عظم الله اجورنا واجوركم بذكرى اربعينية الامام الحسين واهل بيتة عليهم السلام روحي لهم الفداء
ياليتنا كنا معكم لنفوزاوالله فوزا عظيما
مَا في المنـازلِ حَاجـةٌ نَقضِـيهَا إلا السَّـلامُ وأدمُـعٌ نذريهَـا
وتفجّـعٌ للعيـنِ فيهـا حَيـثُ لا عَيشٌ أوازِيـهِ بِعَيشـي فِيهَـا
أبْكي المَنازِلَ وهي لو تَدْري الَّذي بَعثَ البُكاءَ لَكُـدْتُ أسـتَبْكِيهَا
أربعينية الأمام الحسين عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين
يَمرُّ على استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) أربعون يوماً ، وقَدْ قضى العقل والدين باحترام عظماء الرجال ، أحياءً وأمواتاً ، وتجديد الذكرى لوفاتهم وشهادتهم ، وإظهار الحُزن عليهم ، لا سِيَّما من بذل نفسه وجاهَد ، حتى قُتِل لمقصدٍ سَامٍ ، وغَايَةٍ نَبيلة ، وقد جرت على ذلك الأمم في كلِّ عصرٍ وزمان .
فحقيق على المسلمين - بل جميع الأمم - أن يقيموا الذكرى في كل عام للإمام الحسين ( عليه السلام ) .
فإنه ( عليه السلام ) قد جَمَع أكرمَ الصفات ، وأحسنَ الأخلاق ، وأعظمَ الأفعال ، وأجلَّ الفضائل والمناقب ، عِلماً وفَضلاً ، وزهادةً وعبادةً ، وشجاعةً ، وسخاءً وسماحةً ، وإباءً للضَّيم ، ومقاوَمة للظُّلم ، وقد جمع إلى كَرمِ الحَسَب شَرَفَ النسَب .
وقد جاهد الإمام الحسين ( عليه السلام ) لنيل أسمَى المقاصد ، وأنْبل الغايات ، وقام بما لم يَقُم بمثله أحد .
فبذلَ ( عليه السلام ) نفسَه ، ومالَه وآلَه ، في سبيل إحياء الدين ، وإظهار فضائح المنافقين ، واختار المنيَّة على الدنيَّة ، وميتة العِزِّ على حياة الذُل ، ومصارع الكرام على اللِّئام .
وأظهر ( عليه السلام ) من عِزَّة النفس والشجاعة ، والصبر والثبات ، ما بَهَر به العقول ، وحيَّر الألباب ، واقتدى به ( عليه السلام ) في ذلك كل مَن جاء بعده ، ومن يمتلك مثل هذه الصفات .
فالحقُّ أنْ تقام له ( عليه السلام ) الذكرى في كلِّ عام ، وتبكي له العيون بَدَلَ الدُموعِ دَماً .
روحي لك سيدي يابن خير الخلق فداء بالدم بكتك الارض مع سابع سماء
كل يوم عاشوراء لن ننساك يا أبا الشهداء الآن فلتبكي ياقلبي على مسلوب
العمامة والرداء ألن تأخذ يامهدينا ثار جدك المقتول ظمأ في كربلاء
فقد بكى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على مصيبة أبيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ثلاثين سنة .
وكان الإمام الصادق ( عليه السلام ) يبكي لتذكُّر المصيبة ، ويستنشد الشعر في رثائه ويبكي .
وكان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إذا دخل شهر محرم لا يُرَى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلُبُ عليه .
وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( إنَّ يَومَ الحسين أقرحَ به جُفونَنا ، وأسال دموعنا ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ) .
وقد حَثُّوا شيعتهم وأتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كلِّ عام ، وهُم ( عليهم السلام ) نِعْم القدوة ، وخير مَنْ اتُّبِع ، وأفضَلُ من اقتُفِيَ أثرُه ، وأُخِذَت منه سُنَّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فضل يوم الأربعين :
رُويَ عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) أنّه قال : ( عَلامَاتُ المؤمن خمسٌ : صلاةُ إِحدى وخمسين ، وزيارةُ الأربعين ، والتخَتُّم في اليمين ، وتعفير الجَبين ، والجهر بـ( بِسْم اللهِ الرحمن الرحيم ) ) بحار الأنوار 101 / 329 .
وقال عَطا : كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر ، فلمَّا وصَلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ، ولبس قميصاً كان معه طاهراً ، ثم قال لي : أمَعَكَ من الطيب يا عَطا ؟
قلت : معي سُعد .
فجعل منه على رأسه وسائر جسده ، ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحسين ( عليه السلام ) ، وكَبَّر ثلاثاً ، ثم خرَّ مغشياً عليه ، فلما أفاق سَمِعتُه يقول : السلام عليكم يا آلَ الله ( بحار الأنوار 101 / 329 ) .
