خلود القرآن والعترة
إن موت وحياة كل شيء يتناسب مع مرتبة وجود ذلك الشيء، فكل شيء بعيدٌ عن أسباب وعوامل الموت فله نصيب من عالم الأبدية. (1)
وأما إذا كان الشيء معرضاً للأمراض والفناء، فلا يكون أمناً من الزوال. إن الموت أو المرض حكمة نظرية تنشأ عن طريق الجهل والإشتباه والخطá كما أن المرض أو الموت هو حكمة عملية ظهرت من الظلم والجهل والطغيان وأمثال ذلك فإذا كان الكتاب يقدم آخر حكمة نظرية، وهو معصوم من السهو والنسيان والخطأ والجهل والمغالطة وأمثال ذلك، ويبين آخر حكمة عملية طاهرة من شوائب المعصية والظلم والجهل والإستكبار والإستعمار والإستعباد والإستغلال ونظير ذلك وعصمة هاتين الحكمتين مستمرة فمثل هذا الكتاب سيكون بعيداً عن الأمراض والفناء.
إن لولاية أهل البيت مراتب طولية وبعض تلك المراتب تعد باطن للمراتب الأخرى نظير القرآن الذي له بطون طولية.
ولذلك فله نصيب من الخلود، وإذا كان الإنسان الكامل مساوياً لهكذا كتاب فيكون مقامه المنيع بعيداً عن أسباب وعوامل المرض والفناء وأمثال ذلك.
إن الله تعالى بين أن القرآن الكريم لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن يتطرق إليه التزييف العلمي أو العملي.
حيث يقول في هذاالمجال: (... وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (2).
فمع مضي الأيام وظهور التحولات العميقة في مباني الحكمة النظرية والعملية لم ينفذ الخلل إلى أركان أسسه العلمية والعملية أبدا. وإلا لتعرض إليه البطلان، مع أن الله تعالى نزهه عن أن يسري إليه البطلان والجزاف والفساد وأمثال ذلك، إذن فكتاب كهذا يكون مظهرا لإسم (هو الباقي) قطعاً، وإذا كان الناس الكمل أمثال أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) يعدلون كتاب كهذا فهم يكونون مظهرا للبقاء الإلهي أيضاً.
فالسر في هذا المظهر هو عصمتهم عن الخطأ والسهو والنسيان ونزاهتهم عن المعصية ومن هذا الطريق تثبت عصمة تلك الذوات النورانية في العلم والعمل. وهكذا فلا يمكن لاحد غير الأشخاص والمجتمعات الطاهرة من أوساخ المعصية وأرواث الطغيان وفرث الاعتداء أن يعرف أهل البيت ويدرك مقامهم الرفيع ويفوز بالاستفادة من فيوضاتهم، ويشرب ويرتوي من كوثرهم.
وذلك لأن هذه الذوات النورانية هي عدل القرآن الكريم الذي يقول الله تعالى بشانه: (إنّه لَقرانٌ كريمٌ * في كتابٍ مكنونٍ * لا يَمَسُّه إلّا المُطَهَّرون) (3). أي: أنه لابد من طهارة ظاهر البدن عن طريق الوضوء أو الغسل أو التيمم عند مس ظاهر القرآن الكريم، وأما بالنسبة إلى مس باطن القرآن المجيد الذي هو عبارة عن المعارف والحكم الإلهية فلا بد من طهارة باطن الإنسان (القلب) عن طريق تزكية النفس وتهذيبها والقرب من الله.
وأما إذا حصل التفكيك بين القرآن والعترة في المطلب الذي ذكرناه فلازمه حصول الإفتراق بينهما، وهذا الإفتراق غير ممكن وباطل بنص حديث الثقلين المقبول بل المتواتر.
إذن فالخلاصة:
أولاً: إن العترة هم معصومون كالقرآن.
وثانياً: إن الحصول على ولايتهم من دون طهارة القلب والروح غير ممكن.
وثالثاً: إن شريعة أهل البيت (ع) مخفية في كنه ولايتهم كما أن ظاهر القرآن الكريم محجوب في كنه الكتاب المكنون.
رابعاً: إن لولاية أهل البيت مراتب طولية وبعض تلك المراتب تعد باطن للمراتب الأخرى نظير القرآن الذي له بطون طولية.
المصادر:
1- مقتبس من سلسلة أبحاث القرآن والعترة، آية الله جوادي آملي، مۆسسة الاسراء للعلوم الوحيانية.
2- فصلت : 41 / 42.
3- الواقعة: 77/ 78/79.