أنه إنما استغرك وزرائي وسيعلمون خطأهم .
ثم أمر الملك بأربعه توابيت فصنعت له من خشب فطلا تابوتين منها بالذهب وتابوتين بالقار ، فلما فرغ منها ملا تابوتي القار ذهبا وياقوتا وزبر جدا وملا تابوتي الذهب جيفا ودما وعذرة وشعرا ، ثم جمع الوزراء والاشراف الذين ظن أنهم أنكروا صنيعه بالرجلين الضعيفين الناسكين فعرض عليهم التوابيت الاربعة وأمرهم بتقويمها ، فقالوا : أما في ظاهر الامر وما رأينا ومبلغ علمنا فإن تابوتي الذهب لاثمن لهما لفضلهما وتابوتي القار لا ثمن لهما لرذالتهما ، فقال الملك : أجل هذا لعلمكم بالاشياء ومبلغ رأيكم فيها ، ثم أمر بتابوتي القار فنزعت عنهما صفايحهما فأضاء البيت بما فيها من الجواهر فقال : هذا مثل الرجلين الذين ازدريتم لباسهما وظاهرهما وهما مملو ان علما وحكمة وصدقا وبرا وسائر مناقب الخير الذي هو أفضل من الياقوت واللؤلؤ والجوهر والذهب .
ثم أمر بتابوتي الذهب فنزع عنهما أبوابهما فاقشعر القوم من سوء منظرهما وتاذوا بريحهما ونتنهما ، فقال الملك وهذان مثل القوم المتزينين بظاهر الكسوة واللباس وأجوافهما مملوة جهالة وعمى وكذبا وجورا وسائر أنواع الشر التي هي أفضع وأشنع وأقذر من الجيف .
قال القوم : قد فقهنا واتعظنا أيها الملك .
ثم قال بلوهر : هذا مثلك يا ابن الملك فيما تلقيتني به من التحية والبشر فانتصب يوذاسف ابن الملك وكان متكئا ، ثم قال : زذني مثلا قال الحكيم : إن الزارع خرج ببذره الطيب ليبذره ، فلما ملا كفه ونثره وقع بعضه على حافة الطريق فلم يلبثان أن التقطه الطير ووقع بعضه على صفاة قد أصابها ندى وطين ، فمكث حتى اهتز .
فلما صارت عروقه إلى يبس الصفاة مات ويبس ، ووقع بعضه بأرض ذات شوك فنبت حتى سنبل ، وكاد أن يثمر فمنعه الشوك فأبطله ، وأما ما كان منه وقع في الارض الطيبة وإن كان قليلا فإنه سلم وطاب وزكى ، فالزارع حامل الحكمة ، وأما البذر ففنون الكلام ، وأما ما وقع منه على حافة الطريق فالتقطه الطير فمالا يجاوز السمع منه حتى يمر صفحا ، وأما ماوقع على الصخرة في الندى فيبس حين بلغت عروقه الصفاة فما استحلاه صاحبه حتى سمعه بفراغ قلبه وعرفه بفهمه ولم يفقه بحصافة ولايته ، وأما ما نبت منه وكاد أن يثمر فمنعه الشوك فأهلكه فماوعاه صاحبه حتى إذا كان عند العمل به حفته الشهوات فأهلكته ، وأما مازكي وطاب وسلم منه وانتفع به رآه البصر ووعاه الحفظ ، وأنفذه العزم بقمع الشهوات وتطهير القلوب من دنسها .
قال ابن الملك : إني أرجو أن يكون ما تبذره أيها الحكيم ما يزكو ويسلم ويطيب فاضرب لي مثل الدنيا وغرور أهلها بها .
قال بلوهر : بلغنا أن رجلا حمل عليه فيل مغتلم فانطلق موليا هاربا وأتبعه الفيل حتى غشيه فاضطره إلى بئر فتدلى فيها وتعلق بغصنين نابتين على شفير البئر ووقعت قدماه على رؤوس حيات ، فلما تبين له الغصنين فإذا في أصلهما جرذان يقرضان الغصنين أحدهما أبيض والاخر أسود ، فلما نظر إلى تحت قدميه ، فإذا رؤس أربع أفاع قد طلعن من جحرهن ، فلما نظر إلى قعر البئر إذا بتنين فاغرفاه (نحوه يريد التقامه ، فلما رفع رأسه إلى أعلا الغصنين إذا عليهما شي ء من عسل النحل فتطعم من ذلك العسل فألهاه ما طعم منه ، وما نال من لذة العسل وحلاوته عن الفكر في أمر الافاعي اللواتي لا يدري متى يبادرنه وألهاه عن التنين الذي لا يدري كيف مصيره بعد وقوعه في لهواته .
أما البئر فالدنيا مملوة آفات وبلايا وشرور ، وأما الغصنان فالعمر ، وأما الجرذان فالليل والنهار يسرعان في الاجل ، وأما الافاعي الاربعة فالاخلاط الاربعة التي هي السموم القاتلة من المرة والبلغم والريح والدم التي لا يدري صاحبها متى تهيج به ، وأما التنين الفاغرفاه ليلتقمه فالموت الراصد الطالب ، وأما العسل الذي اغتر به المغرور فما ينال الناس من لذة الدنيا وشهواتها ونعيمها ودعتها من لذة المطعم والمشرب والشم واللمس والسمع والبصر .
قال ابن الملك : إن هذا المثل عجيب وأن هذا التشبيه حق ، فزدني مثلا للدنيا وصاحبها المغرور بها المتهاون بما ينفعه فيها ؟ قال بلوهر ، زعموا أن رجلا كان له ثلاثة قرناء ، وكان قد آثر أحدهم على الناس جميعا ، ويركب الاهوال والاخطار بسببه ويغرر بنفسه له ، ويشغل ليله ونهاره في حاجته ، وكان القرين الثاني دون الاول منزلة وهو على ذلك حبيب إليه مشفق عنده ، ويكرمه ويلاطفه ويخدمه ويطيعه ويبذل له ولا يغفل عنه ، وكان القرين الثالث محقورا مستثقلا ، ليس له من وده وماله إلا أقله حتى إذا نزل بالرجل الامر الذي يحتاج فيه إلى قرنائه الثلاثة ، فأتاه جلاوزة الملك ليذهبوا به ففزع إلى قرينه الاول فقال له : قد عرفت إيثاري إياك وبذل نفسي لك ، وهذا اليوم يوم حاجتي إليك فماذا عندك ؟ قال : ما أنا لك بصاحب وإن لي أصحابا يشغلوني عنك ، هم اليوم أولى بي منك ولكن لعلي ازودك ثوبين لتنتفع بهما .
