ولكي يتبين الصبح لذي عينين ، لنضع بعض الصحابة الذين كان لهم أعمق الأثر في أن يوجد لدينا اليوم إسلام ذو شكل عجيب وغريب لا يمت إلى إسلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأي صلة اللهم إلا الاشتراك اللفظي ، تحت المجهر .
1 - أبو هريرة الدوسي
أبو هريرة ، وما أدراك ما أبو هريرة ، راوية الإسلام الأعظم . واختلف في اسم أبي هريرة اختلافا شديدا ، لكن طغى عليه هذا الاسم . وقد أسلم هذا الرجل في السنة السابعة للهجرة بعد غزوة خيبر ، يعني أنه لم يصاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا مقدار ثلاث سنوات أو أقل ، لكن العجيب أنه أكثر الصحابة رواية ، حيث بلغ مجموع أحاديثه ( 5374 ) حديثا ، علما أن مجموع ما رواه الخلفاء الأربعة : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ( عليه السلام ) هو ( 1421 ) حديثا ، وكما يقول السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي فإن نسبة حديث هؤلاء الذين طالت صحبتهم للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى حديث أبي هريرة هو أقل من 27 في المائة (كتاب أبو هريرة للعلامة شرف الدين الموسوي العاملي : 45 . هذا وقد أعتبر ابن حزم أن مجموع ما رواه الخلفاء الأربعة هو ( 1361 ) حديثا في كتابه " أسماء الصحابة الرواة ، وعلى كل الفارق شاسع بين ما رووه جميعا وبين ما رواه أبو هريرة) .
وليت الأمر وقف عند هذا الحد ، بل إن أبا هريرة يقول : " حفظت عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعاءين فأما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم " (كتاب أبو هريرة للعلامة شرف الدين الموسوي العاملي : 45 . هذا وقد أعتبر ابن حزم أن مجموع ما رواه الخلفاء الأربعة هو ( 1361 ) حديثا في كتابه " أسماء الصحابة الرواة ، وعلى كل الفارق شاسع بين ما رووه جميعا وبين ما رواه أبو هريرة) . وقد استنكر كثير من الصحابة على هذا الرجل كثرة حديثه ، ومنهم عمر بن الخطاب ، وحتى قال فيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : " إن أكذب الأحياء على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأبو هريرة الدوسي " (كتاب أبو هريرة للعلامة شرف الدين الموسوي العاملي : 186 ، وأيضا كتاب أبو هريرة شيخ المضيرة لمحمود أبو رية المصري : 119) .
وحتى تتيقن بنفسك أيها القارئ الكريم أن أبا هريرة كان مخرفا ولم يكن محدثا فتعال معي لنضع جزءا يسيرا جدا جدا من أحاديثه وانظر مخالفتها للعقل أولا وللقرآن والسنة ثانيا حتى تعلم أن حديث أبي هريرة ليس إلا زخرف من الكلام ولا يمكن أن يكون كلام شخص عاقل فضلا عن نبي ، وإليك هذا البعض اليسير : عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " اختتن إبراهيم ( عليه السلام ) وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم " (صحيح البخاري 4 : 170 ، ومسند أحمد 2 : 322) . ربما لا يدري أبو هريرة أن الأنبياء هم أكمل خلق الله تعالى ، فلا حاجة أن يختتنوا بل يولدون مختونين مقطوعي السرة ، كما كان شأن نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . ثم لماذا يبقى إبراهيم غير مختون إلى هذا العمر المتأخر ؟ ! عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب ، فجعل يحثي في ثوبه ، فنادى ربه : يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك " (صحيح البخاري 4 : 184 ، وكذلك في المستدرك للحاكم المجلد 2 : 582) .
تعليق :
إن هذا الحديث متهاو من عدة وجوه :
أولا : إذا كان أيوب ( عليه السلام ) يغتسل عريانا فكيف كان يضع الجراد الذهبي في ثوبه ؟ !