وكان يزيد قد أمر بِرَدِّ سبايا الحسين ( عليه السلام ) إلى المدينة ، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة .
فلمَّا بلغوا العراق ، قالوا للدليل : مُر بنا على طريق كربلاء ، وكان جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
فبينا هُم كذلك إذ بِسَوادٍ قد طلع عليهم من ناحية الشام .
فقال جابر لعبده : اِنطلق إلى هذا السواد وآتِنَا بخبره ، فإن كانوا من أصحاب عُمَر بن سعد فارجع إلينا ، لعلَّنا نلجأ إلى ملجأ ، وإن كان زين العابدين ( عليه السلام ) فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى .
فمضى العبد ، فما أسرع أن رجع وهو يقول : يا جابر ، قمْ واستقبل حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، هذا زين العابدين قد جاء بِعَمَّاته وأخواته .
فقام جابر يَمشي حافي الأقدام ، مكشوف الرأس ، إلى أن دنا من الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( أنْتَ جَابِر ؟ ) .
فقال : نعم يا بن رسول الله .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا جَابر هَا هُنا واللهِ قُتلت رجالُنا ، وذُبحِت أطفالُنا ، وسُبيَتْ نساؤنا ، وحُرقَت خِيامُنا ) .
وفي كتاب الملهوف : إنهم توافوا لزيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن ، وأقاموا المأتم ، واجتمع عليهم أهل ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أياماً ( أعيان الشيعة 1 / 617 ) .
اللهم ارزقنا في الدنيا زيارته وفي الاخرة شفاعته
قم جدد الحزن في العشرين من صفر
ففيه ردت رؤوس الآل للحفر
والهفتا لبنات الطهر يوم دنت
إلى مصارع قتلاهن والحفر
فتلك تدعو حسينا وهي لاطمة
منها الخدود ودمع العين كالمطر
وتلك تصرخ واجداه وا أبتاه
وتلك تصرخ وايتماه في الصغر
يا دافني الرأس عند الجثة احتفظوا
بالله لا تنشروا تربا على قمر
من الطاقات التي وظفها أئمة آل البيت (ع) في تأبين وتخليد واقعة الطف هي طاقة التجمع أو الحشد الجمعي باعتبار ان واقعة الطف واقعة غير عادية وليست مأساة مرت وذهبت بل هي نزاع وصراع دائمين ودائبين بين مبدأين رحماني وشيطاني ومعسكرين خير وشر، ومن هنا جرى قلم القضاء ان تبقى هذه الجذوة العاشورائية حية ومتحركة في قلوب المؤمنين.
ومن عوامل بقائها وخلودها هو الاهتمام المستمر لأهل البيت بالتكثير في زيارات الإمام الحسين، فأكثر الشهور القمرية تناولت زيارات مكررة للإمام (ع) علاوة على ليالي الجمعات.
وهذا الحشد الجماهيري الذي أقامه الأئمة (ع) هو بلا شك يعطي للفرد الزائر طاقة إيمانية وتعبئة ثورية تستثمر في احياء النهج الذي اختطه الإمام الحسين (ع) فالسلوك الجمعي كفيل باعطاء دفع أثقل للمسيرة الحسينية، وهذه المظاهرة الحاشدة في كل زيارة هي تحدي وشجب للظلم والظالمين.
ولما كان للزيارات المتكررة للحسين (ع) في المناسبات المتعددة دور في تخليد واقعة الطف، أولى الأئمة اهتمامهم الكبير في تشجيع وتحشيد اتباعهم لزيارة الحسين، لأن فيها نشر لظلامتهم وأول من استخدم هذا الأسلوب الإمام السجاد (ع) وعمته زينب (ع) وعيالات آل الرسول حينما أقاموا العزاء في أول زيارة لهم للحسين بعد 40 يوما من المجزرة الكبرى والواقعة الدموية العظمى، يقول جابر بن عبد الله الأنصاري مستقبلا الإمام زين العابدين في الأربعين:
سيدي عظم الله لك الأجر، فقال الإمام: يا جابر هاهنا ذبحت أطفالنا يا جابر هاهنا قتلت رجالنا يا جابر هاهنا سبيت نساءنا يا جابر هاهنا قتل أبي الحسين (ع)، فهذه الكلمات تعميق وتعريف للمظلومية، ثم اقبلت النساء كل منها إلى قبر عزيزها، وزينب عند قبر أخيها الحسين (ع) صاحت بصوت حزين يقرح القلوب: وآخاه واحسيناه واحبيب رسول الله.
فاستثمار مراسم العزاء اعلاميا من جانب آل البيت، هدفه نشر ظلامة آل الرسول التي هي الواسطة لاستدرار العطف والدموع وتعريف الآخرين بأهداف الثورة الحسينية ومحتواها، ومن هنا قال الإمام الحسين (ع): (انا قتيل العبرة ما ذكرت عند مؤمن الا ودمعت عيناه).