ثم فزع إلى قرينه الثاني ذي المحبة واللطف ، فقال له : قد عرفت كرامتي إياك ولطفي بك وحرصي على مسرتك ، وهذا يوم حاجتي إليك فماذا عندك ؟ فقال : إن أمر نفسي يشغلني عنك وعن أمرك ، فاعمد لشأنك ، واعلم أنه قد انقطع الذي بيني وبينك وأن طريقي غير طريقك إلا أني لعلي أخطومعك خطوات يسيرة لا تنتفع بها ، ثم أنصرف إلى ماهو أهم إلي منك .ثم فزع إلى قرينه الثالث الذي كان يحقره ويعصيه ولا يلتفت إليه أيام رخائه فقال له : إني منك لمستح ولكن الحاجة اضطرتني إليك فماذا لي عندك ؟ قال : لك عندي المواساة ، والمحافظة عليك ، وقلة الغفلة عنك ، فابشر وقر عينا فإني صاحبك الذي لا يخذلك ولا يسلمك ، فلا يهمك قلة ما أسلفتني واصطنعت إلي ، فإني قد كنت أحفظ لك ذلك وأوفره عليك كله ، ثم لم أرض لك بعد ذلك به حتى اتجرت لك به فربحت أرباحا كثيرة ، فلك اليوم عندي من ذلك أضعاف ما وضعت عندي منه فأبشر ، وإني أرجو أن يكون في ذلك رضي الملك عنك اليوم وفرجا مما أنت فيه .
فقال الرجل عند ذلك : ما أدري على أي الامرين أنا أشد حسرة عليه على ما فرطت في القرين الصالح أم على ما اجتهدت فيه من المحبة لقرين السوء ؟ .
قال بلوهر : فالقرين الاول هو المال والقرين الثاني هو الاهل والولد ، والقرين الثالث هو العمل الصالح .
قال ابن الملك : إن هذا هو الحق المبين فزدني مثلا للدنيا وغرورها و صاحبها المغرور بها ، المطمئن إليها .
قال بلوهر : كان أهل مدينة يأتون الرجل الغريب الجاهل بأمرهم فيملكونه عليهم سنة فلا يشك أن ملكه دائم عليهم لجهالته بهم فإذا انقضت السنة أخرجوه من مدينتهم عريانا مجردا سليبا ، فيقع في بلاء وشقاء لم يحدث به نفسه ، فصار ما مضى عليه من ملكه وبالا وحزنا ومصيبة وأذى ، ثم إن أهل المدينة أخذوا رجلا آخر فملكوه عليهم فلما رأى الرجل غربته فيهم لم يستأنس بهم وطلب رجلا من أهل أرضه خبيرا بأمرهم حتى وجده فأفضى إليه بسر القوم وأشار إليه أن ينظر إلى الاموال التي في يديه فيخرج منها ما استطاع الاول فالاول حتى يحرزه في المكان الذي يخرجونه إليه فإذا أخرجه القوم صار إلى الكفاية والسعة بما قدم وأحرز ، ففعل ما قال له الرجل ولم يضيع وصيته .
قال بلوهر : وإني لارجو أن تكون ذلك الرجل يا ابن الملك الذي لم يستأنس بالغرباء ولم يغتر بالسلطان ، وأنا الرجل الذي طلبت ولك عندي الدلالة والمعرفة والمعونة .
قال ابن الملك : صدقت أيها الحكيم أنا ذلك الرجل وأنت ذلك الرجل وأنت طلبتي التي كنت طلبتها فصف لي أمر الاخرة تاما ، فأما الدنيا فلعمري لقد صدقت ولقد رأيت منها ما يدلني على فنائها ويزهدني فيها ، ولم يزل أمرها حقيرا عندي .
قال بلوهر : إن الزهادة في الدنيا يا ابن الملك مفتاح الرغبة إلى الاخرة ، ومن طلب الاخرة فأصاب بابها دخل ملكوتها وكيف لا تزهد في الدنيا وقد آتاك الله من العقل ما آتاك ، وقد ترى أن الدنيا كلها وإن كثرت إنما يجمعها أهلها لهذه الاجساد الفانية ، والجسد لاقوام له ، ولا امتناع به ، فالحر يذيبه ، والبرد يجمده ، والسموم يتخلله ، والماء يغرقه ، والشمس تحرقه ، والهواء يسقمه ، والسباع يفترسه ، والطير تنقره ، والحديد يقطعه ، والصدم يحطمه ، ثم هو معجون بطينة من ألوان الاسقام والاوجاع والامراض ، فهو مرتهن بها ، مترقب لها ، وجل منها ، غير طامع في السلامة منها ، ثم هو مقارن الافات السبع التي لا يتخلص منها ذوجسد وهي الجوع والظمأ والحر والبرد والوجع والخوف والموت .
فأما ما سألت منه من الامر الاخرة ، فإني أرجو أن تجد ما تحسبه بعيدا قريبا ، وما كنت تحسبه عسيرا يسيرا ، وما كنت تحسبه قليلا كثيرا .
قال ابن الملك : أيها الحكيم أرأيت القوم الذين كان والدي حرقهم بالنار ونفاهم أهم أصحابك ؟ فقال : نعم ، قال : فإنه بلغني أن الناس اجتمعوا على عداوتهم وسوء الثناء عليهم ، قال بلوهر : نعم قد كان ذلك ، قال : فما سبب ذلك أيها الحكيم ؟ قال بلوهر : أما قولك يا ابن الملك في سوء الثناء عليهم فما عسى أن يقولون فيمن يصدق ولا يكذب ، ويعلم ولا يجهل ، ويكف ولا يؤذي ، ويصلي ولا ينام ، ويصوم ولا يفطر ، ويبتلى فيصبر ، ويتفكر فيعتبر ، ويطيب نفسه عن الاموال والاهلين ، ولا يخافهم الناس على أموالهم وأهليهم .