ثانيا : لماذا يعاتب الله أيوب على أخذ هذا الجراد ، أليس هو الذي أنزله عليه؟! أم كان الأمر اختبارا لأيوب ؟ ! وإذا كان اختبارا فكيف يكون أيوب حريصا لهذه الدرجة على جمع الذهب ؟ ! إن أيوب مدحه الله تعالى وجعله أسوة في الصبر ، وكذلك باقي الأنبياء ليس همهم جمع الذهب والفضة ، وماذا يعني لهم الذهب والفضة وكل كنوز الدنيا أمام طاعة الله ورضاه ؟ ! نعم إذا كان أبو هريرة يقيس نبي الله أيوب بنفسه فحينئذ لا نستغرب منه هذا التصرف.
ويمضي أبو هريرة في تطاوله على رسل الله وأنبياءه فيقول : " قيل يا رسول الله من أكرم الناس ؟ ! قال : أتقاهم، فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله . قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فعن معادن العرب تسألون خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " (صحيح البخاري 4 : 170) .
تعليق :
ما بال القوم لا يكتفون ، بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) " أتقاهم ؟ ! " أليس الله تعالى يقول : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ؟ ! ثم ما معنى كرامة يوسف على الناس جميعا حتى على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهل الكرامة بالنسب فقط وإذا كان كذلك فإخوة يوسف هم كذلك أبناء وأحفاد أنبياء .
عن أبي هريرة قال : " سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : " قرصت نملة نبيا من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه : أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح " (صحيح البخاري 4 : 75) .
تعليق :
ليس هذا الذي يحكي عنه أبو هريرة بنبي ، بل إنسان مجنون أو رجل بعقل طفل مشاغب ، وهل يعمل هذا الفعل عاقل ؟ ! نعم ربما قرصت نملة باليمن رجل أبي هريرة الحافية فأحرق قرية النمل ثم نسب الحديث إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ، فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان " (صحيح البخاري 4 : 152) .
تعليق :
ما أكثر ضحك الشيطان إذا ! !
عن أبي هريرة قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب (صحيح البخاري 4 : 151) .
تعليق :
لم يبين لنا أبو هريرة لماذا أخطأ الشيطان عيسى بن مريم ؟ ! وما أدراه فلعل كثيرون أفلتوا من طعنة الشيطان ؟ ! وعلى هذا الحديث يكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ممن طعن الشيطان في جنبيه ، نعم هذا ما أراد أن يقوله بنو أمية حقدا على الرسول والرسالة ، لكن عن طريق بوقهم الكبير أبي هريرة خليل الرسول ؟ !
عن أبي هريرة : " أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا ، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطانا " (صحيح البخاري 4 : 155 ، ومسند أحمد 2 : 321) .
تعليق :
الكلام موجه إلى أهل الحديث : ما أكثر تعوذكم في اليوم والليلة ، اعملوا بهذا الحديث إذا فإن راويه ثقة ، أو بيعوا أحمرتكم حتى تخلصوا من هذه الورطة ، لكن ربما يكون ركوبكم للسيارة بدعة ! فاختاروا ما شئتم .
عن أبي هريرة " أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه ، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء " (صحيح البخاري 4 : 158 ، وكذلك في مسند أحمد 2 : 246) .
تعليق :
لم يذكر لنا أبو هريرة أي نوع من الذباب يقصد ، هل الذباب الأزرق أم الذبابة اللولبية أم ذبابة ال " تسي تسي " ؟ !
عن أبي هريرة : " عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ، فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ، فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم يقال له : يا إبراهيم ما تحت رجليك ؟ فينظر فإذا هو بذيخ ملتطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " (صحيح البخاري 4 : 169) .
تعليق :
ما بال إبراهيم خليل الله ينخدع بقول أبيه أنه لا يعصيه يومذاك ؟ ! ألم يقل الله تعالى في قصته مع أبيه ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) (سورة التوبة : 114). وما بال إبراهيم يرى حكم الله العادل خزيا ؟ ! وما باله يدافع عن الكافرين والمشركين وهو رافع لواء التوحيد ؟ ! وهذه إساءة أخرى من أبي هريرة للأنبياء .
عن أبي هريرة " عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب " (صحيح البخاري 6 : 63).
