|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.83 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
أمثلة تقريبية لنزع الروح ..
بتاريخ : 16-11-2009 الساعة : 09:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
لا زالت حقيقة الموت أمراً خفياً يتعذّر الوصول إليه رغم تطوّر العلوم و انفتاحها على آفاق يصعب إحصاؤها, وما ذلك إلا لنكتة لم تعد خفية وهي كون حقيقة الموت تنتمي إلى عالم الغيب عالم ما وراء المادة فهي ليست مما ينالها الحس والتجربة ,إلا أنه من الممكن تصور هذه الحقيقة بمساعدة النقل والعقل .
وفي هذه السطور اليسيرة سنحاول تقريب الموقف بأمر حسّي وآخر روائي .
لو تصوّرنا الريموت (Remote) الذي يتم بواسطته التحكّم بجميع البرامج المنصوبة في ذاكرة جهاز التلفزيون، بل له القدرة على نصب برامج وقنوات جديدة بحسب القدرة المتاحة لجهاز الاستقبال، فهذا التصور سينفعنا في تقريب فكرة الموت.
فلنفترض أنّ المستعمِل لجهاز الريموت بمثابة ملك الموت، وانّ البرامج المنصوبة هي بمثابة الروح، وأمّا نفس الجهاز العارض ــ التلفزيون ــ بجميع أدواته هو البدن.
لو تصوّرنا ذلك فانّ مستعمل جهاز الريموت له القدرة على جذب البرنامج والقناة التي يطلبها بواسطة الريموت، فالإشارة منه هي بمثابة دعوة ملك الموت، وظهور المطلوب والمدعو هو بمثابة حصول الاستجابة لتلك الدعوة.
وهكذا الحال في صورة استلال الروح من البدن، فانّ ملك الموت يوجه دعوته فتستجيب الروح له اضطراراً, فلا تملك غير الاستجابة، كما أنّ تلك البرامج لا تملك من نفسها غير الاستجابة لإشارة الريموت المنطلقة بفعل الشخص المستعمِل له.
ويمكن تقريب وتصوير ذلك ببيان أخر له جذور روائية وإشارات معصومة، ننطلق منها بتأمّل ورويّة.
هناك جملة من الروايات تتحدّث عن أنّ الشخص الذي يحين موعده استيفاء روحه من قِبل ملك الموت يكون قد نفد كلّ ماله في الحياة الدنيا من طعام وشراب وهواء، كما هو الحال في قصة الكليم موسى (عليه السلام)، فقد روي (انّه لمّا أتاه أجله واستوفى مدّته وانقطع أكله أتاه ملك الموت ...)(1) ، وغير ذلك ممّّا يٌفيد هذا المعنى.
وعليه فانّ الروح التي من وظائفها إعمال البدن وإدارة شؤونه تحتاج إلى إمداد مستمر، ودون ذلك الإمداد سوف يفسُد الجسد فلا يمكنها بعدئذٍ البقاء فيه لحظة واحدة(2)، فإذا نفد ذلك المدد والمخزون الخاص بالعبد فانّ دعوة الموت سوف تأتيه مباشرة بلا فصل، أي: إنّ الروح سوف تطلب مكاناً أخر بعد عروض التلف والفساد على البدن، وحيث انّ تعلّقها في الحياة الدنيا منحصر في خصوص البدن الذي حلّت فيه فانّها سوف تضطرّ للذهاب إلى عالم ونشأة أخرى.
فانقطاع الهواء عنه ــ مثلاً ــ لنفاد رزقه سوف يعطي مُبرّراً للروح بالخروج إلى عالم ونشأة أخرى هي باطن هذا العالم المادي والذي يُسمى بالبرزخ.
وهذا يعني أنّ الروح ذاتها ليست بحاجة إلى ذلك الهواء أو الغذاء فانّها وجود مجرد غني عن المادة، وانّما أفعالها الإرادية للبدن سوف تتوقّف، لأنّ مادة البدن التي تضمن استمراره هو وجود الغذاء والهواء، وعند فقدان أو نفاد ذلك تجد النفس أو الروح ذاتها مضطرّة للخروج إلى عالم ونشأة اُخرى.
فعندما يدعوها ملك الموت تستجيب لذلك، فتكون دعوة ملك الموت لها تعبيراً آخر عن نفاد أرزاق ذلك البدن الذي يعتاش عليه.
وإذا كنا لا نفهم ذلك ولا نستوعبه فلسببين هما:
الأول: إننّا لم نتعرّض للموت مسبقاً لتكون الدنيا تجربة تؤيّد هذا المعنى، ونعني بذلك خصوص الموت الاضطراري، وأمّا الاختياري فعلى فرض حصوله فانّ دائرته محدودة جداّ، ولا نفهم سرّه ومغزاه.
الثاني: شدّة الانغماس في عالم المادة الظلمائي الذي يحجب عنّا الكشف أو الوقوف على تلك الحقائق.
وعلى أي حالٍ، فانّ ذلك الداعي موجود والدعوة منه قريبة ولو بعد حين، ولذا ينبغي بل يتعيّن على كلّ واحد منّا إعداد العدّة وتجهيز متاع السفر، فانّ الطريق طويل ولا يناسبها الزاد القليل،لا سيّما أنّ المقصد هو دار بقاء لا دار فناء، فـ ( تجهزوا رحمكم الله! فقد نُودي فيكم بالرحيل، وأقلّوا العُرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد، فانّ أمامكم عقبة كؤودا(3)، ومنازل مخوفةً مهولةً، لابد من الورود عليها، والوقوف عندها ...) (4).
والعاقل من اتّعظ بما هو واقع أو لابدّ من وقوعه، فيستعدّ لذلك وإن كان كارهاً له، ( فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقرّه، وبطن الارض مستقرّه والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده أن لا يكون له فكر إلاّ في الموت ولا ذكر إلاّ له، ولا استعداد إلاّ لأجله... فانّ كلّ ما هو آت قريب، والبعيد ما ليس بآت ) (5).
ولا ريب أنّ الذي يُبغّض إلينا الموت ويعمّق النفور منه هو إتباع الهوى وطول الأمل، وما طول الأمل إلاّ انعكاس فعلي لحبّ الدنيا والذي هو رأس كلّ خطيئة.
روي أنّ معروفاً الكرخي& أقام الصلاة يوماً فقال لمحمد بن توبة: تقدّم، فقال محمد بن توبة: إنّي إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصلِّ بكم غيرها.
فقال معروف: وأنت تحدّث نفسك أن تُصلي صلاة اُخرى؟! نعوذ بالله من طول الأمل فانّه يمنع من خير العمل(6).
والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .
مقال منقول من مجلة الفرات
|
|
|
|
|