بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
في أغلاط أهل السنة والجماعة في اختيار أبي بكر
من عجيب أمرهم : أنهم قصدوا إلى رجل أمر الله بتأخيره ، ولم يره أهلا للنيابة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في تأدية تسع آيات من سورة براءة إلى أهل مكة ، وهم بعض الأمة ، هذا ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حي موجود مع قوله ( صلى الله عليه وآله ) : " المؤمنون أكفاء تتساوى دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم " (سنن النسائي : 8 / 24 . المطالب العالية : 1 / 444 ، ح 1486 . كنز العمال : 1 / 93 ، ح 403 ) ، فلا يراه الله تعالى مع ذلك أهلا لتأدية ذمة ، ولا منفذ الأمر فيه مصلحة للأمة ، وعزله عن جيش ظهر فيه غوله و عجزه ، ومنعه من سكنى المسجد وسد بابه ، وأخره عن الصلاة التي قدمه بلال إليها بأمر عائشة ابنته ، فقدموه بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رئيسا على جميع أمته ، وردوا إليه أحكام ملته ، حيث يكون تتميم تنفيذ الأمم في يديه ، وإقامة حدود الشريعة مردودة كلها إليه ، ويكون القائم مقام خير خلق الله محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والمنفذ لشرعه ، إن هذا لشئ عجيب ، يحار فيه عقل الحازم اللبيب !
ومن عجيب أمرهم : اعتقادهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر الناس بأن يختاروا لأنفسهم إذا اجتمعوا إماما للصلاة ، ويروون عنه أنه قال : " اختاروا أئمتكم فإنهم وفدكم إلى الله عز وجل " (المعجم الكبير : 20 / 328 ، ح 777 . مجمع الزوائد : 2 / 64 . ) . وقال : " يؤمكم أقرؤكم " (سنن أبي داود : 1 / 159 - 160 ، ح 585 . السنن الكبرى للبيهقي : 3 / 125 ) . وفي خبر آخر : قالوا له : فإن كانوا في القراءة سواء ؟ قال : " فأفقههم وصاحب المسجد أولى بمسجده ". ثم يروون مع ذلك أن من الواجب تقديم أبي بكر على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إماما ، ويعتقدون أنه أولى منه بالتقديم على الناس في الصلاة مع علمهم بأن أبا بكر لم يكن حافظا لكتاب الله وأن أمير المؤمنين كان حافظا له بغير خلاف ، ولم يكن أبو بكر فقيها وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أفقه منه ومن جميع الأمة بغير خلاف ، ومع علمهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سد جميع أبواب الصحابة التي كانت إلى المسجد حتى سد باب عمه العباس ( رحمه الله ) وترك باب علي ( عليه السلام ) ، وقال : " إن الله تعالى أمر موسى بن عمران أن يتخذ بيتا طهرا لا يجنب فيه إلا هو وهارون وابناه شبر وشبير ، وأنه أمرني أن أتخذ بيتا طهرا لا يجنب فيه إلا أنا وعلي وابناه الحسن والحسين ( عليهم السلام ) " (الدر المنثور : 4 / 383 . ) ، فاجتمعت الخصال الموجبة لتقدم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إماما في الصلاة ، فلم يختاروه ( 3 ) ، وكان الصواب عندهم أن يؤخروه ، وعدمها كلها أبو بكر فاختاروه وقدموه ، إن هذا لهو الرأي المعكوس !