تعليق :
إذن وعلى هذا الحديث يصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أقل رتبة من الأنبياء أولي العزم ، ويصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) متناقضا في كلامه حيث ورد في الأحاديث أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سيد ولد آدم ولا فخر ، وكذلك يصبح قول الله تعالى : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) (سورة البقرة : 253) لغوا . وقصد معاوية وبني أمية من هكذا أحاديث واضح ، فإن غايتهم هي استنقاص رسول الله الذي لم يقدروا على هزيمته وإماتة دعوته ، فعمدوا بداع الحقد الذي لهم عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى وضع هكذا حديث (من ذلك هذا الحديث : " اللهم إنما أنا بشر فلا تعاقبني بشتم رجل من المسلمين " مسند أحمد 6 : 160 . فهل كان الرسول يشتم بدون وعي ؟ !) لكن الله بالمرصاد ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ) (سورة الأحزاب : 57) .
عن أبي هريرة : " عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إن موسى كان رجلا حييا ستيرا ، لا يرى من جلده شئ استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا : ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده ، إما برص وإما أدرة وإما آفة ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى ، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه ، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا ، فذلك قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ) " (صحيح البخاري 4 : 190 . والآية في سورة الأحزاب : 69) .
تعليق :
إن الإنسان والله يخاف أن ينزل عليه حجر من السماء لفظاعة هذا الإفك ، ولا أدري هل أراد الله أن يبرأ موسى أم أراد أن يفضحه .
وما معنى أن يعدو الحجر ويهرب ؟ ! وما بال موسى يسرع وراءه كالمجنون غير آبه بأحد ولا ملتفت لحاله ؟ ! وما باله يضرب الحجر حتى جعل فيه أثرا ؟ ! إن هذا الفعل لا يفعله مجنون قبيلة دوس التي ينتمي إليها أبو هريرة فما بالك بكليم الله ونجيه وأحد الأنبياء أولي العزم ؟ ! هل يجرأ أبو هريرة الذي كان ينام في مسجد رسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان من أصحاب الصفة بل من أشهرهم والذي كان يغمى عليه من الجوع والذي كان يرافق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لشبع بطنه ، هل يجرأ أن يفعل هذا الفعل وهو هو من الحقارة والذلة وخفاء الاسم بين جميع الصحابة ؟ ! ولا ندري لماذا هذا الحقد من أبي هريرة على أنبياء الله ؟ ! لكن إذا عرف السبب بطل العجب ، فإن بني أمية بدءا بمعاوية وغيره أمروه فقال ، وهل يستطيع رد قولهم وأمرهم وهم الذين جعلوه أميرا على المدينة المنورة وبنوا له فيها قصرا وكان يأكل مع معاوية ألذ ألوان الطعام بعد أن كان مجهولا طول عمره في اليمن يخدم الأشراف بشبع بطنه وبعد إسلامه كان ينام في المسجد ولا يجد أحدا يطعمه إلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبعض صحابته الكرماء ؟ ! ألم يعزله عمر بن الخطاب عن البحرين بعد أن لعبت أصابعه في مال الله حتى علاه عمر وأنهكه ضربا بالدرة . وليس الغريب أن يصدر هذا من أبي هريرة ، لكن الغريب ممن يأخذ منه ويتبع قوله كالبخاري ومسلم وغيرهما وبقية المسلمين ! ! أيها المسلمون الحذر الحذر عمن تأخذون منه دينكم ، فليس كل من هب ودب بمأمون على الدين ، ولعن الله زمنا صار فيه معاوية عدو الله ورسوله وابن عدو الله ورسوله وابن عدوة الله ورسوله ملكا أو خليفة على المسلمين ، فصب أحقاده كلها على الرسول والرسل والصالحين ثأرا لدم أخيه وخاله وجده يوم قتلوا ببدر ولعن الله زمانا صار فيه أبو هريرة الدوسي راوية الإسلام الأول يقول فيسمع منه ، وعلي بن أبي طالب وغيره من أجلاء الصحابة مغلوبون على أمرهم . ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) (سورة البقرة الآية : 79) .
