تقوم روضة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في أرض منبسطة فيحاء في خراج قرية ( راوية ) في الغوطة الجنوبية من دمشق، وهي تعرف اليوم بقرية ( قبر السِّت )، وتبعد نحو سبعة كيلومترات عن مدخل دمشق.
إن المشهد كائن في الجهة الغربية من القرية، وهو مؤلَّف من صحن واسع وحرم. وللصحن مدخلان: غربي وشمالي؛ فالغربي أمام سوق القرية وإليه تصل السيارات. والمدخلان يوصلان إلى الصحن ومنه إلى الحرم الذي يحتوي على الضريح، وأبعاد البناء الخارجية 90 × 90 متراً وعلى يمين المدخل الغربي ويساره غرف للإدارة والاستقبال. وبعد اجتياز المدخل إلى الصحن الذي عرضه 18 متراً في طرفه الغربي والشمالي غرف لمبيت الزائرين عددها الآن حوالي 45 غرفة، ويُنتَظر أن تصل إلى 80 غرفة. وهذه الغرف مبنية بتبرعات المحسنين الذين تُقرأ أسماؤهم فوق أبوابها.
ويتقدم الغرف من الداخل رواق عرضه ( 5 , 4 ) متر مسقوف بالإسمنت المسلّح المرتكز على أعمدة من الحجر البازلتي الأسود.
وفي وسط الصحن: الحرم، وله باب ذو رتاج مُصفّح بالنحاس الأصفر المنقوش، وأمام الباب مصطبة بطول الجدار الغربي يعلوها رواق محمول على دعائم من الحجر البازلتي أيضاً. وفي طرفَي الحرم من الناحية الغربية مأذنة متوسطة العلو مدورة ذات أحجار بيض جميلة حديثة التجديد.
أما الحرم فمبني بالحجر والإسمنت المسلح والأرض مفروشة بالرخام الإيطالي الأبيض، وفوقه قبة راكبة على ثمان دعائم ضخمة، ويحوي أيضاً 26 نافذة وله أربعة أبواب من جميع الجهات، وزيّن داخل الحرم بثريّات ذات أنوار ساطعة.
والضريح المقدس تحت القبة يحيط به قفص جديد أبعاده 5, 3 ـ 5 , 4 متر، وهو من طراز الدرابزون ذي الحلقات الصغيرة مصنوع من الفضة الخالصة بمنتهى الإتقان، أهدته أسرة حبيب الباكستنية سنة 1954م. وفي الداخل:الصندوق الخشبي الموضوع كغطاء فوق قبر السيدة زينب عليها السّلام وهو من خشب الأبنوس المقطّع كالفسيفساء والمطعّم بالعاج وأسلاك الذهب، وهو من أروع التحف الفنية وأجملها، صنعه أكبر فنان في طهران وأهداه بعض وجهاء إيران. أما قيمته فلا تقدر بثمن وقد جُلب ووضع في مكانه سنة 1955 باحتفال كبير، وقد أحيط بقفص من ألواح البلور.
أما الحرم فيعج بالزوار من دمشق ومختلف الأقطار الإسلاميّة كجبل عامل وبعلبك والعراق وإيران وباكستان والبحرين، ويبيت بعض هؤلاء في الغرف التي حول الصحن أياماً معدودات عددها سبعة أيّام كحد أقصى خاصة في المواسم مثل: العاشر من المحرم، العشرين من صفر، المولد النبوي الشريف، النصف من شعبان.
وفي الطرف الغربي من المشهد مسجد حديث بُني سنة 1955 بالحجر والإسمنت، وهو مربع الشكل وأبعاده 20 × 20 متر ذو سقف حجري منوّر ومغطّى بألواح البلّور.
