آيات الله في عالم الطبيعة
إنّ القرآن الكريم يدعونا إلى التفكّر والتدبّر والنظر في آيات الله في عالم الطبيعة والخلق ويعتبر مثل هذا النظر والتفكّر جديراً بأهل الفكر والألباب وأصحاب الضمائر الحية والعقول السليمة
والآيات القرآنية في هذا المجال من الكثرة بحيث لا يمكننا نقل عُشرها في هذه الصفحات القلائل ، ولذلك سنقتصر على إيراد نماذج معدودة منها ، ثم نتحدث عن أهداف هذا القسم من الآيات فيما بعد.
وإليكمالآن هذه النماذج
( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمٰوَاتِ والأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْري فِي البَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )
هذه الآية تدعونا إلى التدبّر في أُمور عديدة :
النظر في العالم من أرض وسماء واختلاف الليل والنهار.
التدبّر في أمر صناعة السفن ، والتدبّر في منافعها الاقتصادية.
التفكّر في الكائنات الجوية ، كالرياح والسحاب والمطر ، وعلل تكوّنها.
. التدبّر في الأحياء والدواب التي تعيش على وجه البسيطة ، والذي يؤلِّف أساس علم الأحياء.
إنّ للتدبّر في هذه الأُمور والأشياء نتائج مهمة ، ويمكن أن يكون منشأ لمعرفة سلسلة من المعارف والعلوم.
فماذا تهدف هذه الآية من دفعنا إلى التدبّر في هذا النظام البديع ؟
هل تهدف إلى أن نهتدي من التدبّر في هذا النظام البديع إلى مبدعه وصانعه ؟
أو أن نتعرّف على صفاته تعالى من هذا السبيل كالقدرة والعلم ؟
أمّ أنّ الهدف هو شيء ثالث وهو : أن نوحّده في العبادة بعد أن وقفنا على أنّه سبحانه هو خالق هذا النظام البديع وتعرفنا على مدى علمه ، فتكون هذه الآية في الحقيقة دعوة إلى
« التوحيد العبادي)).
هذه الاحتمالات الثلاثة ليست مطروحة في هذه الآية فحسب ، بل هي مطروحة ومحتملة في كل الآيات التي تشير إلى النظام الكوني والقدرة الإلهية الكبرى في عالم الطبيعة.
( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَفِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغشِي الَّليلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
هذه الآية تدعونا إلى التدبّر والنظر في أُمور معينة ، ومن المعلوم أنّ للتدبّر في هذه الأُمور نتائج مختلفة متنوعة :
وأمّا هذه الأُمور فهي :
كيف امتدت الأرض واتّسعت ؟
. كيف ولماذا وجدت الجبال والأنهار في الأرض ؟
. كيف خلقت الثمار أزواجاً ؟
كيف يختلف الليل والنهار ؟
إنّ التدبّر في هذه الأُمور كما يمكن أن يقودنا إلى معرفة وجود الله سبحانه ، كذلك يدلّنا على علم الله وقدرته ، وكذا على وحدانية مدبّر الكون أيضاً ، ذلك لأنّ وحدة النظام وترابط أجزائه يكشف عن حاكمية إرادة واحدة على عالم الكون ، ولو كان هناك آلهة متعدّدون لتعرض هذا النظام للفوضى والفساد والتبعثر ...
كما أنّ التعرف على مركز القدرة وصاحب التدبير الحقيقي من شأنّه أن يوقظ ضمائرنا ويدفعنا ـ بالتالي ـ إلى عبادة هذا الخالق الحقيقي والمدبّر الواقعي للكون دون سواه.
( وَفِي الأرض قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَاب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْض فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَومٍ يَعْقِلُونَ
هذه الآية تدعونا إلى التدبّر في الأُمور التالية :
الأرض رغم كونها متصلة ببعضها ، فإنّ قسماً منها صالح للزراعة ، وقسماً آخر غير صالح للزراعة ، منها الخصب ، ومنها الجدب ، فما هو السبب ؟
. في كثير من المزارع والبساتين توجد ثمار متنوعة ومختلفة ، من عناقيد العنب وأعذاق التمر ، وسنابل القمح إلى غير ذلك من ألوان الثمر والنباتات.
فلماذا ـ ترى ـ هذا التنوّع والاختلاف في الألوان ، والتراب واحد ، والماء واحد ، وأشعة الشمس تتساقط على الجميع بصورة متساوية ، والمنطقة واحدة ، والظروف كذلك واحدة ؟؟؟؟؟؟؟
رب ثمار بستان واحد تختلف فيما بينها في النوعية والجودة ، فلماذا ذلك ؟
إنّ التدبّر والنظر والتفكير في هذه الأُمور الثلاثة لا ريب تستتبع نتائج هامة ثلاث:
أ. أنّ هذه المشاهد الجميلة للبساتين التي تمثّل معرضاً طبيعياً لأجمل اللوحات تكشف ـ ولا ريب ـ عن وجود صانع وخالق رسم بريشته الخفية هذه النقوش الرائعة الجمال في صفحة هذه البساتين الزاهية المناظر.
ب. أنّ هذه المعارض الجميلة ذات النقوش المتناسقة تكشف ـ أيضاً ـ عن علم صانعها وقدرته المطلقة.
ج. أنّ صاحب هذه النقوش البالغة الروعة وهذه المعارض والمشاهد الجميلة هو الله فهو الذي أوجد هذه المعارض والنقوش ، فلماذا إذن لا نعبده وحده ، ولماذا نعبد سواه مما لا يكون لا خالقاً ولا مدبّراً.
إنّ الآيات التي تتضمن بيان النظام الكوني البديع والسنن الإلهية في عالمالطبيعة التي لا تقبل تحويلاً ، وتغيراً ، من الكثرة والوفور بحيث لا يمكن نقلها جميعاً في هذه الصفحات