2 - خالد بن الوليد
بعد أبي هريرة نتناول واحدا من كبار الصحابة ، وهو خالد بن الوليد بن المغيرة ، لنرى ما فعله خالد وهل كان فعله مطابقا للقرآن والسنة أم... ؟ ! يقول ابن الأثير في كتابه أسد الغابة في تمييز الصحابة في ترجمة مالك بن نويرة المقتول المزني بزوجته في نفس الليلة ما يلي : "... إلا أنه لم تظهر عليه ردة ( يقصد مالك بن نويرة الصحابي الجليل ) وأقام بالبطاح ، فلما فرغ خالد من بني أسد وغطفان سار إلى مالك وقدم البطاح ، فلم يجد به أحدا ، كان مالك قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع ( لو كان مالك مرتدا فعلا لأعد العدة لقتال خالد ) فلما قدم خالد البطاح بث سراياه ، فأتي بمالك بن نويرة ونفر من قومه . فاختلفت السرية فيهم ، وكان فيهم أبو قتادة ، وكان فيمن شهد أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا ، فحبسهم في ليلة باردة وأمر خالد فنادى : أدفئوا أسراكم - وهي في لغة كنانة القتل - فقتلوهم ( أنظر إلى دهاء خالد ومكره ) فسمع خالد الواعية فخرج وقد قتلوا ، فتزوج خالد امرأته ، فقال عمر لأبي بكر : سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه ، فقال أبو بكر : تأول فأخطأ ولا أشيم سيفا سله الله على المشركين ، وودى مالكا ، وقدم خالد على أبي بكر فقال له عمر : يا عدو الله قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته ، لأرجمنك... " . إلى أن يقول : " فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدل على أنه لم يرتد ، وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا ، فتركهم هذا عجب ، وقد اختلف في ردته ، وعمر يقول لخالد : قتلت امرءا مسلما ، وأبو قتادة يشهد أنهم أذنوا وصلوا ، وأبو بكر يرد السبي ويعطي دية مالك من بيت المال ، فهذا جميعه يدل على أنه ( مالك ) مسلم " (أسد الغابة 5 : 52 - 53 في ترجمة مالك بن نويرة ) انتهى كلام ابن الأثير .
إن لنا أن نحلل هذه الحادثة بكل موضوعية وبعيدا عن أي تحيز فنقول :
أولا : إن مالك بن نويرة رجل مسلم بشهادة عمر وأبو قتادة ولم يرتد .
ثانيا : إن خالد بن الوليد أراد قتله لكي يظفر بزوجته وكانت من أجمل نساء العرب ، ولهذا قال مالك قبل قتله هذه التي قتلتني ولهذا استعمل خالد كلمة أدفئوا أسراكم وكان يقصد قتلهم بالتأكيد وليس إدفاءهم من البرد .
ثالثا : وهذا أعجب لماذا لم يقم أبو بكر الحد على خالد لقتل مسلم وللزنى بزوجته لأنه تزوجها بدون عدة بل في نفس تلك الليلة .
رابعا : كان عمر غاضبا جدا من خالد وقال له ما قد مر ، ومن هنا نفهم لماذا عزل عمر خالدا عندما صار خليفة وعين مكانه أبا عبيدة على جيوش المسلمين ، ثم ما معنى قول أبي بكر : تأول خالد فأخطأ ؟ ! وهل في حدود الله مزاح وخطأ وصواب ؟ !
وليت الأمر وقف بخالد عند هذا الحد ، لكنه كما كان سيفا مسلولا - بالباطل - على المسلمين في أحد وغيرها ، فإنه أوغل في دماء المسلمين بعد إسلامه ، فهو فعلا سيف ، لكنه سيف مسلط على المسلمين والمؤمنين ، ولتزداد يقينا أن السياسة هي التي أسمت خالدا هذا بسيف الله المسلول ، تعال إلى هذه الحادثة : " لما فتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكة بعثه إلى بني جذيمة من بني عامر بن لؤي فقتل منهم من لم يجز له قتله فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد فأرسل مالا مع علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) فودى القتلى وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم ، حتى ثمن ميلغة الكلب... " (أسد الغابة ترجمة خالد بن الوليد ، وكذلك أنظر الحديث في مسند أحمد 2 : 151) . أنظر إلى خالد بن الوليد يبعثه الرسول بكل سلم وسلام فيقتل من شاء ويدع من شاء ، أنظر إلى دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يبرأ من فعل خالد بن الوليد . ثم يأتي من يقول إن خالدا سيف الله المسلول ، نعم هو سيف مسلول ، لكن ليس من أسياف الله تعالى . ولو شئنا التفصيل في فعل خالد وفعاله في الإسلام لما صدق الإنسان ما يرى من هول وعظم ما أتاه خالد ، لكن للاختصار نكتفي بهذا المقدار .