قال ابن الملك : فكيف اتفق الناس على عداوتهم وهم فيما بينهم مختلفون ؟ قال بلوهر : مثلهم في ذلك مثل كلاب اجتمعوا على جيفة تنهشها ويهار بعضها بعضا ، مختلفة الالوان والاجناس فبينا هي تقبل على الجيفة ازدنى رجل منهم فترك بعضهن بعضا وأقبلن على الرجل فيهرن عليه جميعا معاويات عليه وليس للرجل في جيفتهن حاجة ولا أراد أن ينازعهن فيها ، ولكن هن عرفن غربته منهن فاستوحشن منه واستأنس بعضهن ببعض وإن كن مختلفات متعاديات فيما بينهن من قبل أن يرد الرجل عليهن

.
تابع ~~


توقيع : نسايم

يا باب الحوائــج حاجتي يمكــ
عليك اقسم بضلع الطاهرة امــكـ


إلهي أسئلك العفو والعافية

عافية الدنيا والأخرة
من مواضيع : نسايم 0 رائحة القهوة
0 فلكي يصف إمكانية رؤية قمرين بـ«كذبة أغسطس»
0 سحابة «سـوداء» أخفت برج سـاعة مكـة
0 بالورد والياسمين نرحب بالأخ العزيز الرادود علي حامد الكاظمي
0 الشاعر واثق العيساوي والملا باسم الكربلائي في قصيدة ماجينه

الصورة الرمزية نسايم
نسايم
شيعي حسيني
رقم العضوية : 18676
الإنتساب : Apr 2008
المشاركات : 7,218
بمعدل : 1.19 يوميا

نسايم غير متصل

 عرض البوم صور نسايم

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : نسايم المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 02-12-2009 الساعة : 05:03 AM