وقد كان العامل على قيام البناء في المشهد على ما هو عليه الآن من الفخامة بعد أن ظل قروناً عديدة على بساطته، هو أن السيّد محسن الأمين خلال إقامته في دمشق وجّه رسائل إلى أشخاص معينين في مختلف المدن الإيرانية دعاهم فيها إلى التعاون على جمع التبرعات لتشييد مقام يليق بالسيدة زينب عليها السّلام، فلم تلبث أن وردت عليه مبالغ على عدة دفعات، فلمّا رأى هذه الاستجابة ألّف لجنة خاصة تتلقى هي هذه التبرعات وتنظّم أمورها وتباشر أعمال تجديد البناء، وهكذا استمر العمل واتسع بتوجيهه وإشرافه.
وقد كان قيام ما قام مشجعاً على الاستمرار بعد وفاته، وهكذا وصل المقام إلى ما وصل إليه اليوم.
المشهد الزينبي في القاهرة
كان ضريح السيدة زينب يقع في الجهة البحرية من دار مسلمة بن مخلد الأنصاري وإلي مصر من قبل يزيد بن معاوية، وكانت هذه الدار تُشرف على الخليج وجماميز السعدية.
وبمرور السنين والعهود على هذه الدار، اندثر جزء كبير منها إلا ما كان من الضريح الطاهر، فإنه كان معظّماً مقصوداً بالزيارة، وموضع تبجيل واحترام الخاصة والعامة من الناس، الذين كانوا يتعاهدونه بالتعمير والإصلاح وبناء كل ما يتصدع من جدرانه.
وكان هذا المقام الكريم، من جملة المشاهد المعدودة التي يتناوب خدمتَها أناس انقطعوا لهذا العمل الطيب الجليل، وكان يُصرَف عليهم من وجوه الخير ومن ريع الأعيان والممتلكات التي أُوقفت على هذا الضريح الطاهر.
وفي زمن دولة أحمد بن طولون ( 254 ـ 293 هـ / 868 ـ 905 م ) أجرى هذا على هذا المشهد الطاهر، ما أجرى على المشاهد الأخرى من عمارة وترميم.
فلما جاءت الدولة الفاطمية ( 358 ـ 567 هـ / 969 ـ 1171 م )، كان أول من بنى عمارة جليلة عظيمة على هذا المشهد الطاهر من خلفاء الفاطميين؛ أبو تميم معد نزار بن المعزّ، وذلك في سنة 369 هجرية.
وقد ذكر الرحالة الأديب أبو عبدالله محمد الكوهيني الفارسي الأندلسي، أنه دخل القاهرة في 14 من المحرم سنة 396، وأنه دخل مشهد السيّدة زينب بنت علي، فوجده داخل دار كبيرة وهو في طرفها البحري يشرف على الخليج، قال: فنزلنا إليه في مدرج، وعاينّا الضريح، وشَمَمنا منه رائحة طيبة، ورأينا بأعلاه قبّة من الجص، وفي صدر الحجرة ثلاثة محاريب، وعلى كل ذلك نقوش في غاية الإتقان، ويعلو باب الحجرة زليخة قرأنا فيها بعد البسملة: وأنّ المساجدَ للهِ فلا تَدْعوا مع اللهِ أحداً ، هذا ما أمر به عبدالله ووليّه أبو تميم أمير المؤمنين الإمام العزيز بالله صلوات الله تعالى عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المكرمين، أمر بعمارة هذا المشهد على مقام السيدة الطاهرة بنت البتول، زينب بنت الإمام عليّ بن أبي طالب، صلوات الله تعالى عليها وعلى آبائها الطاهرين وأبنائها المكرمين ).
وفي أيّام الحاكم بأمر الله، أمر بإثبات المساجد والمشاهد التي لا غلّة لها ولا رَيع، وأوقف عليهَا عدّةَ ضِياع وقَيساريات( أي أسواق ومحالّ تجارية ). وقد خُصّ المشهد الزينبي بنصيب وافر من هذه الأوقاف، وما برح كذلك إلى أن زالت الدولة الفاطمية ودالت دولتها.