ولقد وظف أئمة أهل البيت (ع) اتباعهم لزيارة الحسين بشكل عجيب ومثير فمثلا المتوكل العباسي وهو عاشر أئمة الكفر العباسيين كان يقطع الرؤوس ويقلع النفوس ونرى الإمام الهادي يشجع على زيارة جده الحسين (ع)، واذا مرض (ع) كان يرسل أحدا ليدعو له عند قبر الحسين (ع) فيسال: يابن رسول الله انك إمام معصوم وكلكم نور واحد، فكان يقول (ع): ان الدعاء تحت قبته أسرع بالإجابة وما هذا التركيز الا توظيف هائل من الأئمة لإبقاء واقعة الطف حية ووهج الطف مستمرا عبر زيارة الحسين (ع) وخاصة الأربعين.
والأكثر من هذا يذكر التاريخ ان حوالي 800 يد قطعت في سبيل زيارة الحسين في عهد المتوكل العباسي علاوة على الجزية التي كان يقدمها الزائرون لشرطة المتوكل لأجل الزيارة وما كانوا يلاقون من أذى وعذاب. ولقد تحرك أئمة أهل البيت (ع) في مناط آخر فعبر الأسلوب الأدبي تمكنوا من حشد الناس لزيارة جدهم الحسين وذلك ضمن الأحاديث المروية عنهم في خصوصيات زيارته (ع) وهي من أعظم الوسائل ومالها من الفضائل والأجر وجعلوا لها أحكامها الشرعية وشروطها وآدابها وبينوا الآثار المترتبة على تركها وركزوا في نصوصها على الخطابات المخصوصة والتي تجند الزائر ليمارس دورا في المسيرة الحسينية.
وكم من الزائرين جاؤوا يحملون اللوعة والحرارة في زيارتهم للحسين وهذه زيارة الأربعين أصبحت مظاهرة في صميم واقع الأمة وأخذت أبعادا سياسية غير الأبعاد الساذجة والجامدة، ولعبت دورا كبيرا في تجنيد العواطف لشجب الباطل ونصرة الحق حتى عصرنا هذا، وهذا ما لمسناه عبر انتفاضات الزائرين في زيارة الأربعين ضد الطغاة الحاكمين على أرض العتبات في العراق في كل عام.
وكم قدمت مواكب المشاة وهيآت الزوار بالأربعين قوافل الشهداء تأسيا واقتداءا بأئمتهم، وكم خطت مشيا على الأقدام مئات الكيلومترات متجهة إلى كربلاء وحاملة شعار (هيهات منا الذلة) ومفجرة شعارات الحسين بوجه يزيد العصر صدام.
ومن منا لم يذكر انتفاضة صفر الخالدة التي قدمت كواكب من الشهداء في طريق كربلاء منهم محمد سعيد البلاغي وجاسم الإيرواني وصاحب رحيم أبو كلل وعبد الوهاب الطالقاني وعباس عجينة وناجي الخالدي وغيرهم (رض) فهذه صورة من الإرهاصات والانفعالات الروحية التي وظفها ائمة أهل البيت (ع) في إحياء شعيرة الحسين (ع)، قال الإمام الحسن العسكري (ع): علامات المؤمن خمس، صلاة احدى وخمسين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وزيارة الأربعين.
وروى عن الصادق (ع): ان الله ليباهي بزائر الحسين (ع) حملة عرشه وملائكته المقربين، ويقول الا ترون زوار قبر الحسين اتوه شوقا.
ومن الصفات الخاصة والحاصلة لزائري قبر الحسين ماذكرها الشيخ جعفر الشوشتري في كتابه (الخصائص الحسينية): ومنها ان دليل المحبة للحسين (ع) هو كون الشخص زوارا له أي كثير الزيارة ومنها انه ممن نظر الله إليه بالرحمة، ومنها ان يكون ممن يحدثه الله فوق عرشه، ومنها في عشر روايات من انه يكتب في عليين، ومنها ان يكون في الجنة في جوار النبي (ع) وأهل بيته (ع) يأكل معهم على موائدهم ومنها ان كان شقيا كتب سعيدا، ومنها انه يحسب من الكروبيين ومن سادة الملائكة، ومنها انه مساعد للزهراء (ع) فإنها تزور الحسين كل يوم، ومنها انه زائر الله وزائر رسول الله ومنها ان كل من له درجة يوم القيامة يتمنى أيضا ان يكون من زوار الحسين (ع) مما يرى من كرامتهم الخاصة بهم، كما في الروايات.
ومن هذا المنطلق فجر الأئمة (ع) صوت الرفض والجهاد على لسان زوار الحسين (ع) وحولوا واقعة كربلاء عبرا وعبرات وعظة وعظات تلعب دورها في استمرار الثورة والا ذهبت وماتت فقضية الحسين ليست قصة عابرة لتموت في قرن أو قرنين بل هي صراع دام ودائمي تخوضه الإنسانية.