قال بلوهر : فمثل الجيفة متاع الدنيا ومثل صنوف الكلاب ضروب الرجال الذين يقتتلون على الدنيا ويهرقون دماءهم وينفقون لها أموالهم ، ومثل الرجل الذي اجتمعت عليه الكلاب ولا حاجة له في جيفهن كمثل صاحب الدين الذي رفض الدنيا وخرج منها ، فليس ينازع فيها أهلها ولا يمنع ذلك الناس من أن يعادونه لغربته عندهم ، فإن عجبت فاعجبت من الناس أنهم لا همة لهم إلا الدنيا وجمعها والتكاثر والتفاخر والتغالب عليها حتى إذا رأوا من قد تركها في أيديهم وتخلى عنها كانوا له أشد قتالا عليه وأشد حنقا منهم للذي يشاحهم عليها فأي حجة لله يا ابن الملك أدحض من تعاون المختلفين على من لا حجة لهم عليه ؟ قال ابن الملك أعمد لحاجتي ، قال بلوهر : إن الطبيب الرفيق إذ رأى الجسد قد أهلكته الاخلاط الفاسدة فأراد أن يقويه ويسمنه لم يغذه بالطعام الذي يكون منه اللحم والدم والقوة لانه يعلم أنه متى أدخل الطعام على الاخلاط الفاسدة أضر بالجسد ولم ينفعه ولم يقوه ، ولكن يبدأ بالادوية والحمية من الطعام ، فإذا أذهب من جسده الاخلاط الفاسدة أقبل عليه بما يصلحه من الطعام فحينئذ يجد طعم الطعام ويسمن ويقوي ويحمل الثقل بمشية الله عزوجل .
وقال ابن الملك أيها الحكيم : أخبرني ماذا تصيب من الطعام والشراب ؟ قال الحكيم : زعموا أن ملكا من الملوك كان عظيم الملك كثير الجند والاموال وأنه بداله أن يغزو ملكا آخر ليزداد ملكا إلى ملكه ومالا إلى ماله ، فسار إليه بالجنود والعدد والعدة ، والنساء والاولاد والاثقال ، فأقبلوا نحوه فظهروا عليه واستباحوا عسكره فهرب وساق امرأته وأولاده صغارا فألجأه الطلب عند المساء إلى أجمة على شاطئ النهر فدخلها مع أهله وولده وسيب دوابه مخافة أن تدل عليه بصهيلها فبأتوا في الاجمة وهم يسمعون وقع حوافر الخيل من كل جانب فأصبح الرجل لا يطيق براحا ، وأما النهر فلا يستطيع عبوره ، وأما الفضاء فلا يستطيع الخروج إليه لمكان العدو ، فهم في مكان ضيق قد أذاهم البرد وأهجرهم الخوف وطواهم الجوع ، وليس لهم طعام ولا معهم زاد ولا إدام ، وأولاده ضعار جياع يبكون من الضر الذي قد أصابهم فمكث بذلك يومين ، ثم إن أحد بنيه مات فألقوه في النهر فمكث بعد ذلك يوما آخر فقال الرجل لامرأته إنا مشرفون على الهلاك جميعا وإن بقي بعضنا وهلك بعضنا كان خيرا من أن نهلك جميعا وقد رأيت أن أعجل ذبح صبي من هؤلاء الصبيان فنجعله قوتا لنا ولاولادنا إلى أن يأتي الله عزوجل بالفرج فإن أخرنا ذلك هزل الصبيان حتى لا يشبع لحومهم وتضعف حتى لا نستطيع الحركة ان وجدنا إلى ذلك سبيلا ، وطاوعته امرأته فذبح بعض أولاده ووضعوه بينهم ينهشونه ، فما ظنك يا ابن الملك بذلك المضطر أأكل الكلب المستكثر يأكل ؟ أم أكل
المضطر المستقل ؟ قال ابن الملك : بل أكل المستقل ، قال الحكيم : كذلك أكلي وشربي يا ابن الملك في الدنيا .
فقال له ابن الملك : أرأيت هذا الذي تدعوني إليه أيها الحكيم أهو شئ نظر الناس فيه بعقولهم وألبابهم حتى اختاروه على ما سواه لانفسهم أم دعاهم الله إليه فأجابوا ، قال الحكيم : علا هذا الامر ولطف عن أن يكون من أهل الارض أو برأيهم دبروه ، ولو كان من أهل الارض لدعوا إلى عملها وزينتها وحفظها ودعتها ونعيمها ولذتها ولهوها ولعبها وشهواتها ، ولكنه أمر غريب ودعوة من الله عزوجل ساطعة ، وهدى مستقيم ناقض على أهل الدنيا أعمالهم ، مخالف لهم ، عائب عليهم ، وطاعن ناقل لهم عن أهوائهم ، داع لهم إلى طاعة ربهم ، وإن ذلك لبين لمن تنبه ، مكتوم عنده عن غير أهله حتى يظهر الله الحق بعد خفائه ويجعل كلمته العليا وكلمة الذين جهلوا السفلى .
قال ابن الملك صدقت أيها الحكيم .
ثم قال الحكيم : إن من الناس من تفكر قبل مجيئ الرسل عليهم السلام فأصاب ، ومنهم من دعته الرسل بعد مجيئها فأجاب وأنت يا ابن الملك ممن تفكر بعقله فأصاب .

