إن من الأمور التي نُسأل عنها يوم القيامة، هي عاقبة ذرياتنا.. فالإنسان يُسأل عن نفسه، ويُسأل عن الذرية التي رباها خيراً أو شراً.. فالإنسان إذا مات انقطع عمله في هذه الدنيا، فلا يأتيه عمل؛ لأن الدنيا دار عمل ولا جزاء، والآخرة دار جزاء ولا عمل.. ومع ذلك تأتيه الصدقات الجارية من بعض القنوات منها: العلم، والصدقة الجارية، والولد الصالح.. وينبغي أن نعلم بأن الولد مخلوق على الفطرة، فهو طينة طيّعة بيد الوالدين.. نعم، إن هنالك بعض الصفات الذاتية للأولاد: فمثلا: هنالك طفل بريء، وهنالك طفل فيه شيء من عدم الطاعة.. ولكن مع ذلك نحن نعتقد بأن التربية الصالحة إما أن تزيل هذه المواد الفاسدة -هذه الطينة غير الصالحة- أو تهذب.. إن الانحرافات الكبرى في حياة الإنسان تبدأ من سنوات صغره، فالأبوان يخطئان عندما يعتقدان بأن الطفل لا يفهم، ويبدأني بمعاملة الطفل معاملة جدية بعد سنوات البلوغ، فهذا خطأ.. إن الطفل يعلم بعض المعاني منذ الأيام الأولى، إلا أنه لا يمكنه أن يعبر.
فالخطوة العملية لما تقدم، هو أنه علينا أن نكتشف الخارطة الباطنية للولد بل لكل إنسان.. فعند التعامل مع الزوجة، ومع الصديق، ومع الأب، ومع الأم، أو مع رحم.. فإن علينا أن نعلم أن هنالك بموازة الشكل الظاهري، هنالك وجه باطني.. والتعامل يكون مع الوجه الباطني، لا مع الوجه الظاهري.. فهل حاولنا أن نكتشف ملامح هذا الوجه الذي قد يكون جميلاً أو قبيحاً؟.. إن علينا بالقرائن المختلفة من حركات الجوارح، أن نفهم إجمالاً التركيبة الجوانحية، بالإضافة إلى النور الإلهي الذي يُعرف به المؤمن، لأن للمؤمن أيضاً فراسة باطنية.. فهنالك نور إلهي، وهنالك دقة بشرية، يجمع بين الملاحظة البشرية الدقيقة وبين الاستمداد من النور الباطني.
وأما ما هو الشائع في تعامل عامة الناس مع أولادهم من السيطرة على أبدانهم: ضربا،ً وحبساً، الخ... فإن حقيقة الحال أن هذه الحركات لا ترتبط بالخارطة الباطنية، حيث أن الخارطة لا تتغير عندما تصفع طفلاً على خده.. فما ارتباط ذلك بترتيب تغيير جوهره؟.. وعليه، فإننا نعتقد أن الحركات التأديبية البدنية في كثير من الأوقات -في العنوان الأولي- تزيد الخارطة الباطنية تعقيداً، وتعمل حائلاً، وتبني جداراً سميكاً بين المربي وبين المربى.. فلا يملك الإنسان أدوات التحكم في الباطن، وخاصة أن هذا الولد سيكبر، وسيبلغ، وسيخرج من المنزل.. وعندئذٍ لا سلطان على جسمه، ولا سلطان على روحه.. فالأبوان يفقدان السيطرة كاملة، كما هو الملاحظ هذه الأيام من صور الاستقلالية الكاملة، وحتى بالنسبة إلى البنات بالنسبة للوالدين.
ما هو البديل عن مسألة السيطرة البدنية على الولد؟..
أولا: السيطرة النفسية: فتارة بالإعراض، إذا كان الأب حكيماً، وقد فرض احترامه في بواطن من يتعامل معهم.. فمن المعروف أن الإعراض -إعراض الحبيب عمن يحبه- قاتل، فالزوج الصالح عندما يُفهم زوجته بزاوية عينيه أنه معرض، وأنه مشمئز، فإن هذا يؤثر في أعماقها وفي خريطتها الباطنية، بما لا يقاس برفع صوته ومد يده.. ولهذا عندما كان المسلمون يراقبون حركات وجه النبي، كانوا يعرفون كراهته للشيء من خلال إعراض وجهه، وحركات وسيماء وجهه المبارك.
ثانيا: عنصر التشجيع: فليعلم الصبي أو الزوجة (المربى) أن هنالك فرقا بين الحسن والشر، وبين الصالح والطالح.. فالطالح فيه إعراض، والصالح فيه تشجيع وتقريب.. فإن في بعض الأوقات قبلة المربي لمن يربيه، هذه القبلة في مقابل جوائز مادية قيمة.. ومن هنا جعلت الشريعة قبلة الولد من صور العبادة التي يؤجر عليها الإنسان، رغم أنها حركة فطرية.