ومن العجب : أن يردوا الأمر والنهي والحل والعقد وتنفيذ أحكام الشرع وإقامة الحدود في الخلق إلى من قد عرفوا ضعف فهمه ، وعدم فقهه وعلمه ، وفساد حفظه ، وقلة تيقظه ، ومن يقر بذلك على نفسه ، ويعترف بكثرة زلله وخلله وقلة علمه ، وبقوله على رؤوس الأشهاد : " وليتكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتبعوني ، وإن اعوججت فقوموني ، فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي ، فإذا رأيتموني مغضبا فتجنبوني ، لا أوثر في أشعاركم و لا أبشاركم " (تاريخ الطبري : 3 / 224 . شرح نهج البلاغة : 17 / 110 ) ، ثم يسأل عن الكلالة ، فلا يعلمها ، وعن الأب فلا يفهمه ، والفقه فلا يخبره ، والقرآن فلم يكن يحفظه ، والشجاعة ففي معزل عنها ، والرئاسة فليس من أهلها ، ومن إذا كشفت أحواله ، وتتبعت أفعاله ، وجدت ما ذكرناه بعض صفاته ، فيقدم على الكافة ، وتجعل يده منبسطة على جميع أهل القبلة ، ويقال له : أنت خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ويؤخرون من قد عرفوا فائض فضله وكماله ، وعظم علمه ، وتقدم سبقه في جهاده ونصرته ، وحسن أثره ، وشريف أهله ، ومشتهر زهده ، وباهر آياته ، وبديع بيناته ، ومن هو قيم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخوه ، بل القائم مقام نفسه ، حسب ما شهد به كتاب الله تعالى ، ومن هو أحب الخلق إلى الله تعالى ، ومن افتقرت إليه الكافة ولم يفتقر هو إلى أحد من الأمة ، فيجعل هذا رعية مؤخرا تابعا للناقص في خلال الخير كلها ! إن هذا رأي عجيب ، واختيار طريف ، وفيه تقول فاطمة البتول ، ابنة السيد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : " وإن تعجب فقد أعجبك الحادث ، في أي طريق سلكوا ؟ وبأي عروة تمسكوا ؟ استبدلوا والله الذنابي بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فقبحا لقوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ألا إنهم هم الأخسرون ولكن لا يعلمون " (معاني الأخبار : 355 . بحار الأنوار : 43 / 158 ) .
ومن العجب : أن يجتمعوا في السقيفة لطلب الخلافة فتحتج الأنصار بأنها هي التي تستحقها بنصرتها للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويحتج المهاجرون بقربهم منه ، وليس فيهم من يذكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي لم يلحقه الأنصار في نصرته ، ولا تدانيه قريش في قرابته! ومن العجب: قول قريش : إن الخلافة لا تكون إلا حيث كانت النبوة ، وإنما يستحقها بذلك ، لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من قريش ، ولم يعلمها أحد من الأنصار في الحال ، إن بني هاشم أولى منكم بها على هذه الحجة ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) من بني هاشم ، لكن صرفهم عن أن يحاجوهم بهذا اتفاق جميع من حضر السقيفة على صرف الأمر عن أهله ومنعه عن مستحقه . وقد روي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال في كلام له أنفذه إلى معاوية : " فما راعني إلا والأنصار قد اجتمعت ، فمضى إليهم أبو بكر فيمن تبعه من المهاجرين فحاجهم بقرب قريش من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن كانت حجته عليهم بذلك ثابتة فقد كنت أنا إذا أحق بها من جماعتهم ، لأني أقربهم منه وأمسهم به رحما ، وإن لم يجب لي بذلك فالأنصار على حجتهم ". وروي عنه ( عليه السلام ) أنه قال : فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب . . .
ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلجوا عليهم ، فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم ، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم . وانظر تاريخ الطبري : 3 / 218 وما بعدها . وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب (نهج البلاغة : 503 . شرح نهج البلاغة : 18 / 437 . بحار الأنوار : 29 / 609 . ديوان الإمام علي ( عليه السلام ) : 12 ).