قال ابن الملك : فهل تعلم أحدا من الناس يدعو إلي التزهيد في الدنيا غيركم ؟ قال الحكيم : أما في بلادكم هذه فلا وأما في سائر الامم ففيهم قوم ينتحلون الدين بألسنتهم ولم يستحقوه بأعمالهم ، فاختلف سبيلنا وسبيلهم ، قال ابن الملك : كيف صرتم أولى بالحق منهم وإنما أتاكم هذا الامر الغريب من حيث أتاهم ؟ قال الحكيم : الحق كله جاء من عندالله عزوجل وإنه تبارك وتعالى دعا العباد إليه فقبله قوم بحقه وشروطه حتى أدوه إلى أهله كما امروا ، لم يظلموا ولم يخطئوا ولم يضيعوا ، وقبله آخرون فلم يقوموا بحقه وشروطه ، ولم يؤدوه إلى أهله ، ولم يكن لهم فيه عزيمة ، ولا على العمل به نية ضمير ، فضيعوه واستثقلوه فالمضيع لا يكون مثل الحافظ ، والمفسد لا يكون كالمصلح ، والصابر لا يكون كالجازع ، فمن ههنا كنا نحن أحق به منهم وأولى .
ثم قال الحكيم : إنه ليس يجري على لسان أحد منهم من الدين والتزهيد والدعاء إلى الاخرة إلا وقد اخذ ذلك عن أصل الحق الذي عنه أخذنا ، ولكنه فرق بيننا وبينهم أحداثهم التي أحدثوا وابتغاؤهم الدنيا وإخلادهم إليها ، وذلك أن هذه الدعوة لم تزل تأتي وتظهر في الارض مع أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم في القرون الماضية على ألسنة مختلفة متفرقة ، وكان أهل دعوة الحق أمرهم مستقيم ، وطريقهم واضح ، ودعوتهم بينة ، لا فرقة فيهم ولا اختلاف ، فكانت الرسل عليهم السلام إذا بلغوا رسالات ربهم ، واحتجوا لله تبارك وتعالى على عباده بحجة وإقامة معالم الدين وأحكامه ، قبضهم الله عزوجل إليه عند انقضاء آجالهم ومنتهى مدتهم ، ومكثت الامة من الامم بعد نبيها برهة من دهرها لا تغير ولا تبدل ثم صار الناس بعد ذلك يحدثون الاحداث ويبتغون الشهوات ، ويضيعون العلم ، فكان العالم البالغ المستبصر منهم يخفى شخصه ولا يظهر علمه ، فيعرفونه باسمه ولا يهتدون إلى مكانه ولا يبقى منهم إلا الخسيس من أهل العلم ، يستخف به أهل الجهل والباطل ، فيخمل العلم ويظهر الجهل ، وتتناس القرون فلا يعرفون إلا الجهل ، ويزداد الجهال استعلاء وكثرة ، والعلماء خمولا وقلة ، فحولوا معالم الله تبارك وتعالى عن وجوهها ، وتركوا قصد سبيلها ، وهم مع ذلك مقرون بتنزيله ، متبعون شبهه ابتغاء تأويله ، متعلقون بصفته ، تاركون لحقيقته ، نابذون لاحكامه ، فكل صفة جاءت الرسل تدعوا إليها فنحن لهم موافقون في تلك الصفة ،
مخالفون لهم في أحكامهم وسيرتهم ، ولسنا نخالفهم في شئ إلا ولنا عليهم الحجة الواضحة والبينة العادلة من نعت ما في أيديهم من الكتب المنزلة من الله عزوجل فكل متكلم منهم يتكلم بشئ من الحكمة فهي لنا وهي بيننا وبينهم تشهد لنا عليهم بأنها توافق صفتنا وسيرتنا وحكمنا وتشهد عليهم بأنها مخالفة لسنتهم وأعمالهم ، فليسوا يعرفون من الكتاب إلا وصفه ، ولا من الذكر إلا اسمه ، فليسوا بأهل الكتاب حقيقة حتى يقيموه .
قال ابن الملك : فما بال الانبياء والرسل عليهم السلام يأتون في زمان دون رمان ؟ قال الحكيم : إنما مثل ذلك كمثل ملك كانت له أرض موات لا عمران فيها ، فلما أراد أن يقبل عليها بعمارته أرسل إليها رجلا جلدا أمينا ناصحا ، ثم أمره أن يعمر تلك الارض وأن يغرس فيها صنوف الشجر وأنواع الزرع ، ثم سمى له الملك ألوانا من الغرس معلومة ، وأنواعا من الزرع معروفة ، ثم أمره أن لا يعدو ما سمى له وأن لا يحدث فيها من قبله شيئا لم يكن أمره به سيده ، وأمره أن يخرج لها نهرا ويسد عليها حائطا ، ويمنعها من أن يفسدها مفسد ، فجاء الرسول الذي أرسله الملك إلى تلك الارض فأحياها بعد موتها وعمرها بعد خرابها ، وغرس فيها وزرع من الصنوف التي أمره بها ، ثم ساق نهر الماء إليها حتى نبت الغرس واتصل الزرع ، ثم لم يلبث قليلا حتى مات قيمها ، وأقام بعده من يقوم مقامه وخلف من بعده خلف خالفوا من أقامه القيم بعده وغلبوه على أمره ، فأخربوا العمران ، وطموا الانهار ، فيبس الغرس ، وهلك الزرع ، فلما بلغ الملك خلافهم على القيم بعد رسوله وخراب أرضه أرسل إليها رسولا آخر يحييها ويعيدها ويصلحها كما كانت في منزلتها الاولى ، وكذلك الانبياء والرسل عليهم السلام يبعث الله عزوجل الواحد بعد الواحد فيصلح أمر الناس بعد فساده .

