الحاير بعد الالف ياء مكسورة وراء ، هو في الاصل حوض طبيعي لانخفاضه يجتمع فيه مياه الامطار فيركد فيه لما لا يرى مخرجا أخفض من مستواه ، وعند هبوب الرياح يتحرك الماء بطبيعة الحال اذ يرجع أقصاه الى أدناه ينتهي الى المحل الذي ابتدأ منه أولا فيتحير فيه . أو بالهبوب يتحرك بحركة دورية على نفسه مطمئن الوسط مرتفع الجوانب .
وذكروا في جمعه حوران ، ونفى أبو القاسم برواية الحموي في المعجم من أن يكون له جمع على أنه اسم علم لموضع قبر الحسين (ع) (8) .
وليومنا لم يطرأ على وضعه الطبيعي الذي وضعوه أي تغيير ، سوى ارتفاع مستواه وقاعدته عما كان عليه يوم ضمت تربتها أجداث الجثث
الطاهرة . فاذا قصد الوارد الى الروضة الزاكية ينحدر الى الصحن الشريف من كافة جهاته مع اختلاف في الارتفاع الذي كان الجرف لنفس الحوض . ومن الممكن أن يكون سبيل مصب المياه فيه كان من قسمه الشرقي لما ورد عن الامام الصادق في ترتيب آداب الزيارة منه الدخول الى مستوى هذا الحوض ، أي الحائر . ولتوالي الابنية التي كانت تقام للروضة الطاهرة بحكم الضرورة والتجديد في أدوار متعاقبة تكون بالتدرج ارتفاع مستواه (9) .
بلغني عند تبليط الصحن الاقدس وبناء أسرابه في العقد العاشر من خاتمة القرن الثالث عشر الهجري ، شوهد في القسم الجنوبي قطعة من حصن قائم لاحد أدوار تطور البناء يقارب شرفاته مستوى التبليط تقريبا .
شاهدت بنفسي عند أخذ أساس الضلع الغربي من الصحن بأمر المغفور له عبد الحميد الثاني العثماني لتجديد البهو الكبير وغرفه الشمالية في مستهل القرن الرابع عشر : تنور ، والطابق الاول من دور ما لا يقل انخفاضه عن مستوى التبليط بأقل من خمسة أمتار تقريبا .
لم يغب عن ذاكرة الحسين (ع) مع حراجة موقفه وتكابده لاهوال غير مستطاعة من عطف النظر حتى الى ما بعد مصرعه لئلا يدع سبيلا لغرض الأشلاء الى الضياع والتلف . اختار مركزاً في وسط مستوى هذا الحوض وعلمه بفسطاط يقاتلوا أمامه ولنقل الاشلاء من مصارعهم في ساحة المعركة اليه . أمر فتيانه بحمل ولده ( علي ) من مصرعه حتى وضعوه بين هذا الفسطاط . وحمل بنفسه الزكية جسد ابن أخيه القاسم وألقاه مع ولده وحوله القتلى من أهل بيته الهاشميين بجانب دون جانب أنصاره . ولولا عطفه كان من المستحيل تمايزهم خاصة بعد أن اقتطفت الرؤوس من الاجساد ورفعت على الرماح . وأمام هذا الفسطاط في نفس الحوض شاهده عبد الله بن عمار البارقي بمفرده وهو راجل ، فشد عليه رجاله ومن يمينه وشماله ، حمل عليهم أن يذعروا قال : ما رأيت مكسورا وقيل مكثورا قط قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جانبا وأجرا مقداما قبله ولا بعده مثله . وكانت الرجالة تنكشف عنه يمينا وشمالا انكشاف المعزا اذا شد فيها الذئب . وفي عين المحال برزت السيدة زينب تقول ( ليت السماء تطابقت ) وأشارت الى ابن سعد : أيقتل أبوعبد الله وانت تنظر إليه ، سالت دموعه على خده ولحيته وأدار طرفه وهو يتقي الرمية ويفترس العورة ويشد على الخيل حتى ضربه زرعة بن شريك على حبل عاتقه وكفه اليسرى . وانفرجوا عنه فصار ينوء ويكبو . أن بلغ مقتله من محل مصرعه .