والعجب كله لقوم رأوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد ولى عمرو بن العاص وأسامة بن زيد على أبي بكر ثم يولونه على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والعباس ( رضي الله عنه ) . ومن عجيب أمرهم : دعواهم أن إمامة أبي بكر ثبتت عن إذن من أهل الحل والعقد ، وتأمل واختيار ، هذا مع سماعهم قول عمر بن الخطاب : " كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه " (أنساب الأشراف : 2 / 264 . تاريخ الطبري : 3 / 205 . شرح نهج البلاغة : 2 / 275 . نهج الحق : 264 . تاريخ الخلفاء : 67 ) ، فشهد بأنها كانت قد وقعت بغتة من غير روية ، وحصلت فجأة عن عجلة من غير مشورة ، وفي هذا غاية الذم لها ، والتكذيب لهم فيما ادعوه فيها مع التهديد بسفك دم من عاد إلى مثلها ، وليس يشك عاقل في أن الفلتة التي هي العجلة والبدار تضاد ما يدعون من التأمل والاختيار . ومن عجيب أمرهم : دعواهم أن الأمة اجتمعت على إمامة أبي بكر مع علمهم بقلة عدد العاقد لها ، وتأخر من تأخر عنها ، وإنكار المنكرين لها ، والخلف الواقع فيها في حال السقيفة وبعدها ، فيقولون : إن من خالف من الأنصار ، وتأخر من بني هاشم الأخيار ، مع وجوه الصحابة وأعيانهم ، وبني حنيف بأسرهم ، وما ظهر من إنكارهم أمارته ، وخلافهم كلهم شذاذ لا يخرقون الإجماع ، ثم ينكرون أن يكون الإجماع حصل على حصار عثمان وخلعه ، وتكفيره وقتله ، ولم يكن بالمدينة من أهلها ولا ممن كان بها من أهل مصر وغيرهم إلا محارب أو خاذل ، ولم يحفظ في الإنكار عليهم قول لقائل . ويدعون أنه وعبيده المحاصرين معه في الدار ومروان ابن عمه قادحون في الإجماع . هذا ، وقد رام قوم من بني أمية أن يصلوا عليه فلم يتمكنوا ، وهموا أن يدفنوه في مقابر المسلمين ، فلم يتركوا حتى مضوا به إلى حش كوكب (ذكر في مراصد الاطلاع : 1 / 405 أنه اشتراه عثمان . وذكر الطبري في تاريخه : 4 / 412 أن اليهود كانت تدفن فيه موتاهم .) وهو بستان بقرب البقيع ، ثم أتوا به ليحتزوا رأسه فصاح نسوة من أهله وضربن وجوههن فتركوه ، وداسه عمير بن ضابئ فكسر ضلعا من أضلاعه ، وبقي مكانه مرميا ثلاثة أيام لم يستعظم ذلك في بابه مستعظم ، ولا أنكره منكر ، ومن تأمل هذه الحال علم أنها أحق وأولى بالإجماع (تاريخ الطبري : 4 / 412 . الكامل في التاريخ : 3 / 180 ) .
تبليغ سورة البراءة
أبو بكر بن أبي قحافة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ببراءة إلى أهل مكة لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله إلى مدته والله برئ من المشركين ورسوله، فسار ثلاثا ثم قال لعلي: ألحقه فرد علي أبا بكر وبلغها أنت. قال: ففعل فلما قدم على النبي أبو بكر بكى فقال: يا رسول الله حدث في شيئ؟ قال: ما حدث فيك إلا خير ولكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل مني.
أخرجه أحمد في مسنده 1 ص 3، وابن خزيمة، وأبو عوانة، والدار قطني في الأفراد كما في كنز العمال 1 ص 246، والكنجي في الكفاية ص 125 نقلا عن أحمد و أبي نعيم وابن عساكر، وابن كثير في تاريخه 7 ص 357.
ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره أن ينادي بهذه الكلمات ثم أتبعه عليا فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغا ناقة رسول الله القصواء فخرج أبو بكر فزعا فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو علي رضي الله عنه فدفع إليه كتاب رسول الله وأمر عليا أن ينادي بهؤلاء الكلمات (فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهلي ثم اتفقا) (1) فانطلقا فقام علي أيام التشريق ينادي: ذمة الله ورسوله برية عن كل مشرك. الحديث.
أخرجه الترمذي في جامعه 2 ص 135، والبيهقي في سننه 9: 224، و الخوارزمي في المناقب ص 99، وابن طلحة في مطالب السئول ص 17، والشوكاني في تفسيره 2 ص 319 نقلا عن الترمذي وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي بلفظ أخصر، وأشار إليه ابن حجر في فتح الباري 8 ص 256.
سعد بن أبي وقاص قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليا رضي الله عنه فأخذها منه ثم سار بها فوجد أبو بكر في نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني.
خصايص النسائي ص 20، الدر المنثور 3: 209 نقلا عن ابن مردويه، تفسير الشوكاني 2: 319، وأوعز إليه ابن حجر في فتح الباري 8: 255.
حديث آخر عن سعد:
أخرج ابن عساكر بإسناده عن الحرث بن مالك قال: أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: لقد شهدت له أربعا لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا أعمر فيها مثل عمر نوح: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش فسار بها يوما وليلة ثم قال لعلي: اتبع أبا بكر فخذها وبلغها فرد علي أبا بكر فرجع يبكي فقال: يا رسول الله أنزل في شيئ؟ قال: لا. إلا خيرا إنه ليس يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني، أو قال: من أهل بيتي. الحديث. راجع الجزء الأول ص 40. السؤال هو لماذا تم ارجاع ابا بكر و اسناد المهمه للامام علي عليه السلام ؟