قال ابن الملك أيخص الانبياء والرسل عليهم إذا جاءت بما يبعث به أم تعم ؟ .
قال بلوهر : إن الانبياء والرسل إذا جاءت تدعوا عامة الناس فمن أطاعهم كان منهم ، ومن عصاهم لم يكن منهم ، وما تخلو الارض قط من أن يكون لله عزوجل فيها مطاع من أنبيائه ورسله ومن أوصيائه ، وإنما مثل ذلك مثل طائر كان في ساحل البحر يقال له قدم
يبيض بيضا كثيرا وكان شديد الحب للفراخ وكثرتها ، وكان يأتي عليه زمان يتعذر عليه فيه ما يريده من ذلك ، فلا يجد بدا من اتخاذ أرض اخرى حتى يذهب ذلك الزمان فيأخذ بيضه مخافة عليه من أن يهلك من شفقته فيفرقه في أعشاش الطير فتحضن الطير بيضته مع بيضتها وتخرج فراخه مع فراخها ، فإذا طال مكث فراخ قدم مع فراخ الطير ألفها بعض فراخ الطير واستأنس بها فإذا كان الزمان الذي ينصرف فيه قدم إلى مكانه مر بأعشاش الطير وأو كارها بالليل فأسمع فراخه وغيرها صوته فإذا سمعت فراخه صوته تبعته وتبع فراخه ما كان ألفها من فراخ سائر الطير ولم يجبه ما لم يكن من فراخ ولا ما لم يكن ألف فراخه وكان قد يضم إليه من أجابه من فراخه حبا للفراخ ، و كذلك الانبياء إنما يستعرضون الناس جميعا بدعائهم فيجيبهم أهل الحكمة والعقل لمعرفتهم لفضل الحكمة ، فمثل الطير الذي دعا بصوته مثل الانبياء والرسل التي تعم الناس بدعائهم ، ومثل البيض المتفرق في أعشاش الطير مثل الحكمة ، ومثل سائر فراخ الطير التي ألفت فراخ قدم مثل من أجاب الحكماء قبل مجيئ الرسل ، لان الله عزوجل جعل لانبيائه ورسله من الفضل والرأي ما لم يجعل لغيرهم من الناس ، وأعطاهم من الحجج والنور والضياء ما لم يعط غيرهم ، وذلك لما يريد من بلوغ رسالته ومواقع حججه ، وكانت الرسل إذا جاءت وأظهرت دعوتها أجابهم من الناس أيضا من لم يكن أجاب الحكماء وذلك لما جعل الله عزوجل على دعوتهم من الضياء والبرهان .
قال ابن الملك : أفرأيت ما يأتي به الرسل والانبياء إذ زعمت أنه ليس بكلام الناس وكلام الله عزوجل وهو كلام وكلام ملائكته كلام ، قال الحكيم : أما رأيت الناس لما أرادوا أن يفهموا بعض الدواب والطير ما يريدون من تقدمها وتأخرها وإقبالها وإدبارها لم يجدوا الدواب والطير يحتمل كلامهم الذي هو كلامهم ، فوضعوا من النقر والصفير والرجز ما يبلغوا به حاجتهم وما عرفوا أنها تطيق حمله ، وكذلك العباد يعجزوا أن يعلموا كلام الله عزوجل وكلام ملائكته على كنهه وكماله ولطفه وصفته قصار ما تراجع الناس بينهم من الاصوات التي سمعوا بها الحكمة شبيها بما وضع الناس للدواب ، والطير ولم يمنع ذلك الصوت مكان الحكمة المخبرة في تلك الاصوات من أن تكون الحكمة واضحة بينهم ، قوية منيرة شريفة عظيمة ، ولم يمنعها من وقوع معانيها على مواقعها وبلوغ ما احتج به الله عزوجل على العباد فيها فكان الصوت للحكمة جسدا ومسكنا ، وكانت الحكمة للصوت نفسا وروحا ، ولا طاقة للناس أن ينفذوا غور كلام الحكمة ، ولا يحيطوا به بعقولهم ، فمن قبل ذلك تفاضلت العلماء في علمهم ، فلا يزال عالم يأخذ علمه من عالم حتى يرجع العلم إلى الله عزوجل الذي جاء من عنده ، وكذلك العلماء قد يصيبون من الحكمة والعلم ما ينجيهم من الجهل ، ولكن لكل ذي فضل فضله ، كما أن الناس ينالون من ضوء الشمس ما ينتفعون به في معائشهم وأبدانهم ولا يقدرون أن ينفذوها بأبصارهم فهي كالعين الغزيرة الظاهر مجراها المكنون عنصرها ، فالناس
قد يجيبون بما ظهر لهم من مائها ، ولا يدركون غورها وهي كالنجوم الزاهرة التي يهتدى بها الناس ، ولا يعلمون مساقطها ، فالحكمة أشرف وأرفع وأعظم مما وصفناها به كله ، هي مفتاح باب كل خير يرتجى ، والنجاة من كل شر يتقى ، وهي شراب الحياة التي من شرب منه لم يمت أبدا ، والشفاء للسقم الذي من استشفى به لم يسقم أبدا ، والطريق المستقيم الذي من سلكه لم يضل أبدا ، هي حبل الله المتين الذي لا يخلقه طول التكرار ، من تمسك به انجلى عنه العمى ، ومن اعتصم به فاز واهتدى ، وأخذ بالعروة الوثقى .
قال ، فما بال هذه الحكمة التي وصفت بما وصفت من الفضل والشرف والارتفاع والقوة والمنفعة والكمال والبرهان لا ينتفع بها الناس كلهم جميعا ؟ .
قال الحكيم : إنما مثل الحكمة كمثل الشمس الطالعة على جميع الناس الابيض والاسود منهم ، والصغير والكبير ، فمن أراد الانتفاع بها لم تمنعه ولم يحل بينه وبينها من أقربهم وأبعدهم ، ومن لم يرد الانتفاع بها فلا حجة له عليها ، ولا تمنع الشمس على الناس جميعا ، ولا يحول بين الناس وبين الانتفاع بها ، وكذلك الحكمة وحالها بين الناس إلى يوم القيامة ، والحكمة قد عمت الناس جميعا إلا أن الناس يتفاضلون في ذلك ، والشمس ظاهرة إذ طلعت على الابصار الناظرة فرقت بين الناس على ثلاثة منازل فمنهم الصحيح البصر الذي ينفعه الضوء ويقوي على النظر ، ومنهم الاعمى القريب من الضوء الذي لو طلعت عليه شمس أو شموس لم تغن عنه شيئا ، ومنهم المريض البصر الذي لا يعد في العميان ولا في أصحاب البصر ، كذلك الحكمة هي شمس القلوب إذا طلعت تفرق على ثلاث منازل : منزل لاهل البصر الذين يعقلون الحكمة فيكونون من أهلها ، ويعملون بها ، ومنزل لاهل العمى الذين تنبوا الحكمة عن قلوبهم لانكارهم الحكمة وتركهم قبولها كما ينبوضوء الشمس عن العميان ، ومنزلة لاهل مرض القلوب الذين يقصر علمهم ويضعف عملهم ويستوي فيهم السيئ والحسن ، والحق والباطل ، وإن أكثر من تطلع عليه الشمس وهي الحكمة ممن يعمى عنها .
