وروى الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : (إذا كنت في صلاتك فعليك بالخشوع والإقبال على صلاتك، فإن الله تعالى يقول : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).
وعنه (ع) قال : (كان علي بن الحسين (ع) إذا قام في الصلاة تغير لونه، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً. وكان (ع) إذا قام في الصلاة، كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه إلا ما حركت الريح منه).
وعن أبي جعفر (ع) قال : (إن أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها. إن الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة، تقول : حفظتني حفظك الله. وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة، تقول : ضيعتني ضيعك الله).
وروى الفيض بن القاسم عن أبي عبدالله (ع) أنه قال (والله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة، وما قبل الله منه صلاة واحدة! فأي شيء أشد من هذا؟ والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم، ما قبلها منه، لاستخفافه بها. إن الله عز وجل لا يقبل إلا الحسن، فكيف يقبل ما يستخف منه).
وعن أبي الحسن الرضا (ع) أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول : (طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما تراه عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره).
وروى سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال : (ليس يعنى أكثركم عملاً، ولكن أصوبكم عملاً، وإنما الإصابة خشية الله تعالى، والنية الصادقة، ثم قال : الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل، والنية أفضل من العمل. ألا وإن النية هي العمل، ثم تلا قوله عز وجل : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) يعنى على نيته.
وبهذا الإسناد قال سألته عن قول الله عز وجل (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قال السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه، وقال : وكل قلب فيه شك أو شرك، فهو ساقط.
وإنما أراد بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة.
وعن أبان بن تغلب قال : كنت صليت خلف أبي عبد الله (ع) بالمزدلفة فلما انصرفت التفت إلي فقال : يا أبان، هذه الصلوات الخمس المفروضات، من أقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن، لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة، ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن، لقي الله ولا عهد له، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
والأخبار في ذلك كثيرة فلنقتصر على هذا القدر.
وأعلم أنه قد استفيد منها أن قبول الصلاة موقوف على الإقبال بالقلب عليها، والالتفات عما سوى الله فيها، وأن قبولها يوجب قبول ما سواها من الأعمال. وحينئذ فالاهتمام بهذه الصفة أمر مهم، والغفلة عنها خسارة عظيمة، وانحطاط قوي وغفلة رديه، حيث يدأب نفسه في الطاعة، ويقوم بها آناء الليل وأطراف النهار، ثم لا يجد بذلك ثمرة ولا يستفيد به فائدة : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاة ِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) خصوصاً إذا ضم إلى ذلك ما روي أن الصلاة إذا ردت رد سائر عمله كما أنها قبلت قبل سائر عمله.
فنسأل الله تعالى أن يمن علينا من فضله العميم بدوام الإقبال وقبول الأعمال.