3 - المغيرة بن شعبة
هو صحابي ، وهو أحد النزاق الفساق الذين فتقوا في الإسلام فتقا لا يجبر إلى يوم القيامة .
ورد في ترجمته في كتاب أسد الغابة ما يلي : " دهاة العرب أربعة : معاوية ابن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وزياد... " . "... وولاه عمر بن الخطاب البصرة ولم يزل عليها ، حتى شهد عليه بالزنا ، فعزله ، ثم ولاه الكوفة ، فلم يزل عليها حتى قتل عمر ، فأقره عثمان عليها... " . "... وهو أول من وضع ديوان البصرة وأول من رشى ( أعطى رشوة ) في الإسلام أعطى " يرفأ " حاجب عمر شيئا حتى أدخله إلى دار عمر... " (أسد الغابة 5 : 248 ترجمة المغيرة بن شعبة) .
إن السكوت عن التعليق هنا أبلغ من التعليق ، لكن نقول : العجب من عمر إذ بعد أن عزله عن البصرة بسبب زناه يعيده واليا على الكوفة وخيار الصحابة أحياء يرزقون كعلي بن أبي طالب الذي كان جليس بيته وكأبي ذر والمقداد وخزيمة وغيرهم... ؟ !
4 - ثعلبة بن حاطب
هو أحد الصحابة من الأنصار ، وقد ورد في ترجمته في كتاب أسد الغابة ما يلي : " جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالا ، فقال : ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، ثم أتاه بعد ذلك فقال : يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالا ، قال : أما لك في أسوة حسنة ؟ ! والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت ، ثم أتاه بعد ذلك فقال : يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالا ، والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اللهم ارزق ثعلبة مالا... وحين أنزل الله آية الزكاة أرسل إليه الرسول رجلين لجمع الحقوق فلم يعط ثعلبة شيئا... " . إلى أن يقول ابن الأثير... " فأقبلا ، فلما رآهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل أن يكلماه قال : يا ويح ثعلبة ، ثم دعا للسلمي بخير ، وأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، فأنزل الله عز وجل ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله... ) (سورة التوبة : 75 - 78) وعند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رجل من أقارب ثعلبة سمع ذلك ، فخرج حتى أتاه فقال : ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله عز وجل فيك كذا وكذا ، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسأله أن يقبل صدقته ، فقال : إن الله تبارك وتعالى منعني أن أقبل منك صدقتك ، فجعل يحثي التراب على رأسه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هذا عملك ، وقد أمرتك فلم تطعني ، فلما أبى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يقبض صدقته رجع إلى منزله وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يقبض منه شيئا ثم أتى أبا بكر ( رضي الله عنه ) حين استخلف، فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي ، فقال أبو بكر : لم يقبلها رسول الله منك ، أنا أقبلها ؟ فقبض أبو بكر ( رضي الله عنه ) ولم يقبلها " (أسد الغابة 1 : 284 ، ترجمة ثعلبة بن حاطب) . وتوفي ثعلبة في خلافة عثمان ، ولم تقبل منه الحقوق أبدا .
وعندنا تعليق لا بد منه هنا :
إذا كان منع الزكاة ردة كما سمى ذلك أبو بكر وقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فلماذا لم يقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثعلبة ولا أمر به الله ؟ ! نعم قد يقال : إن مانعي الزكاة على عهد أبي بكر كفروا بإنكارهم ضرورة من ضروريات الدين ، وثعلبة فعل ذلك بل سمى الزكاة الجزية أو أخت الجزية كما قال ، والواقع أن مانعي الزكاة على عهد أبي بكر لم ينكروا أنها من الدين وكانوا يصلون كما رأيت في قصة مالك بن نويرة ، فليلاحظ ذلك .