قال ابن الملك : فهل يسع الرجل الحكمة فلا يجيب إليها حتى يلبث زمانا ناكبا عنها ، ثم يجيب ويراجعها ؟ قال بلوهر : نعم هذا أكثر حالات الناس في الحكمة .
قال ابن الملك : ترى والدي سمع شيئا من هذا الكلام قط ؟ قال بلوهر : لا أراه سمع سماعا صحيحا رسخ في قلبه ولا كلمه فيه ناصح شفيق .
قال ابن الملك : وكيف ترك ذلك الحكماء منه طول دهرهم ؟ قال بلوهر : تركوه لعلمهم بمواضع كلامهم ، فربما تركوا ذلك ممن هو أحسن إنصافا وألين عريكة ، وأحسن استماعا من أبيك حتى أن الرجل ليعاش الرجل طول عمره بينهما الاستيناس والمودة والمفاوضة ، ولا يفرق بينهما شئ إلا الدين والحكمة ،
وهو متفجع عليه ، متوجع له ، ثم لا يفضي إليه أسرار الحكمة إذ لم يره لها موضعا .
وقد بلغنا أن ملكا من الملوك كان عاقلا قريبا من الناس ، مصلحا لامورهم ، حسن النظر والنصاف لهم ، وكان له وزير صدق صالح يعينه على الاصلاح ويكفيه مؤونته ويشاوره في اموره ، وكان الوزير أديبا عاقلا ، له دين وورع ونزاهة على الدنيا ، وكان قد لقي أهل الدين ، وسمع كلامهم ، وعرف فضلهم ، فأجابهم وانقطع إليهم بإخائه ووده ، وكانت له من الملك منزلة حسنة وخاصة ، وكان الملك لا يكتمه شيئا من أمره ، وكان الوزير له أيضا بتلك المنزلة ، إلا أنه لم يكن ليطلعه على أمرالدين ، ولا يفاوضه أسرار الحكمة ، فعاشا بذلك زمانا طويلا ، وكان الوزير كلما دخل على الملك سجد الاصنام وعظمها وأخذ شيئا في طريق الجهالة والضلالة تقية له فأشفق الوزير على الملك من ذلك واهتم به واستشار في ذلك أصحابه وإخوانه ، فقالوا له : انظر لنفسك وأصحابك فإن رأيته موضعا للكلام فكلمه وفاوضه وإلا فإنك إنما تعينه على نفسك ، وتهيجه على أهل دينك ، فإن السلطان لا يغتر به ، ولا تؤمن سطوته ، فلم يزل الوزير على اهتمامه به مصافيا له ، رفيقا به رجاء أن يجد فرصة فينصحه أو يجد للكلام موضعا فيفاوضه ، وكان الملك مع ضلالته متواضعا سهلا قريبا ، حسن السيرة في رعيته ، حريصا على إصلاحهم ، متفقدا لامورهم ، فاصطحب الوزير الملك على هذا برهة من زمانه .
ثم إن الملك قال للوزير ذات ليلة من الليالي بعدما هدأت العيون : هل لك أن تركب فنسير في المدينة فننظر إلى حال الناس وآثار الامطار التي أصابتهم في هذه الايام ؟ فقال الوزير : نعم فركبا جميعا يجولان في نواحي المدينة فمرا في بعض الطريق على مزبلة تشبه الجبل ، فنظر الملك إلى ضوء النار تبدو في ناحية المزبلة ، فقال للوزير : إن لهذه النار لقصة فأنزل بنا نمشي حتى ندنو منها فنعلم خبرها ، ففعلا ذلك فلما انتهيا إلى مخرج الضوء وجدا نقبا شبيها بالغار ، وفيه مسكين من المساكين ثم نظرا في الغار من حيث لا يراهما الرجل فإذا الرجل مشوه الخلق ، عليه ثياب خلقان من خلقان المزبلة ، متكئ على متكاء قد هيأه من الزبل ، وبين يديه إبريق فخار ، فيه شراب وفي يده طنبور ، يضرب بيده وامرأته في مثل خلقه ولباسه قائمة بين يديه تسقيه إذا استسقى منها ، وترقص له إذا ضرب ، وتحييه بتحية الملوك ، كلما شرب وهو يسميها سيدة النساء ، وهما يصفان أنفسهما بالحسن والجمال وبينهما من السرور والضحك والطرب مالا يوصف ، فقام الملك على رجليه مليا والوزير ينظر كذلك ويتعجبان من لذتهما وإعجابهما بما هما فيه ، ثم انصرف الملك والوزير فقال الملك : ما أعلمني وإياك أصابنا الدهر من اللذة والسرور والفرح مثل ما أصاب هذين الليلة مع أني أظنهما يصنعان كل ليلة مثل هذا ، فاغتنم الوزير ذلك منه ، ووجد فرصة فقال له : أخاف أيها الملك أن يكون دنيانا هذه من الغرور ، ويكون ملكك وما نحن فيه من البهجة والسرور في أعين من يعرف الملكوت الدائم مثل هذه المزبلة ، ومثل هذين الشخصين اللذين رأيناهما ، وتكون مساكننا وما شيدنا منها عند من يرجو مساكن السعادة وثواب الاخرة مثل هذا الغار في أعيننا ، وتكون أجسادنا عند من يعرف الطهارة والنضارة والحسن والصحة مثل جسد هذه المشوه الخلق في أعيننا ، ويكون تعجبهم عن إعجابنا بما نحن فيه كتعجبنا من إعجاب هذين الشخصين بما هما فيه .
قال الملك وهل تعرف لهذه الصفة أهلا ؟ قال الوزير : نعم ، قال الملك : من هم ؟ قال الوزير : أهل الدين الذين عرفوا ملك الاخرة ونعيمها فطلبوه ، قال الملك : وما ملك الاخرة ؟ قال الوزير هو النعيم الذي لا بؤس بعده ، والغنى الذي لا فقر بعده ، والفرح الذي لا ترح بعده ، والصحة التي لا سقم بعدها ، والرضى الذي لا سخط بعده ، والامن الذي لا خوف بعده ، والحياة التي لا موت بعدها ، والملك الذي لا زوال له ، التي هي دار البقاء ودار الحيوان ، التي لا انقطاع لها ، ولا تغير فيها ، رفع الله عزوجل عن ساكنيها فيها السقم والهرم والشقاء والنصب والمرض والجوع والظمأ والموت ، فهذه صفة ملك الاخرة وخبرها أيها الملك .

