بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
التشاور مع البنت
من الأمور اللازم الأخذ بها أثناء إجراء مراسم الخطبة، أخذ رأي البنت في الشاب المتقدم لخطبتها، ويتعين على واليها توضيح کل ما يلزم توضيحه لها، لکي تکون على بينة في اتخاذ الرأي الصحيح والمناسب في حياتها المقبلة. إذ إن قرارها هذا يعتبر قراراً مصيرياً لمستقبل عمرها ومستقبل أسرتها الجديدة، فينبغي لها أن تقرر هذا الأمر عن دراية کافية ودراسة واضحة وألا تکون بعيدة عن الواقع في أعطاء رأيها.
ومن الضروري ألا يغفل الوالدان عن إعطاء هذه الفرصة المهمة للبنت في انتخاب زوجها الذي ستقاسمه الشطر الأکبر في عمرها، وتعيش إلى جنبه بقية عمرها. لأنها إن سُلبت هذا الحق وضعت منه فإنها ستبقى ناقمة على أهلها طيلة حياتها إن کان زواجها غير موفقاً، وتحمّلهم أبدا مسؤولية شقائها ولا ترى للهناءة وجهاً في حياتها.
ولقد أکد الإسلام في تعاليمه الناصعة على ضرورة التشاور مع البنت في هذه القضية الخاصة بها، وشدّد نکيره على من يُکره ابنته على الزواج ممن لا تحب، والسنّة النبوية وهي ثاني مصادر التشريع المهمة في الإسلام أرشدتنا أيضاً إلى ضرورة احترام اختيار ورأي البنت في شريک حياتها، وعدم التنصل عن القيام بهذا الأمر بحجة صغر عمر الفتاة، وعدم قدرتها على اتخاذ القرار الصائب لنفسها،
وقد أثبت رسول الإنسانية ومعلّمها الأول هذا الأمر يشکل عملي لنا وجعله سنّة باقية ليعمل بهديها جميع الآباء في مثل هذه المناسبة مع بناتهم. وذلک في زواج ابنته فاطمة الزهراء(عليها السلام )،
فقد جاء في الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله ) ، إنه لما خطبها الإمام علي(عليه السلام)، وکان قبله قد تقدم لخطبتها الکثير من رجالات قريش وکبارها، قال له: يا علي قد ذکرها رجال قبلك، فذکرت ذلك لها فرأيت الکراهة في وجهها ولکن على رسلك حتى أخرج إليك، فدخل عليها فقامت فأخذت رداءه ونزعت نعليه وأتته بالوضوء فوضأته بيدها وغسلت رجليه ثم قعدت.
فقال: يا فاطمة! فقالت: لبيك لبيك حاجتك يا رسول الله؟
فقال: إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبه إليهم! وقد ذکر من أمرك شيئاً تختارين؟
فسکتت ولم تول وجهه، ولم ير فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله ) کراهة!! فقام، وهو يقول: الله أکبر سکوتها إقرارها.(1)
درس وعبرة:
وإذا يمکننا أن نستلهم من هذه الرواية من دروس وعبر.
إذ إن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) مع ما کان يمتلکه من مکانة اجتماعية شامخة، فهو سيد المرسلين وخاتم البنيين، وإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وإنه إن اختار شيئاً أو ارتضاه لا يرتضيه لعاطفة، أو مصلحة شخصية، أو هوى دنيوي، أو عرض مادي –هذا ما أثر عنه من سيرته المشرقة مع أصحابه وقومه، فکيف مع أهله وذويه وأقرب الناس إليه وأعزهم على قلبه من بنيه– فإنه کان بإمکانه (صلى الله عليه وآله ) وهو صاحب الرأي الصائب، والعلم الغزير –مدينة العلم والحکمة– وخازن أسرار الشريعة والهدى، أن لا يستشير ابنته ذي التسعة أعوام فقط وأن يقتصر على إبداء رأيه في الخاطبين لها ورأيه مورد قبول وموضع تسليم وتقرير ابنته التي کانت تعرف حقاً مقامه ومنزلته بل ومورد احترام سائر المسلمين دون شك ولا تردد،
فالشريعة الإسلامية هي التي تأمر بإتّباع کل ما يقوله الرسول (صلى الله عليه وآله )
وکل ما يأتي به من فعل وتقرير،،
«وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(2)،
«فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْليماً»(3).
إذا فما الذي دعاه إلى استشارة ابنته في هذا الأمر وهو قائد الأمة وسيدها ورأيه مطاع في کل الأحوال، والجواب واضح إن رسول الإنسانية ومعلّمها کان في أعلى مراتب الأخلاق والاحترام لرأي الآخرين وبالذات في الأمور الخاصة بهم، واختيار الزوج شأن خاصاً بابنته وهو أکرم الناس خلقا فليس من خلقه أن يقرر شيئاً خاصاً لغيره دون أن يستشيره في ذلك حتى وإن کانت ابنته، هذا فضلاً عن أنه أراد أن يبقى هذا السلوك سنّة يعمل به أتباعه من بعده.
__________________
الهوامش:
1- وسائل الشيعة، ج14، ص206، ح3، الحر العاملي، بحار الأنوار، ج32، ص93.
2- تهذيب الأحکام، الطوسي، محمد بن الحسن، 7/379.
3- الکافي في الفقه، تقي الدين من نجم الدين المعروف أبو صلاح الجلبي المتوفي 447هـ، 292، ونحوه في جواهر الکلام. 89: 183 – 182.