وظل هذا المقام الطاهر الذي يضم هذه البضعة الطاهرة موضع عناية جميع الدول التي تعاقبت على الحكم في مصر، كما قام عديد من أهل الفضل والعلم والولاية يتناوبون خدمة هذا المسجد. ومن أجلّ هؤلاء قَدْراً وأعظمهم ذكراً: السيّد العارف بالله محمد بن أبي المجد القرشي المعروف بسِيدي محمد العِتْريس المتوفّى في أواخر القرن السابع الهجري، وهو شقيق القطب الكبير العارف بالله سيدي إبراهيم الدَّسُوقي صاحب المقام الكبير المشهور بمدينة دَسُوق بمحافظة كَفْر الشيخ، وكذلك السيّد العارف بالله سيدي محمد العَيدَروس المتوفى ليلة الثلاثاء ثاني عشر من المحرم سنة 1192 هجرية، وقد دُفن كلاهما أمام المقام الزينبي الطاهر من الجهة البحرية. وفي القرن السادس الهجري أيّام الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، أجرى الشريف فخر الدين ثعلب الجعفري أمير القاهرة ونقيب الإشراف الزينبيين بها وصاحب البساتين التي عرفت بمنشأة ابن ثعلب ومنشئ المدرسة الشريفية التي تعرف الآن بجامع العربي بالجودرية بالقاهرة، عمارةً وإصلاحاً على هذا المشهد الكبير. وظلت تلك العمارة قائمة على هذا المشهد المبارك، إلى أن كان القرن العاشر الهجري، فاهتم الأمير علي باشا الوزير والي مصر من قبل السلطان سليمان خان بن السلطان سليم الفاتح بتعمير المشهد وتشييده، وجعل له مسجداً يتصل به، وكان ذلك في سنة 956 هجرية.
وفي سنة 1174 هجرية، أعاد الأمير عبدالرحمن كَتْخُدا القازدوغلي بناء المسجد وتشييد أركانه، وأنشأ به ساقية وحوضاً للطهارة والوضوء، وبنى كذلك مقام سيدي محمد العتريس.
وفي سنة 1210 هجرية جُدّدت المقصورة الشريفة التي تحيط بالتابوت الطاهر المقام فوق القبر، وصنعت من النحاس الأصفر، ووضع فوق بابها لوحة نحاسية كُتب عليها: ( يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء مَدَدَكِ 1210 )، وما زالت اللوحة على الضريح الشريف حتّى اليوم.
وحَدث في سنة 1212 هجرية أن تصدّعت جدران المسجد، فانتدبت حكومة المماليك عثمان بك المرادي لتجديده وإعادة بنائه، فابتدأ في هدمه وشرع في بنائه وارتفع بجدرانه وأقام أعمدته، إلاّ أن العمل ما لبث أن توقف بسبب الحملة الفرنسية على مصر. وبعد خروج الفرنسيين من البلاد استُؤنف العمل، إلا أنّه لم يتم، فأكمله بعد ذلك يوسف باشا الوزير سنة 1216 هجرية، وأرّخ ذلك بأبيات من الشعر خُطّت على لوح من الرخام نصها: نورُ بنتِ النـبيِّ زينـبَ يَعـلو قد بناهُ الوزيرُ صـدرُ المعـالي زادَ إجلالَـهُ كـمـا قُلـتُ أرِّخْ مسجداً فيـه قَبرُهـا والمـزارُ يوسـفٌ وهـو للعُـلى مُختـارُ مسجدٌ مشرقٌ به أنوارُ (1216)
وبعد ذلك أصبح هذا المسجد محل رعاية حكام مصر من أسرة محمد علي، فظل التعمير والتجديد يدخلان عليه. ففي سنة 1270 هجرية، شرع الخديوي عباس باشا الأول في إصلاحه ووضع حجر الأساس، ولكن الموت عاجله. فقام الخديوي محمد سعيد باشا في سنة 1276 هجرية بإتمام ما بدأه سلفه، وأنشأ مقام العتريس والعيدروس، وكتب على باب المقام الزينبي هذا البيت من الشعر: يا زائريها قِفوا بالبابِ وابتَهِلـوا بنتُ الرسولِ لهذا القُطرِ مِصباحُ