قال الملك : وهل تدركون إلى هذه الدار مطلبا وإلى دخولها سبيلا ؟ قال الوزير : نعم هي مهيأة لمن طلبها من وجه مطلبها ، ومن أتاها من بابها ظفر بها ، قال الملك : ما منعك أن تخبرني بهذا قبل اليوم ؟ قال الوزير : منعني من ذلك إجلالك والهيبة لسلطانك ، قال الملك : لئن كان هذا الامر الذي وصفت يقينا فلا ينبغي لنا أن نضيعه ولا نترك العمل به في إصابته ، ولكنا نجتهد حتى يصح لنا خبره ، قال الوزير : أفتأمرني أيها الملك أن اواظب عليك في ذكره والتكرير له ؟ قال الملك : بل آمرك أن لا تقطع عني ليلا ولا نهارا ، ولا تريحني ولا تمسك عني ذكره فإن هذا أمر عجيب لا يتهاون به ، ولا يغفل عن مثله ، وكان سبيل ذلك الملك والوزير إلى النجاة .
قال ابن الملك : ما أنا بشاغل نفسي بشئ من هذه الامور عن هذا السبيل ولقد حدثت نفسي بالهرب معك في جوف الليل حيث بدالك أن تذهب .
قال بلوهر : وكيف تستطيع الذهاب معي والصبر على صحبتي وليس لي جحر يأويني ، ولا دابة تحملني ، ولا أملك ذهبا ولا فضة ، ولا أدخر غذاء العشاء ، ولا يكون عندي فضل ثوب ، ولا أستقر ببلدة إلا قليلا حتى أتحول عنها ولا أتزود من أرض إلى أرض اخرى رغيفا أبدا .
قال ابن الملك : إني أرجو أن يقويني الذي قواك ، قال بلوهر : أما إنك إن أبيت إلا صحبتي كنت خليقا أن تكون كالفتى الذي صاهر الفقير .
قال يوذاسف : وكيف كان ذلك ؟ قال بلوهر : زعموا أن فتى كان من أولاد الاغنياء فأراد أبوه أن يزوجه ابنة عم له ذات جمال ومال ، فلم يوافق ذلك الفتى ولم يطلع أباه على كراهته حتى خرج من عنده متوجها إلى أرض اخرى ، فمر في طريقه على جارية عليها ثياب خلقان لها ، قائمة على باب بيت من بيوت المساكين فأعجبته الجارية ، فقال لها : من أنت أيتها الجارية ؟ قالت : ابنة شيخ كبير في هذا البيت ، فنادى الفتى الشيخ فخرج إليه فقال له : هل تزوجني ابنتك هذه ؟ قال : ما أنت بمتزوج لبنات الفقراء وأنت فتى من الاغنياء ، قال : أعجبتني هذه الجارية ولقد خرجت هاربا من امرأة ذات حسب ومال أرادوا مني تزويجها ، فكرهتها فزوجني ابنتك فإنك واجد عندي خيرا إن شاء الله .






توقيع : نسايم

يا باب الحوائــج حاجتي يمكــ
عليك اقسم بضلع الطاهرة امــكـ


إلهي أسئلك العفو والعافية

عافية الدنيا والأخرة
من مواضيع : نسايم 0 رائحة القهوة
0 فلكي يصف إمكانية رؤية قمرين بـ«كذبة أغسطس»
0 سحابة «سـوداء» أخفت برج سـاعة مكـة
0 بالورد والياسمين نرحب بالأخ العزيز الرادود علي حامد الكاظمي
0 الشاعر واثق العيساوي والملا باسم الكربلائي في قصيدة ماجينه
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:50 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية